الطعمة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
حاول بعض الفقهاء ضبط مراتب
الإرث بأنّ القريب إن تقرّب إلى الميّت من غير واسطة فهو الطبقة الاولى، وإن كان بينه وبين الميّت واسطة واحدة فهو الطبقة الثانية، وإن كان بينه وبين الميّت أزيد من واسطة فهو الطبقة الثالثة، ثم يبحث عن ميراث الطبقة الاولى وهم الأولاد و
الأبوان وفيما يلي تفصيل ميراثهم ضمن جهات: الاولى- ميراث
الأبوين والأولاد، الثانية- ميراث أولاد الأولاد، الثالثة- ميراث الجدّ والجدّة مع الطبقة الاولى، الرابعة-
الحبوة ، الخامسة- الطعمة .
وأما الجهة الخامسة: فالمراد بها هنا: إطعام أبوي الميّت أبويهما، أي الجدّ والجدّة.
وهي في اللغة بمعنى: الرزق،
وفي النهاية: الطعمة- بالضم- شبه الرزق.
والمراد بها هنا:
إطعام أبوي الميّت أبويهما، أي الجدّ والجدّة.
وقد تكلّم الفقهاء فيها عن عدّة مسائل نستعرضها ضمن النقاط التالية:
لا خلاف في الجملة
في استحباب إطعام كلّ من أبوي الميّت أبويهما أو أحدهما بالسدس من نصيبهما لو زاد حظّهما من السدس.
كما إذا خلف الميّت أبويه وجدّاً وجدّة لأب وجدّاً وجدّة لُامّ فللأُمّ الثلث وللأب الثلثان، فيستحبّ للُامّ أن تطعم نصف نصيبها- السدس- جدّه وجدّته- أي أبويها- بالسويّة، وإن كان الموجود واحداً منهما كان السدس له. ويستحبّ للأب أن يطعم جدّه وجدّته- أي أبويه- سدس أصل
التركة - أي ربع الثلثين- بالسويّة، ولو كان الموجود واحداً منهما كان السدس له.
واستدلّ له:
أوّلًا: بقوله تعالى: «وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ»،
وذلك بحملها على
الاستحباب بقرينة ذيلها: «وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً».
وثانياً: بما ورد من النصوص:
منها: رواية
جميل بن درّاج عن الصادق عليه السلام : «أنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أطعم الجدّة امّ
الأب السدس وابنها حيّ، وأطعم الجدّة امّ
الامّ السدس وابنتها حيّة».
ومنها: روايته الاخرى عنه عليه السلام أيضاً: «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أطعم الجدّة السدس».
ومنها: رواية
زرارة عنه عليه السلام أيضاً: «أنّ نبي اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أطعم الجدّ السدس طعمة».
ومثلها غيرها من النصوص.
ووجه الدلالة على الاستحباب هو: «أنّ ما لم تظهر جهته لنا من أفعال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيستحبّ لنا التأسّي ولا يجب».
قد ذكروا لها عدّة شرائط وهي كالتالي:
لا خلاف في اشتراطها بين الفقهاء، فلا يستحبّ إطعام الأجداد على غيرهما من ولد الولد.
قال
المحقّق النجفي : «يعتبر فيه حياة
الأبوين ، خصوصاً إذا قلنا بأنّهما المخاطبان بالاستحباب، فلا يطعم الجدّ للأب ولا الجدّة له إلّا مع وجوده، ولا الجدّ للُامّ ولا الجدّة لها إلّا مع وجودها، بلا خلاف أجده فيه».
واستدلّوا عليه بالأخبار، كصحيحة جميل المتقدّمة، وبالأصل.
نعم، هناك روايتان رواهما
الشيخ الطوسي تدلّان على أنّ الجدّ يطعم من غير
اشتراط حياة الأبوين:
أوّلهما: «إذا ترك الميّت جدّتين امّ أبيه وامّ امّه فالسدس بينهما».
