أهمية الفقه الإسلامي في الآیات و الروایات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اهمیة الفقه الاسلامی في سیاق الآیات و الروایات: اذا کنّا عبیداً للباری تعالی وکان
اللَّه هو المولی، واردنا التحرّک في واقع
الحیاة من موقع التسلیم لاوامر المولی کما هو المطلوب من
العبد،فيجب اوّلًا: معرفة
الحلال و
الحرام واوامر
اللَّه تعالی ونواهیه، ثانیاً: ان نتحرّک علی مستوی تجسید هذه المعرفة في
الواقع العملی، وقد وردت
آيات و
روايات كثيرة تبين لنا أهمية
الفقه الاسللامي.
اذا کنّا عبیداً للباری تعالی وکان اللَّه هو المولی، واردنا التحرّک في واقع الحیاة من موقع التسلیم لاوامر المولی کما هو المطلوب من العبد، واردنا الصعود في مدارج الرقیّ والکمال المعنوی بتطبیق ارادة اللَّه علی مستوی الممارسة العملیة في جمیع الابعاد والشؤون المختلفة في حرکة الحیاة، فيجب اوّلًا: معرفة الحلال والحرام واوامر اللَّه تعالی ونواهیه، ثانیاً: ان نتحرّک علی مستوی تجسید هذه المعرفة في الواقع العملی، ومن الواضح انّ ما یحقّق لنا هذا الغرض هو «الفقه». الفقه المقتبس والمستوحی من الآیات او الروایات و
سنّة الرسول الکریم (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) او مستوحاة من روایات و
سیرةورثة النبیّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) هؤلاء الورثة الصادقون الذین قرّروا انّ جمیع روایاتهم مستقاة من میراث ذلک النبیّ الکریم (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) وانّ جمیع کلماتهم وتعالیمهم مستوحاة من سنّة ذلک النبیّ الکریم صلی الله علیه و آله.(یقول
الامام الباقر (علیهالسّلام) في خطابه لجابر: «یا جابر لو کنّا نُفتی النّاس براینا وهَوانا لکُنّا من الهالکین ولکنّا نُفتیهم بآثار من رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) واصول عِلمٍ عندنا نَتَوارثها کابِراً عن کابِر، نکنِزُها کما یَکنِز هؤلاء ذَهبَهم وفِضَّتَهم)
واذا کانت
الغایة من خلق
الانسان هی معرفة
اللَّه في المرتبة الاولی: «انّ اللَّه عزّوجلّ ما خَلَق العِبادَ الّا لِیَعرِفوه...»
وفي المرتبة الثانیة التوجّه نحو التحرّک فيخطّ
العبودیة و
الطاعة و
الخضوع «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنسَ اِلَّا لِیَعْبُدُونِ»
ومن خلال الاذعان لعبودیته والسیر في طریق الطاعة والعبادة یتخلّص الانسان من عبادة وعبودیة غیر اللَّه تعالی:«... فاذا عَرَفوهُ عَبَدوه فاذا عَبَدوه استَغْنَوا بِعبادَتِه عن عِبادةِ مَن سِواه»
واذا کانت العبادة والعبودیة بمثابة منهج عمل في حیاة
الانسان یعجز
العقل عن تنظیمها وترتیبها للانسان ولا یستطیع سوی
خالق الانسان والعالم بمصالحه ومفاسده من وضع القوانین و
المقرّرات العملیة، اذا کانت کلّ هذه الامور مقبولة، فينبغی ان نعلم انّ الفقه لیس شیئاً غیر بیان منهج العبودیة والطاعة للباری تعالی. وهو المنهج السماوی الذی وصل الینا بواسطة انبیاء اللَّه ورسله، والذی قام
علماء الاسلام بتنظیمه وتدوینه من خلال التحقیق والتدبّر في الآیات القرآنیة ومطالعة سنّة وسیرة الرسول الاکرم (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) واوصیائه الطاهرین، هذا المنهج الالهی هو الحقیقة التی تجلّت في کلام الامام
علیّ بن موسی الرضا (علیهالسّلام) عندما سئل عن علّة وجوب معرفة الانبیاء و
الایمان بهم ووجوب طاعتهم، فقال في جوابه:«لانَّهُ لمّا لَم یَکُنْ في خلقِهم وقولِهم وقِواهُم ما یکملون لمَصالِحهم وکان الصانِعُ مُتَعالیاً عن ان یُری، وکان ضَعفُهم وعَجزُهم عن ادراکه ظاهراً، لم یَکُن بُدٌّ مِن رَسولٍ بینَه وبینَهُم
مَعصوم یؤدِّی الیهم امْرَه ونَهْیَه وادبَه ویَقِفُهم علی ما یکون به احرازُ مَنافِعهم ودَفعُ مَضارّهم اذ لم یَکُن في خلقِهم ما یعرِفون به مایَحتاجون الیه من مَنافعِهم ومَضارّهم».
