فهذان النصّان يدلّان على البعد الاجتماعي والسياسي العام لهذه الفريضة ، وأنّ بها صلاح الامّة وتقدّمها.
إنّ جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كلّ فرد من أفراد المجتمع يفرض على الامّة رقابةً عليها من نفسها، ويجعل لكلّ فرد من أفرادها الحقّ في ممارسة دور الوازع و الناصح لها، ويجعل لكلّ مؤمن نحو ولاية على سائر المؤمنين في إطار الدعوة إلى المعروف و التحذير من المنكر،
ويمنحه شعوراًبالمسؤولية إزاءها، كما يجعل الامّة مسؤولة أمامه، وهو ما يؤدّي إلى ظهور الحقّ والمعروف، و انطماسالباطل والكفر، وشيوع القيم و ضمور الانحرافات في المجتمع، ممّا يدفعه إلى السير دوماً في حركة مضطردة نحو الصلاح و الفلاح و التكامل ، وهذا هو الهدف الذي رسمه الإسلام لها.
من هنا وردت النصوص الشرعيّة الكثيرة لتحثّ على هاتين الفريضتين وتحذّر من عدم العمل بهما، وترشد إلى ترتّب الآثار الحسنة على العمل بهما و السيّئة على تركهما، بل جعلت منهما المعلمالبارز للُامّة الإسلامية وعنواناً تمتاز بهما على الامم.
حيث مدح اللَّه المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما مدحهم بالإيمان به تعالى، وهذا يدلّ على مدى أهمّية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حيث اقترانهما بالإيمان باللَّه سبحانه.
قال: «لا تزال امّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البرّ و التقوى ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء ».
رواية عبد اللَّه بن محمّد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام : «أنّ رجلًا من خثعم جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللَّه أخبرني ما أفضل الإسلام؟ قال: الإيمان باللَّه، قال: ثمّ ماذا؟ قال: صلة الرحم ، قال: ثمّ ماذا؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: فقال الرجل: فأخبرني أيّ الأعمال أبغض إلى اللَّه؟ قال: الشرك باللَّه، قال: ثمّ ماذا؟ قال: ثمّ قطيعة الرحم ، قال: ثمّ ماذا؟ قال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف».
قال في حديث جابر : «أوحى اللَّه إلى شعيب النبيّ عليه السلام إنّي معذّب من قومك مئة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم، وستّين ألفاً من خيارهم، فقال عليه السلام: يا ربّ، هؤلاء الأشرار ، فما بال الأخيار ؟ فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه: داهنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي».
وكذا يدرك العقل أيضاً أهمّية هاتين الفريضتين، فإنّهما تساعدان على تعاون الناس على الخير و التعاضد في الامور الراجحة وترك الامور المرجوحة؛ لهذا نجد عقلاء العالم من كلّ الأديان يدعون إلى هذه الفريضة كلٌ حسب اعتقاده، وإذا اختلفوا فيختلفون في تحديدمصداق الحسن والقبح أو المعروف و المنكر ، فالعقل و البناء العقلائيمرشدان واضحان إلى أهمّية هذه الفريضة في حياةالبشر ؛ ولذلك يرى بعض الفقهاء أنّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوب عقلي كما سيأتي.