البصاق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو ماء
الفم إذا طرح.
البُصاق- بالضم-: ماء الفم إذا طرح، وما دام فيه فهو
ريق .
ويطلق عليه أيضاً:
البُزاق والبُساق .
ويستعمله
الفقهاء في مطلق ماء الفم، سواء خرج من الفم أو لم يخرج، فيعمّ الريق
بمعناه اللغوي ، كما يقولون: يجوز
للصائم ابتلاع البصاق.
التفل والتُفال- لغة-: البصاق والزبد ونحوهما، يقال: تفل يتفُلُ ويَتْفِلُ تَفْلًا، إذا بزق وبصق.
والتفل بالفم لا يكون إلّاومعه شيء من الريق، فإذا كان نفخاً بلا ريق فهو
النفث .
قال
الجوهري : «التفل شبيه بالبزق، وهو أقلّ منه، أوّله البزق، ثمّ التفل، ثُمّ النفث، ثُمّ
النفخ ».
ومنه يظهر ترادف معنى التفل والبصاق.
وهو في اللغة: قذف الريق، وهو أقلّ من التفل.
وفي
معجم لغة الفقهاء: «النفث... التفل من غير خروج شيء من الريق من الفم.ومنه: النفث في الرقية، أي النفخ».
ومن الواضح أنّه مرحلة أقلّ من مرحلة البصاق
وإخراجه ؛ لفرض عدم خروج شيء معه بخلاف البصاق.
وهو- بالكسر- ما يسيل من الفم، يقال: لعب
الصبي يَلْعَبُ- بفتحتين- لَعْباً، إذا سال لعابه من فمه.
ومن الواضح أنّ
اللعاب من الريق فيغاير المعنى اللغوي للبصاق إذا لم يخرج، لكنّه مشمول له في اصطلاح الفقهاء.
وهي البزقة التي تخرج من أقصى الحلق، ومن مخرج الخاء المعجمة
وممّا يلي
النخاع ، أو ما يخرج من الصدر أو
الخيشوم .
وقال السيّد العاملي في المدارك،في شرح عبارة الشرائع: مقتضى العبارة أنّ النخامة مختصة بما يخرج من الصدر ولكن أطلق جماعة منهم اسم النخامة عليها وعلى ما ينزل من الفضلات من رأسه وهو المطابق للعرف.
ومنه قول
الإمام عليّ عليه السلام: «... فاقسم ثمّ اقسم، لَتَنْخَمَنَّها تنخَّمَ: دفع بشيء من أنفه أو صدره.
اميّة من بعدي كما تُلفظ النخامة».
ورد للبصاق في الفقه بعض
الأحكام التي نشير إلى أهمّها
إجمالًا فيما يلي:
الأصل في البصاق
الطهارة ما لم يتنجّس،
بل ظاهر بعضهم
الإجماع على طهارته، حيث قالوا: إنّ البصاق عندنا طاهر.
ويدلّ على ذلك ما روي من أنّ
المذي والودي بمنزلة البصاق في الطهارة.
ويستثنى من الحكم بصاق
الكافر ومن بحكمه، فإنّه نجس بناءً على نجاسة الكافر. نعم، لو أسلم طهر بصاقه تبعاً له.
وكذا يستثنى بصاق
الحيوان النجس -
كالكلب والخنزير - فإنّه نجس أيضاً.
ويحكم بطهارة البصاق المتنجّس
بالدم الخارج من بين الأسنان لو استهلك فيه؛
للسيرة الجارية على طهارة البواطن بعد زوال عين النجاسة.
من هنا أجمع الفقهاء على طهارة بصاق شارب
الخمر ما لم يتغيّر؛
وذلك لأنّ البواطن لا تنجس بدون التغيّر، فإذا ظهر البصاق غير متغيّر كان طاهراً؛ لذلك، ومع الجهل بلوثه يحكم بطهره؛ لأنّ البصاق طاهر بالأصل- كما تقدّم- فيستصحب إلى أن يعلم الناقل عنه».
واستشهد له أيضاً بخبر
أبي الديلم ، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل يشرب الخمر فبزق فأصاب ثوبي من بزاقه، قال:«ليس بشيء».
وخبر
الحسين بن موسى الحنّاط ، قال:سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يشرب الخمر ثمّ يمجّه من فيه فيصيب ثوبي، فقال: «لا بأس».
وبناءً على ذلك فلا يجب عليه تطهير الفم.
لا يعدّ البصاق من المطهّرات، فلا يزيل
خبثاً حتى الدم؛
لعدم رافعيّة المضاف في شيء من
الحدث والخبث.
وقد نسب إلى
ابن الجنيد أنّه قال:لا بأس بأن يزال بالبصاق عين الدم من الثوب،
مؤيّداً برواية
غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام عن أبيه عن الإمام عليّ عليه السلام قال: «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق».
ولكن نوقش فيها بأنّها لا تصلح لمعارضة
النصوص الدالّة على عدم مطهّرية البصاق وشبهه من الماء المضاف، مع ما هي عليه من
الهجر ؛
ولذا حملها بعضهم على أنّ المراد من الدم فيها الدم غير النجس، أو التوصّل إلى
إزالة عينه بالبصاق، منضمّاً إلى تطهيره بالماء.
يكره البصاق في
المسجد ؛
لأنّ فيه مظنّة هتك حرمته ويستتبع
كراهية النفس،
ولقول أمير المؤمنين عليه السلام في حديث غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: «البزاق في المسجد خطيئة وكفّارته دفنه».
