الإقرار في قصاص النفس
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يكفي في
الإقرار المرة، وبعض الأصحاب يشترط التكرار مرتين؛ ويعتبر في المقر:
البلوغ،
والعقل،
والاختيار،
والحرية؛ ولو أقر واحد بالقتل عمدا والآخر خطأ تخير الولي تصديق أحدهما؛ ولو أمر واحد بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الأول درئ عنهما
القصاص والدية، وودي من
بيت المال، وهو قضاء
الحسن بن علي (علیهماالسّلام).
فتكفي فيه المرّة على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر؛ لعموم: «
إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»
وهو متحقق بالمرّة، حيث لا دليل على اعتبار التعدّد كما في المسألة؛ لما ستعرفه.
مضافاً إلى التأيّد بخصوص
الروايات الدالّة بإطلاقها على أخذ المقرّ والحكم عليه بمجرّد إقراره، مثل ما في قضاء مولانا
الحسن (علیهالسّلام) الآتي إليه الإشارة، وما يدل على كون دية الخطأ على المقرّ
، فإنّ المذكور فيه الإقرار مرّة، وما يدل على حكم أنّه لو أقرّ واحد بالعمد وآخر بالخطإ، كما يأتي، ونحو ذلك.
وبعض الأصحاب
كالشيخ والحلّي والقاضي وجماعة
يشترط التكرار مرّتين.
ولا يظهر له وجه صحة عدا الحمل على
السرقة، وهو
قياس فاسد في
الشريعة. والاحتياط في الدماء، ويعارَض بمثله هنا في جانب المقتول؛ لعموم: «لا يطلّ دم امرئ مسلم»
.
ومنه يظهر جواب آخر عن الأوّل، وهو وجود الفارق؛ لكون متعلّق الإقرار هنا حقّ آدمي، فيكفي فيه المرّة كسائر الحقوق الآدمية، ولا كذلك السرقة، فإنّها من الحقوق الإلهيّة المبنيّة على التخفيف والمسامحة.
ويعتبر في المقرّ
البلوغ،
والعقل،
والاختيار،
والحرّية كما في سائر الأقارير؛ لعموم الأدلّة، وخصوص الصحيح على الحرّية: عن قوم ادّعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقرّ العبد بها؟ قال: «لا يجوز إقرار العبد على سيّده، فإن أقاموا
البيّنة على ما ادّعوا على العبد أُخذ العبد بها، أو يفتديه مولاه»
.
ولو أقرّ واحد بالقتل لمن يقتصّ به عمداً وآخر بقتله له خطأً تخيّر الوليّ للمقتول في تصديق أحدهما وأيّهما شاء، وإلزامه بموجب إقراره؛ لاستقلال كلّ من الإقرارين في إيجاب مقتضاه على المقرّ به، ولمّا لم يمكن الجمع ولا الترجيح تخيّر الوليّ وإن جهل الحال كغيره، وليس له على الآخر بعد الاختيار سبيل.
وللقريب من الصحيح
بالحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه: عن رجل وجد مقتولاً فجاء رجلان إلى وليّه، فقال أحدهما: أنا قتلته عمداً، وقال الآخر: أنا قتلته خطأً؟ فقال: «إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل، وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل»
.
ولا خلاف فيه إلاّ من
الغنية، فخيّره بين قتل المقرّ بالعمد وأخذ الدية منهما نصفين، ويحكى عن
التقي أيضاً.
ولم أجد لهما مستنداً، مع مخالفتهما للنصّ المتقدم المعتضد بعمل الأصحاب كافّة عداهما، مع أنّ المحكي عن
الانتصار أنّه ادّعى عليه إجماعنا، وهو
حجة أُخرى زيادةً على ما مضى.
ولو اتّهم رجل بقتل من يقتصّ به وأقرّ بقتله عمداً فأقرّ آخر أنّه هو الذي قتله ورجع الأوّل عن إقراره فأنكر قتله درئ عنهما
القصاص والدية، وودي المقتول من
بيت المال، وهو أي هذا الحكم وإن كان مخالفاً للأصل، إلاّ أنّه قضاء مولانا
الحسن بن علي (علیهماالسّلام) في حياة أبيه معلّلاً بأنّ الثاني إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا، وقد قال الله عزّ وجلّ «وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً»
.
والرواية وإن ضعف بالإرسال والرفع سندها، وبالمخالفة للأصل متنها، إلاّ أنّ عليها عمل
الأصحاب كافّة إلاّ نادراً، على الظاهر، المصرَّح به من دون استثناء في
التنقيح وشرح الشرائع للصيمري، وعن الانتصار
التصريح بالإجماع عليها، كما هو ظاهر
السرائر أيضاً، حيث قال: وروى أصحابنا في بعض الأخبار أنه متى أتاهم
. ثم ذكر مضمون الرواية ولم يقدح فيها أصلاً، ولم يذكر حكم المسألة رأساً مقتصراً عنه بما فيها.
فعلى هذا لا محيص عن العمل بها، وإن كان يرغب عنه
شيخنا في
المسالك والروضة، مقوّياً فيهما العمل بالأصل من تخيير الولّي في تصديق أيّهما شاء والاستيفاء منه، كما مضى، مع أنّه اعترف باشتهار العمل بالرواية بين أصحابنا، فهي لما فيها من وجهي الضعف جابرة، ولو لم تكن إلى درجة
الإجماع بالغة (مع أنّها بالغة) كما عرفته، سيّما مع ظهور دعواه في عبائر جماعة والتصريح بها في كلام من عرفته، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
نعم لو لم يكن بيت مال كهذا الزمان أشكل درء القصاص
والدية عنهما، وإذهاب حق المقرّ له رأساً. وكذا لو لم يرجع الأوّل عن إقراره، والرجوع فيهما إلى حكم الأصل غير بعيد؛ لخروجهما عن مورد
النصّ، فليقتصر فيما خالف
الأصل عليه، إلاّ أن يدّعى شموله لهما من حيث التعليل.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۲۶۴-۲۶۷.