الإجازة في العقود المعاطاتية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو نفوذ
الإجازة في العقود المعاطاتية لكون انشاؤها وإبرازها بالفعل لا بالقول.
بناء على كون المعاطاة عقداً يكون إنشاؤه وإبرازه بالفعل لا بالقول- كما هو الصحيح- فإنّه كسائر العقود مشمول لأدلّة نفوذ
الإجازة فيها؛ لانتساب العقد المسبب والمنشأ بها إلى المالك.
وأمّا بناء على كون المعاطاة تسليطاً خارجياً أو إباحة مالكية أو موضوعاً تعبدياً للإباحة الشرعية فلا تجري فيه الإجازة والفضولية.
وقد
اختلفت كلمات الفقهاء في نفوذ الإجازة في العقد المعاطاتي الذي يقع على وجه التمليك والتملّك بين الفضوليين أو بين الأصيل والفضولي، فهناك من حكم بالبطلان مطلقاً وعدم نفوذ الإجازة فيها، قال
المحقق التستري : «لو باع أو اشترى (الفضولي) بطريق المعاطاة فإنّه يلغو ويفسد من أصله، ولا يقف على الإجازة على الأقرب؛ للأصل مع اختصاص المعتمد من الأدلّة السابقة نصاً وفتوى بغيره».
وقال
المحقق النائيني : «الأقوى عدم جريان الفضولي فيها».
وقال بعضهم بجريان الفضولية في المعاطاة إذا وقعت بقصد التمليك والتملك، قال
الشيخ الأنصاري : «إنّ التقابض بين الفضوليين أو فضولي وأصيل إذا وقع بنيّة التمليك والتملّك فأجازه المالك فلا مانع من وقوع
المجاز من حينه أو من حين الإجازة».
وذهب بعض إلى جريان الفضولية في المعاطاة ونفوذ الإجازة فيها على القول بكون المعاطاة مفيدة للملك، وأنّها على طبق القاعدة وكون الفضولية على طبقها أيضاً، قال
السيد اليزدي : «على القول بكونهما (المعاطاة والفضولي) على القاعدة لا ينبغي التأمل في جريانه (الفضولي) فيها (المعاطاة)؛ إذ أنّ البيع المعاطاتي مشمول للأدلة مثل
البيع بالصيغة، ولا فرق بين الإنشاء بالقول والفعل في عدم وجوب الاقتران بالرضا أو وجوبه... وعلى بقية التقادير (أي على تقدير عدم إفادة المعاطاة الملك، أو أنّها على خلاف القاعدة. وعلى القول أنّ الفضولي على خلاف القاعدة) الحقّ عدم جريانه فيها؛ لأنّ ما ثبت على خلاف القاعدة يجب الاقتصار فيه على مورد الدليل. ومن المعلوم أنّ الأدلّة الخاصة للفضولي مشكوكة الشمول للمعاطاة، كما أنّ دليل المعاطاة بناءً على كونه السيرة لا يشمل الفضولي».
في حين حكم بعضهم بجريانها بناءً على إفادتها الملك من أوّل
الأمر أو عند التصرف إذا كانت إفادة الملكية مشروطة به. وعدم جريانها بناءً على حدوث الملك بنفس التصرف أو التلف، قال
المحقق الاصفهاني في جريان الفضولي في المعاطاة: «أمّا بناء على إفادتها للملك من أوّل الأمر فواضح، وأمّا بناء على حدوث الملك عند التصرف والتلف فتارة يكون من باب اشتراط إفادتها للملك بالتصرف أو التلف، فكما لا مانع من الفضولية في بيع الصرف
والسلف ؛ لكونهما مقتضيين للتأثير بشرط القبض فتتعلق الاجازة بما له قابلية التأثير في الملك، فكذا المعاطاة المقتضية للتأثير في الملك بشرط التصرّف أو التلف.