ثانيهما: «أطعم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الجدّتين السدس ما لم يكن دون امّ الامّ امّ، ولا دون امّ الأب أب».
إلّا أنّ الشيخ نفسه حملهما على
التقية فقال: «إنّ الوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على ضرب من التقيّة؛ لأنّ هذه قضيّة قضى بها أبو بكر في خلافته».
نصّ الفقهاء
على أنّ كلّاً من الجدودة يطعم مع وجود من يتقرّب به من الأبوين ولا يكفي وجود من يتقرّب بالآخر، فمع الأب يطعم أبوه وامّه ومع الامّ يطعم أبوها وامّها، ولو فقد أحدهما فلا طعمة لمن يتقرّب به.
واستدلّ عليه
برواية جميل عن
الإمام الصادق عليه السلام : «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أطعم الجدّة امّ الأب السدس وابنها حيّ، وأطعم الجدّة امّ الامّ السدس وابنتها حيّة».
لكن ظاهر
المحقّق السبزواري و
الفيض الكاشاني التردّد في المسألة، حيث نسبا اشتراط كون المطعم أحد الأبوين و
اختصاص الطعمة ممّن يتقرّب به إلى الفقهاء، ثمّ قال أوّلهما: «الروايات تدلّ على ثبوت الحكم في الصورة المذكورة، لا على التخصيص و
الاشتراط ».
ظاهر الفقهاء
اختصاص استحباب الطعمة بصورة عدم الولد، وكذا عدم ولد الولد،
وقيّد بعضهم الولد بالذكر
واستدلّوا عليه- مضافاً إلى
الإجماع - بالأصل،
فيقتصر على المتيقّن.
إلّا أنّ السيّدين الحكيم والخوئي توقّفا في ذلك.
لا خلاف
لدى الفقهاء في أنّه من شروط استحباب
الإطعام أن يكون نصيب المطعم أزيد من السدس وإلّا فلا يستحب؛ للأصل،
و
لاستفادة اعتبار الزيادة من لفظ الطعمة،
إلّا أنّهم اختلفوا في أنّه هل يكفي مطلق الزيادة عن السدس أم يشترط كونها بقدر السدس؟
فذهب جماعة منهم إلى كفاية مطلق الزيادة عن السدس،
فيستحب إطعام الجدّ والجدّة للأبوين، وإن كانت الزيادة عن نصيب كلّ واحد منهما أقلّ من السدس؛ لقاعدة
التسامح .
ويتحقّق ذلك فيما لو اجتمع
الأبوان مع البنت أو اجتمع أحدهما مع البنات، فإنّه تكون الزيادة حينئذٍ خمس الواحد وهو الباقي لهما بعد إطعام السدس.
وردّ ب: «أنّ المنصرف من الطعمة خلاف ذلك».
وذهب آخرون إلى
اعتبار أن تكون الزيادة السدس فما زاد،
فلا يستحبّ الطعمة عندهم إذا كانت الزيادة أقل من السدس كما في المثال المزبور؛ لأنّه يلزم حينئذٍ تفضيلهما على الأبوين، ويؤيّده
الأصل .
هذا كلّه بناءً على القول بعدم كون الاستحباب مشروطاً بعدم الولد، وأمّا بناءً على الاشتراط لا ثمرة لهذا النزاع؛ إذ لا تبقى صورة الزيادة فيها أقلّ من السدس.
وهو السدس، ولكن هل يكون من أصل المال أو من نصيب المطعم؟ فيه أقوال:
الأوّل: المشهور
أنّ مقدار الطعمة هو سدس أصل المال؛ لظهوره من لفظ السدس الوارد في الأخبار.
الثاني: أنّها سدس نصيب المطعم؛ لأنّ السدس يتحمّل الأمرين، والأقلّ ثابت قطعاً فينفى الزائد بالأصل،
وهو المنسوب إلى
الإسكافي .
الثالث: أنّه أقلّ الأمرين من سدس الأصل وزيادة نصيب المطعم من السدس مع الزيادة.
