تذكية الأرنب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أثر
التذكية في الحيوان إمّا الحلّية والطهارة معاً كما في مأكول اللحم، أو
الطهارة خاصة كما في غير المأكول، فيترتّب عليها جواز
الاستفادة من جلده ووبره وغير ذلك من التصرّفات المتوقّفة على الطهارة، والأرنب من القسم الثاني؛
للإجماع على حرمة لحمه كما عرفت سابقاً.وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في قابليته للتذكية وعدمها، فإنّهم وإن لم يتعرّضوا لحكمه من هذه الجهة على الخصوص لكنّهم تعرّضوا لذلك في موضعين:
في أحكام الجلود وما يجوز لبسه منها وما لا يجوز. والآخر: في بحث التذكية من كتاب الصيد والذباحة فيما يقبل التذكية من الحيوان وما لا يقبله، ومصبّ كلامهم في الموضعين على حكم السباع والمسوخ والتي منها الأرانب والثعالب.هذا، وقد قسّم الفقهاء الحيوان إلى مأكول اللحم وغيره، والثاني إلى نجس العين وغير نجس العين، والثاني إلى
آدمي وغير آدمي، والثاني إلى ما لا نفس سائلة له وما له نفس سائلة، والأخير
باعتبار الخلاف في قبول التذكية وعدمه على أربعة أقسام: السباع والمسوخ والحشرات وغيرها.ولا خلاف ولا كلام في وقوع التذكية على المأكول وعدم وقوعها على نجس العين ولا الآدمي ولا ما لا نفس سائلة له من غير المأكول؛ للإجماع وعدم
الأثر ، بل الضرورة في بعضها. وتفصيل ذلك في محالّه.
وقد وقع الخلاف في الأقسام الأربعة الأخيرة.
ولا بدّ من
الإشارة إلى ما تقتضيه القاعدة عند الشكّ في قبول حيوان للتذكية وعدمه بنحو الشبهة الحكمية على مستوى الأصول العملية تارة واللفظية أخرى.أمّا على المستوى الأوّل فقد اختلفوا في جريان استصحاب عدم التذكية وعدم جريانه، وقد اختار بعض المحقّقين جريان هذا
الاستصحاب واعتبره أصلًا سببياً حاكماً على أصالتي الحل والطهارة.
وادّعى بعضهم
عدم جريانه؛ لكونه من الاستصحاب في الأعدام الأزليّة وهو غير جارٍ، وبناءً على جريانه في بعض صوره- كما لو كان المراد منه العدم النعتي لا المحمولي- لا يجري في المقام؛ لأنّه من
الأصل المثبت.وتفصيل ذلك في مباحث الأصول.
وأمّا على المستوى الثاني- أي الأدلّة اللفظية- فقد يقال بأنّ عموم قوله تعالى:«إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ»
يقتضي حصول التذكية بالذبح، إذ ليس الذكاة إلّا الذبح، ولا دليل على نقلها في الشرع، فتدلّ بعمومها على قبول كلّ حيوان للتذكية إلّا ما خرج بالدليل فينقطع الأصل المتقدم.
لكن نوقش في ذلك بأنّ ظاهر سياقها والنصوص الواردة في تفسيرها
اختصاصها بمأكول اللحم، فلا يستفاد منها عموم قبول كلّ حيوان للتذكية حتى ينقطع الأصل.
نعم، هناك بعض الروايات يمكن أن يستفاد منها أنّ الذبح تذكية لكلّ حيوان، كقول
الصادق عليه السلام لزرارة عند ما سأله عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر: «... فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك
أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ذكّاه الذبح أو لم يذكّه»،
فإنّه ظاهر في أنّ الذبح تذكية لكلّ حيوان.وأظهر منه صحيح
علي بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود؟قال: «لا بأس بذلك»؛
إذ لو لم تقبل التذكية كانت ميتة لا يجوز لبسها ولو من جهة
الابتلاء بنجاستها.وغير ذلك من النصوص الواردة في لباس المصلّي والتي يفهم منها قبول كلّ حيوان طاهر العين للتذكية وإن لم يكن مأكول اللحم لكن لا يصلّى فيه. هذا كلّه في الأصل والعمومات.
