الخلل السهوي في الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الخلل الواقع في الصلاة تارة يكون عن سهو لعزوب المعنى عن الذهن حتى حصل بسببه
الإخلال والمراد بالخلل الواقع عن سهو ترك شيء من أفعالها مثلا.
( وأما
السهو : فإن كان عن
ركن ) من الأركان الخمسة ( وكان محلّه باقيا ) بأن لا يكون دخل في ركن آخر ( أتى به ) ثمَّ بما بعده بلا خلاف بين أهل العلم كما في المنتهى؛
لإمكان
الإتيان به على وجه لا يؤثر خللا ولا إخلالا بماهية الصلاة؛ ولفحوى ما دلّ على هذا الحكم في صورة
الشك في الجملة.
(وإن كان دخل في) ركن (آخر أعاد) الصلاة، وذلك (كمن أخلّ بالقيام حتى نوى، أو بالنية حتى افتتح) الصلاة (أو بالافتتاح حتى قرأ، أو بالركوع حتى سجد، أو بالسجدتين حتى ركع).
بلا خلاف فيما عدا الأخيرين ولا إشكال، إلاّ في الأول، فإنه يتوقف على ثبوت ركنية
القيام حتى حال النية. ووجهه غير واضح، خصوصا على مذهب من جعل النية شرطا خارجا عن حقيقة الصلاة، إلاّ أن يوجّه باشتراط مقارنتها للتكبير الذي القيام ركن فيه قطعا، وهي لا تتحقق إلاّ حالة القيام، فتدبر.
ووجه فساد الصلاة بالإخلال بالنية حتى كبّر على القول بجزئيتها واضح.
وكذا على غيره؛ فإنّ التكبير جزء من الصلاة إجماعا فيعتبر فيه
النية وغيرها من الشرائط، لأن شرط الكل شرط لجزئه، ويلزم من فوات الشرط فوات المشروط.
وعلى الأشهر الأقوى أيضا فيهما، بل عليه جمهور متأخري أصحابنا، بل عامّتهم في الأخير إذا كان السهو في الركعتين الأوليين أو الصبح أو المغرب؛ وحجتهم عليه ـ بعد
الإجماع ظاهرا ـ استلزام التدارك زيادة ركن، وعدمه نقصانه، وهما مبطلان، إجماعا في الثاني، ونصّا في الأول.
وهذه الحجة عامة للصور المزبورة وغيرها من السهو عن السجدتين إلى أن يركع في أخيرتي الرباعية، وعن الركوع إلى أن يسجد السجدتين، مضافة فيه إلى الصحيح : عن الرجل ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم، قال : «يستقبل»
ونحوه غيره.
وحيث لا قائل بالفرق بينه وبين السهو عنه إلى أن يسجد الواحدة عمّ الحكم لهما؛ مع اعتضاده بالقاعدة من أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه، فيبقى تحت العهدة، ولا يتيقن الخروج عنها إلاّ باستيناف الصلاة من أوّلها؛ وإطلاق جملة من المعتبرة :
منها، الموثق : عن الرجل ينسى أن يركع، قال : «يستقبل حتى يضع كلّ شيء موضعه».
والخبر : عن رجل نسي أن يركع، قال : «عليه
الإعادة ».
وقصور السند أو ضعفه مجبور
بالشهرة العظيمة المتأخرة والموافقة للقاعدة المتيقنة المشار إليها في الموثقة أيضا بقوله : «حتى يضع كل شيء موضعه» فتعمّ غير موردها أيضا، وهو جملة الصور في المسألتين.
(وقيل : إن كان) السهو عن أحد الركنين مع الدخول في الآخر (في) الركعتين (الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد وأتى بالفائت).
القائل بذلك
الشيخ في المبسوط وكتابي الأخبار،
جمعا بين الأخبار المتقدمة وبين الصحيحين الدالّين على التلفيق مطلقا، كما حكاه عن بعض الأصحاب
وعزاه إليه في
المنتهى .
في أحدهما : رجل شكّ بعد ما سجد أنه لم يركع، فقال : «يمضي في صلاته حتى يستيقن أنه لم يركع، فإن استيقن أنه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبني صلاته على التمام، وإن كان لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين ولا شيء عليه».
وفي الثاني : عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع، قال : «يقوم ويركع ويسجد سجدتي السهو».
وفيه نظر؛ فإنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ، وليس، لرجحان الأخبار الأوّلة من وجوه عديدة دون الصحيحين، سيّما مع تضمن الأول منهما ما لا يقول به الخصم بل ولا أحد من : وجوب صلاة ركعة مع سجدتين بعد
الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع.
ومنه يظهر شذوذ الثاني رأسا، وعدم ارتباطه بما نحن فيه أصلا.
ولو سلّم ذلك كلّه فالجمع بذلك فرع الشاهد عليه، ولم نجده، عدا ما اشتهر عنه وعن المفيد من أنّ كل سهو يلحق الأوليين في الأعداد والأفعال فهو موجب للإعادة دون الأخيرتين.
