بيان حد المحارب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وحده:
القتل، أو
الصلب، أو القطع مخالفا، أو
النفي، وللأصحاب اختلاف، قال
المفيد: بالتخيير وهو الوجه، وقال
الشيخ: بالترتيب يقتل إن قتل، ولو عفا ولى الدم قتل حدا؛ ولو قتل وأخذ
المال استعيد منه وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم قتل وصلب؛ وإن أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفا ونفى؛ ولو جرح ولم يأخذ المال اقتص منه ونفى؛ ولو شهر
السلاح.. نفى لا غير؛ ولو تاب قبل القدرة عليه سقطت
العقوبة ولم تسقط
حقوق الناس؛ ولو تاب بعد ذلك لم تسقط؛ ويصلب المحارب حيا على القول بالتخيير، ومقتولا، على القول الآخر؛ ولا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام، وينزل ويغسل على القول بصلبه حيا ويكفن ويصلى عليه ويدفن؛ وينفى المحارب عن بلده ويكتب بالمنع من مؤاكلته ومجالسته ومعاملته حتى يتوب.
وحدّه
القتل أو
الصلب أو القطع مخالفاً أي قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى كما يقطعان في
السرقة، وصرّح به جماعة من الأصحاب
، ويستفاد من بعض أخبار الباب
أو النفي من مصره إلى مصرٍ آخر، ثم إلى آخر، وهكذا إلى أن يتوب، أو يموت.
والأصل في هذه الأُمور بعد
الكتاب: الإجماع والسنّة المستفيضة.
وللأصحاب اختلاف في أنّها هل على التخيير، أو الترتيب؟
فقال
المفيد والديلمي والحلّي والصدوق في صريح
الهداية وظاهر
المقنع كما حكي بالتخيير وعليه أكثر المتأخّرين، ومنهم
الماتن في
الشرائع وهنا؛ لقوله: وهو الوجه.
لظاهر
الآية، بناءً على أنّ الأصل في «أو» التخيير، مع التصريح في الصحاح بأنّها له في
القرآن حيث وقع
، ومنها في خصوص هذه الآية أنّ «ذلك إلى الإمام أن يفعل ما يشاء»
.
وفي الصحيح
والموثق
: «ذلك إلى
الإمام، إن شاء قطع، وإن شاء صلب، وإن شاء نفى، وإن شاء قتل» قلت: النفي إلى أين؟ قال: «ينفى من مصرٍ إلى مصرٍ آخر».
والموثق الوارد في شأن نزول الآية صريح في التخيير، وجواز الاكتفاء بقطع المحارب خاصّة دون قتله ولو قَتَل، فقد دلّ على قطع
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) قوماً من بني ضبّة وقد قتلوا ثلاثة ممّن كان في إبل
الصدقة مقتصراً عليه
.
وقال الشيخ
والإسكافي والتقي وابن زهرة وأتباع الشيخ كما في [[|نكت الإرشاد]] والمسالك
بالترتيب قال في النكت: وادّعوا عليه الإجماع، وهو ظاهر المصنف في التلخيص.
أقول: ونسب إلى الأكثر
، ولكن اختلفوا في كيفيته، ففي
النهاية (توضیح) والمهذّب وفقه القرآن للراوندي أنّه يقتل إن قتل، ولو عفا وليّ الدم قتل حدّا لا قصاصاً.
ولو قتل وأخذ المال استعيد منه عينه أو بدله وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم قتل وصلب.
وإن أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفاً ونُفي.
ولو جرح ولم يأخذ المال اقتصّ منه ونُفي.
ولو اقتصر على شهر
السلاح مخيفاً نُفي لا غير.
وفي
التبيان والمبسوط والخلاف
: إن قَتَلَ قُتِلَ، وإن قَتَلَ وأخذ المال قُتِلَ وصُلب، وإن اقتصر على أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإن اقتصر على الإخافة فإنّما عليه النفي.
وفي المبسوط
والخلاف أنّه ينفى على الأخيرين.
وفي
المبسوط أنّه يتحتّم عليه القتل إذا قتل لأخذ المال، وأمّا إن قتل لغيره فالقود واجب غير متحتّم، أي يجوز لولي المقتول العفو مجاناً وعلى مال.