واخرى يكون من باب حصول الملك بنفس التصرّف والتلف من دون اقتضاء
للمعاطاة للتأثير في الملك، فلا معنى للحوق الإجازة؛ إذ ليس هناك سبب للملك قابل للتأثير فيه حتى ينفذ بالإجازة».
وقال
السيد الحكيم : «الظاهر جريان الفضولي في البيع المعاطاتي بناء على إفادته الملك، إذ لا فرق بين الانشاء القولي والفعلي في صحة
الإضافة إلى المالك بالإجازة، فتشمله حينئذٍ أدلّة النفوذ...
وأمّا بناء على إفادته للإباحة الشرعية فيشكل جريان الفضولي حينئذٍ...، وكذا الاشكال لو كان الملك مسبباً عن نفس التصرّف.. ومثله ما لو قيل بالإباحة المالكية».
وذهب آخر إلى جريان الفضولية في البيع المعاطاتي بناء على القول بالملك، وأمّا على القول
بالإباحة فجريان
الفضولي يمكن فقط على القول بكون الإجازة ناقلة، قال
السيد الخوئي : «إنّ الكشف الحقيقي وإن كان يمكن جريانه في المعاطاة الفضولية بناءً على إفادتها الاباحة- لإمكان الالتزام بالاباحة قبل الإجازة وكون الإجازة كاشفة عنها- إلّا أنّ الكشف الحقيقي في الفضولي- مع إمكانه في مقام الثبوت- لا دليل عليه في مقام
الإثبات ، ويكون الأمر دائراً بين النقل
والكشف الحكمي. أمّا الثاني فمستحيل؛ لأنّ التصرّف في مال الغير قبل الإجازة بعقد فضولي حرام... ولا يمكن الحكم بإباحة التصرفات التي قبل الإجازة بالإباحة الحكمية.
وأمّا على النقل فجريان الفضولي في المعاطاة بناء على إفادتها الاباحة أيضاً بمكان من الامكان؛ فإنّ حصول الإباحة بعد الاجازة لا نرى فيه محظوراً أصلًا.
وإذاً يتوقف حصول الملكية على التصرفات المتوقفة على الملك فتحصل بها الملكية آناً ما قبل التصرف. هذا كله فيما إذا قصدت الملكية وحصلت الاباحة الشرعية بحكم الشارع... وأمّا لو قصد الفضوليان الاباحة من الأوّل فلا شبهة في عدم جريان ذلك في المعاطاة».
استند
الفقهاء القائلون بنفوذ الإجازة في العقود المعاطاتية إذا أوقعها الفضولي إلى نفس الأدلّة التي ذكروها في نفوذ
الإجازة في العقود الفضولية- بناء على أنّ المعاطاة عقد كسائر العقود غايته إنّ انشاءه وإبرازه بالفعل لا بالقول- وهي
إطلاق الأدلّة وعمومها، قال
الشيخ الأنصاري : «فعموم «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» شامل له»،
وقال السيد الخوئي: «مع هذا يجري (الفضولي) في العقد الفعلي كجريانه في العقد القولي بمقتضى إطلاق صحيحة محمّد بن قيس، وقضية
عروة البارقي وغير ذلك- بناء على تماميتها- فإنّها غير مختصة بالعقد القولي، بل إطلاقها محكم بالنسبة إلى المعاطاة أيضاً».
وفي قبال ذلك استدل النافون لجريان الفضولية في المعاطاة بناء على إفادتها الملك بوجوه، منها:
إنّ
الإقباض الذي يحصل به التمليك محرم؛ لكونه تصرفاً في مال الغير بدون إذنه فلا يترتب عليه
أثر .
وقد نوقش بوجوه، منها: إنّ الاقباض والتصرّف يمكن أن يكون مباحاً كما إذا اشتبه المقبض وتخيل أنّ المال لنفسه وأقبضه للمشتري بالبيع المعاطاتي، وكذلك جميع موارد السهو والنسيان؛ فإنّ التكاليف الالزامية ترتفع في موارد الخطأ حتى في الواقع ونفس الأمر بمقتضى أدلّة الرفع.
