العتق بالسراية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وأمّا) العتق بـ (السراية) وهو
انعتاق باقي المملوك إذا أُعتق بعضه بشرائط خاصّة.
(فمن أعتق شقصاً) بكسر الشين أي جزءاً من عبده أو أمته وإن قلّ الجزء منه (عتق) عليه (كلّه) أجمع وإن لم يملك سواه، على الأظهر الأشهر، بل ظاهر العبارة وكثير من الأصحاب
عدم الخلاف فيه، وفي الروضة : ربما كان إجماعاً، لكن فيها وفي المسالك نسب القول بعدم
السراية إلى جمال الدين بن طاوس خاصّة.
ولا ريب أنّه الأوفق بالأصل، وظاهر كثير من النصوص المتضمّنة للصحيح وغيره،
إلا أنّ ظاهر
اتّفاق الأصحاب الذي كاد أن يلحق بالإجماع بل وربما يقطع بتحققه بعد معلوميّة نسب السيد وعدم حصول قدح فيه بخروجه، يخصّص
الأصل ويوجب طرح ما بعده أو تأويله بما لا ينافي السراية، سيّما بعد
اعتضاده بروايتين
هما حجّة أُخرى مستقلّة،
بانجبارهما بالشهرة العظيمة وإن لم تبلغ درجة
الإجماع ، مع أنّ الفرض خلافه، مع أن إحداهما موثقة : إنّ رجلاً أعتق بعض غلامه، فقال
عليّ عليه السلام : «هو حرّ، ليس لله فيه شريك». فميل صاحب الكفاية إلى موافقة السّيد ضعيف غايته.
(ولو كان له) أي للمعتق (شريك) في العبد الذي أعتق شقصه (قوّم عليه نصيبه) أي الشريك (إن كان) المولى المعتق (موسراً).
وذلك كما ذكر الشهيدان وغيرهما
بأن يملك زيادةً عما يستثني في الدين، من داره وخادمه ودابته وثيابه اللائقة بحاله كميّةً وكيفيّةً، وقوت يوم له ولعياله، ما يسع قيمة نصيب الشريك، فيدفع إليه ويعتق، بلا خلاف فيه لو قصد بالعتق
الإضرار على الشريك، إلاّ من المحكي عن الحلبي، فأطلق وجوب السعي على العبد
كما يأتي.
وكذا لو لم يقصده عند الأكثر.
خلافاً للشيخ، فأوجب السعي على العبد في الفكّ حينئذ،
كما سيذكره وللإسكافي
فخيّر الشريك بينه وبين
إلزام المعتق قيمة نصيبه. ولا شاهد له.
(وسعى العبد في فكّ باقيه إن كان) المولى (المعتق معسراً) بلا خلاف إن لم يقصد الإضرار، بل قصد القربة خاصّة، وكذا إن قصده عند الأكثر ومنهم المفيد والديلمي والصدوق،
والمرتضى مدّعياً عليه وعلى ما مرّ إجماع
الإمامية ؛
وهو الحجّة فيهما، مضافاً إلى الصحيحين.
في أحدهما : «من كان شريكاً في عبد أو أمة قليلاً كان أو كثيراً فأعتق حصّته وله سعة، فليشتره من صاحبه فيعتقه كلّه، وإن لم يكن له سعة من المال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق، ويسعى العبد في حساب ما بقي».
وفي الثاني : في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه قال : «إن كان موسراً كُلّف أن يضمن، وإن كان معسراً اخدمت بالحصص».
ويذبّ عما يرد على ذيله من
المناقشة بحمل
الإخدام على السعاية، أو تقييده بصورة عجز الجارية عنها لا مطلقاً. ونحوه المرسل كالصحيح.
وبها مضافاً إلى الإجماع المتقدم يجمع بين الأخبار المطلقة الدالّة بعضها على السراية عليه مطلقاً كالصحيح : عن المملوك يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، قال : «إنّ ذلك فساد على أصحابه، فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته» قال : «يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، وإنّما جعل ذلك لما أفسده».
والموثّق بعثمان : عن مملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، قال : «يقوم قيمة ويضمن الذي أعتقه، لأنّه أفسده على صاحبه».
والخبر : عن قوم ورثوا عبداً جميعاً فأعتق بعضهم نصيبه منه، كيف يصنع بالذي أعتق نصيبه منه، هل يؤخذ بما بقي؟ قال : «يؤخذ بما بقي».
والدالّ بعضها على عدم السراية عليه كذلك، كالخبرين أحدهما الموثّق : رجل أعتق شركة له في غلام مملوك، عليه شيء؟ قال : «لا».
وفي آخر : عن مملوك بين أُناس فأعتق بعضهم نصيبه، قال : «يقوم قيمة ثمّ يستسعى فيما بقي، ليس للباقي أن يستخدمه، ولا يأخذ منه الضريبة».
