شروط الحباء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المراد بالحبوة هنا
إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة
ابتداءً من دون أن يوصي بها أو وصلت إليه بالقسمة، ثم ذكر الفقهاء للحباء شروطاً وهي كما يلي.
أن يترك الميّت مالًا غير الحبوة،
ذهب إليه جملة من الفقهاء
بل نسبه الشهيد في
المسالك إلى المشهور،
وظاهر كشف اللثام دعوى الاتّفاق عليه.
واستدلّ عليه- مضافاً إلى
الأصل - بلزوم الضرر و
الإجحاف بالورثة لو لا ذلك
وبالاقتصار على القدر المتيقن و
انصراف الأدلّة عن فرض عدم تخلف شيء آخر.
وذهب بعض إلى عدم
اشتراط ذلك؛
لإطلاق الأدلّة،
واختاره من المتأخّرين
الإمام الخميني حيث قال: «لا يعتبر في الحبوة أن تكون بعض التركة، فلو كانت التركة منحصرة بها يحبى الولد الأكبر على الأقوى، و
الاحتياط حسن».
ويمكن أن يكون الوجه فيه أنّ مقتضى
الإطلاق في أدلّة الحبوة هو عدم
اعتبار كون الحبوة من بعض التركة، وبذلك يندفع ما استدلّ به المشهور؛ لأنّه بعد
إحراز الإطلاق لا مجال بمقتضى الصناعة الفقهيّة للاقتصار على القدر المتيقّن، وكذا لا وجه للانصراف في هذا المجال، كما ثبت في محلّه. كما أنّه لا موضوع للإجحاف والضرر هنا، وعلى فرض تحقّقه لا مانع منه.
ولكن مع ذلك فإنّه خلاف المشهور، ولعلّ ذلك صار سبباً للتوقّف في المسألة لدى غيره ممّن عرفت، وكذا من المتأخّرين السيدين الحكيم والخوئي.
ثمّ إنّهم بناءً على الاشتراط ذكروا في مقدار ما يخلف الميّت غير الحبوة وجوهاً
:
منها: أن يكون بحيث يعادل نصيب كلّ من الورثة مقدار الحبوة.
ومنها: أن يكون بحيث يعادل نصيب الكلّ مقدار الحبوة.
ومنها: كفاية بقاء أقلّ ما يتموّل لتحقّق الشرط به.
قال
المحقّق النجفي : «لا يخفى عليك ما في أصل اعتبار ذلك (ما يزول به الإجحاف) من
الإشكال ، بل هو من التهجّس في الحكم الشرعي، والقول به من غير دليل. ولعلّ المتّجه دوران الحكم على صدق كون الحبوة من متاع بيته وبعض تركته».
خلوّ التركة من الدين المستغرق، فإنّه لا خلاف بينهم في اشتراط ذلك؛
لتقدّم الدين على
الإرث نصّاً وإجماعاً،
فلا حبوة؛ إذ لا إرث.
قال
الفاضل النراقي : «بل لو قيل بعدم كونها إرثاً أيضاً يمكن
إثبات المطلوب بصحيحتي
زرارة وأبي ولّاد».
ففي صحيحة زرارة قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل مات وعليه دين بقدر كفنه؟ قال: «يكفّن بما ترك»،
فإنّها بإطلاقها شاملة للحبوة أيضاً. ونحوه صحيحة أبي ولّاد عنه عليه السلام
أيضاً فقدّم ديونه والكفن عليها.
وذهب السيّدان الحكيم والخوئي إلى أنّه إذا كان على الميّت دين مستغرق للتركة جاز للمحبوّ فكّها بما يخصّها من الدين.
وأمّا الدين غير المستغرق فهو كغيره من الحقوق المتعلّقة بالتركة الآتي ذكرها.
خلوّ التركة عن الحقوق المتعلّقة بها كالرهن، فلو كانت هذه الأعيان أو بعضها مرهونة على دين على
الأب قدّم حقّ المرتهن على حقّ الولد.
قال
الشهيد الثاني : «وروعي في
استحقاقه افتكاكها من الرهن، ولا يجب على الوارث فكّها؛ للأصل، وحينئذٍ فللولد أن يفكّها من ماله ليختصّ بها، ولا يرجع بما غرم على التركة؛ لتبرّعه
بالأداء ».
واستوجهه
السيّد الحكيم ، إلّا أنّه توقّف في الرجوع إلى الورثة بما غرم، وذهب
السيد الشهيد الصدر إلى أنّ الأقرب التفصيل، فلو فكّ بدون مراجعة سائر الورثة لم يرجع إليهم، وإن رجع وكان الفكّ بإذنهم أو مع
امتناعهم و
إذن الحاكم الشرعيّ باعتباره وليّ الممتنع صحّ له الرجوع.