ولم أتحققه، بل المتحقق خلافه.
وفي الرضوي : «وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك، لأنه إذا لم تصحّ لك الأولى لم تصح صلاتك، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعلها ـ أعني الثانية ـ الأولى، والثالثة ثانية، والرابعة ثالثة».
وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في خلاف ما ذكراه، وهو وجوب المحافظة على الركعة الأولى خاصة لا الركعتين معا.
ويؤيده بعض الأخبار المروية عن العلل والعيون عن مولانا
الرضا عليه السلام قال : «إنما جعل أصل الصلاة ركعتين، وزيد على بعضها ركعة، وعلى بعضها ركعتين، ولم يزد على بعضها شيء، لأن أصل الصلاة هي ركعة واحدة، لأن أصل العدد واحد، فإذا نقصت عن واحدة فليست هي صلاة» الحديث.
وما تضمنه الرضوي من الحكم في المسألة محكي عن والد
الصدوق والإسكافي،
وهو مع ندرته وقصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة شاذ.
واعلم : أنّ النصوص الدالة على التلفيق مطلقا مختصة بالمسألة الأولى كفتوى الشيخ في كتبه المتقدمة، فلا وجه لتعديته وإجزائه في الثانية كما حكي عنه في
جمله واقتصاده ؛
ولذا وافق القوم هنا في موضع من المبسوط
لكن قال في موضع آخر منه ما يشعر باتحاد طريق المسألتين واتحاد حكمهما؛
ولعلّه الوجه في التعدية، كما احتجّ لهم في
المختلف من أنّ السجدتين مساويتان للركوع في الحكم فانسحب فيهما حكم التلفيق الثابت للركوع.
وضعف هذا الاستدلال ظاهر.
(ويعيد) الصلاة (لو زاد) فيها (ركوعا أو سجدتين) مطلقا (عمدا) كانت الزيادة (أو سهوا) وكذا غيرهما من الأركان إلاّ ما استثني، بلا خلاف أجده، وبه صرّح جماعة؛
لكونها كالنقيصة مغيّرة لهيئة العبادة التوقيفية موجبة لبقاء الذمة تحت العهدة؛ ومع ذلك المعتبرة به مستفيضة، منها الصحيح : «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل الصلاة استقبالا»
وبمعناه الموثق وغيره.
وفي الموثقين القريب أحدهما من الصحيح، بل صحيح : «لا يعيد
الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة».
ومقابلة الركعة فيهما بالسجدة قرينة على أنّ المراد بالركعة الركوع، ولا قائل بالفرق بينه وبين السجدتين.
وخروج كثير من الأفراد من إطلاق الصحيح الأول وما في معناه غير قادح ولو كانت أكثر؛ إذ ليس كالعموم اللغوي لا يقبل التخصيص إلى أن يبقى الأقل.
فما يقال في الجواب عنهما من حملهما على زيادة ركعة حذرا عن ارتكاب التخصيص البعيد ضعيف.
وأضعف منه التأمل في الدليل الأول مع عدم ظهور وجهه،
سيما وأنّ دأب العلماء حتى المتأمل التمسك به في إثبات كثير من الواجبات في العبادات،
وبطلانها بالإخلال بها مطلقا.
وكما تبطل بزيادة أحد الركنين كذا تبطل بزيادة ركعة مطلقا على الأشهر الأقوى؛ لما مضى من الأدلة حتى القاعدة، بناء على المختار من وجوب
التسليم وجزئيته مطلقا، وكذا على غيره لكن في الجملة.
مضافا إلى بعض الأخبار المنجبر ضعفها بالشهرة والمخالفة للعامة : في رجل صلّى العصر ست ركعات أو خمس ركعات، قال : «إن استيقن أنه صلّى خمسا أو ستا فليعد».
خلافا
للإسكافي فلا إعادة في الرابعة إن جلس بعدها بقدر
التشهد ،
واختاره الفاضلان في المعتبر
والتحرير والمختلف؛
للصحيحين؛
ولأن
نسيان التشهد غير مبطل فإذا جلس بقدره فقد فصل بين الفرض والزيادة.
وفيهما نظر؛ لضعف الثاني بأن تحقّق الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة في أثناء الصلاة.
والخبرين : بأنّ الظاهر أنّ المراد من الجلوس فيهما بقدر التشهد؛ لشيوع مثل هذا الإطلاق، وندور تحقق الجلوس بقدره من دون الإتيان به. ولو سلّم ففي مكافاتهما لما مرّ من الأدلة مناقشة واضحة، سيّما بعد احتمالهما الحمل على
التقية كما صرّح به جماعة
حاكين القول بمضمونهما عن أبي حنيفة المشهور رأيه في جميع الأزمنة وعليه أكثر العامة.
وقيل : إن تشهّد قبل الزيادة فلا إعادة؛
عملا بظاهر الصحيحين بالتقريب الذي عرفته، ولذا جعلا من أدلة استحباب التسليم لا التشهد.
