اعتبار المال في الكفاءة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا يشترط تمكن الزوج من
النفقة، ولا يتخير الزوجة لو تجدد العجز عن الانفاق، ويجوز
نكاح الحرة العبد، والهاشمية غير الهاشمى، والعربية العجمى وبالعكس، وإذا خطب
المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته وإن كان أخفض نسبا، وإن منعه الولى كان عاصيا.
ولا يشترط في صحّة
النكاح تمكّن الزوج من
المهر بالفعل بإجماعنا حكاه جماعة من أصحابنا
وكذا من
النفقة فعلاً أو قوّةً على الأشهر الأظهر، وإليه ذهب
الفاضلان والشهيدان وابن حمزة وابن البرّاج والإسكافي والفاضل الصيمري
والهندي ، وكافّة المتأخّرين. للأصل، وعموم
الكتاب والسنّة، وخصوص
الآية الكريمة (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
.
والنصوص المستفيضة الآمرة لذوي الحاجة بالمناكحة:
منها
الصحيح: «جاء رجل إلى
النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، فشكا إليه الحاجة، فقال: تزوّج، فتزوّج فوُسِّع عليه»
.
وعُلِّل في بعضها بأنّ: «
الرزق مع النساء والعيال»
.
وفي الخبرين: «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء بالله الظنّ»
.
وفي
المرسل: في قول
الله عزّ وجلّ (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً)
قال: «يتزوّجوا حتى يغنيهم الله من فضله»
.
مضافاً إلى عموم أكثر الأخبار المتقدّمة، المكتفية بالإيمان خاصّة في
الكفاءة، مع ورود بعضها في بيانها.
والأخبار الآمرة بالتزويج بالفقراء وذوي المسكنة:
منها الصحيح الطويل، المتضمّن لأمر النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) زيادَ بن لبيد تزويج ابنته الذَّلفاء (الذَّلفُ بالتحريك : صِغر الأنف واستواء الأرنبة
)من جويبر، وكان رجلاً قصيراً، دميماً، محتاجاً، عارياً، وكان من قباح السودان، فضمّه رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) لحال غربته وعُريه، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأول، وكساه شَمْلَتين (الشَّمْلَةُ : كساءٌ صغير يؤتزر به
)
.
ومنها
الرضوي: «إن خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه ولا يمنعك فقره وفاقته، قال الله تعالى (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ).
وقال (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)»
.
ويؤيّده ما في
المعتبرة الآتية من تعليل تزويج النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) ابنة عمّه من مقداد بن الأسود باتّضاع النكاح
، فافهم.
واستلزام التزامه العسر والحرج المنفيّين بالإجماع والكتاب والسنّة، مضافاً إلى
الإجماع المحكيّ في كلام جماعة
على الصحّة مع علم
المرأة المنافي لذلك.
خلافاً للمقنعة
والمبسوط والخلاف وابن زهرة والتذكرة ، وظاهره كالشيخ في الكتابين
وسلاّر كونه الأشهر، بل ظاهر
الشيخ وسلاّر
والغنية الإجماع عليه. للمرسل: «الكفو: أن يكون عفيفاً وعنده يسار»
. وللخبر: إنّ معاوية خطب فاطمة بنت قيس، فقال له النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «إنّه صُعلوك (الصعلوك : الفقير الذي لا مال له
) لا مال له»
.
ولأنّ الإعسار مضرّ بها جدّاً. ولعدّه نقصاً عرفاً؛ لتفاضل الناس في اليسار تفاضلهم في
النسب. ولأنّ بالنفقة قوام النكاح ودوام
الازدواج.
وفي الجميع نظر؛ لقصور الخبرين سنداً: بالإرسال في الأول، والعاميّة في الثاني؛ ودلالةً: باشتمال الأول على المستحبّ إجماعاً، والثاني بعدم التصريح بالاشتراط.
وضعف الوجوه الاعتباريّة، مع أخصّية الأُولى عن المدّعى الشامل لصورة الرضاء، وعدم الدليل على الكلّية في الثاني.
ومع ذلك، فهي اجتهادات صرفة في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة القويّة، بل القطعيّة.
ودعوى الشهرة كالإجماع مع عدم الصراحة في الثاني معارضةٌ بمثلهما.
وعلى المختار، فهل للجاهلة بالفقر المعقود عليها
الخيار بعد العلم؟ وجهان، من لزوم التضرّر ببقائها معه كذلك المنفي آيةً وروايةً.
ومن أنّ النكاح عقد لازم، والأصل البقاء؛ ولقوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ).
وهو عامّ، والضرر يندفع بالإجبار على
الطلاق. وهو الأجود، وفاقاً لجماعة، منهم: شيخنا في
الروضة ، بل قيل: إنّه الأشهر
.