بحمل الأوّلة على صورة اليسار والثانية على صورة
الإعسار ، مع احتمال الأوّلين منها الحمل على نفي
الإثم دون نفي السراية. والجمع بينهما بالحمل على القول الآتي وإن كان ممكناً إلا أنّ هذا أقرب وأرجح جدّاً؛ للشهرة وحكاية الإجماع المتقدمة، وتعدّد ما دلّ عليه من النصوص المعتبرة.
وكيف كان، لا محيص من الجمع بين هذه الأخبار المطلقة بأحد
الأمرين ؛ لعدم ظهور قائل بإطلاق شيء منها في البين، إلاّ ما يحكى في الكفاية
عن الحلبي من الفتوى بمضمون الرواية الأخيرة، من
إطلاق الحكم على العبد بالسعاية. ووجوه القدح فيها ظاهرة؛ ولعلّه لذا لم يحك عن أحد من الأصحاب المصير إليه بالكليّة.
(وقيل) كما عن الشيخ في صريح النهاية والقاضي
: إنّه (إن قصد) بعتقه (الإضرار) على الشريك (فكّه إن كان موسراً، وبطل
العتق إن كان معسراً، وإن قصد القربة) خاصّة (لم يلزمه فكّه) وإن استحب (وسعى العبد في حصّة شريكه فإن امتنع) العبد عن
السعاية ، أو لم يكن له عليها قدرة (استقرّ ملك الشريك على حصته).
للصحيح : رجل ورث غلاماً وله فيه شركاء، فأعتق لوجه الله تعالى نصيبه، فقال : «إذا أعتق نصيبه مضارة وهو موسر ضمن للورثة، وإذا أعتق لوجه الله تعالى كان الغلام قد أُعتق من حصّة من أعتق، ويستعملونه على قدر ما أُعتق منه له ولهم، فإن كان نصفه عمل لهم يوماً وله يوم. وإن أعتق الشريك مضاراً وهو معسر فلا عتق له، لأنّه أراد أن يفسد على القوم، ويرجع القوم على حصّتهم».
وبه جمع بين الأخبار المطلقة المتقدمة : بحمل ما دلّ منها على السراية على ما إذا قصد الإضرار، وما دلّ منها على عدمها على ما إذا قصد القربة خاصّة.
وهو وإن أمكن كما تقدّم إلاّ أن الجمع بما مرّ أظهر؛ لقلّة التقييد فيما دلّ على الإطلاق على السراية على هذا، دون ما ذكره، لزيادة تقييد فيه بقصد الإضرار، والأصل عدمه، مضافاً إلى ما مرّ من وجوه الترجيح الأُخر.
مضافاً إلى قصور الصحيح المفصّل بما ذكر عن
إفادة جميع ما حرّره؛
لإشعار ذيله باختصاص
بطلان العتق في صورته بحصص الشركاء خاصّة، لا بطلانه بالكليّة كما ذكره ودلّ عليه قوله عليه السلام «ولا عتق له» قبله، وعدم دلالته على وجوب السعي على العبد في صورته
وانعتاقه بسعايته، لدلالته على بقاء رقّية نصيب الشريك وحصّته.
وتقييده بأحد ما مرّ في بعض الأخبار المفصّلة بغير ما اختاره، المتضمّنة لما يرد عليه نحو هذه المناقشة فرع وجود دلالة عليه، أو قرينة وليست موجودة. ولا كذلك ثمّة؛ لوجودها عليه بلا شبهة، للإجماع على أنه حيث صحّ عتق المعتق في نصيبه، ولم يسر عليه في نصيب شريكه، يجب على العبد السعاية إن أمكنه، وإلاّ فيستخدم بقدر الحصة. ولا إجماع في هذه الصحيحة لو حمل الحكم فيها في هذه الصورة على إطلاقه، بل يختصّ بما إذا قيّد بصورة إعسار المعتق خاصّة، مع أنّ سياقها وصريح القائل بها يدفع التقييد بها، ويثبتان الحكم مطلقاً.
اللهم إلاّ أن يبدّل
الإجماع بالصحيح : عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه، قال : «إن كان مضاراً كلّف أن يعتقه كلّه، وإلاّ استسعى العبد في النصف».
ويذبّ عن إطلاق صدره الشامل لما إذا كان معسراً بتقييده بما إذا كان موسراً؛ للصحيح الماضي.
والعجب من الشيخ
حيث حمل الأخبار المفصّلة على التفصيل الذي ذكره، بحمل صدرها الدالّ على
السراية مع السعة بصورة قصد الإضرار، وتقييد ذيلها الدالّ على السعاية بصورة قصد القربة خاصّة، مع أنه كما ترى يوجب التفكيك : بين موردهما، والحال حصول ما يقرب من القطع بوحدة الموردين بحكم السياق جدّاً.