نعم، لو اضطرّ إلى ذلك لم يبصق في جهة
القبلة بل ينحرف يميناً أو شمالًا، ويغطّيه
بالتراب ،
ومع
التغطية تزول الكراهية.
وتأمّل
المحقّق السبزواري في الحكم بالكراهة؛ لمعارضتها
الروايات المجوّزة،
ومنها: رواية عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد أن يبزق، فقال: «عن يساره، وإن كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة، ويبزق عن يمينه ويساره».
مع كونها أكثر وأقوى منه.
واجيب بأنّه لا
منافاة بين ما دلّ على
الجواز وبين ما دلّ على الكراهة؛ لأنّ المرجع إلى أنّه جائز على كراهة، ومجرّد كثرة الأخبار الدالّة على الجواز لا يستلزم المنع من تقييدها بما دلّ على الكراهة وإن قلّ، كما هي القاعدة الجارية في غير مقام؛ إذ متى صحّت الأخبار فالعمل بها كملًا بحسب
الإمكان أولى من طرح بعضها.
يكره
للمصلّي أن يبصق في
الصلاة من دون
خلاف في ذلك
وإن عبّر عنه بعضهم
باستحباب الترك.
واستدلّ له بخبر
أبي بصير ، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا قمت في الصلاة فاعلم أنّك بين يدي اللَّه... ولا تمتخط ولا تبزق...»
بحمل
النهي فيه على الكراهة.هذا، ولكن ظاهر
السيّد المرتضى في جمل العلم والعمل عدم جواز ذلك إلّاأن يغلبه، حيث قال: «لا يجوز للمصلّي اعتماد الكلام في الصلاة... ولا يبصق إلّا أن يغلبه».
هذا كلّه في صورة
الاختيار ، وأمّا لو اضطرّ إلى ذلك فيجوز بلا كراهة، ولكن لا يرميه تجاه القبلة.
قال
الشيخ الطوسي : «وأمّا التروك المسنونة فثلاثة عشر تركاً: لا يلتفت...ولا يبصق، فإن عرض شيء من ذلك أخذه في ثيابه أو رمى به تحت رجله أو يميناً أو شمالًا، ولا يرميه تجاه القبلة».
وقال
الشيخ البهائي : «فإن غلب فإلى اليسار أو تحت القدم اليسرى».
ظاهر جماعة من الفقهاء أنّه يجب على
الصائم إذا تمضمض أن يبصق ثلاث مرّات، ولا يبلع ريقه.
ويدلّ عليه ظاهر خبر
زيد الشحّام عن [[الإمام الصادق عليه السلام
|الإمام الصادق]] عليه السلام في الصائم يتمضمض، قال: «لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرّات».
وذهب بعض إلى استحباب ذلك؛
ولعلّه
للتحذّر من بقايا الماء في الفم فيكون احتياطاً لا أكثر.
لا يبطل
الصوم بابتلاع البصاق المجتمع في الفم ولو كان عمداً.
وهذا ممّا لا خلاف فيه، وذلك
للسيرة القطعيّة، ولزوم
الحرج - بل الضرر- من الالتزام بمفطريّته وعدم جواز بلعه.
ويشهد لذلك أيضاً خبر زيد الشحّام المتقدّم؛ فإنّه يدلّ على جواز
ابتلاع البصاق بعد المضمضة.
ولا فرق في الحكم بين أن يكون البصاق قليلًا أو كثيراً، بل وإن كان
اجتماعه بفعل ما يوجبه كتذكّر الحامض مثلًا.
وخالف في ذلك بعض الفقهاء فذهب إلى أنّه إذا كان البصاق كثيراً مجتمعاً- مع تعمّد السبب- لا يبعد القول بمفطريّته؛ إذ الأدلّة المتقدّمة لا تشمله.
هذا كلّه مع عدم
انفصال البصاق عن الفم، وأمّا لو انفصل عن الفم ثمّ ابتلعه بطل صومه.
لا شكّ ولا شبهة في جواز ابتلاع الريق الذي في الفم
- كما سبق جوازه حتى للصائم- ولكن اختلف في حلّية تناول البصاق خارج الفم، فالمنسوب إلى
المشهور حرمته ؛
لأجل استخباثه،
وتنفّر الطباع منه.
وظاهر بعضهم الحلّية،
وهي صريح آخرين.
قال
الإمام الخميني : «أمّا البصاق والعرق من غير نجس العين فالظاهر حلّيتهما خصوصاً الأوّل، وخصوصاً إذا كان من الإنسان أو ممّا يؤكل لحمه من الحيوان».
واستدلّ لذلك بمنع صدق الخبيث عليه؛ إذ لم يثبت له حقيقة شرعية، فتبقى أدلّة الحلّ سالمة.
مضافاً إلى أنّه قد يستطاب بصاق المحبوب، ويمصّ فمه ولسانه، ويبلع بصاقه بميل ورغبة، والتنفّر عن بصاق بعض الأشخاص لتنفّره بنفسه لا يوجب الحرمة، كيف؟! وليس البصاق أظهر خباثة من اللقمة المزدورة، وهي محلّلة قطعاً؛ لما ورد من أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى لقمة من فيه إلى من طلبها، مع أنّها ممزوجة بالبصاق قطعاً».
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۳۳۰-۳۳۶.