الجناية بين الأم وولدها
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إذا جنت
الأمّ على ولدها نفساً أو طرفاً أو مالًا، أو جنى الولد عليها كذلك، فللمسألة صور وحالات تعرّض لها الفقهاء، نذكر أهمّها إجمالًا فيما يلي:
المشهور بين الفقهاء أنّ الأمّ تقطع إذا سرقت من مال ولدها.
قال
ابن إدريس : «إذا سرقت الامّ من مال ولدها قطعت على كلّ حال».
وذلك لعموم قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»،
وإطلاق الأخبار الواردة في السرقة وحدّها.
ولكن خالف المشهورَ
أبو الصلاح الحلبي حيث قال: «فإذا تكاملت هذه الشروط وجب قطع أصابع السارق الأربع من اليد اليمنى من اصولها..إلّاسرق الوالدين من ولدهما على كلّ حال، أو الولد منهما بشرط الحاجة
وإخلالهما بفرضه».
ونفى عنه البأس العلّامة الحلّي، ثمّ قال: «لأنّها(الامّ) أحد الأبوين فيسقط القطع عنها كما يسقط عن الأب؛ لاشتراكهما في وجوب الإعظام».
نعم، إذا سرقت الأمّ من مال
الولد بدل ما يجب عليه من النفقة فلا تقطع، بل ادّعي عليه
الإجماع .
وكذا يقطع الولد بالسرقة من مال أحد الوالدين بشرط أن يكون المال المسروق محرزاً ممّن سرقه.
وسبب القيد الأخير أنّ الولد قد يكون المال غير محرز بالنسبة إليه، وإن كان محرزاً عن سائر الناس؛ لعدم
امتلاكهم مفاتيح المنزل مثلًا.
ذهب كثير من الفقهاء إلى أنّ الآمّ تحدّ لو قذفت ولدها؛
وذلك لدلالة العمومات على أنّ القذف مطلقاً يوجب الحدّ، غاية الأمر أنّه قد خرج عنها مورد واحد وهو ما لو قذف
الأب ابنه، فيبقى الباقي بحاله تحت العمومات،
ولم يثبت أنّ الأمّ كالأب، فإنّ مجرّد ثبوت حقّها عليه لا يوجب ذلك.
ويحدّ الولد أيضاً لو قذف امّه؛
للعمومات والمطلقات أيضاً.
لو قتلت الأمّ ولدها قتلت به على المشهور،
وكذا يقتل الولد بقتل أمّه،
بلا خلاف فيه،
بل ادّعي عليه الإجماع؛
وذلك للإطلاقات وعمومات الكتاب
التي لم يخرج منها إلّاالأب- للأحاديث الدالّة عليه- والجدّ من قبله، بناء على إلحاقه بالأب لأنّه أب، فتبقى الامّ والأجداد من قبلها على
الأصل .
صرّح الفقهاء بأنّه لا يجوز للُامّ
إسقاط النطفة بعد
استقرارها في الرحم، وكذا يحرم إسقاط
الجنين في كافة مراحل نموّه قبل ولوج الروح وبعده، برضا الزوجين أو أحدهما، بالمباشرة أو التسبيب ولو كان السبب هو صعوبات العيش والمشاكل الاقتصادية.
والمستند في ذلك عمومات ومطلقات حرمة قتل النفس، والروايات الخاصة على تقدير ولوج الروح فيه، وأمّا قبل ذلك فالمدرك هو الروايات الخاصة
الواردة في هذا المجال.
وأمّا لو كان الجنين ناقص الخلقة، أو كان بقاء الحمل موجباً لضرر أو خطر على حياة الامّ فقد اختلفت كلمات الفقهاء فيه، وذكروا هنا صوراً وحالات وقع بعض
الاختلاف في الرأي الفقهي فيها:
الأولى: لو ثبت أنّ الجنين مشوّه بدرجة كبيرة، أو مصاب بمرض لا علاج له، أو أنّ الطفل المولود سوف يكون عالة على أبويه، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جوازه مطلقاً،
وقال الآخرون بعدم جوازه إلّافي الضرورة.
وقول ثالث بأنّه لو كان قبل تمام خلقته يجوز.
الثانية: إذا كان بقاء الحمل يوجب مشقّة أو ضرراً على الأمّ بحيث لا يكون قابلًا للتحمّل، جاز لها
الإجهاض وعليها الدية،
وقال بعض بجوازه في المراحل الأوّليّة فيما لو كان الخطر كبيراً،
أو قبل ولوج الروح فيه،
أو كانت الأمّ مضطرّة إلى المعالجة المستلزمة لإسقاط الجنين.
الثالثة: لو خيف على حياة الأمّ من
استمرار الحمل فقال بعض بعدم جوازه مطلقاً، سواء كان قبل ولوج الروح فيه أو بعده،
وفصّل آخرون بأنّه لو كان قبل ولوج الروح فيه فيجوز الإسقاط.
وأمّا بعد ولوج الروح فيه فقال بعض بجوازه؛ لأنّ الضرر إذا توجّه إلى أحد شخصين لا يجب على أحدهما تحمّل الضرر حتى لا يتضرّر الآخر، وفي المقام لا يجب على الأمّ أن تتحمّل الضرر بأن تصبر حتى تموت تحفّظاً على حياة ولدها»، وقال بعضهم بجواز ذلك للُامّ إذا كان بقاء الجنين خطراً عليها من باب الدفاع،
وقال بعض آخر بعدم جوازه.
الرابعة: لو كان استمرار الحمل خطراً على الأمّ والولد معاً، ولم يمكن إنقاذ حياة الحمل بحال، ولكن يمكن
إنقاذ حياة الامّ وحدها بإسقاط الحمل، جاز الإجهاض.
هذا كلّه على تقدير حياة الطفل في بطن الامّ، أمّا لو كان ميتاً فلا إشكال في جواز الإسقاط حينئذٍ؛ لانصراف أدلّة حرمة الإجهاض عن مثل هذه الحال، بل قد يجب الإجهاض حينئذٍ فيما لو توقف عليه حفظ نفس الأمّ وحياتها.هذا، وهناك تفاصيل عديدة في هذا الموضوع تراجع في محالّها.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۴۳۵-۴۳۸.