صلة الرحم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي
زيارة الأرحام والاقرباء.
وهي صلة الأقرباء والأرحام التي أمرت
الشريعة المقدّسة
كتاباً وسنّةً بصلتها ونهت عن قطعها، فقد تظافرت الآيات والروايات بذلك، وإليك بعضها:
فقوله تعالى: «وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ».
وقوله تعالى: «وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ».
وقوله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ• أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ».
وقوله تعالى: «وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ».
وقريب منها آية اخرى.
۱- فما رواه
عبد اللَّه بن محمّد عن
الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ رجلًا من خثعم جاء إلى
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللَّه أخبرني ما أفضل
الإسلام ؟ قال:
الإيمان باللَّه، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: صلة الرحم، قال: ثمّ ما ذا؟ قال:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال: فقال الرجل: فأخبرني أيّ الأعمال أبغض إلى اللَّه عزّ وجلّ؟ قال:
الشرك باللَّه، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: ثمّ قطيعة الرحم...».
۲- وما رواه
أبو عبيدة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «في كتاب
علي عليه السلام ثلاث خصال لا يموت
صاحبهنّ أبداً حتى يرى وبالهنّ:
البغي ، وقطيعة الرحم،
واليمين الكاذبة يبارز اللَّه بها، وإنّ أعجل
الطاعة ثواباً لصلة الرحم...».
۳- وما رواه
أبو حمزة الثمالي عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في احدى خطبه: «أعوذ باللَّه من
الذنوب التي تعجل
الفناء »، فقام إليه
عبد اللَّه بن الكوّاء اليشكري فقال: يا
أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال: «نعم، ويلك قطيعة الرحم، إنّ أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم فجرة فيرزقهم اللَّه، وإنّ
أهل البيت ليتفرّقون ويقطع بعضهم بعضاً فيحرمهم اللَّه وهم أتقياء».
۴- وما روي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «... إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلق الجنّة وطيّبها وطيّب ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريحها
عاق ولا قاطع رحم».
۵- وما روي عنه عليه السلام أيضاً قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ في الجنّة درجة لا يبلغها إلّا
إمام عادل أو ذو رحم وصول، أو ذو عيال صبور».
۶- وعنه عليه السلام في حديث طويل:
«... وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في
كتاب اللَّه عزّ وجلّ في ثلاثة مواضع...».
إلى غير ذلك من الروايات، وقد استفاد منها
الفقهاء حرمة قطع الرحم ووجوب صلته.
وفي صلة الرحم حِكم جليلة وفوائد كثيرة أرشدت إليها النصوص الشريفة، فإنّها منسأة في الأجل ومحببة في
الأهل ومزيدة في العمر ومدفعة
للبلاء وميسرة للحساب وموسعة للرزق ومزكاة للعمل.
وممّا ورد في ذلك:
۱- ما رواه
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من سرّه النساء في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه».
۲- وما رواه
محمّد بن عبيد اللَّه عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها اللَّه ثلاثين سنة، ويفعل اللَّه ما يشاء».
۳- وما رواه
أبو حمزة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «صلة الأرحام تزكّي الأعمال، وتنمي
الأموال وتدفع البلوى وتيسّر الحساب وتنسئ في
الأجل ».
هذا مضافاً إلى ما فيها من نيل رضى اللَّه تبارك وتعالى واستحقاق ثوابه، فإنّه قد ورد: «أنّ الرحم متعلّقة
يوم القيامة بالعرش تقول: اللهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني»،
و «أنّ أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم».
وغير ذلك ممّا تكفّلت به كتب الأخلاق والسيرة.
صلة الرحم في الجملة من الواجبات الثابتة نصّاً
وإجماعاً ،
وقطيعتها محرّمة، بل عدّت من
الكبائر ،
ومن الذنوب المؤدّية للفسق، فلا يجوز
الصلاة خلف قاطع رحم ولا
تقليده أو غير ذلك ممّا يشترط فيه العدالة.
