الأقل والأكثر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو
أفعل تفضيل من القليل، وهو ضدّ الكثير،
الأقلّ أفعل تفضيل من القليل، وهو ضدّ الكثير، كما أنّ الأكثر أيضاً فعل تفضيل من الكثير.
ويستعمل في
الفقه بنفس المعنى اللغوي.
بحث
الفقهاء عن الأقل والأكثر في مواطن عديدة من الاصول والفقه وبإطلاقات مختلفة، أهمّها ما يلي:
تارة يشكّ
المكلّف في أصل التكليف وأنّه هل هذا الشيء واجب أو لا؟ أو أنّه حرام أو لا؟
واخرى يشكّ في المكلّف به بعد علمه بأصل
التكليف ، بأن يعلم بوجوب
الصلاة عليه ولكن يشكّ في أنّ الواجب عليه في يوم الجمعة- مثلًا- هل هو
صلاة الظهر أو
الجمعة ؟ أو يشكّ في أنّ الواجب عليه هل الصلاة مع السورة أو الصلاة بلا سورة؟ أو أنّ الواجب عليه هل هو
إعطاء درهم واحد
للغريم أو إعطاء درهمين؟
إذاً فأقسام الشكّ في التكليف تكون أربعة:
۱- الشكّ في أصل التكليف.
۲- الشكّ في المكلّف به مع دورانه بين فعلين متباينين.
۳- الشكّ في المكلّف به مع دورانه بين فعلين أحدهما أكثر من الآخر مع كون التكليف واحداً، وتلك الأفعال أجزاء أو شرائط في تكليف واحد بنحو الارتباط، ويسمّى بالأقلّ والأكثر الارتباطيّين.
۴-
الشكّ في
المكلّف به مع دورانه بين فعلين أحدهما أكثر من الآخر مع كون التكليف متعدّداً، ويسمّى بالأقلّ والأكثر الاستقلاليّين.
والقسمان الأخيران هما المراد بالدوران بين الأقلّ والأكثر، إلّاأنّ الثاني منهما- أعني الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين- يرجع بالدقّة إلى القسم الأوّل، وهو الشكّ في التكليف؛ لأنّ التكليف بالزائد المشكوك- كالدرهم الثاني في المثال- تكليف مستقلّ لا ربط له بالتكليف المتعلّق بالمتيقّن، فيكون من
العلم بتكليف وشكّ في أصل تكليف آخر مستقلّ عنه، فلا إشكال حينئذٍ في جريان البراءة بالنسبة إلى الزائد وجواز الاقتصار في الامتثال على الأقلّ، فلو شكّ في أنّ الواجب عليه قضاء
صيام عشرة أيّام أو أزيد منها جاز الاقتصار على صيام عشرة أيّام، وجرت
البراءة لنفي وجوب قضاء يوم آخر؛ لأنّه شكّ في تكليف آخر مستقلّ عن التكليف بالأيّام العشرة، فتجري البراءة عنه، وهذا لم يختلف فيه أحد.
ولهذا ينحصر البحث عن الأقلّ والأكثر بالقسم الأوّل من القسمين الأخيرين، وهو الدوران بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين، حيث وقع البحث عند الاصوليّين في إلحاقه بالشكّ في التكليف بالنسبة إلى الجزء الزائد، فتجري عنه البراءة، أو بالدوران بين متباينين؛ لأنّ التكليف واحد معلوم على كلّ حال، وشكّ في كونه مجموع الأكثر أو الأقلّ.
في المسألة ثلاثة أقوال:
عدم جريان البراءة عن الزائد مطلقاً، لا
البراءة العقليّة ولا
البراءة الشرعيّة ؛ نظراً إلى أنّ القاعدة تقتضي وجوب تحصيل
اليقين ببراءة الذمّة من
التكليف الواحد المعلوم تنجّزه على كلّ حال، ويشكّ في امتثاله بالأقلّ لكونه ارتباطيّاً، فلو كان متعلّقاً بالأكثر لم يمتثل بالأقلّ أصلًا، فلابدّ من العمل
بالاحتياط والإتيان بالأكثر حتى يحصل اليقين بامتثال ذاك التكليف الواحد المعلوم إجمالًا تعلّقه بالأقلّ أو بالأكثر.
جريان أصل البراءة العقليّة والشرعيّة عن وجوب الزائد المشكوك وجوبه، أو عن وجوب الأكثر، وهذا هو مختار
الشيخ الأعظم ومشهور المحقّقين من
علماء الاصول .
وقد أبدع علماء الاصول في توضيح جريان البراءتين عن وجوب الزائد وانحلال
العلم الإجمالي المذكور حقيقة أو حكماً ببيانات ووجوه دقيقة وعميقة تطلب من محلّها في
علم الاصول .