وبالجملة ما ذكره الأكثر أظهر، وضعف هذا القول أظهر من أن يذكر، سيّما مع ما يرد عليه في الحكم بصحة العتق مع نيّة الإضرار واليسار من
الإشكال ، لمنافاته
الإخلاص ، وإن ذبّ عنه جماعة منهم الفاضل في المختلف،
بحمل نيّة الإضرار على ما لا ينافي القربة، وهو ما لو كانت تابعة للقربة، وكون القربة بالذات مقصودة، لا صورتي العكس وتجرّدها عن القربة، لفساد العتق فيهما بلا شبهة.
ثم إنه على المختار في وقت الانعتاق خلاف : فبين من جعله وقت العتق كالحلّي،
ومن جعله وقت أداء القيمة كالأكثر، كما يستفاد من عباراتهم المحكية في المختلف،
ومن جعله وقت العتق لكن مراعى بالأداء إن حصل تبيّن الانعتاق حينه، وإلاّ فلا عتق في نصيب الشريك.
وخير هذه الأقوال أوسطها؛
استصحاباً لعدم العتق السابق إلى حين
الأداء ، والتفاتاً إلى الإجماع عليه المستفاد من ظاهر المرتضى،
وأوّل الصحيحين المتقدم سنداً للأكثر فيما سبق المتضمّن لقوله عليه السلام : فليشتره من صاحبه فيعتقه كلّه، لعطف الإعتاق فيه على الشراء بالفاء المقتضي لتعقّبه عن الأداء، وهو ينافي العتق سابقاً، هذا.
مضافاً إلى التأيّد بما قيل : من أن للأداء مدخلاً في العليّة، ولهذا لا ينعتق مع الإعسار، وأنه لو انعتق بالإعتاق لزم
الإضرار بالشريك بتقدير هرب المعتق وتلف ماله.
ويتفرّع على الخلاف فروع جليلة ذكرها الأصحاب في كتبهم المبسوطة.وظاهر الصحيحة كما ترى اعتبار الشراء حقيقة، إلاّ أنّ في المسالك أنّ المراد به أداء القيمة لا حقيقتها إجماعاً.
وفي دعواه الإجماع عليه مع تعبير كثير من الأصحاب
بعين ما في الرواية من دون قرينة صارفة مناقشة، لكنّه أعرف بمراد الجماعة.
ثم ظاهرها أيضاً اعتبار
الإعتاق ثانياً بعد الشراء، ونحوها في هذا عبائر كثير من القدماء، كالنهاية والقاضي والصدوق.
ولكن ظاهر متأخّري الأصحاب
عدم الخلاف في حصول الانعتاق قهراً بمجرد أداء القيمة، وهو الظاهر من عبائر كثير من القدماء كالمفيد والحلّي والمرتضى،
بل ظاهره الإجماع عليه،
كما يستفاد من عبارته التي ادّعى فيها في أصل المسألة إجماعنا، فينبغي صرف الإعتاق في الرواية وكلام هؤلاء الجماعة إلى الانعتاق. ولو احتيط بالظاهر لكان أحوط.
(وإذا أعتق) المولى أمته (الحامل) برقّ (تحرّر الحمل) مطلقاً (ولو استثنى رقّه، لرواية السكوني) : في رجل أعتق أمته وهي حبلى، فاستثنى ما في بطنها، قال : «الأمة حرّة وما في بطنها حرّ، لأنّ ما في بطنها منها».
وأفتى بها في
النهاية ، وتبعه القاضي وابن حمزة،
وحكى في المختلف وغيره عن ظاهر الإسكافي.
(وفيه مع ضعف السند) به وبالنوفلي، والموافقة للعامّة كما في
المسالك والمختلف وغيرهما من كتب الجماعة،
وربما يؤيده مصير الإسكافي إليه وكون الراوي من قضاة العامة (إشكال منشؤه عدم القصد إلى عتقه) سيما مع استثنائه، مع عدم كونه جزءاً من أمته على الأشهر الأظهر، كما في كتاب
البيع قد مرّ، فكيف يسري عتقه إليه مع أنّ
الأصل عدمها، وأدلّتها لا تشمل مفروض المسألة،
لاختصاصها بسراية العتق في الأشقاص لا الأشخاص، ولذا اختار الحلّي
وعامة المتأخرين خلافه.
وهو في غاية القوّة، سيّما مع اعتضاده بما يأتي من المعتبرة الواردة في نظير المسألة من تدبير الأمة الحامل الدالّة على عدم السراية إلى ولدها : إمّا مطلقاً كما في بعضها،
أو بشرط عدم علم المولى بما في بطنها كما في آخر منها،
فلا وجه لما يستفاد من العبارة هنا وفي الشرائع من التردّد في المسألة،
سيّما مع
الاعتراف بضعف السند والمخالفة للقاعدة.
رياض المسائل، ج۱۳، ص۳۶-۴۵.