ومنها: أنّ حرمة الاقباض تكليفاً لا تستلزم عدم صحة اجازة المالك لما أُنشئ به من النقل والانتقال؛ إذ لا ملازمة بين الحرمة والفساد في المعاملات. بل لو قيل بها فهو في المعاملة التي تقع من المالك بفعل محرّم منه لا المعاملة التي تقع بالاجازة صحيحة عن المالك الذي لم يفعل الحرام، وإنّما الحرام فعل الغير، وهو الفضولي، ولا يقع العقد عنه.
ومنها: أنّه قد يقع الاقباض مقروناً برضا المالك بناء على ظاهر كلامهم من أنّ العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن الفضولية.
إنّ المعاطاة منوطة بالتراضي وقصد الإباحة أو التمليك، وهما من وظائف المالك وشئونه، ولا يتصور صدورهما من غيره.
وفيه: إنّ هذا الدليل لو تمّ إنّما يعم جميع أقسام الفضولي ولا يختص بالمعاطاة.
ويمكن الجواب عنه أيضاً بأنّ الرضا من المالك تحصل بإجازته المتأخرة فلا يكون البيع خالياً عن التراضي، وهكذا قصد التمليك والاباحة.
إنّ العقد الفضولي إنّما ثبت جوازه على خلاف القاعدة فيختص بالعقد القولي دون الفعلي.
وقد اجيب عنه: بأنّ عقد الفضولي طبق القواعد؛ للعمومات الدالّة على صحته، فإنّ الفضولي يجري في العقد الفعلي كجريانه في العقد القولي بمقتضى إطلاق صحيحة محمّد بن قيس وقضية عروة البارقي وغير ذلك بناءً على تماميتها؛ فإنّها غير مختصة بالعقد القولي بل إطلاقها محكم بالنسبة إلى المعاطاة أيضاً.
إنّ فعل الفضولي ليس قابلًا للايجاب في باب المعاطاة، سواء قلنا بإفادتها الإباحة أو بإفادتها الملك الجائز أو اللّازم.
أمّا على القول بكونها مفيدة للإباحة فلأنّ مجرد قصد إباحة التصرف بالإعطاء وإن كان بلا مئونة للفضولي إلّا أنّ الإباحة المؤثرة في المعاطاة هي التسليط المالكي لا تسليط غيره، وإجازة المالك تسليط الغير هي بنفسها مؤثرة لا لكونها إجازة لإباحة الغير... وأمّا بناءً على الملك فلأنّ الفعل الواقع من الفضولي لا يعنون إلّا بعنوان الإعطاء والتبديل المكاني، وأمّا تبديل طرف الإضافة فمصداقه إمّا إيجاد المادة بالهيئة وإمّا فعل المالك.
وقد اجيب بأنّه لا وجه له بناءً على ما ذكر من أنّ
الانشاء ليس إلّا اعتبار نفساني وإظهاره بمبرز في الخارج، والفضولي أيضاً يعتبر ذلك المعنى لمكان كونه سهل المئونة وخفيف الاعتبار ويبرزه في الخارج بمبرز سواء كان ذلك المبرز فعلًا أو قولًا فانّه على كلّ حال يكون مصداقاً للبيع.
يمكن تقسيم الأفعال إلى نحوين، الأوّل: أفعال ايجاد كالقبض والاقباض ونحوهما. والثاني: أفعال
اتلاف .
تعدّدت آراء الفقهاء في مسألة جريان الفضولي في القبض والاقباض ونفوذ الإجازة فيها. فقد أطلق بعضهم الحكم بجريان الفضولي فيها وتصحيحه بالإجازة، وهو ظاهر كلّ من ذهب إلى جريان الفضولي في مطلق الأفعال والأقوال أيضاً، فإنّه قال: «قد عرفت مما قدّمناه سابقاً جريانه (الفضولي) في العقود وغيرها من الأفعال كالقبض ونحوه والأقوال التي رتب الشارع عليها الأحكام إلّا ما خرج بالدليل»..