التفصيل بين البراءتين، فتجري البراءة الشرعيّة عن وجوب الأكثر أو جزئيّة الجزء أو شرطيّة الشرط المشكوك دون البراءة العقليّة. وهذا هو مختار
المحقّق الخراساني .
وتفصيل هذا البحث يطلب في محلّه من علم اصول
الفقه .
المعروف بين
الفقهاء أنّ الشكّ في الركعات إذا كان في الاوليين فهو مبطل
للصلاة فتجب الإعادة، وإذا كان بعد إحراز الركعتين الاوليين في سائر الركعات فالحكم فيه البناء على الأكثر وتتميم الصلاة، ثمّ الإتيان بصلاة
الاحتياط .
وتفصيل ذلك: إنّه تارة يشكّ في الركعات مع فرض عدم التيقّن بالأوّلتين، كأن لم يدرِ أنّه صلّى ركعة أو ركعتين، فهذا الشكّ يبطل الصلاة ويوجب الإعادة.
واخرى يشكّ في الركعات بعد التيقّن بالركعتين الأوّلتين في الصلاة الرباعيّة، فيكون الشكّ في الزائد عليهما، وله صور:
كالشكّ بين الاثنتين والثلاث، أو بين الثلاث والأربع، أو بين الاثنتين والأربع، أو بين الاثنتين والثلاث والأربع، ففي مثل هذه الصور يجب البناء على الأكثر والإتيان
بصلاة الاحتياط بعد التسليم بالمقدار الذي يحتمل نقصان الصلاة، ففي الصورتين الأوّلتين يصلّي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مخيّراً بينهما، وفي الصورة الثالثة يصلّي ركعتين من قيام، وفي الرابعة يصلّي ركعتين من قيام وركعتين من جلوس.
وهناك صور اخرى للشكّ في عدد ركعات الصلاة منها منصوص ومنها غير منصوص.
وتفصيل ذلك في مصطلح (صلاة).
يجب في
الطواف الواجب أن يطوف حول
الكعبة سبعة أشواط، فلو شكّ في عدد الأشواط أو في صحّة الطواف وفساده بعد انصرافه منه لم يلتفت إلى هذا الشكّ ويبني على الصحّة والتمام؛
نظراً إلى أصالة الصحّة [[قاعدة الفراغ|وقاعدة الفراغ.
]]
ويدلّ عليه بعض الروايات:
منها: صحيح
ابن حازم : أنّه سأل
الصادق عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة، فلم يدرِ ستّة طاف أم سبعة؟
قال: «فليعد طوافه»، قال: ففاته، قال:
«ما أرى عليه شيئاً...».
وإن كان الشكّ في أثناء الطواف وتردّد بين الأقلّ والأكثر، فتارة يكون الشكّ في الزائد على السبع، واخرى يكون الشكّ في النقصان عن السبع، فإن كان الشكّ في الزائد وكان على منتهى الشوط قبل نيّة الانصراف، فتردّد بين الإتيان بسبعة أشواط أو أكثر منها، بنى على السبعة وانصرف ولا شيء عليه،
وقد ادّعي نفي الخلاف في ذلك.
وإن كان الشكّ في النقصان عن السبع- كمن شكّ قبل الوصول إلى منتهى الشوط أنّ هذا الشوط هو السابع أو الثامن، أو شكّ بين الستّة والسبعة أو ما دونهما مطلقاً- استأنف في الطواف الواجب،
وقد نسب ذلك إلى المشهور،
بل ادّعي عليه الإجماع.
وقد استدلّ له ببعض الروايات، وذهب بعض
الفقهاء إلى البناء على الأقل والإتمام؛ نظراً إلى أصل
البراءة وعدم الزيادة، واستناداً إلى بعض الروايات.
وأمّا الشكّ في النقيصة في
طواف النافلة فلا خلاف في أنّه يبنى على الأقل؛
لبعض الروايات المتقدّمة،
وجوّز بعضهم البناء على الأكثر حيث لا يستلزم الزيادة على السبع.
ونوقش فيه بأنّه على خلاف ما هو المتّفق عليه نصّاً وفتوى من تعيّن البناء على الأقلّ الذي هو أحوط.
وتفاصيل ذلك كلّه في مصطلح (طواف).
بحث
الفقهاء في أحكام
الأولاد عن مسألة أقلّ مدّة
الحمل وأكثره، وقد تقدّم أنّ أقلّه ستّة أشهر وأكثره تسعة أشهر أو سنة.
ذكر الفقهاء في
أحكام الحيض أنّ أقلّه ثلاثة أيّام، فلا يكون الدم الذي تراه المرأة أقلّ من ذلك حيضاً، وأكثره عشرة أيّام، فلا يكون استمراره أكثر من العشرة حيضاً، بل
استحاضة .
وقد دلّت على ذلك روايات عديدة:
منها: صحيح
يعقوب بن يقطين عن
أبي الحسن عليه السلام قال: «أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة».
