الإلتفات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو انحراف الشيء أو لي الشيء عن مساره أو جهته.
الالتفات مصدر التفت، وهو من اللَفت، بمعنى ليّ الشيء عن جهته كما تقبض على عنق إنسان فتلفته، واللفت والفتل واحد.
والالتفات: الانصراف. والتفت اليّ التفاتاً: انصرف بوجهه نحوي، وفي وصفه صلى الله عليه وآله وسلم: «فإذا التفت التفت جميعاً»؛ يعني لم يكن يلوي عنقه يمنةً ويسرةً.
استعمل
الفقهاء الالتفات في أكثر من معنى، أهمّها:
وهو صرف الوجه يميناً وشمالًا، وهو الأكثر استعمالًا من غيره.
كقولهم:
الشكّ بعد
الصلاة في شيء من الأفعال لا يوجب الالتفات،
وقولهم: كثير الشكّ لا يلتفت إلى شكّه،
أي لا يعتني به.
كقولهم: لا يعتبر في وقوع
العقد فضولياً قصد الفضولية ولا الالتفات إليها.
وقولهم: إذا التفت إلى أن في ثوبه نجاسة.
وقول الاصوليّين:
المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي، فإمّا أن يحصل له الشكّ فيه أو القطع أو
الظن .
ومقصودهم من ذلك الانتباه إلى الشيء والتوجّه إليه. وقد غلب ورود الاستعمال الثاني والثالث في بحوث
الطهارة والصلاة
والنكاح .
وهو الميل عن الشيء،
وهو غير الالتفات فقد يميل الإنسان بلا أن ينصرف بوجهه يميناً أو شمالًا.
تعرّض الفقهاء للالتفات بمعانيه الثلاثة المتقدمة، ونورد أهم ما ذكروه إجمالًا كالتالي:
يختلف حكم الالتفات- بمعنى صرف الوجه- باختلاف موارده، وهي كالتالي:
ذكر بعض الفقهاء أنّه يكره للمؤذّن أن يلتفت يميناً وشمالًا في شيء من فصول الأذان،
سواء كان على المنارة أم على الأرض؛
لأنّ الاستقبال في الأذان
سُنّة ، وقد روي «أنّ مؤذّني
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يستقبلون القبلة»،
وغير ذلك من الأخبار المشيرة إلى ذلك، والالتفات منافٍ للاستقبال.
كما ذكروا كراهة الالتفات في
الإقامة ، بل جعلت الكراهة فيها أولى.
واستشكل في ذلك
المحقّق النجفي بأنّ ترك المستحبّ ليس مكروهاً. نعم، يمكن الاستدلال له بالإجماع ونحوه.
لكن الإجماع محتمل المدركية جدّاً هنا، والمشهور بين العلماء أنّ تقابل
الاستحباب والكراهة من تقابل الضدّين لا النقيضين؛ لهذا لا تثبت الكراهة في مورد استحباب العكس، والعكس صحيح أيضاً، من هنا لم يرد في النصوص ولا يحرز في معاقد الإجماعات أو جريان سيرة المتشرّعة أنّ الحكم هنا هو كراهة الالتفات، وإنّما المعلوم- كما في دليل التأسّي بمؤذّني
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لو صحّ بنفسه- استحباب الاستقبال.
ولعلّ من عبّر بالكراهة تسامح في تعبيره فأراد استحباب الاستقبال لا كراهة الالتفات.
نعم، في الإقامة توجد شبهة كونها من الصلاة فيكون الالتفات مرجوحاً؛ لكونه من القواطع حينئذٍ. والتفصيل في محلّه.
لا إشكال ولا خلاف في بطلان الصلاة بتعمّد الالتفات فيها في الجملة؛ لمنافاته للاستقبال الذي هو شرط في صحّتها، ولرواية زرارة عن
الإمام الباقر عليه السلام: «استقبل القبلة بوجهك فلا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإنّ اللَّه عزّوجلّ يقول لنبيّه في الفريضة: «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ»
»،
وغيرها من الروايات.
وإنّما الخلاف في حدّ الالتفات، وأنّه هل يعتبر فيه أن يكون بتمام البدن أو يكفي الالتفات بالوجه إذا كان فاحشاً، وهل يلزم أن يكون إلى الخلف أو يكفي اليمين أو الشمال بل ما بينهما؟
فقد اختلفت كلمات
الفقهاء في ذلك، فمنهم من عبّر بالالتفات بكلّه، وآخر (إلى الوراء) وثالث (بحيث يرى من خلفه) إلى غير ذلك؛ وذلك لاختلاف النصوص الواردة في المقام.
وتفصيل ذلك في محلّه.