بينما فصّل بعض الفقهاء بين القبض والاقباض في الثمن أو المثمن الشخصي المعيّن وبينها في الثمن أو المثمن الكلّي، قال الشيخ الأنصاري: «لكن ما ذكرناه (جريان الفضولي ولحوق الإجازة) إنّما يصحّ في قبض الثمن المعيّن، وأمّا في قبض الكلّي وتشخّصه به فوقوعه من الفضولي على وجه تصحّحه الإجازة يحتاج إلى دليل معمّم لحكم عقد الفضولي لمثل القبض والإقباض، وإتمام الدليل على ذلك لا يخلو من صعوبة».
وحكم البعض بعدم إمكان تصحيح الإجازة لقبض الفضولي، إمّا لعدم إمكان انتساب القبض إلى الأصيل بالإجازة، حيث أشكل
المحقق الخراساني على ما ذكره الشيخ الأنصاري- من استدلال في صحّة تعلّق الإجازة بالقبض لأنّ مرجع إجازة القبض إلى
إسقاط الثمن عن عهدة المشتري- بأنّ هذا
الضمان ضمان معاوضي غير قابل للإسقاط، فالإجازة لا تكون مسقطة له، ولا يصير قبض الفضولي قبض الأصيل بها، قال: «إنّ القبض بالإجازة لا يصير قبضه، ولا يصح انتسابه إليه لا مباشرة ولا تسبيباً»،
أو لجريان الفضولية في التصرّفات المعاملية دون الأفعال الخارجية كالقبض في المعيّن، كما قال المحقّق اليزدي: «لا يخفى أنّ الفضولية إنّما تجري في التصرفات المعاملية بناء على عموم دليلها، لا في الأفعال الخارجية التي لها
آثار شرعية، والقبض في المعيّن من الأفعال الخارجية، فهو أولى بالإشكال من القبض في الكلّي».
واختار البعض الآخر جريان الفضولي في فعل القبض سواء كان الثمن أو المثمن شخصياً أو كلياً وتأثير الإجازة فيهما، قال المحقّق النائيني: «فالحقّ عدم الفرق فيه (جريان الفضولي) بين الكلّي والشخصي، لا لعموم أدلّة الفضولي... بل لعموم أدلّة الوكالة، فكما أنّ لنفس المالك تعيين الكلّي في الشخصي وجعل الشخص مصداقاً لما في
الذمّة فكذلك لوكيله أو
المأذون من قبله ذلك، فلو أجاز قبض الكلّي أو إقباضه فلا مانع من تأثير الإجازة وصيرورة الكلّي مشخصاً في المقبوض».
كما قسّم بعض المتأخّرين الأفعال إلى قسمين: ما يقبل
الوكالة وما لا يقبلها، فما كان من النحو الأوّل فهو يقبل الإجازة أيضاً دون الثاني، قال السيد الخوئي: «الأفعال على قسمين، قسم يصحّ تعلّق النيابة والوكالة به، وقسم لا يصح...
والقبض من قبيل الأوّل فإنّه ممّا يقبل
النيابة والوكالة فيقبل الإجازة أيضاً؛ لأنّ الإجازة عين الوكالة غاية الأمر أنّ الوكالة من الأوّل والإجازة ليس من الأوّل وإنّما تقع على الفعل الواقع».
وقال
المحقّق الايرواني : «وأمّا دخول الإجازة تحت عنوان آخر وصحّتها بما هي ذلك العنوان في ما لم يكن البيع مشروطاً بالقبض فذلك ممّا لا إشكال فيه، ففي ما إذا كان الثمن في بيع الفضولي شخصياً وقد قبضه البائع الفضولي كانت إجازة المالك له توكيلًا منه للبائع في إثبات يده عليه بحسب الاستمرار إن كانت عين الثمن قائمة، أو
ابراء لذمّة المشتري عن
الضمان إن كانت تالفة».
