الإغماض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
إطباق الأجفان أو بمعنى
التجاوز .
الإغماض لغة: من الغُمض وهو أصل صحيح يدلّ على تطامُن في الشيء وتداخل،
فالإغماض بمعنى إطباق الأجفان ووضع أحد جفنيه على الآخر.
يقال: أغمضت
العين إغماضاً وغمّضتها تغميضاً، أي أطبقت الأجفان،
ثمّ يستعار
للتغافل والتساهل .
ومنه قوله سبحانه وتعالى: «وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ»،
فالإغماض مجاز في
المسامحة ،
فكما أنّه إذا كانت العين مغمّضة يؤخذ الرديء والمعيب لعدم العلم فكذلك إذا سامح فكأنّه لا يرى.
ويأتي الإغماض أيضاً بمعنى التجاوز، يقال: أغمضت عنه، إذا تجاوزت.
ويستعمل في الاصطلاح في نفس المعنى اللغوي، إلّا أنّ
الحكم الشرعي يترتّب على المعنى الأوّل.
تتعلّق بالإغماض والتغميض أحكام تختلف باختلاف متعلّقه، نتعرّض لها على نحو الإجمال فيما يلي:
يستحبّ إغماض عين
الميّت بعد
موته بلا خلاف بينهم؛
لفعل
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك حينما دخل على
أبي سلمة
عند موته وقد شخص بصره، فأغمضه،
ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ
الروح إذا قبض تبعه البصر».
وروي عن
الإمام الصادق عليه السلام حينما حضر موت
إسماعيل وأبو عبد اللَّه عليه السلام جالس عنده، فلمّا حضره الموت شدّ
لحييه وغمّضه، وغطّى عليه الملحفة.
وحكمته أن لا يقبح منظره، ولا تدخل الهوام فيها.
وفي ظاهر كلمات بعض
الفقهاء أنّ ذلك
واجب على نحو الكفاية.
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه لو لم يوجد الغاسل المماثل أو المحرم للميّت وجب
تغسيله من وراء
الثياب مع اعتبار تغميض العينين.
وقد احتاط في ذلك
الفاضل الأصفهاني .
قال
أبو الصلاح : إن لم يكن للميّت في أرحامه ذات محرم غسلته المأمونات في قميصه وهنّ مغمّضات وقال: وإن لم يكن للمرأة بين الرجال محرم غسّلها المأمون مغمضاً في ثيابها.
ويؤيّد هذا القول خبر
أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا ماتت المرأة مع قوم ليس فيهم محرم يصبّون عليها
الماء صبّاً».
وفي
رواية عبد اللَّه بن سنان عنه عليه السلام أيضاً: «غسّلها بعض الرجال من وراء الثوب».
لكنّ هذه الروايات ضعيفة؛
ولذا ذهب
المشهور إلى سقوط الغسل، بل ادّعي عليه
الإجماع ؛ لاشتراط المماثل أو المحرم في التغسيل، ولا يختصّ بحال
الاختيار ، فلا يغسل المرأة الأجنبي؛
وذلك للنصوص المستفيضة.
يجب على المصلّي أن يأتي
بالركوع والسجود إن أمكنه ذلك؛ لإطلاق أدلّتهما، وأمّا مع عدم الإمكان ففيه خلاف؛ لاختلاف الروايات، فإنّ في بعضها أنّ العاجز يومئ برأسه،
وفي بعضها الآخر أنّه يغمّض عينيه للركوع والسجود، ففي
مرسل الفقيه عن الإمام الصادق عليه السلام: «يصلّي
المريض قائماً، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالساً، فإن لم يقدر أن يصلّي جالساً صلّى مستلقياً، يكبّر ثمّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه، ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود، ثمّ يتشهّد وينصرف».
وعلى هذا الأساس اختلف الفقهاء فيه على أقوال: فالمشهور
بين الفقهاء أنّ
العاجز -
مضطجعاً كان أو
مستلقياً ، أو غيرهما- يومئ برأسه، فإن عجز عن ذلك غمّض عينيه، بأن يجعل ركوعه تغميض عينيه ورفعه فتحهما، وكذلك السجود؛
للجمع بين الأخبار.
