الاستتابة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو طلب التوبة
والرجوع والندم.
الاستتابة لغة طلب
التوبة، يقال: استتبت فلاناً أي عرضت عليه التوبة ممّا اقترف، والتوبة هي
الرجوع و
الندم على ما فرط منه، واستتابه: سأله أن يتوب
.
واستعمل الفقهاء الاستتابة في نفس المعنى اللغوي.
يجب على من ارتكب
ذنباً أن يتوب منه إلى اللّه سبحانه، كما أنّه يجب على الآخرين أن يستتيبوه ويأمروه بالتوبة
؛ وذلك لما دلّ على وجوب
الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر، ثمّ إنّ الفقهاء حكموا بالاستتابة قبل إقامة حدّ القتل في بعض الموارد، وظاهر ذلك أنّ هذا الحكم حكم لزومي بحيث لا يجوز للحاكم الشرعي ـ وهو المستتيب ـ المبادرة إلى إقامة حدّ القتل عليه قبل الاستتابة، بل يجب عليه طلب التوبة من الفاعل قبل
القتل، فإذا تاب فقد يسقط عنه القتل أحياناً كما في مورد
المرتدّ الملي، وقد نصّ
الشيخ الطوسي على
الوجوب مدّعياً عليه
الإجماع ، وكذا
المحقّق النجفي في مورد
المرتدّ الملّي نافياً عنه الإشكال و
الخلاف بين الفقهاء
.
واستدلّ على وجوب الاستتابة قبل القتل وعدم جواز
المبادرة إليه قبلها بوجهين:
الأوّل: أنّ الأمر بالاستتابة الوارد في النصوص ظاهر في وجوب الاستتابة قبل القتل، كما ورد في الخبر
الصحيح عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام: في المرتد يستتاب « فإن تاب وإلاّ قتل »
،
الثاني: أنّ مقتضى لزوم
الاحتياط في
الدماء فيما يرتفع القتل بالتوبة وجوب الاستتابة قبل القتل
، وفي قبال ذلك ذهب
أبو حنيفة و
الشافعي في أحد قوليه في مورد الارتداد إلى
الاستحباب وعدم
الوجوب ؛ تمسّكاً بإطلاق قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « من بدّل دينه فاقتلوه »
، ويرد عليه: أنّ الإطلاق المذكور تقيّده النصوص المتضمّنة للأمر بالاستتابة الظاهر في الوجوب، فلا يجوز القتل قبل الاستتابة، وإنّما يجوز إن لم يتب
.
ورد الحكم بالاستتابة أو القتل في كلمات الفقهاء في موردين:
المرتدّ إذا كان
ملّياً وجبت استتابته، فإن تاب وإلاّ قتل بلا خلاف بين الفقهاء في ذلك
وأمّا إذا كان
فطريّاً فيقتل من غير استتابة
، نعم، يستثنى من ذلك
شارب الخمر مستحلاًّ له فذهب جملة من الفقهاء إلى وجوب استتابته كالملّي
، ولعلّه للشبهة في حين ذهب بعض منهم إلى عدم وجوب الاستتابة
، هذا في
الرجل، وأمّا
المرأة فإن ارتدّت استتيبت ولم تقتل أبداً، بل تخلّد في
السجن ويضيّق عليها في
الطعام و
الشراب حتى تتوب
، ثمّ إنّه وقع الكلام في أنّ
الزنديق الذي ارتدّ عن غير فطرة هل تقبل توبته كي يستتاب كسائر المرتدّين عن غير فطرة أو لا ؟ في ذلك أقوال:
الأوّل: أنّ توبته لا تقبل، وهو مختار
الشيخ الطوسي في
الخلاف ناسباً له إلى ما رواه الأصحاب من أنّه لا تقبل توبته
؛ لأنّه دين مكتوم، وإلى إجماعهم على هذه الرواية
، واستدلّ عليه أيضاً بأنّه لا سبيل للعلم بحصول التوبة من الزنديق الذي يكون مذهبه وعادته إظهار
الإسلام مع اعتقاده في
الباطن خلاف ما يظهره
،
الثاني: أنّ توبته تقبل فيستتاب، وهو مختار بعض الفقهاء
، واستدلّ لذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله
لاُسامة لمّا قتل
الأعرابي الذي أظهر الإسلام ـ بعد عدم قبول توبته ـ: « هلاّ شققت عن قلبه ؟»
،
الثالث: التفصيل في المسألة، فإن كانت
القرائن شاهدة على حصول التوبة منه فتقبل توبته، وإلاّ فلا تقبل؛ لأنّ مجرّد إظهار التوبة غير كافٍ لقبول التوبة منه
.
الظاهر من كلام الشيخ الطوسي في
المبسوط أنّ من ترك
الصلاة ثلاث مرّات لعصيان لا
جحود و
استحلال يستتاب، فإن تاب سقط عنه القتل، حيث قال: اُمر تارك الصلاة بأن يصلّيها قضاءً، فإن لم يفعل عزّر، فإن انتهى وصلّى برئت
ذمّته، فإن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات وعزّر فيها ثلاث مرّات قتل في الرابعة... ولا يقتل حتى يستتاب، فإن تاب وإلاّ قتل »
، واعترض عليه بأنّ النصوص لا دلالة فيها على الاستتابة
، كما أنّ ما دلّ على القتل في الثالثة أو الرابعة مخصوص
بالحدود دون
التعزيرات.
الموسوعة الفقهية ج۱۱، ص۳۴.