الواقع انّ الغایة الاسمی من «
الفقه» وفلسفة جعل
الاحکام الشرعیة و
المسائل الفقهیة، هی الوصول الی مرتبة عبودیة الحقّ تعالی: «کفي بالمَرءِ فِقْهاً اذا عَبدَ اللَّه»
هذه العبودیّة التی لا تعنی سوی السیر في خطّ طاعةاللَّه تعالی والعمل بالواجبات والابتعاد عنالمحرّمات«افضَلُ الفِقْه
الوَرَعُ في دینِ اللَّه والعَملُ بِطاعتِه».
انّ تحقیق حالة العبودیة للَّه تعالی في واقع الانسان لا تتیسّر بدون الابتعاد عن القبائح والرذائل واجتناب حالات الکبر والغرور والریاء، وتثبیت التوحید والاخلاص في واقع العمل والممارسة، ومن هنا کان کتاب «
الصلاة» الذی یمثّل اصلًا مهمّاً في الفقه قد ضمن للانسان الابتعاد عن القبائح والمنکرات: «اِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَ
الْمُنْکَرِ»
وضمن له انقاذه من حالة الکبر والغرور «فَجَعَلَ اللَّهُ... الصَّلاةَ تَنزِیهاً لکُم عن الکِبْر»
وکتاب «الصیام» الذی یمثّل قسماً مهمّاً آخر من «الفقه» یکرّس في الانسان حالة الابتعاد عن
الریاء ویعمّق فيه الاخلاص والعبودیة في مقام العمل«... والصِّیامَ تثبیتاً للاخلاصِ».
(ولمّا کانت العبودیة للحقّ تعالی لا تتیسّر بدون انذار وتوقّی الذنوب والمحرّمات، فانّ «
التفقّه في الدّین» یمکنه ان یمهّد الارضیة اللازمة ل «انذار الناس» وبالتالی یثیر فيهم «الحذر» في مقابل المحرّمات الالهیّة: «فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا في الدِّینِ وَلِیُنذِرُوا قَوْمَهُمْ اِذَا رَجَعُوا اِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ»
ومن الواضح انّ الحذر والتنبّه في مقابل المحرّمات والحدود الالهیّة لا یتیسّر بدون معرفة المحرّمات ذاتها والتی یتکفّل «الفقه» بیانها، کما انّ «الرضوان» الالهی الذی یعدّ نهایة آمال العارفين «وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ اَکْبَرُ»
لا یتیسّر بدون تحقیق عنصر «الخشیة» من اللَّه في واقع الانسان وروحه «رَّضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِکَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ» والخشیة من اللَّه تعالی لا تتحقّق بدون کسب المعارف اللازمة عن المبدا والمعاد، وایضاً بدون معرفة الاوامر والنواهی الصادرة من قِبل الحقّ تعالی: «اِنَّمَا یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»
.