ولكن استدلّ
السيد الخوئي - بعد تضعيف المرسلة المتقدّمة- لتغميض العينين بعد تعذّر
الإيماء بما خلاصته:
قد ثبت بالروايات أنّ
الصلاة لا تسقط بحال، وأنّه يأتي مهما أمكن بما قدر منها وتيسّر. هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى قد علمنا أنّ الركوع والسجود من مقوّمات الصلاة، وأنّ
الشارع قد جعل لدى العجز عنهما بدلًا يعدّ مرتبة نازلة عنهما وهو الإيماء بالرأس.
إذاً يستنتج من ذلك أنّ الشارع لابدّ وأن يجعل بدلًا آخر لدى العجز عن الإيماء حذراً عن الإخلال بماهيّة الصلاة ولا يحتمل ذاك إلّا غمض العينين دون الإيماء باليد أو الرجل؛ لأنّ الإيماء بالعينين أقرب إلى الإيماء بالرأس، مضافاً إلى تسالم الأصحاب عليه.
هذا، وخصّ بعض الإيماء بالمضطجع وتغميض العينين بالمستلقي؛ لأنّ مورد الروايات الدالّة على التغميض الاستلقاء، ومورد الإيماء بالرأس الاضطجاع.
وذهب ثالث إلى أنّ العاجز يتخيّر بين التغميض والإيماء؛
مستدلّاً بأنّ
الجمع العرفي بين هذه
النصوص يقتضي الحمل على
التخيير دون
الترتيب .
واحتاط آخر بالجمع بين الإيماء والتغميض.
ثمّ إنّ جماعة من الفقهاء قالوا بأنّ العاجز يجعل تغميض العين للسجود أزيد منه للركوع،
ولعلّه إشارة للفرق بين الإيماءين بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع.
ولكن نوقش فيه بأنّه لا دليل على لزوم رعاية الفرق المذكور بعد خلوّ النص عنه؛ فإنّ الواجب بمقتضى الإطلاق إنّما هو الغمض بمقدار الذكر الواجب ولا دليل على الزيادة عليه، سواء اريد بها تطويل الغمض أو تشديده.
يكره تغميض العينين حال
الصلاة ،
بل يحسن أن يخشع ببصره شبه المغمّض؛
وذلك
لرواية مسمع عن
الإمام الصادق عليه السلام عن
أمير المؤمنين عليه السلام: «أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يغمّض الرجل عينيه في الصلاة».
بحمل
النهي فيها على
الكراهة جمعاً
بينها وبين خبر
علي ابن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل، هل يصلح له أن يغمّض عينيه في الصلاة متعمداً؟ قال: «لا بأس».
لكن ذهب بعضهم إلى
استحباب التغميض حال
الركوع .
قال
الشيخ الطوسي : «وغمّض عينيك (حال الركوع) فإن لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك».
ويدلّ على ذلك ما رواه
حماد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام لمّا علّمه كيفية الصلاة: ثمّ ركع... ونصب عنقه، وغمّض عينيه....
ولا ينافي ذلك رواية
مسمع ؛ لأنّ النهي جاز أن يتناول غير حال الركوع؛ لقاعدة الإطلاق والتقييد.
كما لا ينافيه ما اشتهر بين الفقهاء من
استحباب نظر المصلّي إلى ما بين قدميه؛ لأنّ الناظر إلى ما بين قدميه تقرب صورته من
صورة المغمّض.
نعم، صرّح بعض الفقهاء بكراهة التغميض حالها مطلقاً.
لا يجوز أو يكره- حسب اختلاف الأقوال- أن يصلّي الرجل والمرأة في مكان واحد بحيث تكون المرأة متقدّمة على الرجل أو مساوية له إلّا مع الحائل، فلو كان بينهما حائل سقط المنع أو الكراهة بلا خلاف.
هذا، ووقع الكلام في
الاكتفاء بتغميض العينين بدل الحائل، فصرّح جماعة بعدم الاكتفاء به؛
لانصراف لفظ الحاجز والستر والحائل- كما في الروايات- عن الظلمة
والعمي فضلًا عن تغميض الصحيح عينه.
ولكنّ
الشهيد الثاني احتمل الاكتفاء بتغميض الصحيح عينيه،
وهو مبنيّ على أنّ موجب
المنع النظر.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۲۴۱-۲۴۶.