الكمية في الرضاع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا يكفى في
التحريم بالرضاع مسمى
الارتضاع بل لزم أن يكون مما ينبت اللحم ويشد العظم، بأن يكون يوما وليلة، أو عشر رضعات متواليات.
(الثاني : الكميّة) معتبرة بإجماع الطائفة خلافاً للمحكيّ عن مالك وأبي حنيفة
فالرضعة الحاصلة بأقلّ المسمّى غير كافية.
(وهي) تعتبر على الأشهر الأظهر بأُمور ثلاثة :
إمّا (ما أنبت اللحم وشدّ العظم) وهو تقدير بالأثر المترتّب عليه، ولا خلاف في اعتباره بين الطائفة، بل صرّح بالإجماع عليه جماعة؛
للنصوص المستفيضة : منها الصحيح : قلت : ما يحرم من
الرضاع ؟ قال : «ما أنبت اللحم وشدّ العظم» قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : «لا؛ لأنّه لا ينبت اللحم ولا يشدّ العظم».
والمستفاد منه كغيره
اعتبار الأمرين معاً، وهو ظاهر الأكثر.
وفي اللمعة :
الاكتفاء بأحدهما؛
ولعلّه للصحيحين : «لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم والدم».
وهو قويّ إن لم يتلازما، وإلاّ فلا ثمرة للخلاف. والمرجع فيهما بناءً على كونهما أصلين برأسهما إلى
أهل الخبرة ، ولا ريب في اشتراط عدالة المخبر. وفي
اشتراط التعدّد إشكال، وفي عدمه
احتمال قوي، إلاّ أنّ الأشهر الأول.
ثم إنّ حصر
التحريم بالرضاع في الأخبار في الأمرين، مع التعليل لعدم النشر بالعشر بعدمهما في الصحيح الأول، يعرب عن كونهما
الأصل في ثبوت النشر، وكون الأمرين الآتيين علامتين لهما، كما هو أظهر الأقوال، محكيّ عن جدّي المجلسي، واختاره الفاضل الهندي طاب ثراهما وهو ظاهر
الاستبصار .
وقيل : إنّهما والأمرين الآتيين كلّ منها أُصول.
وقيل : الأصل هو العدد، وإنّما يعتبر الآخران عند عدم
الانضباط بالعدد، كما عن المبسوط.
ولا دليل عليهما.
(أو رضاع يوم وليلة) بحيث يشرب كلّما أراد حتى يروي ويصدر، مطلقاً كما عن المشهور
أو بشرط عدم انضباط العدد كما عن
المبسوط والتذكرة
كما تقدّم. وتظهر الثمرة بنقصان العدد في اليوم والليلة، كأن رضع فيهما سبعة أو ثمانية، فينشر على الأول، ولا على الثاني.
ويدفعه
إطلاق المستند، وهو الموثّق : «لا يحرم الرضاع أقلّ من رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متوالية من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها» الحديث.
ولا يقدح قصور السند عن الصحّة، بعد اعتباره بالموثّقية، و
الاعتضاد بعمل الطائفة والإجماعات المنقولة. ثم إنّه لا فرق بين اليوم الطويل وغيره؛ لانجباره بالليلة أبداً. وفي الاكتفاء بالملفّق منهما لو ابتدأ في أثناء أحدهما، إشكالٌ : من الشكّ في صدق الشرط، ومن تحقّق المعنى، ولعلّ الأول أظهر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن، فتأمّل جدّاً. أو خمس عشرة رضعة متوالية على الأصحّ، كما يأتي.
(ولا حكم لما دون العشر) رضعات، إجماعاً في الرضعة القاصرة، وعلى الأشهر الأظهر مطلقاً؛ للنصوص المتقدّمة والآتية،
المعتضدة بعمل الطائفة. خلافاً للإسكافي، فاكتفى بالرضعة الكاملة؛
للعموم، والصحيح المتضمّن للمكاتبة إلى أبي الحسن عليه السلام: يسأله عمّا يحرم من الرضاع؟ فكتب : «قليله وكثيرة حرام».
ونحوه الخبر الذي رواته من العامّة.
وهو ضعيف؛ لتخصيص العموم بما تقدّم، وعدم مكافأة الصحيح له، فضلاً عن غيره، مع متروكيّة ظاهره؛ لصدق القليل على الرضعة الغير الكاملة، ولا يقول بها. ولا يبعد حملهما على
التقيّة من مذهب مالك وأبي حنيفة،
بل نسبه الشيخ إلى جميع العامّة،
ويؤيّده كون الأول مكاتبة، ورواة الثاني من العامّة، فلا يترك بمثلهما شيءٌ ممّا تقدّم من المستفيضة، المعتضدة بعمل الطائفة، كما لا يترك بما دلّ على اعتبار الحولين كالصحيحين ونحوهما
والسنة كالصحيح
لشذوذ الجميع، واحتمال الموافقة للعامّة، فتطرح، أو تؤوّل بما يؤول إلى الأول. وعلى تقدير عدم الشذوذ ووجود القائل بها كما نسب إلى الصدوق في الفقيه
فهي للمستفيضة غير مكافئة؛ لاعتضادها بالشهرة، ومخالفة العامّة، وموافقة الكتاب في الجملة دونها، فلا وجه للتأمّل في المسألة بمثلها، كما صدر عن صاحب الكفاية،
وإن هو إلاّ غفلة واضحة.