اذا کان للحرم الالهی حدود معینة کما في سائر موارد الحرم، فانّ احکام
الحلال و
الحرام التی یبیّنها الفقه تعدّ حدوداً الهیّة لهذا الحریم المقدّس، واذا اراد الانسان معرفة
الحدود الالهیّة والتعرّف علی «الخطوط الحمراء» والنواهی الالهیّة فيجب علیه تعلّم «الفقه».واللافت للنظر انّ
القرآن الکریم في العدید من الآیات بعد ان یتحدّث عن الاحکام المتعلّقة بابواب من قبیل
الصیام.
، الارث
،الجهاد
والظهار
، فانّه یذکر عبارتین في هذا الصدد. الاولی: «تِلْکَ حُدُودُ اللَّهِ»
؛ ای انّ ما ذکرناه من الاحکام هی حدود الهیّة، والاخری التهدید لمن یتعدّی ویتجاوز هذه الحدود والخطوط الحمراء انّ عاقبته هی الخلود في نار جهنّم لانّه یمثّل الظلم «وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»
«وَمَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فيهَا»
.وقد ورد التعبیر ب «الحدّ» للاحکام الالهیّة في روایة عن الامام الصادق (علیهالسّلام) حیث یقول: «انّ اللَّه تَبارَک وتَعالی لَم یَدَع شَیئاً تَحتاجُ الیه الامَّةُ الّا انزَلَه في کتابهِ وبَیَّنهُ لِرَسولِه وجَعَل لِکُلِّ شَیءٍ حَدّاً وجَعَل علیه دَلیلًا یَدُلُّ علیه وجَعَل علی مَن تَعدّی ذلِک الحَدّ حَدّاً».
نظراً لما تقدّم آنفاً من انّ «الفقه» عبارة عن منهج
حیاة للناس یتضمّن في طیّاته ابعاد حیاة الانسان الشخصیة والاجتماعیة والسیاسیة المختلفة، فانّنا نری انّ الفقه یحظی باهمیّة کبیرة في الروایات الشریفة بما یمثّله من علم بالمسائل الشرعیة واحکام الحلال والحرام، ومن ذلک:
ا) ما ورد في بعض الروایات انّ «الفقه» یمثّل «
عمود الدین: »«انّ لِکُلِّ شَیءٍ دِعامةً ودِعامةُ هذا الدِّین الفِقه»
و«اَفْضَلُ العِبادَةِ الفِقهُ»
و«ما عُبِد اللَّه تعالی بشَیءٍ افْضَل مِن الفِقه في الدّین»
فانّ التعبیر «بالفقه» في مثل هذه الموارد او بقرینة الروایات التی ورد فيها التعبیر بالحلال الحرام «و هَل یسال النّاسُ عن شَیءٍ افضَل من الحَلال والحَرام»
فانّ هذاالمعنی یختصّ ب
الاحکام الفرعیة او یراد به معنیً عامّاً بحیث یشمل
الاحکام الدینیة الفرعیة ایضاً.
ب) ورد في روایات اخری انّ الفقه والبصیرة في الدین التی تشمل البصیرة في امور الحلال والحرام، قطعاً یمثّل الخیر الذی یهبه اللَّه تعالی لعبده
«اذا ارادَ اللَّهُ بعَبدٍ خَیراً فقَّهَه في الدّین».
ج) ورد في بعض الروایات انّ تعلّم «مَعالِم الحَلالِ والحَرام»»یعدّ فریضة علی کلّ مسلم، حیث یجب علیه اکتسابه من اهله، هذه
الفریضة التی یعتبر تعلیمها في سبیل اللَّه «حسنة» وطلب هذا
العلم«عبادة» والبحث والمذاکرة فيه «
تسبیح» والعمل به «جهاد» وتعلیمه من لا یعلمه «
صدقة» وبذله لاهله «تقرّب الی اللَّه» وهو قول الرسول الاکرم صلی الله علیه و آله: «طَلَبُ العِلْمِ فرِیضَةٌ علی کُلِّ مُسلمٍ فاطْلُبوا العِلمَ مِن مَظانِّه واقتَبِسوه من اهله فَانّ تَعلُّمَه للّهِ حَسَنةٌ وطَلَبَه عِبادَةٌ والمُذاکرَةَ بهِ تَسبیحٌ والعَملَ بِه جِهادٌ وتَعلیمَهُ مَن لا یَعلَمُه صَدَقةٌ وبَذْلَه لاهلِهِ قُربةٌ الی اللَّه تعالی، لانّه معالِمُ الحَلال والحَرام وَمنارُ سُبُلِ الجَنّةِ».
