الاختلاف في الأجرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويتصوّر على أنحاء مختلفة: ۱- الاختلاف في نوع الاجرة، ۲- الاختلاف في تعيين الاجرة، ۳- الاختلاف في مقدار الاجرة، ۴- الاختلاف في دفع الاجرة.
تقدم حكم ذلك في بحث
الاختلاف في المنفعة والعين المستأجرة وأنّها كانت فرساً أو حماراً مثلًا فإنّه لا فرق بينهما من هذه الناحية. فالأقوال والاستدلالات المتقدمة هناك جارية في المقام أيضاً. نعم في مثال الاختلاف والتنازع في نوع الاجرة وأنّها الدراهم أو الدينار، علّق
الإمام الخميني قدس سره على العروة «بأنّه لا يبعد تقديم قول المستأجر في خصوص المثال».
ولعلّه من جهة أنّ الملحوظ فيهما حيثية النقدية لا الجنسية، فيكون من الدوران بين
الأقل والأكثر لا المتباينين، فالقيمة الأقل متيقّن، والزائد الذي يدعيه المالك عادة منفي بالأصل.
لو ادعى المستأجر اجرة معلومة كالدينار أو عوضاً معلوماً كثوب معيّن فأنكر المالك التعيين في أحدهما بما يلزم من ذلك الغرر والجهالة فقد قوّى العلّامة تقديم قول المستأجر فيما لا يتضمّن دعوى أمر آخر غير الصحة على المؤجر،
كما لو لم يكن العوض الذي ادعاه المستأجر زائداً على اجرة المثل؛ لثبوت ذلك المقدار على كلّ تقدير، فيقدم قول مدّعي الصحة.
ونوقش بأنّ تقديم قول مدّعي الصحة إنّما يتحقق بعد اتفاقهما على حصول أركان العقد واختلافهما في وقوع المفسد له، فإنّ التمسّك لنفيه بالأصل هو المحقق لكون مدعي الصحة منكراً دون ما اختلفا في شيءٍ من أركان العقد، فإنّه لا وجه للتقديم حينئذٍ، فيكون ادعاؤه كادعاء أصل العقد.
وهذا مبني على ما تقدمت
الإشارة إليه من أنّ مبنى أصالة الصحة إنّما هو
السيرة العقلائية الممضاة شرعاً، وهو دليل لبي قدره المتيقّن ما إذا لم يكن
الاختلاف والشك في أركان العقد ومقوّماته، فراجع.
إذا تنازعا في مقدار الاجرة فادعى المؤجر الأكثر والمستأجر الأقل ولم تكن لهما بيّنة فقد وقع الخلاف بين الفقهاء في تقديم قول أي منهما على أقوال ثلاثة:
فمن خرج اسمه حلف، وقوّى الشيخ احتماله في إجارة
المبسوط ،
واختاره في الخلاف حيث قال: «والذي يليق بمذهبنا أن يستعمل فيه القرعة، فمن خرج اسمه حلف وحكم له به؛ لإجماع الفرقة على أنّ كلّ مشتبه يردّ إلى القرعة».
كما أنّه اختيار
ابن زهرة وبعض آخر.
ونوقش فيه بأنّ ذلك من باب المدّعي والمدّعى عليه، فلا ترد فيه القرعة.
فإن نكل أحدهما عن اليمين قدّم قول الآخر مع يمينه، فإن حلفا معاً أو نكلا انفسخ العقد بالنسبة للمتبقي من المدة، وقد ذهب إلى ذلك الشيخ في شهادات المبسوط و
ابن البراج .
واحتمله قويّاً
المحقق الكركي ، واستدلّ عليه بأنّ كلّاً منهما مدّع ومنكر، وأنّه لا
اتفاق بينهما؛ لأنّ أحدهما يدعي وقوع العقد على العين في مدة قليلة، والآخر يدّعي وقوعه عليها في مدة أكثر. ولا يصح فرض اتفاقهما على وقوع القدر المشترك بينهما؛
لامتناع وجود القدر المشترك من حيث هو كذلك في الخارج، فالواقع هو القدر المقيّد لا المشترك.