قد يقصد بأفعال الاتلاف بعض العقود والتصرفات التي تقع على مال الغير من قبيل الهبة والتبرع للأجنبي من مال الغير أو التصدق بمال اللقطة أو بمال اليتيم،
فالهبة هنا اتلاف لمال الغير أو الصغير لأنّها تفوّت عليه المال ومنفعته، فإذا أجازه المالك أو الصغير بعد بلوغه هل تنفذ الإجازة ويصح الفعل أم لا؟ تقدّم الكلام في نفوذ الإجازة في بعض العقود كالهبة والصدقة .
وقد يقع الكلام في إجازة الصغير بعد بلوغه لما أوقعه الفضولي من أفعال كالهبة والصدقة على ماله، والمشهور صحّة الإجازة منه بعد بلوغه باعتبار أنّ الشرط وجود الأهلية للإجازة حال الإجازة لا حال العقد كما سيأتي في شروط المجيز.
وأمّا فعل الاتلاف بمعنى
الإعطاب أو
الإفناء أو تفويت المنفعة أو
إفساد العين، فالإجازة هنا لا تكون إلّا بمعنى
الإذن فيه، وسنتعرض للإجازة بمعنى الإذن لاحقاً.
وقد تطرق الفقهاء لمسألة الإذن في الاتلاف في أبواب متعدّدة من الفقه، كما تقدّم الكلام فيها في مصطلح إتلاف فراجع الجزءالثالث مصطلح (اتلاف).
ومحصّل البحث أنّ الأفعال تارة تكون معاملة تنشأ بالفعل كالمعاطاة فهذا حاله حال العقود القولية الاخرى، فتصح بالاجارة إذا وقعت من غير المالك إذا تحقّقت سائر الشروط.
واخرى يكون الفعل موضوعاً لترتب
أثر شرعي عليه بلا دخل شيء في ترتبه غير تحقّق ذات الفعل، أي بلا حاجة إلى قصد ونية خاصة، كالاتلاف الموجب للضمان، وفي هذا القسم لا معنى للتصحيح بالإجازة؛ إذ لا يوجد مسبّب ومضمون إنشائي ليقال بانتسابه إلى المالك بالإجازة.
نعم، يمكن أن تكون الإجازة مجرد تعبير يراد بها إبراء الذمّة عن الضمان، أو الإذن واباحة التصرف.
وثالثة يكون الفعل موضوعاً لترتب أثر شرعي إذا كان بنيّة وقصد معيّن كالقبض والاقباض، فإنّ المراد منه وضع
اليد على المال وأخذه بعنوان استيفاء الحق أو الملك أو تعيين المبيع الكلّي وتشخيصه في المقبوض أو نحو ذلك، فلو لم يكن بهذا القصد لم يكن قبضاً ولم يترتب عليه أثر كما إذا أخذه بتصور أنّه ماله، ومثل القبض والاقباض الحيازة بنية الغير من المباحات. وفي هذا القسم يصح التفصيل بين ما إذا كان ذلك المضمون والعنوان مما يمكن انتسابه إلى المالك بالوكالة ونحوها، فتصح الاجازة فيه؛ لأنّها توجب الانتساب إليه لا محالة، وبين ما إذا لم يكن كذلك فلا تصح بالاجازة أيضاً.
وهذا الشرط بحسب الكبرى ممّا لا ريب فيه فالتصرف الفضولي لا بد وأن يكون جامعاً لجميع الشرائط غير جهة انتسابه إلى المالك فانّه يتحقق بالإجازة المتأخّرة.
