الارتداد (أقسامه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الارتداد (توضيح) .
المشهور بين الفقهاء أنّ
الارتداد على نوعين:
فطري وملّي ،
بل الظاهر
الإجماع عليه.
وتدلّ عليه النصوص
المفصّلة بين الفطري والملّي كما سيأتي ذكرها.
ولكن استظهر
الشهيد الثاني من
ابن الجنيد أنّ الارتداد قسم واحد حيث لم يفصّل بينهما في الحكم وإنّما حكم بأنّه يستتاب، فإن تاب وإلّا قتل، ثمّ صرّح بأنّ المشهور بل المذهب هو التفصيل مع اختلافهما في الحكم.
وقد اتّفق الفقهاء على أنّ المرتد عن
الإسلام إن كان إسلامه مسبوقاً بالكفر أو ما بحكمه فهو الملّي، وإن كان غير مسبوق به بل قد فطر على الإسلام فهو الفطري، ولكنّهم اختلفوا في تحديد ما تتحقّق به الفطرة والملّة، والضابطة فيهما، والتفصيل فيما يلي:
المشهور بين المتقدّمين إلى زمان العلّامة التعبير عن المرتدّ الفطري بأنّه من ولد على الإسلام بأن كان أبواه أو أحدهما مسلماً حين
الولادة .قال
الشيخ المفيد : «من استحلّ
الميتة أو الدم أو لحم
الخنزير ممّن هو مولود على فطرة الإسلام فقد ارتدّ بذلك عن الدين...».
وقال
الشيخ الطوسي : «وأمّا المرتدّ عن الإسلام فعلى ضربين: فإن كان مسلماً ولد على فطرة الإسلام فقد بانت امرأته في الحال... وإن كان المرتدّ ممّن كان قد أسلم عن كفر ثمّ ارتدّ استتيب».
وقال
المحقّق الحلّي : «هو (المرتدّ)الذي يكفر بعد الإسلام، وله قسمان:
الأوّل: من ولد على الإسلام، وهذا لا يقبل إسلامه لو رجع... القسم الثاني: من أسلم عن كفر ثمّ ارتد، فهذا يستتاب».
وقال
العلّامة الحلّي: «والمرتد إمّا عن فطرة وهو المولود على الإسلام، فهذا يجب قتله ولا تقبل توبته... وإمّا عن غير فطرة وهو من أسلم عن كفر ثمّ ارتدّ...».
وظاهر هذه العبائر أنّ المدار في الفطري على زمان الولادة لا
الانعقاد .
ولكنّ العلّامة في موضع من
التذكرة ذكر أنّ المرتدّ الفطري من انعقد حال إسلام أحد
أبويه ،
وتبعه على ذلك أكثر من تأخّر عنه،
بل هو المعروف بين المتأخّرين.
قال العلّامة الحلّي: «جهة التبعيّة في الإسلام عندنا امور ثلاثة، فالنظر هنا في امور ثلاثة: الأوّل: إسلام الأبوين أو أحدهما، وذلك يقع على وجهين:
أحدهما: أن يكون الأبوان أو أحدهما مسلماً حال علوق
الولد ، فيحكم بإسلام الولد؛ لأنّه جزء من مسلم، فإن بلغ ووصف الإسلام فلا بحث، وإن أعرب عن نفسه بالكفر واعتقده حكم بارتداده عن فطرة، يقتل من غير توبة، ولو تاب لم يقبل توبته».
وقال
ابن فهد : «المرتد إمّا عن فطرة، ونعني به من علق به بعد إسلام أحد أبويه، أو عن ملّة، ونعني به من كان إسلامه بعد كفر، وإن كان بالتبعيّة كما لو أسلم أحد أبويه وهو حمل».
وقال الشهيد الثاني: «المرتدّ عن فطرة وهو الذي انعقد وأحد أبويه مسلم لا تقبل
توبته ظاهراً... والمرتدّ عن غير فطرة وهو الذي انعقد ولم يكن أحد أبويه مسلماً لا يقتل معجّلًا، بل يستتاب عن الذنب الذي ارتدّ بسببه».
بل صرّح العلّامة في التذكرة بأنّه لو انعقد حال كون أبويه كافرين ثمّ تجدّد إسلامهما أو أحدهما فبلغ وأظهر الكفر فهو مرتدّ عن ملّة؛ لسبق كفره على الحكم بإسلامه.
وظاهر هذه العبارات اعتبار الانعقاد في إسلام الولد وكون ارتداده عن فطرة.بل الظاهر منه أنّه إذا كان أحد أبويه مسلماً وقت انعقاد
نطفته فهو فطري وإن صار بعد ذلك كافراً.ولكنّه لا تساعد على ذلك عباراتهم في مباحث شتّى؛ فلذلك احتمل
السيد العاملي أن يكون المراد من إطلاق عباراتهم المتقدّمة أنّ أحد أبويه بقي على الإسلام من حين العلوق إلى أن بلغ.
ثمّ إنّ هؤلاء فسّروا الولادة في الروايات والفتاوى بالعلوق.
قال الشهيد الثاني: «... إن كان ولد على الفطرة الإسلاميّة بأن انعقد حال إسلام أحد أبويه...».
وقال أيضاً: «المشهور بين الأصحاب أنّ الارتداد على قسمين: فطري وملّي، فالأوّل: ارتداد من ولد على الإسلام بأن انعقد حال إسلام أحد أبويه...».
