بطلان الوكالة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وتبطل
الوكالة بالموت والجنون و
الإغماء وكذا تبطل بـتلف ما يتعلّق به ولو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكّل
الإذن بذلك القدر، فالقول قول الموكّل مع يمينه ثم تستعاد العين إن كانت موجودة، ومثلها إن كانت مفقودة، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل وكذا لو تعذّر
استعادتها .
(وتبطل الوكالة) حيث إنّها من العقود الجائزة (بالموت والجنون) مطبقاً كان أو أدواراً (و
الإغماء ) قليلاً كان أو كثيراً، من كل منهما كان هذه الثلاثة، بلا خلاف في الظاهر، وبه في الأوّل صرّح في
الغنية ،
وفي الأخيرين بإطلاقهما في
المسالك ،
وفي الثلاثة في الجملة محكي عن
التذكرة ؛
وهو الحجّة.
مضافاً إلى
الاعتبار في الأوّل : من
اختصاص الإذن بالوكيل، فلا يعمّ وارثه لو مات هو، ولو مات الموكّل انتقل ما وكّل فيه إن كان ماله إلى الورثة، فالمعتبر حينئذٍ إذنهم لا إذنه. ولو كان غير مال كعقد نكاح أو غيره لم يكن بعد الموت قابلاً له.
وفي الأخيرين أيضاً : من
إيجابهما فساد تصرّفات كلٍّ من الوكيل والموكّل إذا حصلا فيهما فلأن يوجبا فساد تصرّف الوكيل أولى؛ إذ لو حصلا فيه منعاه من التصرّف لنفسه، فما ظنّك بتصرّفه لغيره، ولو حصلا في الموكّل منعاه عن
استبداده بالتصرّف بنفسه، فكيف لا يمنعان تصرّف من هو في حكمه؟! ولو تصرّف والحال هذه لم يصحّ؛ للأصل، وعدم مصادفته للإذن المصحّح له؛
لانقطاعه بأحد الثلاثة. هذا.
مضافاً إلى وقوع التصريح به في المرسل كالموثق : في رجل أرسل يخطب عليه امرأة وهو غائب، فأنكحوا الغائب وفرضوا
الصداق ، ثم جاء خبره بعدُ أنّه توفّي بعد ما سيق الصداق، فقال : «إن كان أملك بعد ما توفّي فليس لها صداق ولا ميراث، وإن كان أملك قبل أن يتوفّى فلها نصف الصداق وهي وارثة وعليها العدّة».
قيل : ويجيء على جواز تصرّفه مع ردّه ومع
بطلان الوكالة بتعليقها على شرطٍ جواز تصرّفه هنا بعد زوال المانع بالإذن العام.
وفيه نظر؛ لقوّة
احتمال عدم الجواز هنا
استصحاباً له إلى بعد زوال المانع، ولا كذلك ثمّة؛ لعدم وجود مثله هناك.
فالقول بالمنع هنا لا يخلو عن قوّة، وإن أُيّد الجواز مضافاً إلى ما مرّ في ذينك الموضعين بمؤيّدات قياسيّة، كدخول الصيد الغائب في ملك المحرم بعد زوال
الإحرام ، وأن من وكّل محِلاًّ فصار محرِماً لم يحتج إلى تجديد الوكالة بعد تحلّله من الإحرام، ونحو ذلك.
(و) كذا تبطل بـ (تلف ما يتعلّق به) يعني ما دلّ عليه لفظها مطابقة، كموت العبد الموكّل في بيعه، و
المرأة الموكَّل بطلاقها، أو تضمناً، كتلف
الدينار الموكَّل في الشراء به. ولا فرق بين أن ينصّ على الشراء بعينه، أو يطلق، بأن يقول : اشتر به؛ لاقتضائه دفعه ثمناً فلا يتناول بدله لو كان تلفه موجباً لضمانه.
