أولياء العقد للصغيرين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولو زوّج الصغيرة غيرُ
الأب والجدّ، توقّف على رضاها عند البلوغ وكذا الحكم في الصغير ولا يزوّج
الوصيّ إلاّ من بلغ فاسد العقل مع اعتبار المصلحة الرابعة : إذا زوّج
الأبوان أي الأب والجدّ الصغيرين، صحّ وتوارثا ولا خيار لهما عند البلوغ.
(ولو زوّج الصغيرة غيرُ
الأب والجدّ، توقّف على رضاها عند البلوغ) إجماعاً؛ لعدم
الولاية له، فيلحق بالفضولي. وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
وفي الصحيح المقطوع : رجل مات وترك أخوين وابنة، والبنت صغيرة، فعمد أحد الأخوين الوصيّ فزوّج
الابنة من ابنه، ثم مات أبو
الابن المزوّج، فلمّا أن مات قال الآخر : أخي لم يزوّج ابنه، فزوّج الجارية من ابنه، فقيل للجارية : أيّ الزوجين أحبّ إليك، الأول أو الآخر؟ قالت : الآخر، ثم إنّ
الأخ الثاني مات وللأخ الأول ابنٌ أكبر من الابن المزوّج، فقال للجارية : اختاري أيّهما أحبّ إليك، الزوج الأول أو الزوج الآخر، فقال : «الرواية فيها أنّها للزوج الأخير؛ وذلك أنّها قد كانت أدركت حين زوّجها، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها».
وهو كما ترى نصّ في الباب. (وكذا) الحكم في (الصغير) لعموم الدليل، وعدم القائل بالفرق.
(ولا يزوّج
الوصيّ ) للأب أو الجدّ صغيري الموصي مطلقاً، على الأشهر كما في المسالك،
وهو الأظهر؛ لأصالتي عدم الولاية وعدم انتقالها مع انقطاعها بموت الموصي، والنصوص الحاصرة لها في الأب خاصّة.
ومفهوم الصحيحين في تزويج الصبي للصبية ـ : «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز».
وخصوص الصحيح المتقدّم،
وإن قصر بالإرسال؛ لانجباره بالشهرة بين الأصحاب.
وقيل : نعم مطلقاً، كما في
المختلف وعن المبسوط؛
للصحاح : في الذي بيده عقدة
النكاح : «هو الأب والأخ والموصى إليه»
وزيد في جملة منها : «والذي يجوز أمره في مال
المرأة يبتاع ويشتري». ولاشتمالها على الأخ، وعدم دلالتها على الجدّ، وندرة القائل بإطلاقها، بل وعدمه؛ لتنزيل كلامه على القول الثالث في كلام بعض الأصحاب،
قصرت عن المقاومة لما قدّمنا من الأُصول المعتضدة بالشهرة المحكيّة والصحاح المستفيضة بالعموميّة والخصوصيّة، فيحمل الموصى إليه فيها على الجدّ أو
الإمام ، أو تحمل على
استحباب إطاعتها له، كحملها عليه بالإضافة إلى الأخ.
والتحقيق أن يقال : إنّ لكلّ من هذه الصحاح والصحاح المتقدّمة وجه رجحان ومرجوحيّة، بقوة الدلالة، ومخالفة الشهرة، و
الاشتمال على ما لا يقول بها الطائفة، في هذه؛ وبمقابل الأُمور المزبورة في السابقة، وحيث لا مرجّح فليتوقّف، ومقتضاه المصير إلى القول الأول؛ التفاتاً إلى الأُصول المتقدّمة. ومنه ينقدح وجه القدح في القول بالتفصيل : باختيار الأول مع إطلاق الوصيّة من دون تنصيص بالولاية في التزويج، و
اختيار الثاني مع عدمه والتنصيص، كما عن الخلاف.
ويزيد القدح فيه بعدم الدليل عليه في البين، واستلزامه الخروج عن إطلاق أخبار الطرفين، والجمع بينهما بذلك فرع وجود شاهد عليه، وعموم (فَمَنْ بَدَّلَهُ) الآية،
مخصوص بمورده، وهو
التوصية للوالدين والأقربين لمن ترك خيراً؛ لاشتماله على الضمير الموجب له.
وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا القول، كاستثناء صورة خاصّة من إطلاق المنع، أشار إليها بقوله : (إلاّ من بلغ فاسد العقل مع اعتبار المصلحة). لضعف ما قيل
في توجيهه من الضرورة، مع عدم توقّع زوال العذر، وخوف المرض، أو الوقوع في الزناء، ولذا ثبت الولاية عليه للحاكم مع عدم ثبوتها له على الصغير؛ لاندفاع جميع ما ذكر بولاية الحاكم، كاندفاعه بولايته فيمن بلغ صحيح العقل ثم فسد. نعم، ربما أمكن ذلك مع عدم
إمكان الوصول إليه، ولكن لا يستلزم ذلك ثبوت الولاية للوصيّ على
الإطلاق .
(وكذا الحاكم) أي الإمام العادل، أو منصوبة خصوصاً أو عموماً، ومنه : الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، فلا يزوّج الصغيرين مطلقاً في المشهور، والبالغَين فاسدَي العقل مع وجود الجدّ و
الأب إجماعاً؛ لما تقدّم من الأدلّة؛ لإطلاق المنع في الوصي. ويزوّجهما مع فقدهما مع الغبطة إجماعاً؛ لأنّه وليّهما في المال فيتولّى نكاحهما.
وللصحيح : «(الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) هو وليّ أمرها»
ولا قائل بالفرق.
والنبويّ : «السلطان وليّ من لا وليّ له»
ويلحق به نوّابه؛ لعموم أدلّة النيابة. مضافاً إلى مسيس الحاجة إلى ولايته، وهو كالخبرين يتناول الصغيرين، فمنع ولايته عنهما في المشهور غير واضح، إلاّ أن يكون إجماع ، وفيه نظر.
وظاهر تشبيه المتن الحاكم بالوصيّ بقولٍ مطلق حصرُ ولايته فيمن بلغ فاسد العقل، لا غير، ومنه : البالغ رشيداً، والفاسد عقله طارئاً، فلا ولاية له عليه أبداً، وهو وإن خالف المشهور في صورة وجود الأولين أو أحدهما، و
الإجماع في صورة فقدهما، إلاّ أنّه المختار في الصورة الأُولى كما تقدّم سابقاً.
(الرابعة : إذا زوّج
الأبوان ) أي الأب والجدّ (الصغيرين، صحّ) التزويج؛ لما مرّ
(وتوارثا) قيل : بلا خلاف يعرف، حتى ممّن خيّر الصبيّ عند
الإدراك ؛ لتصريحه به مع ذلك.
وعن الماتن في النكت : أنّ الخيار عند البلوغ لا ينافي التوارث.
ووجهه : أنّه عقد صحيح شرعاً، يصيران به زوجة وزوجاً، فيثبت لهما التوارث؛ لإطلاق الأدلّة بتوارث المتزاوجين،
و
الأصل بقاء الصحّة إلى طروّ المعارض، وهو اختيار الفسخ عند البلوغ، وهو هنا ممتنع.
ويدلّ عليه مع ذلك الصحيحان : في الصبي يزوّج الصبيّة، يتوارثان؟ قال : «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم».
(ولا خيار لهما عند البلوغ) كما مرّ.
رياض المسائل، ج۱۱، ص۹۶.
رياض المسائل، ج۱۱، ص۹۷- ۱۰۱.
رياض المسائل، ج۱۱، ص۱۱۰- ۱۱۱.