وهذا الشرط لم يصرّح به فقهائنا المتقدّمين، لكن يمكن
استظهاره من كلمات كل من استدل على صحّة الفضولي بالقول: «إنّه عقد صدر من أهله ووقع في محلّه»، أو نحوه من العبائر» ومنها حيث قال العلامة الحلي : «لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه وله مجيز في حال وقوعه» ونحوه في المختلف، وقال فخر المحققين : «معنى اعتبارها صلاحيتها للتأثير بالفعل عند اجتماع الشرائط»، وقال
المحقق الكركي في تصحيح عقد المكره بعد رضاه: «وجهه: أنّ العقد المقتضي لوجوب الوفاء قد حصل، فإنّ الفرض أنّ الرضا المعتبر في تأثيره قد وقع فتحقّق السبب»، وقال
الشهيد الثاني : «لأنّ السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائطه وكلها كانت حاصلة إلّا رضا المالك»، ونحوه في المسالك.
وقد وقع التصريح بهذا الشرط من قبل فقهائنا المتأخّرين.
وأمّا البحث بحسب صغرى هذا الشرط فيقع في أقسام هذه الشرائط وأنّه هل يعتبر في التصرف الفضولي أن يكون جامعاً لكلّ هذه الأقسام؟ وهل يعتبر استمرار تلك الشروط من حين التصرف إلى حين الإجازة أم يكفي وجودها حين التصرف وحين الإجازة أو غير ذلك؟
وفيما يلي نتعرض لأقسام هذه الشروط.
أمّا الشروط الراجعة إلى صيغة العقد أو الايقاع كالماضوية والعربية وتقديم الإيجاب على القبول وغير ذلك ممّا يرجع إلى نفس العقد فإنّها كما تعتبر في عقد الأصيل فكذلك تعتبر في عقد الفضولي، وقد صرّح بذلك الشيخ الأنصاري في مكاسبه، قال: «يشترط فيه كونه جامعاً لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك، فلا يكفي اتصاف المتعاقدين بصحة الانشاء ولا إحراز سائر الشروط بالنسبة إلى الأصيل فقط على الكشف للزومه عليه حينئذ، بل مطلقاً؛ لتوقّف تأثيره الثابت- ولو على القول بالنقل- عليها، وذلك لأنّ العقد إمّا تمام السبب أو جزؤه، وعلى أيّ حال فيعتبر اجتماع الشروط عنده».
وكذلك صرّح
السيد اليزدي في حاشيته، قال: «إنّ الإجازة ليست نفس العقد ولا طرفاً منه وإنّما هي إمضاء وانفاذ للعقد الواقع والمعاملة الواقعة، فلا بد من كونها جامعة لجميع ما يعتبر فيها عدا الرضا، ولا فرق في ذلك بين النقل والكشف ولا بين الأصيل والفضولي».
وبنحوها صرّح كلّ من المحقّق الخراساني
والمحقّق النائيني
والمحقّق الاصفهاني
والسيد الخوئي.
وأمّا شرائط المتعاقدين بما هما عاقدان فكذلك لا بد من اعتبارها في عقد الفضولي، قال السيد الخوئي: «أمّا شرائط المتعاقدين فكذلك لا بد من اعتبارها هنا كما إذا اعتبرنا صدوره من البائع العاقل، فإنّه يعتبر هنا أيضاً، فلا يصح عقد الصبي
والمجنون لو كانا فضوليين أيضاً».
وسيأتي البحث عنه عند التعرض لشروط الركن الثالث من أركان الاجازة وهو (المجاز تصرفه).
وأمّا شرائط محل العقد كالعوضين فهي أيضاً ممّا لا ريب في اعتبارها في الفضولي، قال السيد الخوئي: «... فلا يصح بيع امّ الولد والخمر ونحوهما (فضولًا) ممّا لا يصح بيعه من الأصيل أيضاً، فإنّ ما لا يجوز من الأصيل فكيف يجوز من الفضولي».
وبالجملة لا شبهة في اعتبار شروط العقد وشروط المتعاقدين وشروط العوضين في العقد الفضولي حين العقد، فإنّ الإجازة ليست عقداً مستأنفاً حتى نعتبرها من زمان الإجازة، بل هي إمضاء للعقد السابق الصادر عن الفضولي، وهذه الشروط دخيلة في تأثير ذلك العقد، فلا بد من اعتبارها فيه حين الصدور.
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۳۹-۴۹.