وفي حكم التلف
انتقاله عن ملكه، كما لو أعتق العبد الموكَّل في بيعه، أو باع العبد الموكَّل في عتقه.
والوجه في الجميع ظاهر، مع عدم الخلاف فيه، وبه صرّح في
الغنية في الملحق بالتلف،
وهو جارٍ فيه أيضاً
بالأولويّة .
وكذا تبطل بالحجر على الموكّل فيما وكّل فيه بالسفه والفلس؛ لأنّ منعه من مباشرة الفعل يقتضي منعه من
التوكيل فيه.
وفي حكم الحجر طروّ الرقّ على الموكّل، بأن كان حربياً فاسترق، ولو كان وكيلاً صار بمنزلة توكيل عبد الغير.
ولا تبطل بالنوم وإن تطاول؛ للأصل، وبقاء
أهليّة التصرّف ما لم يؤدَّ إلى
الإغماء ، فتبطل من جهته لا من جهة النوم.
وحيث فسدت الوكالة لم تبطل
الأمانة ، فلو تلفت العين الموكَّل فيها في يده بغير تفريط لم يضمن، وكذا لو كان وكيلاً في قبض حق فقبضه بعد الموت قبل العلم به وتلف في يده بغير تفريط، لكن يجب عليه المبادرة إلى
إيصال العين إلى الوارث، فإن أخّر ضمن، كمطلق
الأمانة الشرعيّة .
(ولو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكّل الإذن بذلك القدر، فالقول قول الموكّل مع يمينه) بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل، ورجوع الدعوى حينئذٍ إلى أصل الوكالة بذلك المقدار الذي ينكره المالك.
فلا يرد أن دعوى الموكّل حينئذٍ تستلزم جعل الوكيل خائناً؛ لتصرّفه على غير الوجه المأمور به، فيكون القول قوله، لأمانته، و
الأصل عدم خيانته كما سيأتي.
فإنّه إنّما يتمّ لو كان تصرّفه بالوكالة والخيانة المدّعاة في بعض متعلقاتها، كما لو ادّعى الموكّل عليه بعد تلف الثمن الذي باع به بمقتضى الوكالة تأخّر قبضه عن تقبيض المبيع، أو التعدّي فيه بوجه. وهنا ليس كذلك؛ لما عرفت من رجوع الدعوى إلى أصل
الوكالة على الوجه الذي يدّعيه الوكيل، فيكون القول فيها قول المالك.
(ثم) لو حلف المالك بطل البيع؛ لبطلان التصرّف و (تستعاد العين) المبيعة ممّن هي في يده (إن كانت موجودة، ومثلها إن كانت مفقودة، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل) بأن كانت قيميّة. (وكذا) يستعاد مثلها أو قيمتها (لو تعذّر
استعادتها ) بغير تلف، قيل : لكن يشكل
إطلاق القول بذلك؛ لتجويزهم في الظاهر الوكالة في
الطلاق في طهر المواقعة والحيض، وفي تزويج امرأة وطلاقها وشراء عبد وعتقه.
قال في
التذكرة : لو وكّله في شراء عبد وعتقه وفي تزويج امرأة وطلاقها و
استدانة دين وقضائه صحّ ذلك كلّه.
انتهى.
وفيه نظر؛ لاحتمال الفرق بين ما وقع التوكيل فيه مستقلا كالأمثلة التي منعوا عن الصحّة فيها، وما وقع التوكيل فيه تبعاً لما يجوز التوكيل فيه
اتفاقاً كالأمثلة التي أوردها، فيبطل في الأوّل ويصحّ في الثاني، ويشير إليه جمعه في التذكرة بين الأمرين مردفاً كلاًّ منهما بحكمه، ولو لا ما ذكرناه لكان متناقضاً. هذا.
ونظيره في الشرع كثير
كالوقف ، فإنّه لا يجوز على من سيوجد
أصالة ويجوز عليه تبعاً اتفاقاً، فتأمّل.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۶۱- ۶۵.