ومنها: صحيح
معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام، وأكثره ما يكون عشرة أيّام».
ومنها: صحيح
صفوان بن يحيى ، قال: سألت
أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أدنى ما يكون من
الحيض ؟ فقال: «أدناه ثلاثة وأبعده عشرة».
بل لعلّه من ضروريّات
المذهب ، وهو متطابق مع النظرية العلمية أيضاً، إلّا في حالات المرض وانحراف المزاج النادرة.
اختلف
الفقهاء في أقلّ ما يعطى
للفقير من
الزكاة ، فذهب جماعة منهم إلى أنّ أقلّ ما يعطى للفقير من
الزكاة هو ما يجب في النصاب الأوّل من النقدين، وهو خمسة دراهم أو نصف الدينار، أي عشرة قراريط من الذهب،
فإنّ النصاب الأوّل من الدراهم مئتا درهم، ومن الدنانير عشرون ديناراً، فتكون زكاة كلّ منهما ربع العشر، فخمسة دراهم زكاة مئتي درهم، وعشرة قراريط زكاة الدنانير، فإنّ كلّ دينار عشرون قيراطاً، وعشرون ديناراً يساوي أربعمئة قيراط، وربع عشر هذا العدد يكون عشرة قراريط الذي يساوي نصف دينار، وهذا القول قد نسب إلى الأكثر،
بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه.
واستدلّ له بصحيح
أبي ولّاد الحنّاط عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
«لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، وهو أقلّ ما فرض اللَّه عزّوجلّ من الزكاة في أموال
المسلمين ، فلا تعطوا أحداً أقلّ من خمسة دراهم فصاعداً».
وخبر
معاوية بن عمّار وعبد اللَّه بن بكير عنه عليه السلام أيضاً قال: «لا يجوز أن يدفع الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، فإنّها أقلّ الزكاة».
واستظهر بعض أنّ المراد من خمسة دراهم في الروايتين مقدارها من الدراهم أو ما يقابلها من الذهب، وهو عشرة قراريط؛
لأنّ كلّ دينار يساوي عشرة دراهم، فإذا كان كلّ دينار عشرون قيراطاً، فخمسة دراهم تساوي عشرة قراريط.
وذهب بعضهم إلى أنّ أقلّ ما يعطى من الزكاة ما يجب في النصاب الثاني من النقدين، وهو قيراطان من الدينار أو درهم واحد نقله عن الإسكافي في المختلف،
فإنّ النصاب الثاني للدينار هو: كلّ أربعة دنانير زائداً على العشرين ديناراً الذي هو النصاب الأوّل، وفيه قيراطان الذي هو ربع العشر، والنصاب الثاني للدراهم هو كلّ أربعين درهماً زائدة على مئتي درهم الذي هو النصاب الأوّل، وفيه درهم واحد الذي هو ربع العشر أيضاً.
ثمّ إنّه وقع الخلاف بين الفقهاء في أنّ هذا التحديد هل هو بنحو الوجوب، بمعنى أنّه لا يجزي إعطاء الأقلّ من الحدّ المعيّن عن
الزكاة الواجبة، أو أنّه بنحو
الاستحباب ، فيكون إعطاء الأقلّ من ذلك مجزياً أيضاً إلّاأنّه يستحبّ أن لا يكون أقلّ من ذلك الحدّ؟
وتفصيل ذلك في مصطلح (زكاة).
وأمّا أكثر ما يعطى
الفقير من الزكاة فتارة يكون الإعطاء تدريجاً، واخرى يكون دفعة، فإن كان
الإعطاء تدريجاً فأكثر ما يعطى هو أن يبلغ مؤونة سنته، فلا يجوز إعطاء أكثر من ذلك من الزكاة من حيث الفقر؛
لحصول الغنى الذي لا تحلّ معه الصدقة.
وإن كان الإعطاء دفعة فلا حدّ لأكثره، فيجوز أن يعطيه زائداً على غناه.
تقدّم في مصطلح (
إجارة ) أنّ من استؤجر على عمل ولم يعيّن الأجير للعمل فأراد الأجير أن يستأجر غيره على هذا العمل بأقلّ من الاجرة التي استؤجر هو عليه ليربح بالتفاوت بين الاجرتين، فالمشهور عدم جوازه، إلّاأن يحدث فيه حدثاً يستبيح به الفضل بين الاجرتين، وذهب جماعة إلى جوازه على
كراهية .
كما سبق
الخلاف في جواز إيجار الأرض أو الحانوت أو الدار بأكثر ممّا استأجرها، وقد نسب إلى مشهور
القدماء عدم جوازه، إلّاأن يحدث فيه حدثاً.
وذكر هناك قولان آخران في المسألة:
التفصيل بين الأرض فيكره إجارتها بالأكثر، وبين الدار والحانوت فلا يجوز ذلك،
الجواز مطلقاً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۱۸۶-۱۹۳