وفيه ما عرفته من عدم المكافأة للأدلة المشهورة هنا؛ مضافا إلى أدلة وجوب التسليم المتقدمة في بحثه.
وعلى هذا القول لا فرق في وقوع الزيادة بعد تشهد الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية إن علّل زيادة على الصحيحين
باستحباب التسليم والخروج بالتشهد عن الصلاة، فتكون الزيادة بعدها.
(ولو نقص من عدد) ركعات (الصلاة) سهوا (ثمَّ ذكر)
النقصان بعد التسليم (أتم) مطلقا (ولو تكلّم على الأشهر) الأظهر؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المتقدمة جملة منها،
مضافا إلى
الإجماعات المنقولة على عدم بطلان الصلاة بالتكلّم ناسيا في بحث قواطع الصلاة، وتقدّم ثمة خلاف النهاية وقوله فيه بوجوب الإعادة مع ذكر ما يصلح له دليلا والجواب عنه.
ويحكى هذا القول هنا عن جماعة من القدماء
كالعماني والحلبي.
وحكى الشيخ عن بعض الأصحاب قولا بوجوب الإعادة في غير الرباعية،
ولم نعرف مستنده.
وإطلاق العبارة ـ كغيرها وجملة من النصوص الصحيحة وغيرها ـ يقتضي عدم الفرق بين ما إذا طال الزمان أو الكلام كثيرا بحيث يخرج عن كونه مصلّيا أم لا، وعزاه في التذكرة إلى ظاهر علمائنا.
خلافا لبعضهم ففرّق بينهما، فوافق الشيخ في الأول، والمشهور في الثاني.
ووجهه غير واضح، عدا الجمع بين النصوص وما دلّ على البطلان بالفعل الكثير. وفيه نظر؛ لاختصاص ما دلّ على البطلان بصورة العمد كما مرّ في بحثه؛
مع نقل الإجماع على عدمه فيما نحن فيه{وهو صورة السهو والنسيان. منه رحمه الله}.
ومع ذلك يردّه ظاهر الحسن ـ لو لم نقل صريحه ـ : قلت : أجيء إلى الإمام وقد سبقني بركعة في
الفجر ، فلمّا سلّم وقع في قلبي أني أتممت، فلم أزل أذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس، نهضت فذكرت أنّ الإمام قد سبقني بركعة، قال : «فإن كنت في مقامك فأتم بركعة، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة»
فتدبّر.
نعم، الأحوط الإعادة كما ذكره {أي : في صورة تخلّل الفعل الكثير}، بل مطلقا كما عليه الشيخ في
النهاية ومن تبعه، لكن بعد إتمام الصلاة {أي : الاحتياط المذكور يجب أن يكون بعد
الإتمام . منه رحمه الله} كما ذكرنا وتدارك ما يلزم السهو من سجدتيه.
(ويعيد لو استدبر
القبلة ) أو فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا كالحدث، على الأشهر الأقوى؛ للمعتبرة المستفيضة في استدبار القبلة ومنها الصحيح والموثقان،
وغيرها الواردة في خصوص المسألة،
مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها المتقدمة في كونه قاطعا للصلاة مطلقا.
وقد مرّ ثمة نقل خلاف جماعة في ذلك بتخصيصهم له بصورة العمد خاصة مع مستندهم والجواب عنه.
وأما هنا فلم ينقل الخلاف إلاّ من المقنع خاصة حيث قال : يتم صلاته ولو بلغ الصين،
ووافقه بعض متأخري المتأخرين؛
للصحاح المستفيضة إطلاقا في بعضها وتصريحا في جملة منها.
وهي غير مكافئة لما مرّ من الأدلة؛ مع احتمالها الحمل على
التقية كما صرّح به بعض الأجلة.
ومع ذلك فقول الصدوق رحمه الله بها غير معلوم وإن اشتهرت حكايته عنه، لما ذكره خالي
العلاّمة المجلسي رحمه الله بأنّه لم يجده فيما عنده من نسخة
المقنع ،
وقد مرّ في بحث القواطع موافقة إطلاق كلامه لما عليه الأكثر من كون
الاستدبار من القواطع مطلقا، وبالجملة فالقول المزبور ضعيف.
وأضعف منه القول بالتخيير بينه وبين المختار مع أفضليته، كما اتّفق لصاحبي
المدارك والذخيرة؛
للجمع بين الأخبار.
لفقد التكافؤ، مع عدم وضوح الشاهد عليه، وقوة احتمال كونه إحداث قول غير جائز.
وحيث ثبت
الإعادة بالاستدبار ثبت بغيره؛ لعدم قائل بالفرق، مضافا إلى عموم أدلة كونه من القواطع.
•
حكم السهو في غير أركان الصلاة، (وإن كان السهو عن غير ركن فمنه ما لا يوجب تداركا) وهو
الإتيان به بعد فواته (ومنه ما يقتصر معه على التدارك) خاصة (ومنه ما يتدارك مع سجود السهو) بعد
التسليم .
رياض المسائل، ج۴، ص۹۶-۱۱۹.