انفساخ الإجارة بالموت
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المراد بانفساخ
الإجارة ما يعم انكشاف
بطلانها ، فإنّه عبّر عنه بالانفساخ مسامحة في كلمات الفقهاء كما نبّه عليه بعض الفقهاء،
وهذا يتحقق في عدّة موارد منها الانفساخ
بالموت يأتي فيما يلي.
ذكر بعض الفقهاء
أنّ الإجارة تنفسخ
بموت الأجير إذا تعلّقت الإجارة بعمله الخاص لا بالعمل الكلّي في ذمته، مع اشتراط المؤجر عليه أداؤه بنفسه، فانّه بذلك يثبت
الخيار للموجر بتعذّر الشرط لا الانفساخ فاذا لم يفسخ استوفى العمل من تركته بأن يستأجر منها من يقوم بذلك.
والانفساخ في الصورة الاولى مبني على القول بأنّ عدم
الوفاء يوجب انفساخ الإجارة لا ضمان اجرة مثل العمل الفائت.
وذكر
المحقق الخوئي بأنّ الإجارة تبطل، لا أنّها تنفسخ إذا كان متعلّق الإجارة مقيّداً بمدة معيّنة فاتفق موت المؤجر قبل تلك المدّة أو في أثنائها، أو كانت الإجارة مطلقة فاتفق موته بعد العقد بلا فصل أو قبل مضي مدّة تسع
لأداء متعلّق الإجارة فيها لانكشاف عدم ملك العمل للأجير من أوّل الأمر بذلك، فما ذكره بعض الفقهاء من الانفساخ في هذه الصورة مسامحة.
أمّا لو فرض إطلاق العقد أو تقييده بزمان طويل فطرأ الموت بعد مضي مدّة يمكن القيام بالعمل فيها خارجاً، إلّا أنّه أخّره اختياراً فانّه حينئذٍ لا وجه للالتزام
بالبطلان ولا الانفساخ؛ لعدم كاشفية هذا النوع من العجز عن أيّ خلل في أركان الإجارة، غايته أنّه بتعذّر الأداء بعروض الموت ينتقل إلى البدل. وبما أنّ عدم
التسليم من موجبات الخيار فإنّ للمستأجر فسخ العقد واسترجاع الاجرة المسمّاة.
أمّا إذا كان متعلّق الإجارة هو العمل في ذمة الأجير من دون أن يشترط عليه المباشرة فإنّ الإجارة لا تنفسخ بموته بل تستوفى من تركته، بأن يستأجر منها شخص آخر للقيام بذلك العمل.
وصرّح العلّامة في مسألة موت المرضعة إخراج قيمة
الإرضاع من
التركة ودفعها إلى المستأجر.
واورد عليه بأنّه مع التمكّن من دفع نفس العمل- الذي اشتغلت به الذمة- باستئجار الغير كيف يصح الانتقال إلى القيمة التي هي البدل؟! فلا بدّ من استئجار شخص لذلك، إلّا أن يتراضيا على شيء بإقالة ونحوها. نعم، لو فرض انحصار الأجير به ولم يوجد غيره اتجه الانفساخ حينئذٍ.
إلّا أنّ هذا الإيراد لا وجه له إذا كانت الإجارة على عمل الرضاع في الخارج لا في الذمة، وإلّا اتجه القول بالبطلان- إذا كان مضيّقاً- أو الانفساخ أو ضمان قيمة الارضاع إذا كان موسّعاً وأخّرته المرضعة باختيارها، على القولين في ترك العمل.
•
موت المستأجر، تارة يقع مباشرة المستأجر مورداً ومحلًّا
للإجارة بأن تكون المنفعة مقيّدة باستيفائه بنحو القيدية.
واخرى تكون مباشرة المستأجر في استيفاء المنفعة على نحو الاشتراط.
وثالثة: يكون
العقد مطلقاً من هذه الناحية ويكون المستأجر مالكاً
للمنفعة على المؤجر بلا قيد، فهذه ثلاثة أقسام تأتي فيما يلي.
تارة يكون المؤجر مالكاً للمنفعة بملكية مطلقة،
واخرى تكون هذه الملكية محدودة وموقتة بزمان الحياة كما في العين الموقوفة على البطون،
وثالثةً لا يكون مالكاً لتلك المنفعة بل يكون له
الولاية على التصرف فقط، فهذه أقسام ثلاثة:
المشهور بين القدماء
انفساخ الإجارة بموت المؤجر كما تبطل بموت المستأجر، ومال إليه العلّامة في
التذكرة والمحقق النجفي
محتجّين له بأنّ غرض المستأجر من ذلك استيفاء المنفعة من ملك المؤجر وقد فات غرضه بالموت؛ لحدوث المنافع بعد موته في ملك الوارث، فلا يستحق المستأجر استيفاءها؛ لأنّه ما عقد على ملك الوارث.
مضافاً إلى ما ورد في بعض الأخبار كخبر
ابراهيم بن محمد الهمداني حيث قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطى الاجرة في كلّ سنة عند انقضائها لا يقدم لها شيء من الاجرة ما لم يمض الوقت فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها هل يجب على ورثتها انفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منقضية بموت المرأة؟ فكتب: «إن كان لها وقت مسمّى لم تبلغه فماتت فلورثتها تلك الإجارة، وإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئاً منه فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت...».
