المصاهرة بنكاح الأختان المملوكتان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لو ملك أُختين، فوطئ واحدة حرمت الأُخرى، ولو وطئ الثانية أثِم ولم تحرم عليه الاولى، إن كان جاهلاً لم تحرم الاولى وإن كان عالماً حَرُمَتا معاً.
لو ملك أُختين، فوطئ واحدة منهما حرمت عليه
وطء الأُخرى بالكتاب، و
السنّة، و
الإجماع، إلى أن يخرج الاولى عن ملكه، ببيع، أو هبة، أو نحوهما من نواقل الملك، فإذا أخرج حلّت إجماعاً؛ للنصوص:
منها
الصحيح: «إذا كانت عند الرجل الأُختان المملوكتان، فنكح إحداهما، ثم بدا له في الثانية فنكحها، فليس ينبغي له أن ينكح الأُخرى حتى يخرج الاولى من ملكه، يهبها أو يبيعها، وإن وهبها لولده جاز»
.
و
الموثّق: «لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه»
.
وهل يكفي مطلق
العقد الناقل للملك؟ أم يشترط لزومه، فلا يكفي
البيع بخيارٍ و
الهبة التي يجوز الرجوع فيها؟ وجهان: من إطلاق النصّ اشتراط الخروج الحاصل بمطلقه، ومن أنّها مع تسلّطه على فسخه بحكم المملوكة.
وضعّف بأنّ غاية التحريم إذا علّقت على مطلق الخروج لم يشترط معها أمرٌ آخر؛ لئلاّ يلزم جعل ما جعله
الشارع غايةً ليس بغاية. وقدرته على ردّها إلى ملكه لا تصلح للمنع؛ لأنّه بعد الإخراج اللازم متمكّنٌ منه دائماً على بعض الوجوه
بالشراء و
الاتّهاب وغيرها من العقود
وهو حسن إن علم جعل مطلق الخروج غايةً للتحريم وهو محلّ تأمّل؛ بناءً على تبادر اللازم منه، فيقتصر في غيره على أصالة بقاء الحرمة؛ مع أنّ الشكّ في الدخول كافٍ في عدم الجسارة في تخصيص الأصالة المزبورة.
هذا، مع ما في النقض باللازم من النظر؛ إذ قدرته على ردّها إلى الملك فيه ليس بنفسه، دون الجائز؛ لقدرته بنفسه عليه، فجعلهما واحداً ضعيفٌ جدّاً. و
الاحتياط في مراعاة اللزوم.
وفي الاكتفاء بفعل ما يقتضي تحريمها عليه كالتزويج و
الرهن و
الكتابة وجهان، منشؤهما: حصول الغرض وهو تحريم الوطء، وانتفاء النقل الذي هو مورد النصّ، وهو
الأحوط لو لم يكن أقوى. ولا فرق في تحريم الثانية بين وطء الاولى في
القبل و
الدبر.. وفي مقدّماته من
اللمس والقبلة و
النظر بشهوة نظر: من قيامها مقام الوطء كما سلف ومن عدم صدق الوطء بها، والأول أحوط، وإن كان الثاني أقوى.
ولو وطئ الثانية أثِم إجماعاً ولم تحرم عليه الاولى وفقاً
للطوسي في
المبسوط و
الحلّي و
اللمعة، وأكثر المتأخّرين كما في
المسالك ؛ لأنّ الحرام لا يحرّم الحلال، والتحريم إنّما تعلّق بوطء الثانية، فيستصحب؛ ولأصالة الإباحة. وعلى هذا، فمتى أخرج إحداهما عن ملكه حلّت الأُخرى، سواء أخرجها للعود إليها أم لا، وإن لم يخرج إحداهما فالثانية محرّمة دون الاولى.
و لكن اضطربت
الرواية في المسألة، بعد اتّفاقها على تحريم الاولى مع العلم بتحريم الثانية، وتحليلها بإخراج الثانية من ملكه لا بنيّة العود إلى الأُولى.
ففي بعضها: تحرم عليه الاولى حتى تخرج الثانية عن ملكه لا للعود إلى الأُولى.
ففي الصحيحين: عن رجل عنده مملوكتان، فوطئ إحداهما، ثم وطئ الأُخرى، قال: «إذا وطئ الأُخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأُخرى» قلت: أرأيت إن باعها، أتحلّ له الاولى؟ قال: «إن كان باعها لحاجة ولا يخطر على باله منها شيء فلا أرى بذلك بأساً، وإن كان يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا، ولا كرامة»
، ونحوهما غيرهما
.
وفي رواية اخرى: إن كان جاهلاً لم تحرم الاولى وإن كان عالماً حَرُمَتا معاً. هي صحيحة عليّ بن رئاب، عن
الحلبي، عن مولانا
الصادق (علیهالسّلام): قال: قلت له: الرجل يشتري الأُختين، فيطأ إحداهما، ثم يطأ الأُخرى، قال: «إذا وطئ الأُخرى بجهالة لم تحرم عليه الاولى، وإن وطئ الأخيرة ( وهو ) يعلم أنّها تحرم عليه حرمتا جميعاً»
ونحوها الموثّق
.
