الانحناء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
انعطاف الشيء و
اعوجاجه .
الانحناء- لغة-: مصدر انحنى بمعنى انعطف من حنا، وحنا الشيء حنواً وحنياً وحنّاه: عطفه،
وحِنو كلّ شيء:
اعوجاجه .
وقد استعمل عند
الفقهاء بنفس معناه اللغوي.
وهو- لغة- الانحناء، وركع
الشيخ : انحنى من الكبر.
وفي
الشرع : انحناء مخصوص يقع في الصلاة ونحوها،
فالانحناء أعم من
الركوع .
من سجد يسجد سجوداً: وضع جبهته على
الأرض ، وقيل: سجد، إذا انحنى وتطامن إلى الأرض، وأسجد الرجلُ: طأطأ رأسه وانحنى.
وفي الشرع: عبارة عن هيئة مخصوصة، ومنه: سجود الصلاة.
والانحناء أعم من
السجود فهو يشمل الركوع والسجود وغيرهما.
تعرّض الفقهاء للانحناء في بعض المواضع في
الفقه ، وأهمّها إجمالًا ما يلي:
للانحناء في الصلاة صور وأحكام، أهمّها:
ظاهر جماعة من الفقهاء وصريح آخرين أنّ الركن في الركوع هو الانحناء، فما لم يحصل الانحناء لا يصدق
الإتيان بالركوع.
وذكر الفقهاء أنّ أقلّ ما يجزي للمصلّي من الركوع أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه، أو بحيث تبلغ يداه ركبتيه.
وهو ما يظهر من قول
الإمام الباقر عليه السلام في صحيح
زرارة : «... وبلّغ
أطراف أصابعك عين الركبة... فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحبُّ إليّ أن تمكّن كفّيك من ركبتيك، فتجعل أصابعك في عين الركبة...».
وقد ذكر
المحقّق النجفي أنّ الأقوال في حدّ الركوع أربعة، وربما يمكن
إرجاع بعضها إلى بعض. وتفصيله في محلّه.
وهو شرعاً: وضع
الجبهة بالانحناء على الأرض ولو بوسائط.
قال
العلّامة الحلّي - في مقام ذكره لسجود الصلاة-: «ويجب فيه الانحناء بحيث يساوي موضع جبهته موقفه...».
وتفصيله في محلّه.
العاجز عن الانحناء بالقدر المعتبر في الركوع أو السجود ينحني بالمقدور؛ لأنّ الانحناء واجب ثابت بالنصوص.
ومن كان عاجزاً عن مطلق الانحناء يومئ برأسه
إجماعاً، كما هو صريح بعض النصوص كرواية
الكرخي ، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود، فقال: «ليومئ برأسه إيماءً، وإن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة
إيماءً ».
من كان جسمه منحنياً خلقةً أو لعارض- كالكبر أو المرض- كان عليه أن يزيد في انحنائه يسيراً؛ للفرق بين الحالة العادية وحالة الركوع في الصلاة.
وقد اعتبر بعض الفقهاء هذه الزيادة واجبة، وفي كلمات بعضهم
التقييد بما إذا لم يخرج بذلك عن مسمّى الراكع.
وذكر
المحقّق الكركي أنّه لو كان انحناؤه على أقصى مراتب الركوع بحيث لو زاد يسيراً خرج عمّا يعدّ ركوعاً ففي ترجيح الفرق أو هيئة الركوع تردّد.
كما ذكر جمع منهم أنّه لو أمكنه أن يُنقص من انحنائه حال قيامه
باعتمادٍ أو غيره وجب ذلك قطعاً، ولا تجب الزيادة في الانحناء حينئذٍ حال الركوع؛ لحصول الفرق.
وفي مقابل ذلك كلّه ذهب بعضهم إلى أنّ القائم على هيئة الراكع لا يجب عليه زيادة الانحناء اليسير؛ لتحقّق حقيقة الركوع بنفس انحنائه الخلقي أو لعارض.
والتفصيل يأتي في محلّه.
من الامور المرجوحة الانحناء من
المسلم حتى للمسلم، وكذا تقبيله يد غيره تعظيماً له، إلّاإذا اريد بذلك وجه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في بعض الروايات.
قال العلّامة الحلّي: «التحيّة بتقبيل اليد وانحناء الظهر لا
أصل له في الشرع، لكن لا يمنع الذمّي من
تعظيم المسلّم بهما. ولا يكره التعظيم بهما لزهد وعلم وكبر سنّ. وروي أنّ أعرابيّاً قعد عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فاستحسن كلامه، فاستأذنه في أن يقبّل وجهه، فأذن له، ثمّ استأذن في أن يقبّل يده، فأذن له، ثمّ استأذنه في أن يسجد له، فلم يأذن له».
نعم، ذكر
الشهيد الأوّل جواز تعظيم
المؤمن بما جرت به عادة الزمان، وإن لم يكن منقولًا عن السلف، مستدلّاً لذلك بعمومات
تعظيم الشعائر أو تعظيم حرمات اللَّه
الواردة في
الكتاب الكريم ، حيث قال ضمن ما ذكره: «فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء وشبهه، وربما وجب إذا أدّى تركه إلى
التباغض والتقاطع، أو
إهانة المؤمن...».
والتفصيل في محلّه.
قد يشكل على بعض ما يقوم به المسلمون عند قبر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور
الأئمّة المعصومين عليهم السلام من تقبيل أضرحتهم والانحناء لهم؛ تعظيماً وتواضعاً، والسجود على عتبة الروضة المقدّسة، بأنّ ذلك من فعل المشركين.
