الإرجاف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو الإضطراب والإرتعاش.
الرجف: الحركة
والاضطراب الشديد، يقال: رجفَ الشيء يرجفُ رجفاً ورجوفاً ورجفاناً ورجيفاً، وأرجف: خفق واضطرب اضطراباً شديداً.
ومنه قوله تعالى «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ».
والإرجاف: واحد أراجيف وهو الخوض في
الأخبار السيّئة،
يقال: أرجف القوم في الشيء وبه إرجافاً أكثروا من الأخبار السيّئة واختلاق الأقوال الكاذبة حتى يضطرب الناس منها، وعليه قوله تعالى:
«وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ».
وقال الراغب: «الإرجاف
إيقاع الرجفة إمّا بالفعل وإمّا بالقول».
قد يطلق الإرجاف ويراد منه الخوض في الأخبار السيّئة
وإشاعة الباطل للاغتمام به واضطراب الناس لأجله، إلّا أنّه ورد في
الفقه في خصوص نشر الأخبار الكاذبة المؤدّية إلى ضعضعة قلوب
المسلمين والمحبطة لعزيمتهم من الناحية العسكريّة والسياسيّة. كأن يقال: اجتمع المشركون في موضع كذا قاصدين
لحرب المسلمين.
أو يقال: هلكت سريّة المسلمين، أو أنّ المسلمين لا مدد لهم ولا طاقة بالكافرين، أو يقول للمسلمين: إنّ الكفّار أكثر منكم عدداً ولهم قوّة ومدد
وصبر ولا طاقة لكم بهم،
أو نحو ذلك ممّا يؤدّي إلى
إخافة المسلمين وخذلانهم.
وهو تثبيط الناس عن
الغزو وتزهيدهم في الخروج إلى
الجهاد بالاعتذار والتعلّل بالحرّ أو البرد أو المشقّة الشديدة، أو يقول: لا
يؤمن هزيمة هذا الجيش،
أو نحو ذلك ممّا يجبّن عن القتال ويخوّف عن لقاء الأبطال ولو بالشبهات والقرائن اللائحة.
وبلحاظ أنّ الإرجاف هو نشر الاضطراب بين المسلمين في القتال وغيره يكون الإرجاف أعمّ من التخذيل،
لكن بلحاظ استعمال
الفقهاء للإرجاف في خصوص نشر الأخبار المضعضعة لقلوب المسلمين في
الجهاد، فالظاهر أنّه أخصّ من التخذيل؛
لأنّ التخذيل قد يحصل بالإرجاف وغيره.
وهي لغة الإظهار، يقال:
أشاع ذكر الشيء: أطاره وأظهره، وشاعَ: ذاع وفشا.
وترد في النصوص والفقه في خصوص نشر وإفشاء ما ينبغي ستره، ومنه قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ».
والحديث:
«أيّما رجل أشاع على رجل عورة ليشينه بها...».
فالإشاعة أعمّ من الإرجاف.
لا إشكال ولا ريب في حرمة الإرجاف بالمعنى المصطلح الخاص، إلّا أنّ الحرمة ليست للإرجاف بعنوانه، بل لما فيه من
الإضرار بالمسلمين وتثبيطهم عن
الجهاد أو
الدفاع وإشاعة
الخوف والاضطراب في قلوبهم ممّا يؤدّي إلى ضعفهم أمام أعدائهم.
وهذا من أكبر
الكبائر، بل قد يساوق
الكفر والنفاق، من هنا شدّد
القرآن الكريم في لعن المرجفين
وأمر نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بنفيهم ومقاتلتهم، قال تعالى: «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا• مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا».
فقد جاء في تفسير
القمي أنّها «نزلت في قومٍ
منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج في بعض غزواته يقولون: قُتل واسر، فيغتمّ المسلمون لذلك ويشكون إلى
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل اللَّه في ذلك: «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ...» إلى قوله: «ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا» أي نأمرك بإخراجهم من المدينة إلّا قليلًا «مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا»».
وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «ملعونين فوجبت عليهم اللعنة، يقول اللَّه بعد اللعنة: «أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا»».
ومعنى «لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ» لنسلّطنّك عليهم بالأمر بقتالهم، كما جاء في كتب التفسير.
وجاء في بعض كتب السيرة أنّه بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّ اناساً من المنافقين يثبّطون الناس عنه في غزوة تبوك، فبعث إليهم طلحة بن عبيد اللَّه في نفر من أصحابه وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت، ففعل طلحة ذلك.
ومن الآيات التي نزلت في المرجفين قوله تعالى: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ...».
قال أهل التفسير: إنّ سبب نزول هذه الآية أنّه لمّا أرجفَ بأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل يوم احد واشيع ذلك قال اناس: لو كان نبيّاً ما قتل، وقال آخرون: نقاتل على ما قاتل عليه حتى نلحق به،
فنزلت هذه الآية الكريمة.
وأمّا حكم الإرجاف في غير حالة الحرب فأيضاً يكون محرّماً إذا انطبق عليه عنوان محرّم كالفتنة والشقاق بين
المؤمنين أو تضعيف الحكم الإسلامي، بل يكون
محرّماً كلّما كان كذباً وباطلًا وإن لم يستلزم
ضرراً على المجتمع أو الدولة.
لا يجوز
للإمام عليه السلام أو الأمير المنصّب من قبله أن يُخرِج معه مرجفاً
للجهاد؛
لأنّ في خروجه ضرراً على المسلمين.
وكذا لو كان الأمير هو أحد المرجفين لم يخرج الناس معه؛ لأنّ التابع يمنع من الجهاد فالمتبوع أولى؛
لأنّه أكثر ضرراً.
۳- عدم استحقاق المرجف من
الغنيمة والرضخ
والسلب:
لو خالف المرجف وخرج مع الناس للجهاد لم يسهم له ولا لفرسه من الغنيمة ولا يرضخ؛ لأنّه ليس من
المجاهدين بل هو
عاصٍ وإن أظهر معونة المسلمين؛ لأنّه أظهرها
نفاقاً، والسهم يستحقّه من يعاون المسلمين، وكذا لو قتل كافراً لم يستحقّ سلبه.
والسهم: هو الحصّة والمقدار الذي يأخذه المجاهد من الغنيمة.
والرضخ: هو المقدار الذي يدفعه الإمام لمن يحضر المعركة مع المقاتلين لغير
القتال، كحضور المرأة للطبخ أو مداواة الجرحى، أو لمن يحضر للقتال ولم يكن واجباً عليه
كالعبد والكافر إن حضروا بإذن الإمام عليه السلام، وليس له مقدار معيّن، بل هو منوط برأي الإمام عليه السلام، لكن لا يبلغ سهم
المجاهد من الغنيمة.
والسلب- بفتحتين-: ما يستحقّه القاتل من ما على المقتول من ثياب وسلاح وعمامة ودرع، وما إلى ذلك ممّا يكون معه، وله دخل في القتال إذا شرطه الإمام للقاتل.
يجب مكافحة الإرجاف والمرجفين
والقضاء عليه في حالة قيام الحرب
والجهاد مع الأعداء.
عقوبة الإرجاف إذا بلغ مرتبة إيجاد الفتنة والنفاق بين الامّة أو الوقوف بوجه القيادة الشرعية هو
القتل والنفي؛ لأنّه نوع من
البغي والمحاربة واضعاف الحكومة الإسلامية.
هذا، وقد تعرّض
الفقهاء لأحكام الإرجاف في
كتاب الجهاد وفي قسمة الغنيمة.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۴۲۸-۴۳۱