وأمّا على مستوى الأدلّة الخاصة في المسوخ والسباع فأيضاً هناك خلاف يذكر في محالّه.وبعد هذه المقدمة نعود إلى حكم
الأرنب فنقول: اختلف الفقهاء في قابلية الأرنب للتذكية وعدمها على قولين:
الأوّل: أنّه غير قابل للتذكية، ذهب إليه بعض الفقهاء إمّا من جهة الحكم بنجاسته، والنجاسة مانعة من وقوع الذكاة، وهذا يظهر من
الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في الخلاف، أمّا الأوّل فقد تقدمت عبارته عند الكلام عن نجاسة
الأرنب،
وأمّا الثاني فقد قال- بعد ذكر ما يجوز استعمال جلده بعد التذكية-:«فأمّا ما عدا ذلك من الكلب والأرنب والذئب والخنزير والثعلب فلا يجوز استعماله على حال».
ويمكن أن يلحق بهما كلّ من قال بنجاسة الأرنب وإن لم يصرّح بعدم قابليته للتذكية.وإمّا لكونه من المسوخ بناءً على عدم قابليتها للتذكية، وهنا أيضاً إمّا لكونها نجسة أو لكونها في حدّ ذاتها غير قابلة للتذكية؛ لعدم الدليل أو لعدم الفائدة.
ومن القائلين بعدم وقوع الذكاة على المسوخ المحقّق في الشرائع والمعتبر والشهيد الثاني في المسالك والنراقي
والإمام الخميني وغيرهم،
ولم يصرّح هؤلاء بكون الأرنب من المسوخ أو لا. نعم، ذكر بعضهم الروايات الذاكرة للمسوخ والعادَّة للأرنب منها.
هذا، وقد استدلّ على ذلك بأنّ الذكاة حكم شرعي يترتّب عليه طهارة ما حكم بكونه ميتة، وهذا أمرٌ يتوقّف على دليل صالح مخرج عن حكم الأدلّة الدالّة على نجاسة الميتة وأجزائها التي تحلّها الحياة وهو مفقود،
والأدلّة التي استدلّ بها على وقوعها على المسوخ ممنوعة كما ستسمعها في القول الثاني.
القول الثاني: أنّه قابل للتذكية، نسب ذلك إلى السيد المرتضى،
وهو ظاهر الشيخ في
المبسوط والنهاية والقاضي وابن إدريس وابن سعيد،
حيث عدَّ هؤلاء جلد الأرنب ممّا يجوز استعماله في غير الصلاة إذا ذكّي ودبغ، ولم يستثنوا من الجلود إلّا جلد الكلب والخنزير. واختاره العلّامة وولده والشهيد الأوّل والثاني في الروضة والفاضل الاصفهاني
والمحدث الكاشاني والسيد العاملي والمحقّق النجفي والسيد الحكيم والسيد الخونساري
والسيد الخوئي.
واستدلّ لذلك
بالأصل بمعنى استصحاب الطهارة أو قاعدتها، ووجود المقتضي، فإنّه في المأكول لفائدة
الانتفاع بلحمه وجلده، وهو متحقّق فيها للانتفاع بجلدها، وللنصوص الواردة في حلّ الأرنب والتي منها: رواية حماد المتقدّمة في حكم لحم الأرنب، المحمولة على حلّ ذكاتها وجلودها جمعاً بينها وبين الأخبار الدالّة على حرمة لحمها،
وللاتّفاق الحاصل على ذلك بين الشيعة.
إلّا أنّه نوقش
في هذه الأدلّة بمنع الأصل هنا، سواء كان بمعنى الاستصحاب أو بمعنى قاعدة الطهارة كما عرفت، ومنع المشاركة في المقتضي. بل في الجواهر أنّ هذا «لا يرجع إلى محصّل ينطبق على أصول
الإمامية ».
وأمّا الروايات فإنّها دلّت على حلّ لحمها، وهو باطل عند الإمامية غير معمول عليه عندهم فيكون موافقاً للتقية، أو يكون من المأوّل الذي ليس بحجة.نعم، يمكن
الاستدلال للقول بقبولها للتذكية بالعمومات الدالّة على قبول كلّ حيوان للتذكية إلّا ما خرج بالدليل، بناءً على قبول وجود تلك العمومات.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۲۷۸-۲۸۲.