الحبوة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
حاول بعض الفقهاء ضبط مراتب
الإرث بأنّ القريب إن تقرّب إلى الميّت من غير واسطة فهو الطبقة الاولى، وإن كان بينه وبين الميّت واسطة واحدة فهو الطبقة الثانية، وإن كان بينه وبين الميّت أزيد من واسطة فهو الطبقة الثالثة، ثم يبحث عن ميراث الطبقة الاولى وهم الأولاد و
الأبوان وفيما يلي تفصيل ميراثهم ضمن جهات: الاولى- ميراث
الأبوين والأولاد، الثانية- ميراث أولاد الأولاد، الثالثة- ميراث الجدّ والجدّة مع الطبقة الاولى، الرابعة- الحبوة، الخامسة-
الطعمة .
وأما الجهة الرابعة : فالمراد بها هنا
إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة ابتداءً من دون أن يوصي بها أو وصلت إليه بالقسمة.
وهي في اللغة:
الإعطاء ، يقال: حبا الرجل حبواً: أعطاه، و
الاسم الحبوة والحباء، وقيل: العطاء بلا منٍّ ولا جزاء،
والمراد بها هنا إعطاء
الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة ابتداءً من دون أن يوصي بها أو وصلت إليه بالقسمة.
وهو نوع من الميراث المتّفق عليه بين
الإماميّة ومن مختصّات مذهبهم وضرورياته.
وبذلك تظافرت نصوصهم عن أئمّتهم عليهم السلام
:
منها: صحيح
ربعي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه».
ومنها: صحيحه الآخر عنه عليه السلام أيضاً: «إذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور».
وغيرها من النصوص.
وحكمة تشريع الحبوة- كما ذكر بعض الفقهاء- أمران:
أ- إنّ الولد الأكبر قائم مقام أبيه، وربّما كان واقعاً في منصبه ومنزلته، فكان أولى بما يختصّ به من ثيابه وسيفه وخاتمه ومصحفه وغيرها لتتحقّق النيابة وتتمّ الخلافة، وربّما ظهر بهذا خير كثير للورثة و
انتظام أمرهم.
ب- إنّ الحبوة بإزاء ما فرضه اللَّه تعالى على هذا الولد من الحقوق تجاه والده كوجوب قضاء ما فاته من صلاة أو صوم.
والكلام في أحكام الحبوة يقع ضمن عدّة امور ومطالب:
اختلف الفقهاء- بعد التسالم على اختصاص الحبوة بالولد الأكبر- في كونه على سبيل الوجوب أو
الاستحباب على قولين:
الأوّل: ذهب المشهور إلى أنّه على سبيل الوجوب،
بمعنى أنّ الولد الأكبر يختصّ بإرث هذه الأشياء كما يختصّ بإرث سهمه الذي عيّنه اللَّه تعالى له، فلا يسقط حقّه منه
بالإعراض ، ولا يتوقّف على دفع باقي الورثة له ولا على رضاهم.
قال
ابن إدريس قدس سره: «... هو الظاهر المجمع عليه عند أصحابنا، المعمول به وفتاويهم في عصرنا هذا وهو سنة ثمان وثمانين وخمسمائة عليه بلا
اختلاف بينهم».
وقال
السيد العاملي : «بل هو معروف من مذهب الإماميّة حتى شنّع عليهم العامّة بذلك وانتهض المفيد لردّ
التشنيع ».
و
المحقق النجفي - بعد حكاية
الإجماع عليه عن السرائر- قال: «وهو الحجّة بعد
الاعتضاد بالشهرة العظيمة».
واستدلّ له بظهور (اللام) في النصوص الواردة في المقام- كقوله عليه السلام: «فلأكبر من ولده» أو «فللأكبر من الذكور» - في الملكيّة و
الاستحقاق أو الاختصاص،
فلا معنى لحملها على الندب.
وهذا الظهور هو مستند أدلّة
الإرث في الكتاب والسنّة،
كقوله تعالى: «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ»،
وقول
الإمام الباقر عليه السلام في رواية زرارة: «المال للابنة، وليس للُاخت من
الأب والامّ شيء».
القول الثاني: أنّه على سبيل الاستحباب، ذهب إليه جماعة منهم
السيد المرتضى و
العلّامة الحلّي .
واستدلّ عليه بأنّه حكم مخالف للأصل، فلا يصار إليه إلّا بدليل قاطع.
وبأنّ عموم آيات المواريث ورواياته شامل للحبوة، إلّا أنّه قام الإجماع على
أولويّة اختصاصها بالولد الأكبر، وما دلّ على
الاختصاص من الروايات لا يدلّ على أكثر من الاستحباب.
وضعف هذا
الاستدلال في قبال الأوّل ظاهر؛ إذ- بعد كون أخبار الحبوة ظاهرة في الوجوب كما تقدّم- يخصّص بها عمومات الكتاب والسنة، كما ثبت في محلّه، ولعلّه لأجل ذلك استقرّ رأي جماعة من أعلام العصر
على موافقة المشهور.
ثمّ إنّه بناءً على الاستحباب، استظهر
المحقّق النراقي من أدلّة القائلين به استحباب الحباء في نفسه لا على الورثة فقط.
ولكنّه اختار القول باستحبابه على الورثة؛ مستدلّاً عليه بأنّ الاستحباب حكم شرعي فلا بدّ من أحد يستحبّ له، ولا أحد سوى سائر الورثة؛ إذ الاستحباب لغيرهم ينافي ملكيّتهم.
ثمّ إنّهم- على كلا القولين- اختلفوا في أنّها تؤخذ مجّاناً أو تحسب على الولد الأكبر من الميراث؟
المشهور
بل ادّعي عليه الإجماع
أنّها تؤخذ مجّاناً، والمحبوّ (الولد الأكبر) يشارك سائر الورثة في الباقي من الميراث بقدر نصيبه،
وعليه فتوى أعلام الفقهاء المعاصرين كالسيد الحكيم و
السيد الإمام الخميني و
السيد الخوئي .
