الاندمال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الإصلاح و
البرء و
ارتفاع العيب والمرض.
الاندمال- لغة-: مصدر اندمل، إذا صلح، وهو مطاوع دمل. يقال: دملت بين القوم، إذا أصلحت، ودمل
الأرض يدملها دملًا: أصلحها بالدمال. ودملت الأرض بالسرجين:
أصلحتها. واندمل الجرح، إذا تماثل وعليه جلبة للبرء، و
أصله الإصلاح .
واستعمله
الفقهاء بنفس المعنى اللغوي.
بمعنى التخلّص من عيب وقذارة ونحوهما، والبريء الخالص الخالي.
واستعمل أيضاً بمعنى
البرء ، يقال: اندمل الجرح، إذا برأ.
واندمل من مرضه، إذا ارتفع من مرضه ولم يتمّ برؤه.
وربما عرّف الاندمال بالبرء، فيقال: اندمل الجرح، إذا برأ.
والذي يتبيّن من استعمال الفقهاء أنّ الاندمال يستعمل بمعنى البرء إمّا كاملًا وإمّا بمقدار
التحام الجرح و
انقطاع دمه وإن لم يتم البرء بشكل كامل.
ورد الاندمال في
الفقه في موارد عديدة، نشير إليها إجمالًا فيما يلي:
صرّح الفقهاء بالعفو في الثوب و
البدن عمّا يشقّ التحرّز عنه ويعسر من دم القروح والجروح الذي لا يندمل ولا ينقطع،
بلا خلاف
فيه، بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
لنفي الحرج و
إرادة اللَّه اليسر وأنّه لا يكلّف نفساً إلّا وسعها،
وللنصوص المستفيضة:
منها: ما رواه
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي، كيف يصلّي؟ فقال: «يصلّي وإن كانت الدماء تسيل».
ومنها: رواية
ليث المرادي ، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام : الرجل تكون به الدماميل والقروح، فجلده وثيابه مملوّة دماً وقيحاً، وثيابه بمنزلة جلده، فقال: «يصلّي في ثيابه ولا يغسلها ولا شيء عليه».
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه لو جرح المحرم الصيد فاندمل جرحه وصار ممتنعاً إمّا بعدوه- كالغزال- أو بطيرانه- كالحمام- وجب عليه
الأرش ؛
لأنّها
إصابة مضمونة دون
الإتلاف ولا مقدّر لها شرعاً.
وقال بعضهم: عليه ربع
الفداء ؛
لصحيحة
علي بن جعفر عن
أخيه موسى ابن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل رمى صيداً وهو محرم فكسر يده أو رجله، فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد؟ قال: «عليه الفداء كاملًا إذا لم يدر ما صنع الصيد، فإن رآه بعد أن كسر يده أو رجله وقد رعى وانصلح فعليه ربع قيمته».
وذهب بعضهم إلى أنّ هذه الرواية لا تدلّ على
التعميم ، والمتّجه قصر الحكم على مورد الرواية- وهو كسر اليد والرجل خاصّة- ووجوب الأرش في غيره.
إذا وطأ الرجل زوجته الصغيرة فأفضاها فعليه الدية، ولو أراد جماعها ثانياً نظرت، فإن كان الموضع قد اندمل فصار بحيث لا يستضرّ بالجماع كان عليها
التمكين منه، وإن لم يكن اندمل ويخاف عليها أن ينفتق ما اندمل، أو يلحقها مشقّة من جماعه منع منه حتى يتكامل البرء.
المشهور بين الفقهاء
جواز القصاص قبل اندمال الجرح؛
لعدم قصور الأدلّة وعدم الدليل على التقييد.
قال اللَّه سبحانه وتعالى: «وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ»،
وقال عزّ من قائل: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ».
والمستفاد من (الفاء) التعقيب بلا مهلة.
وذهب
الشيخ الطوسي إلى أنّ
الأحوط عدم الجواز قبل الاندمال؛
لاحتمال السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس.
وقد يستدلّ على ذلك بمعتبرة
إسحاق ابن عمّار عن
جعفر عليه السلام «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: لا يقضى في شيء من الجراحات حتى تبرأ».
ولكنّها قاصرة الدلالة؛ فإنّها تختصّ بما إذا كان للبرء
أثر في القضاء، فلا تشمل موارد السراية إذا لم يكن القتل مقصوداً، ولم يكن الجرح ممّا يكون قاتلًا عادة، فإنّ القصاص في هذه الموارد ثابت، سواء برئ الجرح أم لم يبرء.
وأمّا في دية
الجناية فصرّح الفقهاء بأنّها تستقرّ عند الاندمال.
قال الشيخ الطوسي: «إذا قطع يدي غيره ورجليه واذنه لم يكن له أن يأخذ ديتها كلّها في الحال، بل يأخذ دية النفس في الحال وينتظر حتى يندمل، فإن اندملت كان له دياتها كلّها كاملة، وإن سرت إلى النفس كان له دية واحدة».
إذا قطع عضواً من غيره- كيد وإصبع- فعفا المجنيّ عليه عن موجب الجناية قوداً وأرشاً، فلو اندملت ولم تتعدّى محلّها صحّ
العفو ولا قصاص ولا دية؛ لأنّ المستحقّ أسقط الحقّ بعد ثبوته فيسقط،
بل ادّعي عليه الإجماع.
ولو سرى القطع إلى عضو آخر، كما إذا قطع
الإصبع فتأكّل باقي اليد ثمّ اندمل، فلا قصاص في الإصبع ولا دية، وتجب دية الكفّ خارجاً منه الإصبع؛ لأنّه عفا عن موجب الجناية الحاصلة في الحال، فيقصّر أثره عليه. ولو سرى القطع إلى النفس فيثبت القصاص فيها عندنا بعد ردّ دية ما عفا عنه، كما لو عفا أحد الأولياء؛ ولأنّ المعفوّ عنه قصاص الطرف دون النفس. وسقوط القصاص في
الطرف لا يوجب سقوطه في النفس.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۱۳۴-۱۳۸.