وصحّة النسبة إلى الصدوق غير معلومة؛ لنقله المتضمّن للحولين والمتضمّن للسنة، والمعارضة بينهما واضحة، فلا يعلم منه المصير إلى أيّهما من دون قرينة، وغايته حينئذٍ التردّد، فلا يصحّ معه النسبة.
(وفي) ثبوت النشر بـ (العشر روايتان، أشهرهما) بين المتأخّرين (أنّها لا تنشر)، وإليه ذهب الشيخ في كتابي الأخبار و
النهاية والمبسوط والعلاّمة في أكثر كتبه والمحقّق الثاني والمسالك والروضة،
وغيرهم من سائر المتأخّرين،
وهو الأظهر؛ للأصل، والمعتبرة المستفيضة :
منها الموثّقة المتقدّمة في رضاع يوم وليلة، وفيها زيادةً على العبارة المتقدّمة ـ : «ولو أنّ
امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد، وأرضعتها امرأة أُخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات، لم يحرم نكاحها».
وهي ناصّة على نفي النشر عن العشر، كالصحيح المتقدّم في
الأمر الأول،
والموثّقين : «عشر رضعات لا يحرّمن شيئاً»
مضافاً إلى الصحيح الآتي. خلافاً لأكثر المتقدّمين؛
اقتصاراً في الخروج عن العموم المستفاد من الكتاب والسنّة على المتيقّن ؛ لضعف قول
الإسكافي كما مرّ. والتفاتاً إلى المستفيضة الدالّة على النشر باشتداد العظم و إنبات اللحم؛
بناءً على حصولهما بالعشر؛ للصحيح : وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : «كان يقال : عشر رضعات»،
ونحوه غيره.
و
استناداً إلى الموثّق : في الغلام يرضع الرضعة والثنتين، فقال : «لا يحرم» فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات، قال : «إذا كانت متفرّقة فلا»،
وهو يدلّ بمفهومه على التحريم مع عدم التفريق. ونحوه غيره.
ويدلّ عليه أيضاً الخبر : «لا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلاّ المجبور» قال : قلت : وما المجبور؟ قال : «أُمٌّ تربّي أو ظئرٌ -سمّيت المرضعة ظِئراً لأنّها تعطف على الرضيع-
تستأجر أو أمةٌ تُشترى، ثم ترضع عشر رضعات تروي الصبي وينام».
وفي الجميع نظر؛ لتخصيص العموم بما تقدّم، كتخصيصه بما عدا العشر المتيقّن. ومنعِ حصول الإنباتين بالعشر، والصحيح غير دالّ عليه؛ لنسبته عليه السلام ذلك إلى القيل، المشعر بالتمريض. مع ما في آخره ممّا هو في قوّة التصريح بعدم النشر به، فإنّ السائل لمّا فهم منه عليه السلام عدم إرادته قال له : يحرم عشر رضعات؟ فقال : «دع هذا» وقال : «يحرم من النسب ما يحرم من الرضاع». فلو كان حكم العشر حقّا لما نسبه عليه السلام إلى غيره، بل كان يحكم به من غير نسبة، ومع ذلك أعرض عنه ثانياً مجيباً بما لا دخل له بالمقام، ففيه أقوى دلالة بورود ما دلّ على النشر بالعشر مورد التقيّة، أو غيرها من المصالح الخفيّة.
هذا، مع معارضته للصحيح المتقدّم في الأمر الأول،
الناصّ بعدم
الإنبات بالعشر، واختصاصه به مع زيادة عليه بنصفه. ونحوه الموثّقان المتقدّمان،
المصرّحان بعدم النشر به، المستلزم لعدم الإنبات. والموثّق المتأخّر
كمضاهيه
وإن دلّ على النشر به بالمفهوم، إلاّ أنّه لا يعارض ما دلّ على العدم سنداً وعدداً ودلالةً، مع احتمال كون الحكم فيه تقيةً. ونحوه الجواب عن الخبر الأخير، مضافاً إلى ضعفه بمحمّد بن سنان على الأشهر وإن قيل بوثاقته
لعدم مقاومته ما خلا عن مثله، سيّما مع مخالفته الإجماع من وجهين، واضطرابه باختلاف ألفاظه؛ لروايته تارةً كما تقدّم، وتارةً بغيره، وأُخرى صحيحة بعبارة خالية عن العدد مرويّة في الفقيه،
الذي هو أضبط.
(ولو رضع خمس عشرة رضعة نشر)
الحرمة إجماعاً، كما في المسالك والسرائر،
خلافاً لشاذّ منّا، فخمسة عشر يوماً متوالية بلياليها؛
والنصوص المتقدّمة حجّة عليه، مضافاً إلى عدم دليل يدلّ عليه، مع مخالفته لعموم الكتاب والسنّة المستفيضة.
رياض المسائل، ج۱۱، ص۱۳۲- ۱۳۹.