الكعبان في الوضوء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الأمر الخامس في مبحث كيفية الوضوء بعد ذكر النية و غسل الوجه واليدين و
مسح الرأس هو
مسح الرجلين ، وفي وجوب مسح الكعب من الرجل وجهان، بل قولان، أحوطهما ذلك، وإن كان ظاهر بعض الصحاح ـ المتقدم في كفاية المسمى في المسح والمعتبرة النافية لوجوب
استبطان الشراكين .
(وهما) أي الكعبان (قبّتا القدم) أمام الساقين ما بين المفصل والمشط، (مشط القدم : العظام الرقاق المفترشة فوق القدم دون الأصابع )
عند علمائنا أجمع، كما عن
الانتصار والتبيان والخلاف و
مجمع البيان والمعتبر والمنتهى و
الذكرى وابن زهرة،
و
ابن الأثير وغيره،
حيث نسبوا ذلك إلى
الشيعة . بل يستفاد من
التهذيب كونه مجمعاً عليه بين كل من قال بوجوب المسح من الأمة، صرح بذلك في شرح كلام
المقنعة الصريح فيما ذكرناه بل هو عينه.
وهو المتفق عليه بين لغويينا،
وجمع من لغوي العامة بل جميعهم
لعدم الخلاف بينهم في تسمية ذلك كعباً، وإنّما الخلاف بينهم في تسمية ما عداه به، كما صرّح بالأمرين جماعة، بل وعن
الصحاح كونه مذهب الناس عدا
الأصمعي .
وهو المحكي في كلام
الفرّاء ، عن الكسائي، عن
مولانا محمّد الباقر عليه السلام ، حيث إنه أشار في البيان (أي بيان الكعب) إلى مشط الرّجل قائلا : إنه مذهب الخاصة.
وأخبارنا به مع ذلك مستفيضة، ففي الصحيح : «وإذا قطع ـ أي
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ـ الرّجل قطعها من الكعب».
وهو فيما ذكرنا ظاهر بناءً على أن موضع القطع عند معقد
الشراك بإجماعنا المستفيض نقله عن جماعة
من أصحابنا، وأخبارنا.
ففي المروي مسندا في الفقيه و التهذيب والكافي عن
مولانا الصادق عليه السلام : «إنما يقطع الرّجل من الكعب، ويترك من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد اللّه» الحديث.
وهو ـ كما ترى ـ صريح في المطلبين،(أي كون الكعب وسط القدم وأنه مقطع رجل السارق) وسيأتي ما يدل على الثاني أيضاً.
وفي الصحيح : عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع، فمسحها إلى الكعبين إلى ظهر القدم
أو : ظاهره على
اختلاف النسختين. وظهوره فيما ذكرناه بناءً على
إطلاق اللفظتين لما ارتفع وليس من القدم إلّا وسطه. وينقدح منه وجه
الاستدلال بالخبرين الموصف عليه السلام له في أحدهما في ظهر القدم،
والواضع يده عليه قائلاً : «إنّ هذا هو الكعب» في ثانيهما.
وحمل الثلاثة الأخيرة ـ ككلام أكثر الأصحاب ـ على قول من يذهب منّا إلى أنه المفصل بين الساق والقدم، بإرادة العظم المائل إلى
الاستدارة الواقع في ملتقى الساق والقدم الناتئ في وسط القدم عرضا نتوّا غير محسوس، من العظم (متعلق بـ : إرادة ) الناتئ في وسط القدم، كما في عبارات الأكثر، ومن ظهر القدم كما في الثلاثة.
بعيد مخالف للظاهر والمتبادر منهما كما اعترف به الحامل،
فلا وجه له أصلا سيّما بعد ذلك، مضافا إلى عدم قبول ظاهر عبارات الأكثر ذلك، لوصفه بالنتوّ في ظهر القدم عند معقد الشراك في عبارة، وكونه معقد الشراك في أخرى، وكونهما في ظهر القدم عند معقد الشراك في ثالثة، وأنهما في معقد الشراك في رابعة.
ولعل الحامل للحامل بهذا الحمل واختياره ذلك مذهباً نسبة ذلك إلى الشيعة في كلام جماعة من العامة،
وكلام
أهل التشريح، وظاهر الصحيح بزعمه، وفيه : قلنا : أين الكعبان؟ فقال : «ها هنا» يعني المفصل دون عظم الساق، فقلنا : هذا ما هو؟ فقال : «هذا عظم الساق»
كذا في التهذيب، وفي الكافي بزيادة قوله : «والكعب أسفل من ذلك».
وفي الجميع نظر :
ففي الأول بالمعارضة بنسبة من تقدّم من علمائهم أيضاً ما ذكرناه إلينا. والثاني بالمعارضة بكلام اللغويين منّا وغيرهم ممّن خالفنا كما عرفت، مضافاً إلى المعارضة بالإجماعات المستفيضة فيهما. والثالث بالمعارضة بالصحيح الأول وتاليه الصريحين فيما ذكرنا، و
احتمال أن يراد بالمفصل فيه مقطع السارق أي المفصل الشرعي، بل لعلّه الظاهر بملاحظة بعض المعتبرة كالرضوي : «يقطع السارق من المفصل ويترك العقب يطأ عليه» (لم نعثر عليها في
فقه الرضا وقد، نقلها صاحب الوسائل
عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي، ولعلّ منشاء النسبة إلى الرضوي
امتزاج نوادر
أحمد ابن محمد بن عيسي بالفقه الرضوي في بعض نسخه. ) لإيمائه إلى معروفية المفصل عند الإطلاق في ذلك الزمان، وأنه الذي في وسط القدم، حيث أطلق عليه مجرّداً عن القرينة
ابتداء اتكالا على معروفيته.
ومنه ينقدح وجه استدلال المعظم من أصحابنا به لما ذهبوا إليه. هذا، مضافاً إلى دلالته على ما ذكرنا أيضاً ـ مع قطع النظر عن ملاحظة ما ذكر ـ بملاحظة لفظ الدون الدالّ على لزوم مسافة ولو في الجملة بين المفصل وعظم الساق، وليست مع
إرادة المفصل بين عظم الساق والقدم من لفظ المفصل فيه، بل المفصل حينئذ عين عظم الساق أو جزؤه، لكونه عبارة عن مجمع العظمين منه ومن القدم فكيف يكون دونه، وتتأيد الدلالة بملاحظة نسخة الكافي
كما لا يخفى.
فالمصير إلى هذا القول ليس بحسن مصير كما عن المختلف والشهيد في الرسالة وصاحب الكنز وغيرهم من متأخري المتأخرين.
هذا، وربما يؤوّل كلام الأول إلى ما يؤول إلى الأول ويدّعى عدم مخالفته له بتوجيه حسن مع شاهد جميل. وكيف كان فالمذهب : الأول، والأحوط : الثاني مع تأمل فيه. فتأمّل. ويؤيد المختار ما نصّ من الأخبار على المسح على النعلين من غير
استبطان الشراكين، خصوصاً على دخول الكعبين في الممسوحين كما هو أحوط القولين المتقدمين قبيل المقام.
رياض المسائل، ج۱، ص۱۳۹- ۱۴۳.