تعارض البينات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في بيان أحكام تعارض البيّنات وتضادّها بحيث يستلزم العمل بكل منهما تكذيب الأُخرى. اعلم أنّ العين التي تعارضت فيها إمّا أن تكون في يد أحد المتداعيين، أو يدهما معاً، أو يد خارج عنهما: يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق على الأشبه؛ ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب كالنتاج وقديم الملك وكذا الابتياع؛ ولو تساويا في السبب فروايتان، أشبههما:
القضاء للخارج؛ ولو كانت يداهما عليه قضي لكل منهما بما في يد الآخر، فيكون بينهما نصفين؛ ولو كان المدعى به في يد ثالث قضي بالأعدل فالأكثر، فان تساويا
عدالة وكثرة أقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له؛ ولو امتنع احلف الآخر؛ ولو امتنعا قسم بينهما؛ وفي
المبسوط: يقرع بينهما إن شهدتا
بالملك المطلق؛ ويقسم إن شهدتا
بالملك المقيد؛ والأول أشبه.
فإن كان الأوّل كان الحكم فيه أن يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق أي من غير ذكر سببه مطلقاً، تساوتا عدالةً وكثرةً، أم اختلفتا فيهما على الأشبه الأقوى.
وفاقاً لجمهور أصحابنا
كالصدوقين،
والشيخ في
النهاية وكتابي الأخبار وكتاب البيوع من
الخلاف،
والديلمي،
والقاضي،
وابن حمزة لكن فيما لا يتكرر ملكه، والحلّي، وابن زهرة، والفاضلين في صريح المتن والشرائع والمختلف وظاهر التحرير والإرشاد والقواعد، والشهيدين في النكت والروضة، وإن توقّفا فيه في الدروس واللمعة والمسالك
، وهو ظاهر
المقداد في
التنقيح، وغيره من المتأخّرين
. ونسبه في الخلاف إلينا، وجعله في المبسوط
مذهبنا مشعراً بدعوى الإجماع عليه بيننا، وبه صرّح في الغنية؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى
الرواية المستفيضة أنّ البيّنة على المدّعى واليمين على الجاحد
. فإنّ تخصيص المدّعى بالبيّنة والجاحد باليمين قاطع لشركتهما فيهما.
وقصور الدلالة من حيث إنّ غايتها إفادة لزوم البيّنة على المدّعى، لا عدم الحكم بها لو أقامها المنكر وعدم سماعها منه.
مجبور أوّلاً: بفهم
الأصحاب منها ما ذكرنا، حيث استدلوا بها هنا وفي غير مقام ساكتين عليها، بل ظاهرهم الجزم بوضوح دلالتها.
وثانياً: بالخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة العظيمة، كما عرفتها وسيأتي أيضاً إليها الإشارة، وفيه: رجل في يده شاة فجاء رجل فادّعاها، فأقام البيّنة العدول أنّها ولدت عنده ولم يهب ولم يبع، وجاء الذي في يده بالبيّنة مثلهم عدول وأنّها ولدت عنده، ولم يهب ولم يبع، فقال (علیهالسّلام): «حقّها للمدّعي، ولا أقبل من الذي في يده بيّنة، لأنّ الله تعالى إنّما أمر أن تطلب البيّنة من المدّعى، فإن كانت له بيّنة، وإلاّ فيمين الذي هو في يده، هكذا أمر الله تعالى»
.
وهو مع ذلك حجّة أُخرى مستقلة، سيّما مع مخالفتها
العامّة، كما سيأتي إليه الإشارة.
خلافاً للشيخ في
المبسوط وكتاب الدعاوي من الخلاف
، فقال: يقضى للداخل.
ومستنده مع ندرته غير واضح من الأخبار، وما استدل له به منها ممّا سيأتي مختصّ بغير ما نحن فيه. والاعتبار وإن شهد له من حيث إنّ ذا اليد له حجّتان: هي والبيّنة، والآخر له حجّة واحدة، فيترجّحان عليها، إلاّ أنّه ساقط عن درجة الاعتبار بعد ما عرفته من أنّ وظيفة ذي اليد
اليمين دون البيّنة، فوجودها في حقه كعدمها بلا شبهة، ولذا لو أقامها بدلاً عن يمينه لم تقبل منه إجماعاً إن لم يقمها المدّعى.