ویشیر التعلیل بقوله «لانَّهُ مَعالِمُ الحَلالِ والحَرام...» الی
الاحکام الفقهیة في الاصطلاح.
د) وقد ورد في روایات اخری انّ الانسان غیر المبالی بتعلّم الفقه واحکام الحلال والحرام یستحقّ
التادیب.(لو اتیت بشاب من شباب الشیعة لا یتفقّه لادّبته» عن
الامام الباقر و
الامام الصادق علیهما السلام).
ه) وجاء في روایة عن الامام الصادق (علیهالسّلام) عن رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) انّه قال: «افٍّ لکُلِّ مُسلمٍ لا یَجعَل في کُلِّ جُمُعةٍ یَوماً یتَفقَّهُ فيهِ امْرَ دِینه، ویَسال عن دِینه».
و) ونقرا في روایة اخری عن
زرارة و
محمّد بن مسلم وبرید قالوا: قال رجل لابی عبداللَّه (الامام الصادق علیه السلام): انّ لی ابناً قد احبّ ان یسالک عن حلال وحرام لا یسالک عمّا لا یعنیه، قال: فقال علیه السلام: «وهل یَسالُ النّاسُ عن شَیءٍ افضَل من الحَلالِ والحَرام».
ز) ورد في بعض الروایات انّ من لم یهتمّ بتعلّم المسائل الفقهیة، فهو بمنزلة
اعراب الجاهلیة «تفقَّهوا في الحلالِ والحَرامِ والّا فانْتُم اعرابٌ»
وبمثابة جفاة
الجاهلیة «لا تَکونُوا کَجُفاةِ الجاهِلیّةِ لا في الدّین یَتَفَقَّهونَ ولا مِن اللَّه یَعقِلون».
ح) وردت عبارات ملفتة للنظر في الروایات الشریفة فيما یتّصل ب «الفقیه» (ای صاحب البصیرة في الدین الذی یتضمّن قطعاً معرفة الحلال والحرام والحدود الالهیة) نکتفي بذکر بعضها:
۱. «اذا ماتَ
المُؤمِنُ الفَقِیهُ ثُلِمَ في الاسلامِ ثُلْمَةٌ لا یَسُدُّها شَیءٌ».
۲. «انّ المُؤمِنین
الفُقهاءَ حُصونُ الاسلامِ کَحِصْنِ سُورِ المدینةِ لَها».
۳. «
فَقیهٌ واحِدٌ اشَدُّ علی ابلیسَ من الفِ عابدٍ».
۴. «ما مِن احدٍ یَموتُ مِن المُؤمنین احَبُّ الی
ابلِیسَ مِن مَوتِ فقیهٍ».
۵. «الفُقَهاءُ قادَةٌ والجُلوسُ الیهِم عِبادَةٌ».
نحن لا ننکر انّ کلمة الفقه في اللغة لها معنیً عامّ یشمل جمیع المعارف والاحکام الدینیة، ولکن من المعلوم قطعاً انّ قسماً مهمّاً منها بالفقه المصطلح، مضافاً الی انّ بعض الروایات صرّحت بالاحکام التی تتصل بالحلال والحرام.