خلافاً للحلّي
وابن سعيد والعلاّمة في
المختلف ؛ وربما نزّل عليه القول بالاشتراط المطلق، وظاهر جماعة الإجماع على أنّه المراد منه، كالعلاّمة في المختلف والتذكرة والشيخ المفلح الصيمري في شرح
الشرائع.
فيقوى المصير إلى الاشتراط حينئذ؛ لما تقدّم من الشهرة المحكيّة في التذكرة، والإجماعات في كتابي الشيخ وكلام سلاّر وابن زهرة، بعد التنزيل المزبور.
إلاّ أنّ اشتهار إطلاق العدم بين المتأخّرين مضافاً إلى دعوى الشهرة على عدم الاشتراط بهذا المعنى أيضاً بخصوصه ربما أوهن الإجماعات المنقولة عليه كالشهرة المحكيّة في التذكرة.
مضافاً إلى وهن آخر فيهما، من حيث عدم إرادة ظاهرهما، بل ظاهر جماعة بقاؤهما على ظاهرهما، وإرادة الاشتراط المطلق منهما؛ ولذا عُدَّ قولاً في المسألة في مقابلة الاشتراط بالمعنى المنزّل عليه، فلا اعتماد حينئذٍ عليهما جدّاً، ودليله معارَض بأقوى منه كما عرفت.
ولا تتخيّر الزوجة لو تجدّد العجز من الزوج عن الإنفاق عليها في فسخ
العقد إن دخلت عليه وهو معسر، إجماعاً؛ لإدخالها الضرر على نفسها.
وكذا لو تزوّجت به وهو غني، على الأشهر الأظهر؛ تمسّكاً بالأصل، وظاهر الخبر: «إنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها، وكان زوجها معسراً، فأبى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) أن يحبسه، وقال: إنّ مع العسر يسرا»
ولو كان لها الفسخ لفرّقها به.
واحتمال اختصاصه برضائها بالإعسار ثم الاستعداء مدفوعٌ بالأصل، وظاهر العموم الناشئ عن ترك الاستفصال، المؤيّد بعموم التعليل فيه. وضعف
السند بالشهرة مجبور.
خلافاً للإسكافي، فخيّرها
؛ لقوله سبحانه (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).
والإمساك بدون النفقة إمساكٌ بغير معروف. وفيه منع، ولو سلّم لم يثبت التسلّط على الفسخ.
وللضرورة. وتندفع بالإجبار بالطلاق، مع أعمّيتها من المدّعى؛ لاشتمالها صورة الليّ عن الإنفاق مع الغناء، ولا قائل بالفسخ هنا.
وللصحيحين، في أحدهما: «من كانت عنده امرأة، فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها، كان حقّا على
الإمام أن يفرّق بينهما»
.
وفي الثاني: «إن أنفق عليها ما يقيم على ظهرها مع كسوة، وإلاّ فرّق بينهما»
.
وليس فيهما الدلالة على تسلّطها على الفسخ بخصوصه قبل التفريق، بل ظاهرهما العدم، وتوقّف التفريق على مفرّق دونها، إمّا الحاكم كما في الأول أو مطلقاً كما في الثاني ولا يقول به؛ مع احتمال التفريق فيهما للطلاق، أو حبس الزوجة عنه إلى الإنفاق.
ويؤيّد الأول صحيحة ابن أبي عمير وجميل، اللذين حكي إجماع العصابة على تصحيح رواياتهما
، وفيها: روى عنبسة، عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام)، قال: «إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه، وإلاّ طلّقها»
.
وربما حكى القول باختيار الفسخ للحاكم عن بعض
، وصار إليه بعض
؛ عملاً بظاهر الأول، وحملاً للثاني عليه؛ لصحّة السند.
ولكنّهما قاصران عن المكافأة لما مرّ؛ للشهرة، والاعتضاد بالأصل والآية؛ ومع ذلك فلا قائل بعمومهما الشامل لتجدّد الإعسار مع الرضاء به وعدمه، ولعدم التجدّد العام لصورتي سبق
الفقر والغناء والرضاء بالفقر إن كان وعدم الرضاء، وليس محلّ النزاع إلاّ الثاني، وأمّا البواقي فلا قائل بثبوت الفسخ لها أو للحاكم.
وارتكاب التخصيص إلى أن يبقى المتنازع فيه مبنيٌّ على جوازه إلى هذا الحدّ، وهو قول مرغوب عنه، خلاف التحقيق.