وفي
الوسيلة: لم يخل إمّا جنى جناية أو لم يجن، فإذا جنى جناية لم يخل إمّا جنى في المحاربة أو في غيرها، فإن جنى في المحاربة لم يجز العفو عنه ولا
الصلح على مال، وإن جنى في غير المحاربة جاز فيه ذلك، وإن لم يجن وأخاف ونُفي عن البلد وعلى هذا حتى يتوب، وإن جنى وجرح اقتصّ منه ونُفى عن البلد، وإن أخذ المال قطع يده ورجله من خلاف ونُفي، وإن قَتَلَ وغرضه في إظهار السلاح القتل كان ولي الدم مخيّراً بين القود والعفو
والدية، وإن كان غرضه المال كان قتله حتماً وصلب بعد القتل، وإن قطع اليد ولم يأخذ المال قطع ونُفي، وإن جرح وقتل اقتصّ منه ثم قتل وصلب، وإن جرح وقطع وأخذ المال جرح وقطع
للقصاص أوّلاً إن كان قطع اليد اليسرى، ثم قطع يده اليمنى لأخذه المال، ولم يوال بين القطعين، وإن كان قطع اليمنى قطعت يمناه قصاصاً ورجله اليسرى لأخذ المال
. انتهى.
ولم أجد
حجّة على شيء من هذه الكيفيّات من
النصوص، وإن دلّ أكثرها على الترتيب في الجملة، لكن شيء منها لا يوافق شيئاً منها، فهي شاذّة، مع ضعف أسانيدها جملة، ولذا اعترضها الماتن وجماعة
بأنّها لا تنفكّ من ضعف في إسناد، أو اضطراب في متن، أو قصور في دلالة، فالأولى التمسك بظاهر الآية.
وهو حسن لولا الشهرة القديمة الظاهرة والمحكية في
النكت وغيره
، وحكاية الإجماع المتقدمة الجابرة لضعف الروايات، مع مخالفتها لما عليه أكثر
العامّة كما في النكت ويستفاد من بعضها، ولذا حمل الشيخ
الأخبار المخيِّرة على
التقية.
واختلاف
الروايات في كيفية الترتيب إنّما يضعّف إثبات كيفية خاصّة منها، لا أصله في مقابلة القول بالتخيير بعد اتفاقها عليه.
مع أنّ من جملة ما يدل عليه بحسب
السند صحيح، وفيه: سأل
الصادق (علیهالسّلام) رجل عن الآية، فقال: «ذاك إلى الإمام، يفعل ما يشاء» قال: قلت: فمفوّض ذلك إليه؟ قال: «لا، ولكن نحو الجناية»
.
ومنه يظهر سهولة حمل الصحيح السابق
المخيِّر على الترتيب، كما لا يخفى على المنصف اللبيب، لكن ينافيه الخبر الوارد في شأن النزول لكنّه قاصر السند عن الصحة، فالقول بالترتيب أقرب إلى الترجيح.
ولكن يبقى الكلام في الكيفية، هل هي على ما في النهاية، أو غيرها من كتب الجماعة؟ وعدم المرجّح مع ضعف آحاد النصوص يقتضي التوقف فيها، وإن كان ما في النهاية لعلّه أقرب وأولى؛ لشهرتها وقبول النصوص التنزيل عليها جمعاً.
وعلى التخيير هل هو مطلق حتى في صورة ما إذا قَتَل المحارب، فللإمام فيها أيضاً الاقتصار على النفي مثلاً، كما هو ظاهر المتن وغيره؟ أم يتعيّن فيها اختيار القتل، كما صرّح به
المفيد وكثير
؟ وجهان، أجودهما: الثاني، لكن قصاصاً لا حدّا، فلو عفا ولي الدم أو كان المقتول ممّن لا يقتصّ له من القاتل سقط
القتل قصاصاً وثبت حدّا، مخيّراً بينه وبين باقي الأفراد.
ولعلّه إلى هذا نظر
شيخنا في
الروضة حيث تنظّر فيما أطلقه الجماعة من تعيين القتل في تلك الصورة، فقال بعد نقل القول بالتخيير: نعم، لو قتل المحارب تعيّن قتله ولم يكتف بغيره من
الحدود، سواء قتل مكافئاً أم لا، وسواء عفا الولّي أم لا، على ما ذكره جماعة من الأصحاب، وفي بعض أفراده نظر
. انتهى.
ولكن
الأحوط ما ذكروه، بل لعلّه المعيّن كما في الصحيح.
