الغسالة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي الماء التي يزال بها الخبث و لحكمها أقوال سيأتي.
(وفي) تنجّس (ما يزال به الخبث إذا لم تغيره النجاسة قولان) بل أقوال.
(أشهرهما) وأظهرهما (التنجيس) مطلقاً من الغسلة الاولى وما زاد فيما يجب فيه التعدّد، كما عن
الإصباح والمعتبر وظاهر المقنع وصريح
التحرير والتذكرة والمنتهى،
وهو ظاهر مختار المصنف هنا وفي الشرائع.
لعموم ما دلّ على نجاسة القليل
باعتبار عموم مفهوم بعض أخباره، فثبتت الكلية وانقدح فساد القدح فيها.
وعموم المستفيضة الدالة على
إهراق ما لاقته المتنجسات من القليل، الدالة بظاهرها على النجاسة،
كما استدل بها لها.
ولا
اعتبار للنية في حصول التطهير، فيحصل مع عدمها.
ويدل عليه في الجملة خصوص مضمرة عيص المروية في الخلاف والمعتبر والمنتهى : عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء، فقال : «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه»
وفي بعض النسخ : «وإن كان وضوء الصلاة فلا يضره».
و
الإضمار ـ مع
تسليم القدح بسببه ـ وكذلك القصور بحسب السند منجبر بالشهرة.
وفي الخبر : «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ ( منه ) وأشباهه».
والاستدلال به يتم على تقدير
استلزام عدم رفع الحدث به النجاسة، ولا دليل عليه من الاخبار، و
الإجماع غير معلوم مع وجود القول
بالانفكاك ، مضمونه في المقام إجماعي كما عن المعتبر والمنتهى.
فسقط
الاستدلال به للمقام.
وقيل بالطهارة مطلقاً
للأصل، وما سيأتي في
الاستنجاء .
وضعفه ظاهر للخروج عن الأول بما قدّمناه، وعدم الكلام في الثاني ولكن لا ملازمة بينه وبين المقام، وهو مخصوص
بالاستثناء عمّا تقدّم بالنص والإجماع.
وقيل بها كذلك مع ورود الماء على النجاسة؛
التفاتاً إلى أداء الحكم بالنجاسة إلى عدم طهارة المتنجس أبداً.
وفيه ـ مع كونه أعم من المدّعى ـ منع؛ لتوقفه على ثبوت المنع من حصول التطهير بالمتنجس مطلقا، وليس كذلك، كيف؟! وحصوله به في بعض المواضع ـ كحجر الاستنجاء و
الأرض المطهّرة لباطن القدم مثلا ـ ممّا لا مجال لإنكاره. والإجماع على المنع لم يثبت إلّا في النجس قبله، وأمّا النجس في أثنائه فلا. وله جواب آخر.
وقيل بها في الولوغ مطلقاً، وفي الثانية من غسالة الثوب، وبضدها في الأولى منها؛
التفاتاً فيهما إلى ما تقدّم في دليلي الطهارة والنجاسة مطلقاً.
وهو مع ضعفه في الأول بما تقدّم جار في الشق الثاني، وكذلك الثاني جار في الشق الأول، فالتفصيل بقسميه لا وجه له.
ومرجع هذا القول بالنسبة إلى غسالة الثوب إلى أنّ الغسالة كالمحلّ بعدها أي بعد انفصالها عن المحل، وبالنسبة إلى الولوغ إلى أنها كهو بعد الغسل، كما أنّ مرجع القولين بالطهارة مطلقا أو في الصورة الخاصة إلى الأخير أيضا.
وعلى المختار فهل هي كالمحل قبلها حتى إذا كانت غسالة الاولى فأصابت شيئا وجب غسلة العدد، وإن كانت غسالة الثانية نقصت واحدة وهكذا، أو كهو قبل الغسل حتى يجب كمال العدد مطلقاً؟
وجهان، بل قولان :
من أن نجاستها فرع نجاسة المحل فتخفّ بخفّتها. وهو خيرة الشهيدين وغيرهما.
ومن أن نجاستها ليست إلّا النجاسة التي يجب لها العدد، والخفة في المحل إنّما هي لنفي الحرج، إذ لولاها لم يطهر. وهو خيرة
نهاية الإحكام ، واحتمل فيها النجاسة مطلقاً، وكونها كالمحل بعدها، حتى أن الغسالة الأخيرة طاهرة وما قبلها ينقص الواجب في المتنجس بها عن الواجب في المحل، لأنّ الماء الواحد الغير المتغير لا يختلف أحكام أجزائه طهارة ونجاسة، والغسالة الأخيرة لا شبهة في طهارة الباقي منها في المحل فكذا المنفصل، وعليها قياس ما قبلها.