وقال المحقّق النجفي- بعد أن استغرب اختيار
السيد الجزائري في أنّ المدار على الولادة لا الانعقاد-: «ولعلّ منشأ الوهم النصوص المزبورة المراد منها أصل الخلقة، لا خصوص التولّد المذكور فيها المبني على غلبة
اتّحاد الولادة مع الانعقاد أو على غلبة تولّده بعد انعقاده فهو حينئذٍ وُلد حال الانعقاد ولو مجازاً».
وهل يعتبر مع ذلك كلّه وصف الإسلام بعد البلوغ في صدق المرتدّ الفطري أم لا؟فيه خلاف.
فذهب بعض الفقهاء إلى اعتبار وصف الإسلام بعد
البلوغ كالفاضل الاصفهاني والمحقّق النجفي وغيرهما.
بل صرّح جماعة- منهم الشيخ والمحقّق والعلّامة
في بعض كتبه- بأنّ من بلغ من ولد المسلمين فوصف الكفر يستتاب، فإن تاب وإلّا قتل فلم يجروا عليه حكم المرتدّ الفطري.
وهذا ظاهر في اعتبار وصف الإسلام بعد البلوغ حتى يكون الارتداد عن فطرة وبدون ذلك لم يكن المرتدّ فطريّاً؛ لأنّه مع منافاته لحقيقة
المرتد لغة ليس في نصوص المقام دلالة عليه حتى
الإطلاق ، بل
النصوص ظاهرة في الحكم بردّة من وصف الإسلام عن فطرة.حيث قال في وجه الظهور: إنّ إطلاق الرجل والمسلم في هذه الروايات ممّا لا يصدق على غير البالغ.
ولا دليل يدلّ على
الاكتفاء بالإسلام الحكمي، والأصل أيضاً عدم ثبوت أحكام الفطري، مضافاً إلى درء الحدّ بالشبهة
والاحتياط في
الدم .
بل قال
السيّد الحكيم بعدم إجراء حكم المرتدّ مطلقاً حتى عن ملّة عليه؛ لعدم تحقّق الإسلام حقيقة منه، ومجرّد كونه محكوماً بالإسلام حال الولادة لا يجدي في صدق الارتداد؛ لقصور دليل الإسلام الحكمي عن النظر إلى مثل ذلك، مع أنّه لو سلّم فاللازم
إجراء حكم المرتدّ الفطري.
وقال في
المنهاج أيضاً: «في اعتبار إسلامه بعد البلوغ قبل الكفر قولان».ولكن علّق عليه
الشهيد الصدر بقوله:«إن لم يكن القول بالاعتبار أقرب مطلقاً فهو أقرب بلحاظ ما يتميّز به الفطري عن الملّي في محلّ الكلام، وحاصل ذلك: أنّه مع عدم إسلامه بعد البلوغ يعتبر بحكم المرتدّ الملّي من حيث
الإرث ».
وفي قبالهم ذهب آخرون إلى عدم اعتبار وصف الإسلام بعد البلوغ، وأنّ الصحيح هو كفاية الإسلام التبعي في المرتدّ الفطري، ثمّ ناقشوا في القول باعتباره.
ويظهر ذلك أيضاً من الشهيد في
الدروس حيث أطلق كون الولد السابق على الارتداد مسلماً، ولازمه ذلك.
قال الشهيد الثاني: «وهذا (القول باعتبار وصف الإسلام بعد البلوغ) لا يوافق القواعد المتقدّمة من أنّ المنعقد حال إسلام أحد أبويه يكون ارتداده عن فطرة، ولا تقبل توبته».
وقال
السيد الگلبايگاني أيضاً: «وأمّا اعتبار بلوغه بوصف الإسلام... فليس لنا دليل على ذلك؛ فإنّ
الصبي المميّز يقبل إسلامه قبل بلوغه، فإذا ارتدّ بعد البلوغ فهو مرتدّ فطري إذا انعقدت نطفته والحال أنّ أبويه مسلمان أو أحدهما مسلم».
واستدلّ على عدم اعتبار وصف الإسلام بعد البلوغ بموثّقة
عمّار الساباطي عن
الصادق عليه السلام: «كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم نبوّته وكذّبه فإنّ دمه
مباح لمن سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه... وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه».
وصحيحة
الحسين بن سعيد عن
الإمام الرضا عليه السلام: في رجل ولد على الإسلام ثمّ كفر وأشرك وخرج عن الإسلام هل يستتاب؟ أو يقتل ولا يستتاب؟فكتب عليه السلام: «يقتل».
والخبران يدلّان على عدم اعتبار وصف الإسلام بعد البلوغ.
المرتدّ الملّي من أسلم عن كفر ثمّ ارتدّ،
وبعبارة اخرى هو من انعقد حال كون أبويه كافرين ثمّ أسلم ثمّ ارتدّ.
ذكر الشيخ جعفر كاشف الغطاء أنّه لا يحكم بفطريّة المرتدّ إلّا عن علم أو مأخذ شرعي، وبدون ذلك يحكم بالملّية.
وقال في موضع آخر: «ويبنى على الملّية مع
الشكّ في غير بلاد المسلمين، وفيها في وجه».
ووجهه نفي عنوان الفطريّة المشكوك بالأصل من
استصحاب موضوعي أو أصل حكمي مؤمّن؛ لأنّ فيه أثراً زائداً، ولا يعارض باستصحاب عدم كونه ملّياً؛ لعدم أثر زائد مترتّب على الملّية.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۳۸۰-۳۸۵.