ولو تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه العقوبة، ولو تاب بعد ذلك لم تسقط بلا خلاف كما في نظائره، ويدلُّ على الحكمين معاً هنا الآية، صريحاً في الأوّل ومفهوماً في الثاني، ونحوها بعض النصوص
.
وأيضاً إنّ توبته قبل القدرة عليه بعيدة عن
التهمة، بخلافها بعد ذلك، فإنّه متّهم بقصد الدفع، مضافاً فيه إلى
استصحاب لزوم الحدّ.
ولم يسقط بالتوبة ما يتعلق به من
حقوق الناس كالقتل والجرح والمال في شيء من الحالين، بلا خلاف ولا إشكال؛ إذا لا مدخل
للتوبة فيه، بل يتوقف على إسقاط المستحق.
ويصلب المحارب حيّاً إلى أن يموت على القول بالتخيير واختاره
الإمام؛ لأنّه أحد أفراد الحدّ وقسيم للقتل، وهو يقتضي كونه حيّاً.
ومقتولاً على القول الآخر المفصِّل؛ لأنّ صلبه على هذا القول على تقدير قتله وأخذه المال، وقد تقدم أنّه يقتل أوّلاً ثم يصلب.
ولا يجوز أن يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيّام من حين صلبه ولو ملفقة.
والأصل فيه بعد الإجماع الظاهر، المصرّح به في الخلاف
النصوص، منها القويّان، أحدهما النبوي قولاً: «لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيّام حتى ينزل فيدفن»
.
ونحوه الثاني المرتضوي فعلاً: «صلب رجلاً بالحيرة ثلاثة أيّام، ثم أنزله يوم الرابع وصلّى عليه ودفنه»
.
وفي الصادقي: «المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيّام ويغسل ويدفن، ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيّام»
.
وللعامة قول بتركه حتى يسيل صديداً
.
قيل: والظاهر أنّ اللّيالي غير معتبرة، نعم تدخل اللّيلتان المتوسّطتان تبعاً للأيام؛ لتوقفها عليهما، فلو صُلِب أوّل النهار وجب إنزاله عشية الثالث، ويحتمل اعتبار ثلاثة أيّام بلياليها بناءً على دخولها في مفهومها
.
والأحوط الأوّل بناءً على عدم تحتّم
الصلب ثلاثة وحرمته بعدها.
وينزل بعد ذلك ويغسل ويحنّط على القول بصلبه حيّاً وكذا على غيره إن لم يؤمر بالاغتسال قبل قتله، وإن أُمِرَ به قبله أو قبل الصلب سقط وجوب غسله كما في نظائره.
والفرق بين القولين على ما يفهم من ظاهر الماتن هنا وفي الشرائع
والفاضل في
القواعد وجوب تقديم
الغسل على الثاني، وعدمه على الأوّل. ووجهه غير واضح، ولذا سوّى بين القولين جماعة
.
وكيف كان يجب أن يكفّن ويصلّى عليه ويدفن إذا كان مسلماً، بلا خلاف منّا، كما في النصوص المتقدّمة.
قيل: وللعامّة قول بأنّه لا يغسل ولا يصلّى عليه
.
وحيث ينفى المحارب اختياراً أو حتماً ينفى بما هو الظاهر من معناه، المصرّح به في كلام الأصحاب، مدّعياً بعضهم
الإجماع عليه وأكثر أخبار الباب، وهو أن يخرج عن بلده إلى غيره ويكتب إلى كلّ بلدٍ يأوي إليه بالمنع عن مؤاكلته ومشاربته ومجالسته، ومعاملته حتى يتوب فإن لم يتب استمرّ النفي إلى أن يموت، ونفيه عن الأرض كناية عن ذلك.
وفي رواية أنّ معناه إيداعه
الحبس، كما عليه بعض العامّة
، وادّعى عليه الإجماع في
الغنية، لكن على التخيير بينه وبين المعنى المتقدّم.
وفي اخرى أنّ معناه رميه في البحر ليكون عدلاً للقتل والصلب والقطع
.
قيل: وينبغي حملها على ما إذا كان المحارب كافراً أو مرتدّاً عن
الدين فيكون الإمام مخيّراً بين قتله بأيّ نحوٍ من الأنحاء الأربعة شاء، وأمّا إذا كان جانياً مسلماً غير مرتدّ عن الدين فإنّما يعاقبه الإمام على نحو جنايته، ويكون معنى النفي ما سبق
. وفيه نظر.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۱۵۲-۱۶۰.