وجوابه: أنّ تواضع المخلوق لغير اللَّه إن كان بأمر اللَّه سبحانه وتعالى فهو تواضع له جلّ وعلا، ويشهد على هذا المدّعى سجود
الملائكة لآدم عليه السلام بأمر اللَّه. وقد ورد في الأخبار محاجّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك،
وورد الجواب بتعبيرين كلاهما يرجع إلى واحد بحسب اللبّ:
أحدهما: أنّ الملائكة إنّما سجدوا للَّه سبحانه، وكان
آدم عليه السلام جهة لذلك السجود، كما تكون
القبلة جهة لنا في صلواتنا.
ثانيهما: أنّ سجودهم لآدم عليه السلام كان مأموراً به من اللَّه تعالى، فهو في الواقع سجود للَّهسبحانه.
ومحصّلهما: أنّ السجدة كانت عبادة بهذه الوجهة، وعليه فكلّ ما يفعله المسلمون عند ضرائح أئمّتهم عليهم السلام حيث يكون بأمر اللَّه تعالى فلا ضير فيه.
نعم، لابدّ من المتابعة في أنحاء
التواضع لتلك القبور للنحو الذي أمر به اللَّه تعالى، فلو وقع التواضع لأحد الأئمّة عليهم السلام أو لقبورهم على غير ما أمر اللَّه ولم يصل
الإذن فيه من الشرع ولو من خلال العناوين العامة، فهذا النحو من التواضع والخضوع لا يكون مرضياً ولا مقبولًا عنده تعالى.
ومن جملة ما لم يرد به الإذن السجود، فمن سجد لأحد الأئمّة أو لقبورهم فقد فعل حراماً، حيث يحرم السجود لغير اللَّه تعالى؛ للنصوص الناهية عنه، كخبر
عبد الرحمن بن كثير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يوماً قاعداً في أصحابه، إذ مرّ به بعير، فجاء حتى ضرب بجرانه الأرض ورغا، فقال رجل: يا رسول اللَّه، أسجَدَ لك هذا البعير؟ فنحن أحقّ أن نفعل، فقال: لا، بل اسجدوا للَّه، ثمّ قال: لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت
المرأة أن تسجد لزوجها».
وما روي عنه عليه السلام أيضاً في حديث طويل: أنّ زنديقاً قال له: أفيصلح السجود لغير اللَّه؟ قال: «لا»، قال: فكيف أمر اللَّه الملائكة بالسجود لآدم؟! فقال: «إنّ من سجد بأمر اللَّه فقد سجد للَّه، فكان سجوده للَّه إذا كان عن أمر اللَّه».
فاللائق حينئذٍ بزائري مشاهد الأئمّة المعصومين عليهم السلام أن يتركوا هذه الصورة التي يفعلها العوام، إلّاإذا قرنت بأحد الوجوه التي تنفي كونها لغير اللَّه سبحانه كما ورد في النصوص المتقدّمة. وبالجملة، فالسجدة من جملة الأطوار والأنحاء التي لم يرد فيها الإذن، بل ورد النهي عنها.
وأمّا الانحناء لتقبيل عتبة الروضات المقدّسة فلم يرد بعنوانه الخاص دليل، وعليه يختلف حكمه بحسب
اختلاف قصد الفاعل، فإن قصد بذلك أن تتبرّك شفتاه بالوصول إلى العتبة بغضّ النظر عن الانحناء والخضوع، بحيث لو لم تكن العتبة على الأرض بل كانت مرتفعة لقبّلها على
ارتفاعها ، ففي هذه الحالة ليس للانحناء على هيئة السجدة مدخل في ما هو إلّامجرّد المقدّمية، نظير من ينحني على هذه الهيئة لأجل أن يقبّل قطعة الخبز الساقطة على الأرض، فلا إشكال فيه.
وكذلك لا إشكال لو كان وجه
اختياره العتبة خاصة للتقبيل دون سائر مواضع الباب والحائط الشريف أنّ المشقّة في هذا التقبيل أكثر
لاحتياجه إلى الانحناء، بحيث لو كان نحو آخر من أنحاء التقبيل أشقّ من هذا لاختاره.
وأمّا إن كان قصده حصول التعظيم والعبادة بهذا الانحناء الموجود في هذا التقبيل المفقود في تقبيل الباب والحائط دون مجرّد المقدّمية، فهذا داخل في السجود المحرّم.
نعم، لو كان الانحناء لتقبيل
عتبة الروضة الشريفة وتحقّق هيئة السجود في ذلك على وجه يكون المقصود تحقّق الخشوع والتذلّل للَّهتعالى فقط، أي يسجد في هذا المكان الشريف على العتبة شكراً للَّه؛ لأن وفّقه للتشرّف بهذه الروضة، فهذا لا إشكال في أنّه سجود للَّهتعالى، ولا إشكال فيه.
ويمكن القول بأنّه كما يكون السجود مخصوصاً باللَّه تعالى فكذلك الركوع، كما يدلّ عليه ما ورد من الدعاء المأثور عقيب صلاة الزيارة في المشاهد المشرّفة، حيث أدرجوا فقرة
اختصاص السجود والركوع باللَّه تعالى في هذا الدعاء؛ لئلّا يغفل عن ذلك
الزائر . وهنا أيضاً يأتي الكلام في رفع الإشكال إذا قصد الزائر الخشوع والتذلّل للَّه عزوجلّ والشكر له على توفيقه لزيارة
المعصوم عليه السلام .
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۸۲-۸۷.