ط) ومن جملة الروایات التی تحدّثت عن الاهمیّة الکبیرة للفقه واحکام الحلال والحرام، هی الروایات التی تدعو المؤمنین لحفظ الاحادیث الفقهیة من قبیل الروایة التی تقول:«حَدیثٌ في حَلالٍ وحَرامٍ تاخُذُه مِن صادقٍ خیرٌ من الدُّنیا وما فيها من ذهَبٍ او فِضَّة»
والروایات ربّما تصل الی حدّ التواتر في مورد حفظ اربعین حدیثاً، ورد في بعضها بصراحة الکلام عن حفظ اربعین حدیثاً فيما یتّصل بالحلال والحرام، کالروایة التی وردت عن الامام الصادق (علیهالسّلام) حیث یقول: «مَن حَفِظ عنّی اربعینَ حَدِیثاً من احادِیثنا في الحَلال والحرامِ بعثَهُ اللَّهُ یومَ القِیامَةِ فَقیهاً عالِماً ولم یُعَذِّبْهُ».
وخاصّة الروایة التی یرویها الامام الصادق (علیهالسّلام) عن آبائه الطاهرین عن علی (علیهالسّلام) عن رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) حیث ورد فيها:«مَن حَفِظ مِن اُمّتی اربعینَ حَدِیثاً یَطلُب بذلِک وَجْهَ اللَّهِ عزّوجَلّ والدارَ الآخِرةَ، حَشرهُ اللَّهُ یومَ القِیامةِ مَع النبیِّینَ والصِّدِّیقین والشُّهداءِ والصّالحین وحَسُنَ اُولئِک رفقاً»
وعندما سال
امیر المؤمنین علیّ (علیهالسّلام) رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) عن محتوی هذه
الاحادیث فذکر له رسول اللَّه بعد الایمان باللَّه و
التوحید مسائل تتعلّق في الغالب بالاحکام الفرعیة ومسائل الحلال والحرام.
بالرغم من انّ اسمی واهمّ قسم من اقسام الدین یتمثّل في المسائل العقائدیة، ای الایمان
بالمبدا و
المعاد ورسالة الرسول الاکرم صلی الله علیه و آله، ومن بین النظم الثلاثة للدین: العقیدة والاخلاق والتشریع، فانّ نظام العقائد یشکّل المحور لمجمل قضایا الدین، ولا شکّ في انّ تثبیت وتقویة عنصر العقیدة یرتبط بشکل وثیق بالالتزام بالنظامین الآخرین، الاخلاقی والتشریعی، ودور «الفقه» هو ضمان
النظام التشریعی.
وببیان آخر: بالرغم من انّ «الفقه» لا یمثّل مرآة تنعکس علیها جمیع قضایا الدین، بل یاخذ علی عاتقه بیان الشرائع والاحکام والمقرّرات، ولکنّ الارکان الثلاثة للدین تشکّل فيما بینها حقیقة واحدة مترابطة بشکل منظّم بحیث انّ الاخلال بواحدةٍ منها یؤدّی الی الاخلال بالرکنین الآخرین. علی هذا الاساس یتبیّن:
ا) انّ القرآن الکریم قد صرّح بانّ فلسفة بعض الاحکام الفقهیة هی الابتعاد عن الفحشاء والمنکر واصلاح النظام الاخلاقی «اِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ
ویقرّر امیرالمؤمنین علیّ بن ابی طالب (علیهالسّلام) انّ الهدف النهائی «للفقه» اصلاح النظام الاخلاقی ایضاً «فَرَض اللَّه... الصَّلاة تَنزِیهاً عن الکِبْر... والصِّیامَ ابتلاءً لاخلاصِ الخَلْق... والامرَ بالمعروفِ مصلحةً للعَوامِّ والنَّهیَ عن المُنکرِ رَدْعاً للسُّفهاءِ... واقامَةَ الحُدودِ اعظاماً للمَحارِم، وتَرْکَ شُربِ
الخَمْرِ تَحصِیناً للعَقلِ ومُجانَبةَ
السّرقةِ ایجاباً للعفّة...».
