الوصية لعبد الموصي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وتصحّ
الوصية لعبد الموصي ومُدَبَّره ومكاتَبه مطلقاً و
أُمّ ولده ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث، فإن كان بقدر قيمته أُعتق وكان
الموصى به للورثة وإن زاد اعطي العبد الزائد وإن نقص عن قيمته سعى في الباقي.
(وتصحّ لعبد الموصي ومُدَبَّره ومكاتَبه) مطلقاً (و
أُمّ ولده ) بلا خلاف في الظاهر، وصرّح به في التنقيح والمسالك،
بل صرّح بالإجماع في الجميع في المهذب وعن المحقق الثاني،
وحكى التصريح به في الأوّل عن فخر الدين
والصيمري، وفي الأخير الفاضل في التذكرة؛
وهو الحجّة.
مضافاً إلى النصوص المستفيضة، منها زيادة على ما يأتي إليه
الإشارة في
أُمّ الولد وغيرها ما ذكره في الكفاية
من الصحيحين، في أحدهما : رجل أوصى بثلث ماله لمواليه ولموالياته، الذكر والأُنثى فيه سواء أو للذكر مثل حظّ الأُنثيين من الوصية؟ فوقّع عليه السلام : «جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به إن شاء الله تعالى».
وفي الثاني : رجل أوصى لمواليه وموالي أبيه بثلث ماله فلم يبلغ ذلك، قال : «المال لمواليه وسقط موالي أبيه»
ونحوهما غيرهما.
وفي
الاستدلال بها مناقشة؛ لاشتراك لفظ المولى بين العبد وغيره، فلعلّه المراد دون الأوّل، ولا قرينة ترجّح إرادته، بل لعلّ القرينة على خلافه واضحة، لظهورها في
إعطاء الثلث للموصى له بأن يسلّم إليه، دون أن يُعتق منه بحسابه، كما ذكره هو تبعاً للأصحاب كافّة ومنهم الماتن هنا حيث قال : (ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث، فإن كان بقدر قيمته أُعتق وكان الموصى به للورثة) إن كان معيّناً (وإن زاد اعطي العبد الزائد) كائناً ما كان. (وإن نقص عن قيمته) ولم تبلغ ضِعفه عتق منه بحسابه و (سعى في الباقي) بلا خلاف في الظاهر، مصرّح به في الكفاية والمسالك،
للمعتبرين :
في أحدهما : رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله، قال : فقال : «يقوّم بقيمة عادلة ثم ينظر في ثلث ماله، فإن كان أقلّ من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع قيمته، وإن كان أكثر من قيمة العبد أُعتق ودفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة».
وفي الثاني المروي عن الفقه الرضوي : «وإن أوصى لمملوكه بثلث ماله قُوّم المملوك قيمة عادلة، فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضلة».
وبعينه أفتى والد الصدوق كما هو دأبه، وزاد بعده : ثم أُعتق، وإن كانت قيمته أقل من الثلث اعطي ما فضلت قيمته عليه ثم أُعتق.
ولعلّ الزيادة سقطت من النسخة التي حكيت عنها الرواية. وقصور سندهما لو كان مجبور بالعمل، مع أن الثاني في حكم القويّ على الأصحّ، وكذلك الأوّل، كما سيظهر. وقصور الدلالة عن
إفادة حكم جميع صور المسألة غير ضائر بعد قيام
الإجماع المركّب على الظاهر. و
إطلاق الثاني في صورة زيادة القيمة يشمل صورتي بلوغها ضِعف
الوصية وعدمه، ولا خلاف في الحكم في الثانية، كما تقدّمت إليه الإشارة. والأولى وإن كانت مختلفاً فيها، إلاّ أن الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخّر تبعاً لوالد الصدوق والخلاف والحلبي والحلي
أنها كالثانية، بل ادّعى عليه الثاني إجماع الفرقة، وهو حجة أُخرى بعد الرواية، بل أقوى منها بلا شبهة.