وقد ذكر في تقريب الاستدلال بها أنّ المراد من الوقت المذكور في ذيل السؤال أصل مدّة الإجارة لا المدة المعيّنة لدفع الاجرة بقرينة الإنفاذ والانقضاء أو الانتقاض، وأنّ المراد من اللام في قوله عليه السلام: «فلورثتها تلك الإجارة» لام السلطنة والاختيار، ومن الإجارة عقد الإجارة لا الاجرة، فيكون جوابه عليه السلام في الرواية بكلا شقّيه دالّا على انفساخ الإجارة بموت المؤجر، بمعنى أنّ إجارة المرأة فضوليّة، وأن لورثتها إقرار تلك الإجارة أو
إبطالها .
هذا، ولكن المنسوب إلى الأكثر،
بل المشهور
بين المتأخرين
عدم بطلان الإجارة ولا انفساخها بموت المؤجر كما أنّها لا تنفسخ بموت المستأجر، وهو مختار المرتضى
وأبي الصلاح والحلّي والمحقق.
وقد استدلّ لذلك بعمومات الصحة ولزوم العقد والشرط.
هذا مضافاً إلى إطلاق الروايات الخاصة
كخبر
علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل؟ قال: «الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكارى إليه، والخيار في أخذ الكراء إلى ربّها إن شاء أخذ وإن شاء ترك».
ونحوه خبر
محمد ابن سهيل .
وأمّا دعوى حدوث المنافع في ملك ورثة المؤجر فهي خاطئة؛ إذ الوارث هنا كمشتري العين المستأجرة من حيث إنّ العين تنتقل إليه مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة.
وأمّا ما استدلّ به للانفساخ برواية ابراهيم بن محمّد الهمداني فيرد عليه- مضافاً إلى ضعف السند
- بأنّ من المحتمل أن يكون المراد من اللام في الرواية لام الاختصاص، فتدلّ حينئذٍ على صحة الإجارة وقيام الورثة مقام المرأة في استحقاق الاجرة المسمّاة وتسلّمها من المستأجر بمقدار ذلك الوقت لا أكثر؛ لأنّه قد اشترط في عقد الإجارة عدم استحقاق دفع الاجرة إلّا بعد مضي الوقت، لا أنّ الإجارة فضولية في المدة الباقية.
ومع عدم ترجيح أحد الاحتمالين تبقى عمومات الصحة واللزوم في العقود وفي الإجارة بالخصوص بلا مخصص.
فإذا كان المؤجر موقوفاً عليه فمات قبل انتهاء مدة الإجارة فقد ذكر العلّامة وغيره
انفساخ الإجارة بذلك، بمعنى توقّفه على انفاذ البطن الثاني إجارة البطن الأوّل وعدمه، فيكون شبه إجازة الفضولي بالنسبة اليهم، نظراً لمحدودية ملكية البطن الأوّل في زمان حياتهم.
نعم، ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن المؤجر ناظراً على الوقف، وأمّا لو كان كذلك فآجره لمصلحة في الوقف فالظاهر مضي الإجارة على البطون المتأخّرة، وعدم بطلانها بموت البطن الموجودة، فتكون الصحة من حيث كونه ناظراً
ووليّاً على الوقف- على ما سيأتي- لا موقوفاً عليه. ونحوه ما لو كانت المنفعة موصى بها للمؤجر ما دام حيّاً.
فإذا لم يكن المؤجر مالكاً- بأن كان ولياً أو
وصياً أو متولّياً على الوقف فآجر ملك الصبي والموصى له أو الموقوف عليه ثمّ مات قبل انقضاء مدة الإجارة- لم تنفسخ الإجارة بموته؛ لأنّ الولاية وإن كانت محدودة بزمان حياته، إلّا أنّ متعلّق الولاية ليس محدوداً بزمان حياة الوصي أو الولي، فلا يبطل التصرّف الصادر منه في زمان حياته وولايته بموته،
كما لا تبطل بموت المولّى عليه.
لا خلاف ولا إشكال
في بطلان الإجارة (اختلفت تعابيرهم بين البطلان والانفساخ حيث عبّر في
الشرائع والقواعد
والمسالك بالأول، وعبّر في التذكرة
والعروة بالثاني.) بموت من وقعت له الإجارة لعمل أو خدمة تتعلّق به، كما لو استأجر امرأة لإرضاع صبي معيّن
أو معلّماً لتعليم صبي كذلك فمات الصبي.
ويدلّ عليه تعذّر المعقود عليه كما صرّح به غير واحد من الفقهاء،
بل ينكشف بموته عجز المرأة عن الإرضاع، فلا ملكية من أوّل الأمر، فلا محالة يحكم بالبطلان.
أمّا إذا كان التعيين في الصبي بنحو الشرط ضمن العقد لا بنحو التقييد فلا وجه للبطلان بالموت. نعم، لكلٍّ من المؤجر والمستأجر حق فسخ الإجارة كما تقدم.
ولو لم يكن الولد معيّناً فإنّ الإجارة لا تبطل بموته إلّا مع تعذّر الغير.
بل يمكن أن يقال: إنّه لا وجه للانفساخ إذا تعذّر وجود الغير، نظير ما لو آجر الدار للسكنى فمات المستأجر وتعذّر على الغير السكنى فيه أيضاً فانّه لا يحكم بالبطلان جزماً، بل فاتت عليه منفعة مملوكة للمستأجر.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۳۸۸-۳۹۶.