ب) انّ القرآن الکریم یقرّر انّ العمل الصالح، الذی یتحقّق من خلال العلم بالفقه والعمل به مع اقترانه باخلاص النیّة، یؤدّی الی تقویة وترشید الایمان والعقیدة في واقع الانسان، «اِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ»
. وعلیه فانّ الضمیر في «یرفعه» یعود الی«الکلم الطیّب» (کما ذهب الی ذلک جماعة من المفسّرین
وعلی هذا الاساس فانّ المقصود ب«الکلم الطیّب» هو الایمان والعقائد القلبیة التی تتکامل وتسمو وتشتدّ باقترانها بالعمل الصالح.
وقد ورد في روایة عن الامام الصادق (علیهالسّلام) او الامام الباقر علیه السلام: «مَن قال: لا اله الّااللَّه فَلَن یَلِجَ مَلکوتَ السَّماء حتّی یُتِمَّ قولَه بعَملٍ صالِح».
ومن الممکن ان تکون هذه الروایة وتلک الآیة اشعاراً بهذه الحقیقة، وهی انّ الادوات والعناصر الباطنیة للایمان و
المعرفة و
الشعور الفطری في الانسان ربّما تصطدم بموانع ویتراکم علیها غبار النوازع الدنیویة وبالتالی تضعف قوّتها او تدفن تماماً تحت انقاض هذه النوازع والاهواء: «وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا» وتتجمّد عن العمل، ولذلک فانّها تحتاج الی عنصری العمل والاخلاق لتامین عنصر «العمل الصالح» الذی یظهر بقالب «التقوی» کما یستفاد ذلک منهاتین الآیتین: «اِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَّکُمْ فُرْقَاناً»
و «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَیُعَلِّمُکُمْ اللَّهُ»
فالتقوی سبب لزیادة قدرة الانسان علی تشخیص الحقّ من الباطل وزیادة العلم المفيد.
وببیان آخر: بالرغم من ۱. انّ
النظام الاعتقادی یمثّل المحور الاصلی في منظومة
الدین المتشکّلة من ثلاثة انظمة: عقائدیة، اخلاقیة، تشریعیة. ۲. انّ النظام الاعتقادی نفسه یملک في باطنه محوراً اساسیاً وهو الایمان
بالغیب. ۳. والایمان بالغیب هو في الحقیقة ایمان بالحقائق الماورائیة الخفية بسبب لطافتها، ولذلک فهی بعیدة عن دائرة الاحساس والادراک المعروف لدی البشر، ولا یمکن التوصّل الیها والاتّصال بها الّابادوات خاصّة مغروسة في وجدان الانسان، ای انّ الانسان یکشفها بادوات الشعور الباطنی والفطری (ولعلّه لهذا السبب فانّ المطلوب من الانسان هو الایمان بتلک الحقائق لا مجرّد العلم والمعرفة بها، ولذلک ورد التعبیر ب «الَّذِیْنَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ»لا «الذین یعلمون الغَیب»)ولا شکّ في انّ هذه الادوات والعناصر الباطنیة تصطدم احیاناً ببعض الموانع، وینبغی علی الانسان، لتفعیل هذه العناصر وازالة تلک الموانع، الاستفادة من النظامین الآخرین (الاخلاقی والتشریعی) والفقه یوفّر للانسان النظام التشریعی في حرکة الحیاة.
ج) ورد في القرآن الکریم في اکثر من خمسین مورداً اقتران الایمان ب
العمل الصالح (الذی لا یمکن تحقیقه بدون تعلّم «الفقه») وانّ ذلک هو معیار الصلاح والفلاح والاجر و
الثواب الاُخروی، من قبیل الآیة الشریفة التی تقرّر وعدَ اللَّه تعالی بالثواب العظیم للاشخاص الذین یملکون الایمان والعمل الصالح معاً:«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَاَجْرٌ عَظِیمٌ»
وکذلک ما ورد في الآیة التی تقرّر انّ محبوبیة الاشخاص لدی الناس یرتبط بالایمان والعمل الصالح: «اِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً»
.