خلافاً للمفيد والنهاية والقاضي وظاهر الديلمي
كما حكي، فأبطلوا فيها الوصية، وإلى قولهم أشار بقوله : (وقيل : إن كانت قيمته ضِعف الوصية بطلت) واستندوا في ذلك إلى الرواية الأُولى، فإنها بالمفهوم دالّة على الدعوى، كما ذكره في
نكت الإرشاد شيخنا، قال : لأنه حكم بالاستسعاء إذا كان الثلث بإزاء ثلاثة أرباع العبد، وبالعتق وإعطاء ما فضل إن فضل، وذلك يستلزم العتق إن ساوى، و
الاستسعاء إن زاد على ثلاثة أرباعه بطريق أولى، وعدم الاستسعاء إن نقص عن ثلاثة أرباعه، وذلك يستلزم بطلان العتق؛ لأنّ الاستسعاء لازم لعتق بعض العبد في الأكثر، و
انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم، فينتفي عتق ذلك البعض، وظاهر انتفاء عتق الباقي لعدم
احتمال المال له.
(وفي) هذا (المستند) كما ترى (ضعف) لا من حيث السند، كما ذكره جماعة؛
لانجبار ضعف الراوي أوّلاً : برواية الحسن بن محبوب عنه، وقد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة. وثانياً : بكونه المستند للأصحاب فيما ذكروه من الحكم في الصورة السابقة، فلا وجه للقدح فيه بمثل ذلك، ولا بضعف دلالة المفهوم إن أُريد من حيث المفهوميّة؛ فإنه مفهوم شرط حجة عند أكثر المحققين. بل من حيث الدلالة من وجه آخر، وهو ما ذكره شيخنا في
المسالك وغيره
: من أن مفهومه أن الثلث إن لم يكن أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة لا يستسعي في ربع القيمة، لا أنه لا يستسعي مطلقاً، وهذا مفهوم صحيح لا يفيد مطلوبهم، فلا ينافي القول بأنه يستسعي فإن كان أقل بقدر الثلث يستسعي في الثلث، أو بقدر النصف يستسعي فيه، وهكذا.
وأيضاً فلو كان المفهوم الذي زعموه صحيحاً لزم منه أنه متى لم يكن الثلث أقل من قيمته بقدر الربع لا يستسعي، بل تبطل الوصية، وهذا شامل لما لو كانت القيمة قدر الضعف وأقل من ذلك إلى أن يبلغ النقصان قدر ربع، فمن أين خصّوا
البطلان بما لو كانت قدر الضعف؟ إلاّ أن يقال بذلك حوالةً على ما إذا أعتقه وعليه دين، فإنه لا ينفذ العتق فيه إلاّ إذا كانت قيمته ضِعف الدين. وهو بعيد. ثم إن إطلاق العبارة والخبرين بل عمومهما الناشئ من ترك
الاستفصال يشمل صورتي الوصية له بالثلث المشاع أو المعيّن، كهذا الدار أو البستان، ونحو ذلك، ونسبه في التذكرة
إلى أصحابنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، ولو لا مصيره فيها إلى خلافهم من بطلان الوصية في الصورة المفروضة لكان حجة، بل لا يبعد، فإنه وإن خالف أوّلاً، إلاّ أنه تردّد أخيراً معتذراً باتفاق كلمة الأصحاب على عدم الفرق.
وأظهر منه في تحقق الإجماع عبارة المهذّب، قال بعد نقل الخلاف عن
الإسكافي وعنه في المختلف مفتياً وفي القواعد مستشكلاً ـ : وباقي الأصحاب مطبِقون على الصحة من غير تفصيل، واختاره فخر المحققين، وكذا العلاّمة جزم بمتابعة الأصحاب في كتاب فتواه، وهو مذهب الشهيد، وما أمتن تحقيق المختلف، لكن متابعة الأصحاب أمتن.
ثم أجاب عن استدلاله بما لا حاجة بنا إلى ذكره، بل ينبغي الحوالة فيهما إلى ما ذكره هو وغيره كالشهيدين وغيرهما
مما ينبئ عن قصوره، وعلى تقدير تماميته فاجتهاد في مقابلة الخبرين المعتضدين بعمل العلماء ، المحتمل قويّاً كونه إجماعاً منقولاً ، بل محقّقاً.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۲۸۹- ۲۹۴.