وظاهر
إطلاق العبارة كغيرها انفرد المسألة عن سابقتها، وربما بُني الخلاف فيها على المختار ثمّة، وادّعي عدم الخلاف فيها والاتّفاق على
الخيار لها على غيره، فإن كان إجماع وإلاّ فلا تلازم؛ لاحتمال الشرطيّة للابتداء دون الاستدامة، كسائر العيوب الموجبة للفسخ ابتداءً، والساقط حكمها مع التجدّد، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ويجوز نكاح الحرّة بالعبد، والهاشميّة بغير الهاشمي، والعربية بالعجميّ، وبالعكس اتّفاقاً، إلاّ من الإسكافي، فاعتبر فيمن يحرم عليهم الصدقة ألاّ يتزوّج فيهم إلاّ منهم
؛ لرواية
قاصرة السند، ضعيفة الدلالة، بل هي على خلافه واضحة المقالة، ومع ذلك معارضة للنصوص الكثيرة العامّة والخاصّة.
ففي الصحيح: «إنّ
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) زوّج
المقداد بن الأسود ضباعة بنت
الزبير بن عبدالمطّلب» ثم قال: «إنّما زوّجها المقداد لتّتضع المناكح، وليتأسّوا برسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، وليعلموا أنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، وكان الزبير أخا
عبدالله وأبي طالب لأبيهما وأُمّهما»
ولکنه مرسل، لانّه مروی عن هشام بن سالم، عن رجل، عن ابی عبدالله (علیهالسّلام)،
من انه رواه الکلینی فی الصحیح، عن هشام ابن سالم، عن رجل.. ای انّه صحیح فی نفسه مع قطع النظر عن الارسال.
وإذا خطب
المؤمن القادر على النفقة وجب على من بيده عقدة النكاح إجابته وإن كان أخفض نسباً، وإن منعه الوليّ كان عاصياً في ظاهر الأصحاب.
عملاً بظاهر الأمر بالتزويج ممّن ارتُضي دينه وخلقه في النصوص، كالصحيح: «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، (إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ)
. وهو أعمّ من المدّعى؛ إذ ليس فيه التقييد بالقدرة على النفقة. ولعلّ المستند فيه ما قيل من أنّ
الصبر على الفقر ضرر عظيم في الجملة، فينبغي جبره بعدم وجوب إجابته
.
وهو حسن لولا المعارضة بالفتنة والفساد الكبير المترتّب على ترك مطلق التزويج، كما أفصح عنه التعليل في الخبر.
نعم، روى
الحلّي في سرائره أنّه: «إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته، وكان عنده يسار بقدر نفقتها، وكان ممّن ترضى فعاله وأمانته، ولا يكون مرتكباً لشيء يدخل (به) في جملة الفسّاق، وإن كان حقيراً في نسبه، قليلاً في ماله، فلا يزوّجه إيّاها، كان عاصياً لله سبحانه، مخالفاً لسنّة نبيّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)»
.
وإرساله غير قادح، بعد انجباره بموافقة الفتاوي له، ويقيَّد به ما تقدّمه، وبه يتقوى دلالة الأمر على
الوجوب في النصوص المتقدّمة، مع اعتضاده بالتعليل المصرّح به فيها، وبفتوى الأصحاب الذين على فهمهم المدار في جميع الأبواب.
فلا وجه لتأمّل بعض من تأخّر في أصل الحكم، ولا لتقييده وحصر
المعصية بالترك تبعاً للحلّي
فيما إذا لم يزوّجه لما هو عليه من الفقر، والأنفة منه لذلك، واعتقاده أنّ ذلك ليس بكفء في
الشرع. وأمّا إن ردّه ولم يزوّجه لا لذلك، بل لأمر آخر أو غرض غير ذلك من مصالح دنياه، فلا حرج عليه، ولا يكون عاصياً
.
وإن هو إلاّ تقييد للنصّ من غير دليل، كتقييد بعض الأصحاب ذلك بعدم قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوّة
.
نعم، إنّما يكون عاصياً مع الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئ وإن كان أدون منه، وإلاّ جاز العدول إليه، وكان وجوب الإجابة حينئذٍ تخييريّاً.
ويدخل فيمن بيده عقدة النكاح كما قدّمناه المخطوبة الثيّبة، أو البكر البالغة الرشيدة على المختار، أو التي ليس لها أب، فيجب عليها الإجابة على الأصحّ، وإن اختصّ الأخبار بالوليّ، تبعاً للتعليل العامّ الشامل للمقام. فلا وجه للتردّد واحتمال اختصاص الحكم بالأب.
وهل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ
المرأة، أم يجب الإجابة على الولي وإن كانت صغيرة؟ وجهان، من إطلاق
الأمر؛ وانتفاء الحاجة، وهو الأصحّ؛ للأصل، وعدم تبادر المقام من إطلاق النصوص. والتعليل مع ذلك غير معلوم الشمول.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۲۸۹-۲۹۸.