واستدلّ له بظهور المجّانيّة من اللام في النصوص الواردة في المقام، كقوله عليه السلام: «فللأكبر من ولده»،
وبه يخرج عن عموم أدلّة الإرث.
وبعبارة اخرى: أنّ نصوص الحبوة في نفسها ظاهرة في المجّانية؛ فإنّ سبيلها سبيل أدلّة الإرث الظاهرة في كون المال للورثة بغير عوض، كذلك نصوص الحبوة.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية أنّ جعل شيء لشخص من دون ذكر العوض ظاهر في التمليك المجّاني عرفاً،
بالإضافة إلى أنّ ظاهر أدلّة الإرث إنّ الورثة يستحقّون نصيبهم من جميع التركة بنحو
الإشاعة ومنها الحبوة، فإذا ثبت بالدليل اختصاصها بالواحد منهم يعلم عدم استحقاق غيره منها.
ولكن ذهب السيد المرتضى و
الإسكافي - على ما نسب إليه
- إلى أنّها تحسب عليه من ميراث أبيه واختاره العلّامة الحلّي وجملة ممّن تأخّر عنه؛
لقوّة ظهور آية الإرث في خلاف الروايات، و
إمكان الجمع بينها وبين الآية بحملها على
إرادة اختصاص أعيانها بالولد الأكبر فتحسب من سهمه فلا تتغيّر النسب والفروض المذكورة في آية الإرث.
هذا، وقد توقّف بعض الفقهاء في المسألة.
•
تعيين الحبوة ، اختلفت كلماتهم في تعيين ما يحبى به الولد الأكبر، والمشهور أنّها أربعة
:
لو تعدّدت الأجناس التي يحبى بها- كما لو مات الأب وله ثياب وخواتيم متعدّدة- فهل يحبى جميعها أم لا؟
كلام أكثر الفقهاء المتقدّمين خالٍ عن التعيين،
وأمّا الذين تعرّضوا للمسألة فقد ذهبوا إلى قولين:
لورودها بلفظ الجمع،
وأمّا ما كان منها بلفظ الواحد- كالسيف والمصحف- فيحبى الواحد ويرجّح ما يغلب نسبته إليه،
وإن تساوت نسبته إليه تخيّر في
إحباء واحد منها.
قال
الشهيد الثاني : «ولو تعدّدت هذه الأجناس فما كان منها بلفظ الجمع- كالثياب- يدخل أجمع، وما كان بلفظ الوحدة- كالسيف والمصحف- يتناول واحداً، فإن تعدّد في ملكه انصرف إلى ما كان يغلب نسبته إليه، فإن تساوت النسبة ففي تخيّر الوارث واحداً منها أو القرعة وجهان، أصحّهما الأوّل».
لظهور المفرد المعرّف كالسيف والخاتم والمصحف، والمفرد المضاف- كسيفه وخاتمه ومصحفه- في العموم شرعاً،
واختار هذا القول
السيد الحكيم .
وكذا الإمام الخميني حيث قال: «لا فرق في الثياب بين أن تكون مستعملة أو مخيطة للّبس وإن لم يستعملها، ولا بين الواحد والمتعدّد، كما لا فرق بين الواحد والمتعدّد في المصحف والخاتم والسيف لو كانت مستعملة أو معدّة للاستعمال».
وذهب السيد الخوئي إلى لزوم
الاحتياط بالمصالحة في غير الثوب حيث قال: «إذا تعدّد الثوب اعطي الجميع، ولا يترك الاحتياط عند تعدّد غيره من المذكورات بالمصالحة مع سائر الورثة».
هل يدخل في الحبوة ما يحرم استعماله على الرجل كالثوب من الحرير والخاتم من الذهب أم لا؟
استظهر الشهيد الثاني دخولها في الحبوة؛ لصدق
الاسم ، وعدم الملازمة بين الحرمة والحرمان.
وقوّى الفاضل النراقي عدم الدخول؛ لعدم معهوديّته لدى الشارع، قال: «لو كان بعض هذه الأجناس ممّا يحرم استعماله على الرجل كالثوب من الحرير والخاتم من الذهب فظاهر بعضهم الدخول؛ لصدق الاسم عرفاً، وعدم الملازمة بين الحرمة والحرمان. ويمكن
الإخراج ، بأنّ الاسم وإن كان صادقاً إلّا أنّ القرينة المخصّصة موجودة، وهو عدم كون مثله الثوب المضاف إليه والخاتم المضاف إليه وعدم معهوديّته عند الشارع، ولا يخلو عن قوّة».
وقال السيدان الحكيم والخوئي: «وفي دخول ما يحرم لبسه مثل خاتم الذهب وثوب الحرير
إشكال ».
لو لم يملك المورّث الفرد الكامل من الأعيان المحبوّة بل ملك بعضه- كنصف سيف مثلًا- ففيه وجهان:
الأوّل: دخوله في الحبوة؛ لقاعدة الميسور.
الثاني: عدم الدخول؛ لعدم صدق الاسم.
قال
المحقق النجفي : «الظاهر كون المدار في الأعيان المحبوّة صدق أسمائها كما في غيرها من موضوعات الأحكام».
•
شروط الحباء ، ذكر الفقهاء للحباء شروطاً منها: أن يترك الميّت مالًا غير الحبوة، وخلوّ
التركة من الدين المستغرق، خلوّ التركة عن الحقوق المتعلّقة بها كالرهن.
•
المحبو، وهو الولد الذكر الأكبر.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۱۶۶- ۱۸۴.