إعانة الظالم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا كلام بين
الفقهاء في حرمة إعانة الظالمين في ظلمهم، بل في مطلق
الحرام، كما صرّح به غير واحد منهم، المشهور بين الفقهاء قصر التحريم على إعانتهم فيما يحرم في نفسه خاصّة و أخذ
الاجرة عليه، و أمّا إعانتهم في غير جهة ظلمهم بالامور السائغة، كإعانتهم على تحصيل أموالهم و خياطة ثيابهم ممّا هو
مباح في نفسه فغير محرّم.
لا كلام بين الفقهاء في حرمة إعانة الظالمين في ظلمهم
، بل في مطلق
الحرام، كما صرّح به غير واحد منهم.
قال
السيّد الخوئي: «أمّا معونة الظالمين في ظلمهم فالظاهر أنّها غير جائزة بلا خلاف بين المسلمين قاطبة، بل بين عقلاء العالم، بل التزم جمع كثير من الخاصّة و العامّة بحرمة
الإعانة على مطلق الحرام، و حرمة مقدّماته»
. و استدلّ
له بقوله تعالى: «وَ لَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ»
، فإنّ الركون المحرّم هو الميل القليل إليهم، فيدلّ على حرمة إعانتهم بطريق الأولوية
. و بالأخبار الكثيرة:
منها:
حسنة أبي بصير، قال: سألت
أباجعفر (علیهالسّلام) عن أعمالهم، فقال: «لا، و لا مدّة قلم، إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلّا أصابوا من دينه مثله»
.
و منها: موثّقة
يونس بن يعقوب، قال: قال لي
أبوعبداللَّه (علیهالسّلام): «لا تعنهم على بناء
مسجد»
.
و منها:
موثّقة عمّار عن أبيعبداللَّه (علیهالسّلام) سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: «لا، إلّاأن لا يقدر على شيء يأكل و لا يشرب، و لا يقدر على حيلة»
.
و منها: رواية
ابن أبي يعفور، قال: كنت عند أبيعبداللَّه (علیهالسّلام) إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك، إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة، فيدعى إلى البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسنّاة
يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد اللَّه (علیهالسّلام): «ما احبّ أنّي عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء و أنّ لي ما بين لابتيها، لا و لامدّة بقلم، إنّ أعوان الظلمة
يوم القيامة في سرادق من
نار...»
.
و منها:
صحيحة أبي حمزة عن
علي بن الحسين (علیهالسّلام) - في حديث- قال: «إيّاكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين»
.
و منها:
رواية طلحة بن زيد عن أبيعبداللَّه (علیهالسّلام) قال: «العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم»
.
و منها: ما روي عن
رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أنّه قال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أعوان الظلمة، و من لاق لهم دواة، أو ربط كيساً، أو مدّ لهم مدّة قلم، فاحشروهم معهم»
.
و منها: ما روي عن
الإمام الرضا (علیهالسّلام) - بعد السؤال عن أعمال السلطان- أنّه قال: «الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل
الكفر، و النظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحقّ بها النار»
.
و منها: ما روي عن رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أنّه قال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة و أعوان الظلمة و أشباه الظلمة حتى من برى لهم قلماً أو لاق لهم دواة» قال: «فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في
جهنّم»
. و أنّه قال: «من مشى إلى
ظالم ليعينه و هو يعلم أنّه ظالم، فقد خرج من
الإسلام»
. إلى غير ذلك من الروايات.
إذاً، فأصل حرمة إعانة الظالم ثابتة عندهم، و إنّما اختلفوا في أنّ حرمتها هل تختصّ بإعانتهم في ظلمهم، أم تعمّ سائر شؤونهم الاخرى
؟
المشهور بين الفقهاء
قصر التحريم على إعانتهم فيما يحرم في نفسه خاصّة و أخذ الاجرة عليه، و أمّا إعانتهم في غير جهة ظلمهم بالامور السائغة، كإعانتهم على تحصيل أموالهم و خياطة ثيابهم ممّا هو
مباح في نفسه فغير محرّم، كما هو صريح كلمات بعض الفقهاء
.
قال
السيّد الخوئي: «و أمّا إعانة الظالمين في غير جهة ظلمهم بالامور السائغة - كالبناية و الخبازة و نحوهما- فلا بأس بها، سواء أكان مع الاجرة أم بدونها، بشرط أن لا يعدّ بذلك من أعوان الظلمة عرفاً و إلّا كانت محرّمة»
. إلّا أنّ
المحقّق السبزواري قال: «لكن
الأحوط الاحتراز عنه؛ لبعض الأخبار الدالّة على المنع»
. و احتاط أيضاً
السيّد الطباطبائي .
و استندوا للجواز بأنّ السيرة القطعيّة على خلاف ذلك، بل الحرمة منافية لسهولة الملّة و سماحتها و إرادة اليسر؛ ضرورة عدم وجود سوق مخصوص للشيعة، و عدم تمكّنهم من الامتناع عنهم، بل هي منافية لما دلّ على مجاملتهم، و حسن معاشرتهم، و الملق لهم و جلب محبّتهم، و استمالة قلوبهم، كي يقولوا رحم اللَّه جعفر بن محمّد، ما أحسن ما كان يؤدّب به أصحابه
.
فالمتّجه حينئذٍ في الجمع بين الجميع تخصيص الحرمة في الإعانة على المحرّم في نفسه، كما في كلّ عاص و إعداد نفسه لها، من غير تقييد بمحلّل و محرّم على وجه يندرج في أعوانهم، «فإنّ من علّق سوطاً بين يدي
سلطان جائر جعل
اللَّه ذلك السوط يوم القيامة ثعباناً من نار... يسلّطه اللَّه عليه في نار جهنّم...»