ووجه الاضطراب فيها واضح؛ وذلك لأنّ ظاهر الأخبار الأوّلة، تحريم الأُولى خاصّة إلى
موت الثانية، أو إخراجها عن الملك لا للعود إلى الأوّلة، فإن حملت على صورة وقوع الوطء بجهالة، حصل المنافاة بينها وبين الأخيرين صريحاً؛ للتصريح فيهما بعدم حرمة الأولة في هذه الصورة، وإن حملت على صورة وقوع الوطء مع العلم بالحرمة، وقع التنافي بينهما أيضاً؛ إذ المستفاد من الأوّلة: تحريم الأُولى خاصّة، ومنهما: تحريمهما معاً.
ويمكن الجمع، بحمل الأوّلة على الصورة الثانية، وحكمه (علیهالسّلام) بتحريم الاولى لا يقتضي حلّ الثانية، وربما كان الوجه في تخصيصها بالذكر وضوح حرمة الثانية بالنظر إلى
أصالة الحرمة، وأمّا الاولى فلمّا كان وطؤها مباحاً احتيج إلى ذكر حكمها بعد وطء الثانية، وهو
الحرمة إلى خروجها عن الملك لا بنيّة العود إلى الأُولى.
والمسألة مشكلة، لكن تحريم الاولى مع العلم بحرمة الثانية إلى خروجها عن الملك لا بنيّة العود إلى الاولى ليس محلّ ريبة؛ لدلالة الأخبار بأسرها على ذلك.
وإنّما
الريبة في حلّ الاولى في صورة الجهل بحرمة الثانية، وتحريم الثانية في صورة العلم مع بقائهما على الملكيّة، ولا يبعد المصير إليه؛ لما مرّ، وفاقاً لجماعة، منهم: شيخنا في
الروضة، وحكي عن
ابن حمزة.
ومحصّله: أنّه متى وطئ الثانية عالماً بالحرمة حَرُمَتا عليه معاً، إلى موت الأخيرة، أو خروجها عن الملك لا لغرض العود إلى الأُولى، فإن اتّفق إخراجها لا لذلك حلّت له الاولى، وإن أخرجها للرجوع إليها فالتحريم باق. وإن وطئ الثانية جاهلاً بالتحريم لم تحرم عليه الاولى، بقيت الثانية في ملكه أم لا. وبالأخبار المزبورة تخصّ الأدلّة المتقدّمة؛ لصحّتها، ووضوح الجمع بينهما.
وهنا أقوال منتشرة غير واضحة الأدلّة. نعم، في الموثّق: في رجل كانت عنده اختان، فوطئ إحداهما، ثم أراد أن يطأ الأُخرى، قال: «يخرجها من ملكه» قلت: إلى من؟ قال: «إلى بعض أهله» قلت: فإن جهل ذلك حتى وطئها؟ قال: «حرمتا عليه كلتاهما»
.
وهو ظاهر المنافاة للخبرين الأخيرين؛ للتصريح فيهما بحلّ الاولى في صورة الجهل، وحرمتهما معاً مع العلم، وتصريحه بحرمتها فيها؛ ولذا أنّ
الشيخ في
النهاية حكم بحرمتها فيها أيضاً
، مشترطاً في حلّها إخراج الثانية عن الملك مطلقاً. وهو مشكل، كيف لا؟! ولم يبق حينئذٍ فرق بين صورتي العلم والجهل في حرمة الأُولى، إلاّ مع إخراج الثانية عن الملك، والحال أنّه صرّح في الخبرين بالفرق: بحلّ الاولى مع الجهل وحرمتهما مع العلم.
والجمع بينهما وبين الموثّق غير ممكن؛ إذ غايته حمل حلّ الاولى في صورة
الجهل في الخبرين بصورة إخراج الثانية عن الملك، وحرمتها فيها في الموثّق بخلاف الصورة. ونحوه جارٍ في صورة
العلم، فإنّه تحلّ الاولى فيها أيضاً بالشرط المذكور، وتحرم بعدمه، فالفرق على هذا في الخبرين غير واضح. نعم، لو لم تحلّ الاولى في صورة العلم بالشرط المتقدّم أمكن الفرق، ولا يقول به، فتدبّر.
فلا بُدّ من اطراح أحد الطرفين له، إمّا الخبرين، وهو مشكل؛ لكونهما بالتعدّد وصحّة أحدهما أقوى من الموثّق. وإمّا هو كما هو متعيّن فلا وجه للحكم بحرمة الاولى.
وأمّا الموثّق الآخر: عن رجل كانت عنده جاريتان أُختان، فوطئ إحداهما، ثم بدا له في الأُخرى، قال: «يعتزل هذه ويطأ الأُخرى» قال: قلت: فإنّه تنبعث نفسه إلى الأُولى، قال: «لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه»
.
ففيه إشكال؛ لتضمّنه الفرق بين الاولى والثانية بالاكتفاء بالاعتزال لحل الثانية دون الأُولى. إلاّ أن يحمل الاعتزال على الإخراج عن الملك، ولكنّه حينئذٍ لا يقاوم ما قدّمناه من الأخبار، فتدبّر.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۲۰۶-۲۱۳.