لكن قد يقال
هنا بأنّ المتجه هو التحالف لو فرض أنّ مصب دعواهما في تشخيص العقد الذي به تشتغل الذمة؛ لعدم تشخّص أحدهما بالأصل؛ إذ كلّ منهما أمر وجودي، و
الأصل عدمه. أمّا لو كانت دعواهما في طلب أحدهما الزائد و
إنكار الآخر له لكان المؤجر هو المدعي والمستأجر المنكر.
هذا كلّه إذا كان الاختلاف بينهما قبل مضي مدة
الإجارة ، وأمّا إذا كان بعدها فقد ذهب
ابن الجنيد إلى أنّ القول قول المستأجر،
ونسبه الشيخ إلى أبي حنيفة،
واختار في موضع من المبسوط ثبوت اجرة المثل للمكري لما مضى من المدة.
وذهب ابن البراج إلى تقديم قول مالك الدار مع يمينه بالنسبة لما سبق، فإن لم يحلف كان له اجرة المثل عوضاً عن سكنى المستأجر للدار،
وللشافعي قول بمثل ذلك كما ذكره الشيخ.
وناقش
المحقق النراقي في ثبوت اجرة المثل بعد التحالف بأنّها قد تكون أنقص ممّا يدعيه المستأجر مع اعترافه باشتغال الذمة به، وقد تكون أزيد مع
اعتراف المؤجر بعدم
استحقاق الزائد؛ لاعترافهما بوقوع العقد على المعيّن، وأنّه ليس إلّا الخمسة أو العشرة مثلًا، فالرجوع بعد التحالف إلى القرعة بين هذين أجود، وهو الأحوط.
- تقديم قول المستأجر مع يمينه كما ذهب إليه الحلي والمحقق والعلّامة والشهيدان وغيرهم،
بل هو المشهور بين المتأخّرين أيضاً.
واستدلّ عليه بما تقدم في الاختلاف في مقدار المنفعة المستأجرة من
انحلال الإجارة ودورانها بلحاظ المحل أو
الأجرة بين الأقل والأكثر، فيكون الأقل متيقناً والزائد مشكوكاً ومنفياً بالأصل، قال بعض الفقهاء: بتقديم قول المستأجر بإنكاره للزائد مع اتفاقهما على وقوع العقد، واتفاقهما على العين والمدة، والأصل عدم الزيادة على ما اتفقا عليه من قدرها وموردها ومدتها.
لو اختلفا في أصل قبض الاجرة فالقول قول المؤجر مع يمينه؛ إذ الأصل عدم الدفع وقبض الاجرة، وقد مرّ نظير المسألة في الاختلاف في ردّ العين المستأجرة. أمّا إذا كان الاختلاف في ذلك من جهة اخرى كما إذا استأجر دابة بدراهم فردّ عليه
المكاري عند البلوغ إلى ذلك البلد بعض تلك الدراهم وذكر أنّها مزيّفة أو مغشوشة قال ابن البراج بأنّ القول قول صاحب الدابة مع يمينه في ذلك،
واعترض عليه العلّامة بأنّه نظراً إلى أنّ الأصل براءة الذمة لا تسمع دعواه إلّا بالبيّنة؛ لأنّ المستأجر منكر، فإن عورض ذلك بأصالة عدم القبض عارضناه بأصالة
البراءة .
ولا يخفى أنّ أصالة عدم القبض حاكم على أصالة البراءة، فلا وجه لهذه المعارضة، نعم يمكن القول بأنّ القبض حيث إنّه قد تحقق بحسب الفرض، وإنّما الشك في تحققه صحيحاً كما يدعيه المستأجر أو فاسداً كما يدعيه المالك، فمقتضى أصالة الصحة وقوعه صحيحاً وبراءة ذمة المستأجر، بناءً على جريان أصالة الصحة حتى في موارد الشك في الأركان.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۴۳۹- ۴۴۳.