، و الإعانة لهم عن رغبة في ظلمهم و بقصد السعي في إعلاء شأنهم، و حصول الاقتدار على رعيّتهم، و تكثير سوادهم و تقوية سلطانهم، لا ريب في حرمتها؛ إذ هي كالإعانة، بل هي منها حقيقة. و أمّا ما عدا ذلك من خياطة ثوب أو بناء جدار أو نحو ذلك ممّا هو مباح في نفسه و لم يكن من قصد الفاعل ما سمعت، فالظاهر جوازه، و إن كان لا يخلو من كراهة ما لم تدع الضرورة من
تقية و نحوها إليه، فإنّ القرب إليهم مطلقاً مظنّة الهلاك
.
و المستفاد من الروايات السابقة و إن كان حرمة إعانة الظالمين و لو في المباحات و
الطاعات، و لذا يظهر الميل إليها من بعض علمائنا
، إلّا أنّ ظاهر الفقهاء
اختصاص التحريم بالإعانة في المحرّم
، بل ادّعي عدم الخلاف فيه
.
و علّل تارة بقصور الأخبار المطلقة سنداً، و اخرى بعدم صراحتها دلالة؛ لاحتمال أن يكون المراد بالمباحات و الطاعات ما عرضها التحريم بغصب و نحوه، كما هو الأغلب في أحوالهم، و ثالثة بالحمل على
الكراهة؛ جمعاً بينها و بين قوله (علیهالسّلام) في رواية
ابن أبي يعفور: «ما احبّ»
الظاهر في الكراهة قطعاً، مع أنّ بعض تلك
الأخبار ليس صريحاً في التحريم، كالأوّل و الثالث؛ إذ يجوز أن يكون المراد من قوله: «لا» أنّه لا يحسن، أو لا احبّ
.
و في الأوّل منع؛ إذ في الأخبار ما هو صحيح و ما هو موثّق و ثالث حسن، مع أنّه بعد
إطلاق الآية لا يضرّ ضعف
سند الخبر.
و في الثاني: عدم الدليل على هذا التقييد البعيد، و الغلبة الموجبة للتقييد ممنوعة.
و في الثالث: بأنّ قوله: «ما احبّ» لا تنافيه الحرمة لغة، و ظهوره في الكراهة في زماننا لا يقتضيه في زمان
الشارع، و الأصل تأخّره، مع أنّ مقتضى التعليل المعقّب له الحرمة.
و عدم ظهور بعضها في الحرمة لا يوجب خروج الباقي عن الظهور، فالأولى أن يعلّل بمعارضة تلك المطلقات للأخبار المتكثّرة الواردة في موارد عديدة في الحثّ على إعانة المسلمين و قضاء حوائجهم و مودّتهم و الاهتمام بامورهم
، المعتضدة بالكتاب
و بعمل كافّة علمائنا.
و إذ لامرجّح فالعمل على الأصل المقطوع به، و هو جواز إعانة الظالم و قضاء حوائجه في غير المحرّم؛ لخروج المحرّم عن مطلقات الإعانة بالإجماع، و ضرورة
العقل. ولكن مقتضى ذلك عدم رجحانه استحباباً أو وجوباً، بل يختص الرجحان بغير
الظالم، و هو كذلك، و يلزمه عدم رجحان إعانة العاصي للَّه، بل من صدرت عنه
معصية و لم يتب؛ لصدق الظالم عليه لغة، و إطلاقه عليه في غير موضع من
الكتاب العزيز. و اختصاص بعض الأخبار بالظالمين من خلفاء الجور
لا يخصّص غيره، و يؤكّده الحثّ على بغض الفسّاق، و الأمر بالبغض في اللَّه، و النهي عن مجالسة أهل المعصية في أخبار كثيرة
.
و أمّا من تاب عن
ذنب فهو كمن لا ذنب له؛ ضرورة إعانة
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) و
الأئمّة (علیهمالسّلام) لمن سبق كفره و عصيانه بعد رجوعه، و محبّتهم له و مصادقتهم إيّاه، فمثله خارج عن مطلقات
النهي عن إعانة الظالم قطعاً، فيدخل في معارضها بلا معارض، و مثله من لم يعلم صدور
ظلم و معصية منه؛ لعدم
العلم بصدق عنوان الظالم عليه.
و هل يلحق بهما من لم يعلم بالقرائن ركونه إلى الذنب من أهل العصيان، و احتملت في حقّه التوبة؟ فيه إشكال، من حيث دلالة الأخبار على وجوب عدم اتّهام
المسلم في أمر دينه، و
التوبة أمر
واجب من
الدين، و من جهة أنّ ما يدلّ على خروج التائب عن الظالم- من معاملة المعصومين أصحابهم- لم تعلم دلالته
.
هذا كلّه في ظلمة المخالفين و سلاطينهم. و أمّا إعانة سلاطين
أهل الحقّ فالظاهر عند بعض الفقهاء عدم الكراهة في إعانتهم على المباحات، لكن لا على وجهٍ يكون من جندهم و أعوانهم، بل لا يبعد عدم الحرمة في حبّ بقائهم، خصوصاً إذا كان لقصد صحيح من قوّة كلمة أهل الحقّ و عزّهم.
الموسوعة الفقهية، موسسه دائرة المعارف الفقه الاسلامي، ج۱۴، ص۳۵۲- ۳۵۶.