وقد ورد في بعض الآیات اقتران التقوی مع الایمان، وانّ
المؤمن المتّقی له اجر عظیم: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَاِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَکُمْ اَجْرٌ عَظِیمٌ»
وبدیهیّ انّ
التقوی لا تتحقّق في واقع الانسان بدون اداء الواجبات وترک المحرّمات التی یتکفّل بیانها «الفقه».د) ونقرا في روایات عدیدة انّها تستنکر علی قوم یدعون ب «
المرجئة» الذین یزعمون کفایة الایمان للنجاة والفلاح بدون العمل، کما في الروایة عن الامام الصادق (علیهالسّلام) في جوابهم:«والایمانُ دَعوی لا یَجوزُ الّا بِبَیِّنَةٍ وبیِّنَتُه عَملُه ونِیَّتُه».
کما ورد في العدید من الروایات الاخری ذمّ الاشخاص الذین یدّعون محبّة
اهل البیت (علیهمالسّلام) ویظنّون انّ هذه المحبّة لوحدها کافية لنجاتهم، نظیر ما ورد في روایة عن الامام الباقر (علیهالسّلام) في خطابه لجابر: «یا جابِرُ ایَکْتَفي مَن ینتَحِلُ
التشیُّعَ ان یقولَ بحُبِّنا اهلَ البَیتِ؟ فَوَاللَّهِ ما شیعَتُنا الّامَنِ اتّقی اللَّه واطاعَهُ وما کانوا یُعرَفون- یا جابر- الّابالتّواضُعِ والتخَشُّعِ والامانَةِ وکَثْرةِ ذِکرِ اللَّه والصَّومِ والصَّلاةِ وبِرّ الوالِدَین والتّعاهُدِ للجِیرانِ مِن الفُقَراءِ واهلِ المَسْکَنةِ والغارِمین والایتامِ وَصِدقِ الحَدیثِ وتِلاوَةِ القُرآنِ وکَفِّ الالسُنِ عن النّاس الّامن خَیرٍ وکانوا امناءَ عشائِرهم في الاشیاء... فاتَّقوا اللَّهَ واعمَلوا لِما عِنداللَّهِ، لیسَ بینَ اللَّهِ وبینَ احَدٍ قَرابةٌ، احَبُّ العِبادِ الی اللَّه عزّوجلّ واکْرَمُهم علیه اتْقاهُم واعْمَلهُم بِطاعتِه، یا جابِر واللَّهِ ما یُتَقَرَّبُ الی اللَّه تبارک وتعالی الّابالطاعةِ وما مَعَنا براءةٌ مِن النّار ولا علی اللَّهِ لاحَدٍ مِن حُجَّةٍ، مَن کان للَّهِ مُطِیعاً فهُو لَنا ولیٌّ ومَن کان للَّهِ عاصِیاً فهو لنَا عَدوٌّ وما تُنالُ وِلایتُنا الّا بالعَمَلِ والوَرَعِ».
ومن الواضح انّ العمل والورع والطاعة، بدون معرفة الفقه ومسائل الحلال والحرام، لا تتحقق في واقع الانسان وسلوکه، کما انّ التقوی التی تعدّ معیار الکرامة عند اللَّه کما في قوله تعالی: «اِنَّ اَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ اَتْقَاکُمْ»
لا تتحّقق بدون تعلّم الواجبات والمحرمات التی تکفّل بیانها «الفقه». وعلی هذا الاساس فانّ حبّ
اللَّه و
النبیّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) وائمّة اهل البیت (علیهمالسّلام) الذی هو من لوازم الایمان، لا یکمل بدون عمل وتحصیل المعرفة بالفقه.
موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المأخوذ من عنوان «اهمیة الفقه الاسلامی في سیاق الآیات و الروایات» ج۱، ص۳۳-۳۹.