وممّا دلّ على ذلك ما في
التهذيب في الصحيح عن
عمر بن يزيد : سأل
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن إمام لا بأس به في جميع أمره عارف، غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال: «لا تقرأ خلفه ما لم يكن
عاقّاً قاطعاً»،
أي للرحم، فإنّ فيها دلالة على أنّ قطع الرحم
والعقو ق مانع
وفسق .
إلّا أنّ القدر الواجب منها هو المخرج عن اسم القطيعة، وما زاد على ذلك فهو مستحب.
من هنا يكون الكلام فيما تتحقّق به الصلة وعدمه.
صلة الرحم هي برّه والإحسان إليه، وذلك من الامور العرفية، فيرجع فيها إلى العرف، فتصدق بكلّ ما يسمّى
برّاً وإحساناً عرفاً ولو بالسلام
والزيارة وما شابه ذلك. نعم، تكون أعظم إذا كانت بالمال أو
بالنفس أو بدفع
الضرر أو بجلب النفع وما إلى ذلك، كما صرّحت بذلك الروايات:
۱- ما رواه
أبو بصير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام:
صلوا أرحامكم ولو بالتسليم، إنّ اللَّه تبارك وتعالى يقول: «وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً»
».
۲- وما رواه
إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا
أبي عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إنّ صلة الرحم والبرّ ليهوّنان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم وبرّوا
بإخوانكم ولو بحسن السلام وردّ الجواب».
۳- وما رواه ابن
أبي نصر عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «قال
أبو عبد اللَّه عليه السلام: صل رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كفّ الأذى عنها...».
قال
الشهيد الأوّل : «وأعظم الصلة ما كان بالنفس، وفيه أخبار كثيرة، ثمّ بدفع الضرر عنها، ثمّ بجلب النفع إليها، ثمّ بصلة من يحبّ وإن لم يكن رحماً للواصل،
كزوجة الأب والأخ ومولاه ، وأدناها السلام بنفسه ثمّ برسوله
والدعاء بظهر الغيب والثناء في المحضر».
وفي
التحفة السنيّة : «وصلته الرحم برّه والإحسان إليه بالتزاور وحسن اللقاء والتعاون والمواساة، وكلّ ما قدر عليه من الخيرات ولو بالسلام».
وقد ذهب بعض
الفقهاء إلى وجوب الصلة بالمال فيما إذا كان الرحم محتاجاً بحيث لا تندفع حاجته بدونها؛ لعدم تحقّق الصلة بدون ذلك عرفاً.
قال
الشهيد الثاني معلّقاً على عبارة
الشرائع : (وتستحبّ
العطيّة لذي الرحم) :
«إنّما تستحبّ عطيّة الرحم حيث لا يكون محتاجاً إليها بحيث لا تندفع حاجته بدونها وإلّا وجبت كفايةً إن تحقّقت صلة الرحم بدونها وإلّا وجبت عيناً؛ لأنّ صلة الرحم واجبة عيناً على رحمه، وليس المراد منها مجرّد
الاجتماع البدني ، بل ما يصدق معه الصلة عرفاً، وقد يتوقّف ذلك على المعونة بالمال حيث يكون الرحم محتاجاً والآخر غنيّاً لا يضرّه بذل ذلك القدر الموصول به، بل قد يتحقّق الصلة بذلك وإن لم يسع إليه بنفسه، كما أنّ السعي إلى زيارته بنفسه غير كافٍ فيها مع الحاجة على الوجه المذكور».
وقال
المحقّق السبزواري : «يجب العطيّة لذي الرحم إذا كان محتاجاً لا يتحقّق صلة الرحم بدونها عيناً، وكفايةً إن تحقّقت الصلة بدونها، ويستحبّ في غير ما ذكر، ويتأكّد في
الوالد والولد ».
وقال
السيد اليزدي : «بل قد تجب الصلة بالمال كما إذا كان الرحم محتاجاً وكان تركها موجباً لدخوله في عنوان قطع الرحم».
