الاستجمار بغير الأحجار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اختلف الفقهاء في كفاية
الاستنجاء بغير الأحجار على عدّة أقوال:الأوّل: كفاية الاستنجاء بكلّ جسم قالع للنجاسة، سواء كان حجراً أو غيره، كالمدر والخرق والجلد والكرسف،
بل هو المشهور
نقله عن الاثنا عشرية وغيره في مفتاح الكرامة،
هذا، وقد ادّعي عليه استفاضة الشهرة.
شهرة كادت أن تكون إجماعاً،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
واستدل له بالأدلّة التالية:
الأوّل: الأخبار الكثيرة الواردة في هذا المجال:
منها:
إطلاق حسنة
ابن المغيرة التي دلّت على نفي أن يكون للاستنجاء حدّ غير
الطهارة ونقاء المحلّ،
سواء كان بالماء، أو بالتمسّح بالكرسف أو الأحجار أو غيرهما من الأجسام القالعة للنجاسة.وأورد عليه:
أوّلًا: بأنّ المراد
بالنقاء - بقرينة السؤال عن الريح- النقاء المسبّب عن الغسل؛ إذ لو كان المراد ما يعمّ التمسّح والغسل لكان المتعيّن أن يكون السؤال عن الأجزاء الصغار المتخلّفة في المحلّ بعد
المسح ، بل لم يكن وجه للسؤال عن الريح؛ لأنّها من لوازم المسح.
وثانياً: بأنّه لو سلّم وجود إطلاق في الحسنة فهو بالنسبة إلى مقدار المسح، كما يشعر به لفظ (الحدّ)،
فليس لها إطلاق بالنسبة إلى ما يستنجى به،
ولو فرض لها إطلاق من هذه الجهة فإنّه يمكن تقييدها بخصوص الأفراد التي وردت بها النصوص.
ومنها: إطلاق موثّقة
يونس بن يعقوب التي اكتفت
بإذهاب الغائط وزواله،
ممّا يعني كفاية الاستنجاء بكلّ جسم قالع للنجاسة، سواء كان حجراً أو غيره، إلّاما استثني.
وأورد عليها بنفس
الإشكال الأخير على الرواية السابقة.
وأجيب عنه بأنّ هذه النصوص لا تصلح للتقييد؛ لأنّ التمسّح بكلّ واحد من الأمور المذكورة فيها كان هو الغالب في ذلك الزمان.
ومنها: الأخبار المشتملة على كفاية الاستجمار بالمدر والخرق
والكرسف ، كما عن زرارة، قال: كان(أبو جعفر عليه السلام) يستنجي من البول ثلاث مرّات، ومن الغائط بالمدر
والخرق .
وهو إنّما يمكن
الاستدلال به إذا كان الضمير في (كان) يعود إلى
الإمام عليه السلام لا إلى
زرارة .
وعنه أيضاً قال: سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول: «كان
الحسين بن علي عليه السلام يتمسّح من الغائط بالكرسف، ولا يغسل».
وكما عن حسنة جميل
عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «... كان الناس يستنجون بالكرسف والأحجار، ثمّ احدث الوضوء، وهو خلق كريم، فأمر به رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم،وصنعه، فأنزل اللَّه في كتابه «إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»
.
والاستدلال بهذه الطائفة من الأخبار على كفاية الاستنجاء بكلّ قالع للنجاسة متوقّف على أحد أمرين:
الأوّل: عدم القول بالفصل بين الموارد المذكورة في هذه الروايات وغير المذكورة فيها حتى يمكن
التعدّي من المذكورة إلى غيرها.
الثاني: عدم وجود خصوصيّة للُامور المذكورة في النصوص،
وإنّما ذكرت من باب المثال؛ لتوفّرها في ذلك الزمان.
خلافاً لمن اعتبر أنّ لها خصوصيّة، فإنّ عليه
الالتزام بعدم شمولها لكلّ قالع للنجاسة.
ومنها: الأخبار الناهية عن الاستنجاء
بالعظم والروث،
وفيه: «إشعار الأخبار الناهية». كخبر
ليث المرادي عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو
البعر أو العود، قال: «أمّا العظم والروث فطعام الجنّ...».
فإنّ المنع عن الاستنجاء بالعظم والروث وفصلها عن سائر الموارد المذكورة في السؤال قرينة على تجويز الاستنجاء بكلّ جسم غير العظم والروث.
الدليل الثاني: أنّ المقصود من الاستنجاء
إزالة عين النجاسة التي كما تحصل بالأحجار تحصل بغيرها.
القول الثاني: عدم كفاية
الاستجمار إلّا بما كان أصله الأرض، وهو ما ذهب إليه
سلّار ،
وفسّر
الشهيد كلامه بالأرض وما ينبت عليها معتبراً أنّ
الاقتصار في الاستنجاء بها وبما ينبت عليها أمر مستحب؛
للاجتناب عن مخالفة سلّار في هذا المجال.
واستدلّ له بعدة أدلّة:
الأوّل: ظاهر الروايات
المتضمّنة لكفاية ثلاثة أحجار،
كقول أبي جعفر عليه السلام في حديث زرارة: «ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار...».
وأورد عليه:
أوّلًا: بأنّ المتبادر منها نفي الأقلّ من الثلاث لا الحصر بالأحجار؛ لأنّها محمولة على الغالب، أو
إرادة التمثيل،
أو استحباب التمسّح بها.
وثانياً: بأنّه مخالف للروايات المتقدّمة التي ورد فيها غير الأحجار.
الدليل الثاني: ما دلّ على مطهّرية الأرض لباطن القدم دون غير الأرض.
وأورد عليه بأنّ التطهير في باب الاستنجاء له أحكامه التي يختلف فيها عن أحكام تطهير سائر النجاسات في غير الاستنجاء، فلا يصحّ مقايسة أحدهما بالآخر.
الدليل الثالث:
استصحاب بقاء النجاسة حتى يحصل اليقين بالتطهير.وفيه: أنّه لا مجال للتمسّك بالاستصحاب مع وجود الروايات المتقدّمة.
القول الثالث: عدم كفاية الاستنجاء بغير الأحجار مع التمكّن من الأحجار، كما ربّما يظهر
ذلك من كلام
ابن البراج ، حيث قال: «ويجوز استعمال الخرق والقطن في ذلك عوضاً من الأحجار إذا لم يتمكّن منها».
وأورد عليه بأنّه مخالف للأخبار المتقدمة، سيّما خبر زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «كان الحسين بن علي عليه السلام يتمسّح من الغائط بالكرسف، ولا يغسل»،
بالإضافة إلى تأييدها بفتوى المشهور بالإجزاء ودعوى الإجماع عليه.
القول الرابع: كفاية الاستنجاء بالأحجار وما قام مقامها من المدر والخرق دون الكرسف وغيره. كما لعلّه يظهر من
السيد المرتضى حيث قال: يجوز الاستنجاء بالأحجار وما قام مقامها بالمدر والخرق.
ويمكن أن يكون ذلك منه لعدم ما يدلّ على كفاية الاستنجاء بالكرسف وغيره غير أخبار الآحاد التي ليست حجّة باعتقاده.
مع
احتمال أن يكون ذكر المدر والخرق في كلامه من باب المثال.
القول الخامس: عدم جواز الاستنجاء بالخزف والآجر.
وقد ذكر بعضهم أنّه ليس صريحاً في مخالفة المشهور،
ولو فرض مخالفته فهو بلا دليل له.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۲۹۷-۳۰۳.