وذهب
السيّد الخوئي والسيّد الشهيد الصدر إلى أنّه لو كانت أعيان الحبوة أو بعضها مرهونة وجب فكّها من مجموع التركة، فتتحمّل الحبوة أيضاً مئونة الفكّ بنسبتها.
أمّا عدم تعلّق الكفن والتجهيز والدين الغير المستغرق والوصيّة بالتركة فقد ذهب
الشهيد الثاني والسيّد الطباطبائي إلى أنّ الموافق للُاصول الشرعيّة
بطلان الحباء في مقابلة ذلك كلّه؛ لأنّ الحبوة نوع من الإرث و
اختصاص فيه، والدين والوصيّة والكفن ونحوها تخرج من جميع التركة ونسبة الورثة إليه على السواء.
وذهب المحقّق النجفي إلى أنّ المتّجه عدم مزاحمة غير المستغرق من الدين والوصيّة بالمائة- مثلًا- والكفن للحبوة، مع فرض
إمكان خروجها من غيرها، وقال: «بل تخرج هذه أجمع من غير أعيان الحبوة ترجيحاً؛ لإطلاق الأدلّة، ولأنّ تنفيذها من غيرها مشترك أيضاً بين المحبوّ وغيره من الورثة، بخلاف تنفيذها منها؛ فإنّ الضرر خاصّ بالمحبوّ».
وذهب السيّد الخوئي والسيّد الشهيد الصدر إلى أنّه إذا لم يكن الدين مستغرقاً للتركة جاز للمحبوّ فكّها بالنسبة، فإذا كان دينه عشرة دراهم وكان ما زاد على الحبوة من التركة يساوي ثمانية وقيمة الحبوة أربعة فكّها المحبوّ بثلاثة دراهم وثلث درهم، وإذا كان الدين في الفرض المذكور ثمانية دراهم فكّها المحبوّ بدرهمين وثلثي درهم وهكذا. وكذا الحكم في الكفن وغيره من مئونة التجهيز التي تخرج من أصل التركة،
وبه قال السيد الحكيم مع
اختلاف يسير في المعادلة.
واحتاط الإمام الخميني بأنّه في فرض عدم مزاحمة تكفينه وديونه للحبوة بأن يكون ما تركه من غيرها كافياً لسدّ ديونه وكفنه على الولد أن يعطي منها أيضاً بالنسبة.
هذا إذا لم تكن الوصيّة بعين مخصوصة خارج عن الحبوة.
وأمّا إن كانت الوصيّة بعين مخصوصة غير الحبوة فلا تزاحم الحباء لو كانت بمقدار الثلث.
وإذا لم تكن بمقدار الثلث إلّا بملاحظة الحبوة فقال بعض الفقهاء
:
إنّه في هذا الفرض يكون شبيهاً بمسألة الوصيّة بثلث ماله، وفيها احتمالان:
الأوّل: أنّه يخرج الثلث من ماله بما فيه الحبوة؛ لإطلاق جواز الوصية بالثلث، والحباء إنّما يزاحم الوارث لا الوصيّة.
الثاني: أنّه يلحظ ثلثه من غير الحبوة؛ لظهور وصيّته به في
إرادة ثلث ماله الذي له فيه ثلثه،
وأمّا أعيان الحبوة فهي جميعها له كما هو مقتضى خبر
سماعة قال: سألته عن الرجل يموت، ما له من متاع البيت؟ قال: «السيف، والسلاح، والرحل وثياب جلده»،
فيكون له حينئذٍ من ماله هذه الأعيان والثلث من غيرها.
وقوّى المحقّق النجفي مزاحمة الوصيّة وغيرها من الحقوق للحبوة مع فرض توقّفها عليها فقال: «والظاهر اعتبار الثلث منها مع فرض إطلاق الوصيّة به؛ لتوقّف تنفيذ تمام الوصيّة على ذلك».
وهذا هو مختار السيّد الخوئي والسيّد الشهيد الصدر، حيث ذكرا أنّه إذا أوصى بمائة دينار فإن كانت تساوي المائة ثلث التركة أو تنقص عنه فإنّها تخرج من مجموع التركة بالنسبة.
وهو الذي يظهر من الإمام الخميني أيضاً،
وذهب السيّد الحكيم إلى أنّها تخرج من غير الحبوة.
وأمّا لو كانت
الوصية بعين من أعيان الحبوة أو جميعها لغير الولد الأكبر فقد صرّح الفقهاء بصحّة ذلك،
إلّا أنّهم اختلفوا في أنّ ذلك هل يحتسب من الثلث أو من غيره
؟
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۱۷۶- ۱۸۱.