وتبطل
الصلاة بالالتفات سهواً فيما كان عمده مبطلًا؛ لإطلاق النصوص الشامل لصورتي العمد والسهو، من قبيل صحيحة
الحلبي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام- في حديث- قال: وقال: «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات
فاحشاً ، وإن كنت قد تشهّدت فلا تعد».
نعم، إذا لم يصل الالتفات إلى حدّ اليمين واليسار بل كان فيما بينهما، فإنّه غير مبطل إذا كان سهواً، وإن كان بكلّ البدن؛ لما ورد من أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة، وهو محمول على صورة السهو والغفلة.
وقد خصّ البطلان جماعة من الفقهاء بالالتفات العمدي، فلا يقدح السهوي منه وإن وصل إلى حدّ اليمين واليسار؛ وعمدة ما يستدلّ به لذلك هو التمسّك بحديث رفع النسيان. وإن نوقش بأنّ الحديث لا يجري في الأجزاء والشرائط والموانع.
نعم، قد يقال بعدم بطلان الصلاة بالالتفات إذا كان عن إكراه أو اضطرار؛ تمسّكاً بحديث الرفع، بدعوى أنّ مفاده عدم مبطلية الالتفات الناشئ عن الإكراه أو الاضطرار، وكأنّه لم يكن.
ونوقش بمناقشات تفصيلية
تراجع في محلّها.
ذكر بعض الفقهاء أنّه يستحبّ ترك الالتفات عن اليمين والشمال لخطيب الجمعة.
قال
ابن حمزة : «يستحبّ أن يحفظ أربعة أشياء: الجلوس دون الدرجة العليا للاستراحة، والصعود بسكينة... وترك الالتفات عن اليمين والشمال».
وقال
الشهيد الأوّل : من السنن... وترك الالتفات في أثنائها.
ولا يبعد أن يكون مرادهم غير الالتفات بالوجه للنظر إلى الحاضرين أثناء الخطبة، فإنّ هذا أمر جرت عادة المتشرّعة عليه، وإن احتمل أن يكون مرجع ذلك إلى ما ورد من عدّ الخطبتين مكان الركعتين الساقطتين من صلاة الظهر.
يستحبّ التفات الخطيب في
صلاة الاستسقاء يمنة ويسرةً مع قراءة بعض الأذكار
كالتسبيح والتهليل.
والمستند في ذلك خبر -مرّة مولى
محمّد بن خالد - عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «... ثمّ يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي عن يمينه على يساره، والذي على يساره على يمينه ثمّ يستقبل القبلة، فيكبّر اللَّه مئة تكبيرة رافعاً بها صوته، ثمّ يلتفت إلى الناس عن يمينه، فيسبح اللَّه مئة تسبيحة، رافعاً بها صوته، ثمّ يلتفت إلى الناس عن يساره فيهلّل اللَّه مئة تهليلة رافعاً بها صوته...».
ذكر الفقهاء مجموعة من القواعد الفقهية مفادها عدم الالتفات- بمعنى الاعتناء- إلى
الشكّ أو
السهو في موارد كثيرة من
الطهارات الثلاث والصلاة وغيرها من العبادات، من قبيل
قاعدة الفراغ والتجاوز وقاعدة لا تعاد الصلاة إلّامن خمس، وقاعدة لا شكّ لكثير الشكّ، ومستند هذه القواعد الروايات كقول
الإمام الصادق عليه السلام في رواية
زرارة - في قاعدة الفراغ-: «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء».
وتفصيل ذلك في محلّه.
تعرّض الفقهاء للآثار المترتّبة على الالتفات- بمعنى التوجّه- فجعلوا الالتفات بمعنى التوجه شرطاً في توجّه التكليف أو المسؤولية، فمن يصدر عنه فعل بلا التفات وتوجّه- أي غفلةً- لا يكون معاقباً عليه، بل قد تكون الغفلة رافعة
للتكليف رأساً.
وتفصيله في محلّه.
كما أنّهم بحثوا عن أحكام خاصّة للالتفات في أبواب فقهية متعدّدة، من قبيل قولهم: إذا التفت المصلّي إلى النجاسة في ثوبه بعد الفراغ من الصلاة أو في أثنائها فهل تجب عليه الإعادة في الوقت أو القضاء خارجه أو يفصّل في ذلك؟ وجوه، بل أقوال.
وقولهم: لا يعتبر في وقوع العقد فضولياً قصد الفضولية ولا التفات إليها.
وقولهم: الأولى منع النساء من الاسترسال في إرضاع الأطفال حذراً من نسيانهنّ وحصول
الزواج المحرّم بلا التفات إلى العلاقة
الرضاعية .
إلى غيرها من الموارد الكثيرة الاخرى المتفرّقة في أبواب الفقه المختلفة.
وتفصيل ذلك كلّه ينظر في محالّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۳۲۱-۳۲۵.