ويظهر من المحقّق النجفي بعد المقايسة بين القولين
إبداء الضابطة في ذلك حيث قال: «وقد يقال باستحباب أقلّ الأمرين من الزائد على السدس ومنه، لا السدس مطلقاً؛ فإنّه قد يستلزم زيادة طعمة الجدّ على ما يبقى للأب، ولا الزيادة مطلقاً؛ فإنّه قد تكون الزيادة في سهم الأب أزيد من السدس، كما في الأبوين والجدّ من قبل الأب والإخوة الحاجبين للُامّ عمّا زاد من السدس، فإنّ للأب حينئذٍ خمسة من ستّة، ولا يستحبّ له
إعطاء الأربعة قطعاً؛ ضرورة
اقتصار النصوص على إطعام السدس، فالضابط حينئذٍ ذلك.
كما أنّ الضابط عدم نقصان الأب عن السدس بالإطعام، ويمكن تنزيل النصّ والفتوى عليه، بل هو صريح القواعد وغيره».
وفيه جهات من البحث:
هل أنّ المطعم- بالفتح- هو الجدّ والجدّة مطلقاً سواء كانا من الأب أو من الامّ أو هو الجدّ والجدّة للأب فقط؟
ذهب المشهور إلى الأوّل.
واستدلّوا عليه:
أوّلًا: بالأخبار
المتقدّمة.
وثانياً:
باستواء الكلّ في الدرجة والنسبة، فيتساويان في الحكم.
وخالفهم بعض الفقهاء فذهبوا إلى اختصاصها بالجدّ والجدّة للأب.
هل أنّها تختصّ بالأجداد القريبين للميّت دون الأجداد البعيدين،
أو تستحب لهم مطلقاً؟
ذهب بعضهم إلى الأوّل؛ لظواهر الأخبار، وتبادر القريب من لفظ الجدّ، وللأصل.
وذهب بعض آخر إلى الثاني؛ لإطلاق النصّ والفتوى،
ومن هنا قال المحقّق النجفي: «وهو (القول باختصاص الطعمة بالجدّ القريب) إن لم يكن إجماعاً لا يخلو من بحث.
ثمّ إنّ المشهور
أنّه يقسّم السدس بينهما بالسويّة؛ لاستوائهما في
الاستحقاق من غير معارض،
فلا مرجّح لأحدهما بالسدس زيادة على الآخر، وقياس الطعمة على
الإرث باطل .
ولكن تنظّر فيه
الفاضل النراقي فقال: «في هذا
الاستدلال نظر؛ إذ لا يلزم من عدم المرجّح ثبوت التسوية؛ لأنّ الترجيح بلا مرجح إنّما يلزم لو قلنا باختصاص واحد منهما بالسدس أو الزيادة، أمّا لو قلنا بالتخيير في الأوّل أو الثاني فلا يلزم
الترجيح بلا مرجّح، بل هو الحكم بين الشيئين عند عدم المرجّح لأحدهما في الشرعيّات».
أنّه لم يفرّق أكثر الفقهاء في استحباب الإطعام بين المتحد من الأجداد والمتعدّد منهم؛
لأنّ الظاهر من الأخبار
إرادة طعمة الجدّ من حيث الجدودة وإن لم يذكر فيه إلّا الجدّ والجدّة،
فيشتركان حينئذٍ في السدس.
ولكن توقّف في ذلك السيّدان الحكيم والخوئي.
ثمّ إنّهم لم يقيّدوا الطعمة ببعض الأموال من التركة دون بعض.
ولكن قال
الفاضل الجواد : «قيل: إنّ الإعطاء مختصّ بالورق والعين، وأمّا الأرضون والرقيق فلا، بل يقولون قولًا معروفاً، أي يعتذرون إليهم في ذلك فيقولون لهم: ارجعوا بورك فيكم».
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۱۸۵- ۱۹۰.