ولم يتعرّض باقي
الفقهاء لهذه المسألة، إلّا أنّهم أطلقوا استحباب العطيّة لذوي الأرحام وتأكيده في الولد والوالد، إلّا أنّ ذلك لا يستفاد منه عدم وجوبها في الصورة المذكورة، أي مع فقر الرحم وحاجته وغنى الآخر وعدم تضرّره ببذل ذلك المقدار؛ بحيث يعدّ تركها موجباً لدخوله في عنوان قطع الرحم عرفاً.
نعم، استشكل فيه
المحقّق النجفي فيما لو لم يكن المورد من موارد وجوب
الإنفاق ؛ لمنافاته للُاصول، وعدم عدادهم له في الواجبات، وعدم بيان مقداره وغير ذلك، ثمّ قال: «اللهمّ إلّا أن يفرض تحقّق قطع الرحم بدونه وقلنا بحرمته بالنسبة إلى ذلك، وهو كما ترى».
ومراده من موارد وجوب الإنفاق الإنفاق على العمودين- أي
الآباء والأبناء - مع فقرهما، فإنّه يجب حينئذٍ.
وقال
الشهيد الأوّل : «لا ريب أنّه مع فقر بعض الأرحام- وهم العمودان- تجب الصلة بالمال، ويستحبّ لباقي الأقارب، ويتأكّد في الوارث وهو قدر النفقة، ومع الغنى
فبالهديّة في بعض الأحيان بنفسه أو رسوله».
لكن ذلك في العمودين من باب وجوب النفقة وهو ممّا لا شكّ فيه، ودليله الروايات والإجماع كما ستعرف في عنوان
نفقة الأرحام . وإنّما الكلام هنا ينبغي أن يكون في غير العمودين من الأرحام.
وإن شئت قلت: إنّه لا إشكال في وجوب الصلة بالمال بالنسبة إلى العمودين مع فقرهما، وإنّما الكلام في باقي الأرحام، وفيه الخلاف المتقدّم.
الظاهر أنّه لا شكّ في وجوب صلة
الأبوين وإن كانا
كافرين ؛ لقوله تعالى:
«وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً».
والغالب التعبير عن صلة الأبوين
والإحسان إليهما
بالبرّ ، وفي غيرهما من
الأقارب بالصلة.
إنّما الكلام في غير الأبوين من الأقارب، ولم يتعرّض
الفقهاء لذلك بشكل مستقلّ إلّا أنّه يمكن الاستفادة من كلماتهم في الوقف أو
الوصية أو
الهبة ، فإنّ لهم في
الوقف على
الكافر قولين مشهورين:
الجواز مطلقاً والتفصيل بين الرحم وغيره؛ لأنّه من الصلة، وكلاهما يشتركان في الرحم ويختلفان في غيره، وحيث إنّ الوقف والهبة ونحوهما من الصلة نستفيد جواز صلة الرحم الكافر بل استحبابه، خصوصاً على القول الثاني كما هو واضح.
نعم، هناك قول بالمنع مطلقاً. هذا في
الذمّي .
وأمّا
الحربي فالمشهور عدم جواز ذلك عليه، وهناك قول بالجواز مطلقاً أيضاً.
بما أنّ قطيعة الرحم محرّمة ومرجوحة فلازم ذلك
عدم انعقاد
اليمين أو
النذر أو
العهد أو ما شابه ذلك إذا تعلّق بقطيعة الرحم، كما لو حلف أو نذر أن يقطع رحمه؛ لأنّ هذه الامور يشترط في انعقادها أن يكون متعلّقها راجحاً وأن لا يكون مرجوحاً.
من هنا نصّ بعض
الفقهاء - كما ورد في بعض الأخبار
- أنّه لا يمين في قطيعة الرحم.
وكذا
الدعاء في قطيعة الرحم مرجوح،
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۴۳۵-۴۴۱