والأقرب وجوب غسل ملاقيها مرتين مطلقاً لو قلنا بوجوبهما في مطلق النجاسات. وأمّا على
الاكتفاء بالمرة فيما لم يرد التعدد فيه ـ كما هو الأشهر الأظهر ـ فالمتجه الاكتفاء بالمرّة في الغسالة مطلقا ولو وجب التعدد لذي الغسالة لخصوص نجاسة كالبول والولوغ مثلاً؛ لصدق
الامتثال ، وعدم تسمية الغسالة بولا ولا ولوغاً. صرّح بما ذكرناه في
الروضة ،
ولكن الثاني أحوط.
وربما أشعر بالمختار هنا مضمرة عيص
لعدم التعرض فيها بغسل ما أصابته الغسالة مرتين مع التصريح فيها بكونها غسالة البول، وسيأتي اعتبار المرتين فيه، بل اكتفي فيها بإطلاق الغسل من دون تفصيل بين كونها من الأولى أو الثانية.
(عدا ماء الاستنجاء) للقبل والدبر ـ مطلقاً كما عن الأكثر، أو من الغسلة الثانية كما عن الخلاف
ـ إجماعاً؛ للمعتبرة المستفيضة، منها : الصحيح : عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجي به، أينجّس ذلك ثوبه؟ قال : «لا».
وظاهره كنفي البأس عنه في الصحيحين،
والمروي في العلل في تعليله بأن الماء أكثر من القذر
الطهارة، كما هو أظهر القولين في المسألة، بل عن
المنتهى عليه الإجماع.
والقول الآخر هو العفو عنه من دونها.
ولا ثمرة بينهما. إلّا ما صرّح به بعضهم من جواز التطهير به على الأول دون الثاني،
وفي المعتبر والمنتهى
الإجماع على عدم رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقاً، فتنحصر الثمرة في جواز
إزالة النجاسة به ثانياً. والأصح الجواز لما تقدّم، مع
الأصل والعمومات، مضافا إلى
أصالة بقاء المطهرية مطلقا، خرج ما خرج وبقي الباقي.
ويعتبر فيه مطلقاً عدم العلم بتغييره بالنجاسة ووقوعه على نجاسة اخري خارجة ولو من السبيلين. ووجهه واضح.
وربما اعتبر امور اخر، كعدم انفصال أجزاء من النجاسة متميزة مع الماء، وعدم سبق اليد محل النجو على الماء، وهو أحوط.
(ولا) يجوز (أن يغتسل بغسالة الحمّام) وهي الجيّة (بالكسر وتشديد الياء : مستنقع الماء)،
وفاقاً لأكثر الأصحاب، بل عليه الإجماع في كلام بعضهم
لأصالة بقاء التكليف، وللروايات المنجبرة ضعفها بالشهرة.
مع أنّ فيها الموثّق المروي في العلل : «إياك أن تغتسل من غسالة الحمّام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني و
المجوسي والناصب لنا
أهل البيت وهو شرّهم، فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، وإنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه».
ويستفاد منه ـ كبواقي الروايات ـ أن العلّة في المنع عن الغسل النجاسة، ولعلّه لذا منع بعضهم من
الاستعمال مطلقاً، وعليه ادعى الإجماع.
وينزل عليه كلام من خصّ المنع عن الغسل كما في المتن وغيره
أو التطهير كما في بعض العبارات
بالذكر، كما يشعر به أيضاً بعضها من حيث تضمنه للتعليل الوارد في الروايات، وبها صرّح بعض متأخري الأصحاب.
فينبغي تخصيص المنع بعدم العلم بالطهارة واحتمال تحقق الأمور المذكورة، كما يشير إليه قوله كغيره (إلّا أن يعلم خلوها من النجاسة).
وعليه ينزل بعض العبارات المانعة من استعمالها مطلقاً.
وقوّى جماعة من المتأخرين ـ كالمصنف في المعتبر ـ الطهارة؛
للأصل، والعمومات، وضعف الأخبار المانعة، مع
احتمال اختصاصها بما علم اشتماله على الغسالات المذكورة فيها، ومنع الإجماع المدّعى. وهو قوي.
وتؤيده المعتبرة، ففي الصحيح : الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره، يغتسل من مائه؟ قال : «نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب، ولقد اغتسلت فيه ثمَّ جئت فغسلت رجلي، وما غسلتهما إلّا ممّا لزق بهما من التراب».
وفيه : قال : رأيت
أبا جعفر عليه السلام جائيا من الحمّام وبينه وبين داره قذر، فقال : «لو لا ما بيني وبين داري ما غسلت رجلي، ولا تجنبت ماء الحمّام».
وبمعناه الخبر الموثق، وزيد فيه : لا يغسل رجله حتى يصلي.
وحمل الحمّام فيها على الغالب يأبى عن حملها على حمّام علم طهارة أرضه، مع أنه نفي البأس عن غسالته إذا أصابت الثوب في المرسل
من دون
استفصال .
وكيف كان فينبغي القطع بعدم جواز التطهير به مطلقاً مع عدم العلم بطهارته، وأما سائر الاستعمالات فالجواز قوي، لكن
الاجتناب أحوط.
رياض المسائل، ج۱، ص۶۷- ۷۴.