تعيين الحبوة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المراد بالحبوة هنا
إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة
ابتداءً من دون أن يوصي بها أو وصلت إليه بالقسمة واختلفت أقوال الفقهاء في تعيين ما يحبى به الولد الأكبر، والمشهور أنّها أربعة .
والمراد بها هنا ما يصدق عليه الكسوة والثياب عرفاً، سواء لاصقت الجلد كالقميص- مثلًا- أو أحاطت به كالعباءة ولو بالواسطة، أو كانت ملبوسة بالفعل ولو في وقتٍ، أو معدّة للبس له، أو الصالحة له كالزبون و
القباء والسراويل؛ للإجماع، ولأنّها متبادرة من لفظ (كسوته) و (ثياب جلده) في الروايات، وكذا الممطر والعباء والرداء والفراء و
الثوب من
اللبد ؛ لصدق الكسوة عليها.
ولا فرق بين الكسوة الشتائيّة والصيفيّة، ولا بين
القطن والجلد وغيرهما، ولا بين الصغيرة والكبيرة، فيدخل فيها مثل
القلنسوة .
نعم، مثل الفرش والدثار والوسائد،
وكذا الثياب المعدّة للتجارة أو لكسوة غيره من
أهل بيته وأولاده وخدّامه أو
الادّخار ونحوها لم تكن من الحبوة،
وكذا مثل الساعة.
واختلفوا في مثل العمامة والمنطقة ونحوهما ممّا يشدّ به الوسط والخفّ
وما في معناه ممّا يتّخذ للرجلين واليدين والثوب من اللبد والفراء ولباس الحرب وغيرها؛ لاختلافهم في صدق (ثوب
البدن ) أو (الثوب) و (الكسوة) عليها
أو للتشكيك في شمول العناوين الواردة في الروايات لمثل ذلك.
واستظهر السيّدان الحكيم والخوئي دخول الجورب والحزام والنعل فيها، فقالا: «وفي الجورب والحزام والنعل تردّد، أظهره الدخول».
وهو يطلق على حليّ للإصبع معروف، وما يوضع على الحجج، وبينهما عموم من وجه؛ لأنّ الخواتيم بعضها جامع للوصفين وبعضها مختصّ بأحدهما.
واشترط الشيخان المفيد والطوسي وابن حمزة
لبسه، فلا يشمل ما يوضع على الحجج فقط ولا يمكن لبسه، ولكنّ
الشهيد الثاني قوّى عدم اشتراطه.
ثمّ إنّ فصّ
الخاتم داخل فيه؛ لعدم الصدق على الخالي منه، ولا فرق فيه بين ما كان فصّه منقوشاً أم لا، أو بين المأخوذ من الفضّة أو الحديد أو غيرهما- إلّا الذهب-؛ لصدق
الاسم .
وأمّا الذهب ففيه احتمالان سيأتي التعرّض لهما في عنوان حكم
الأعيان المحرّمة .
وهو
القرآن المجيد ،
وأضاف الصدوق الكتب أيضاً؛ لاشتمال النصّ عليها،
وهو قوله عليه السلام: «إذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده».
ثمّ إنّه هل يشترط
الانتفاع به بالقراءة؟
استظهر الشهيد الثاني و
الفاضل النراقي عدم اشتراطه، وأنّ المصحف الذي لا ينتفع به كما لو كان المحبوّ منه امّياً لا يحسن القراءة يحسب من الحبوة؛ لعموم الأدلّة، وصدق الاسم.
وأولى منه
بالاحتساب لو كان حافظاً يستغني عنه لذلك أو كان أعمى.
واستشكل
المحقّق النجفي في
إحباء المصحف المُعدّ للحفظ والبركة والحرز ونحوها ممّا يستعمله من لم يحسن القراءة.
واختار السيدان الحكيم والخوئي أنّه: «... لو كان أعمى فالمصحف ليس منها. نعم، لو طرأ ذلك اتّفاقاً وكان قد أعدّهما (السيف والمصحف) قبل ذلك لنفسه كانا منها».
وهو من الأربعة المشهورة، وزاد عليه
الإسكافي السلاح؛
لقول الإمامين
الباقر و
الصادق عليهما السلام في حديث: «إنّ الرجل إذا ترك سيفاً وسلاحاً فهو لابنه».
لكن استظهر
السيّد الحكيم عدم دخول مثل البندقيّة والخنجر ونحوهما من آلات السلاح في الحبوة، وأمّا
السيد الخميني و
السيد الخوئي و
الشهيد الصدر فقد احتاطوا بالمصالحة عليه مع سائر الورثة.
والمراد من السلاح ما يتّخذ من الحديد آلة للحرب ليقاتل به كالسيف والرمح والسهم، ويتبعه ما يتوقّف عليه من غيره كخشب الرمح والسهم والقوس؛ لدلالة العرف عليه.
ويشمل السيف حليته وقبضته وحمائله وجفنه وسيوره؛ للتبعيّة عرفاً.
ثمّ إنّه زاد بعض الفقهاء كالصدوق قدس سره على الأربعة المشهورة الكتب والرحل والراحلة.
أمّا الرحل فيطلق لغة- بالاشتراك اللفظي- على المسكن، وعلى ما يستصحبه
الإنسان من الأثاث، وعلى رحل البعير، ويمكن أن يكون المراد به الكسوة.
أمّا الراحلة فالمراد بها المركب من
الإبل ذكراً كان أو انثى،
وتطلق على الناقة التي تصلح لأن ترحل.
ولم يذكر جمع منهم الثياب،
وآخر الخاتم من الأعيان المحبوّة.
والوجه في
اختلاف كلماتهم في ذلك يرجع إلى اختلاف النصوص الواردة في المقام: ففي بعضها: «إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه».
وفي آخر اضيف على المذكورات: «كتبه ورحله وراحلته وكسوته».
وفي ثالث: «إذا هلك الرجل وترك ابنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف».
وفي رابع: «الميّت إذا مات فإنّ لابنه السيف والرحل والثياب: ثياب جلده»،
وغيرها من الأخبار.
وقد نوقش بما عليه المشهور بأنّه ليس في الأخبار خبر صحيح جامع لهذه الأربعة: (الثياب والمصحف والخاتم والسيف).
واجيب عنه:
أوّلًا: بأنّ الجميع مذكورة في مجموع الروايات، وقد استمرّت طريقة العلماء- خصوصاً القدماء منهم- على
الاستدلال ببعض الرواية دون بعض.
وثانياً: بأنّ مستند المشهور هو
الإجماع ، لا خصوص الأخبار.
ثمّ إنّه مقتضى الصناعة الأخذ بالنصوص التامّة سنداً وإن كانت مختلفة من جهة المضمون؛ لما ثبت- في محلّه- من عدم تعارض الأدلّة المثبتة إذا كان الحكم بنحو مطلق الوجود، وبناءً على هذا لا دليل على
الاقتصار على الأربعة المشهورة لو لا دعوى الإجماع المتقدّم.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۱۷۰- ۱۷۴.