وللمفيد؛ فرجّح الأعدل من البيّنتين ثم الأكثر منههما، ومع التساوي فبيّنة الخارج مطلقاً، مطلقتين كانتا أم مقيّدتين أم مختلفتين.
ووافقه
الإسكافي، لكن في اعتبار الأكثرية خاصّة دون الأعدلية، فلم يذكرها، ودون الحكم للخارج مع التساوي في الكثرة، بل حكم فيه للحالف منهما، ولذي اليد مع حلفهما أو نكولهما.
واستدل لهما في اعتبار الأكثرية بالصحيح: عن الرجل يأتي القوم، فيدّعي داراً في أيديهم، ويقيم الذي في يده الدار البيّنة أنّه ورثها من أبيه، لا يدري كيف أمرها؟ فقال: «أكثرهم بيّنة يستحلف وتدفع إليه» وذكر: «أنّ
علياً (علیهالسّلام) أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت لهؤلاء بيّنة أنّهم أنتجوها على مذوَدهم لم يبيعوا ولم يهبوا، وقامت لهؤلاء البيّنة بمثل ذلك، فقضى بها لأكثرهم بيّنة واستحلفهم»
.
وفيه نظر، فإنّ الاستدلال به إن كان من جهة الذيل المتضمن لقضاء علي (علیهالسّلام) في البغلة فوجه النظر فيه واضح؛ لعدم التعرض فيه لكونها في يد أحدهما كما هو فرضنا، فيحتمل كونها في يد ثالث، ونحن نقول به، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وإن كان من جهة الصدر المصرّح فيه بكون العين المتنازع فيها في يد أحدهما، فوجه النظر فيه أنّه لا تعلّق له بما نحن فيه من تعارض البيّنتين بالملك؛ وذلك لأنّ الظاهر منه بل صريحه أنّ بيّنة ذي اليد إنّما هي على كون الدار في يده
بالإرث، لا على كونها في يده بالملك، ويحتمل فيه القول بمضمونه كما حكاه في المختلف عن
الحلبي، ويظهر أيضاً من
الصدوق في
الفقيه، حيث قال بعد نقل الرواية المزبورة: لو قال الذي في يده الدار: إنّها لي وملكي، وأقام على ذلك بيّنة، وأقام المدّعى على دعواه بيّنة، كان الحق أن يحكم بها للمدّعي؛ لأنّ الله تعالى عزّ وجلّ إنّما أوجب البيّنة على المدّعى ولم يوجبها على المدّعى عليه، ولكن هذا المدّعى عليه ذكر أنّه ورثة عن أبيه ولا يدري كيف أمرها، فلهذا أوجب الحكم باستحلاف أكثرهم بيّنة ودفع الدار إليه
. انتهى.
وهو صريح في عدم اعتباره الأكثرية بل وغيرها من وجوه التراجيح فيما نحن فيه، فما ذكره
الشهيدان وغيرهما
من موافقته المفيد في اعتبار الأكثرية مطلقاً محل مناقشة.
وكذا نسبة
ابن فهد في
المهذب والشهيد في
الدروس ذلك مع اعتبار الأعدلية قبله إلى قدماء الأصحاب كما في الأوّل، وإلى أكثرهم كما في الثاني أيضاً محل مناقشة؛ إذ لم نقف على قائل بذلك منهم عدا من ذكرناه. وكلمات باقيهم كما يستفاد من
المختلف وإن تضمنت ذلك إلاّ أنّه فيما إذا كانت العين في يد خارجة ثالثة، وهو ليس من خصائصهم، بل أفتى به المتأخرون كما اعترفا به أيضاً.
وبالجملة: لا وجه لما ذكروه من النسبة، كما لا وجه للاستدلال بما ذكر من الرواية للمفيد والإسكافي في مفروض المسألة، كما اتفق
للشهيد الثاني وجملة ممن تبعه
؛ لما عرفته. ومع ذلك قاصرة عن إفادة تمام ما عليه المفيد من اعتبار الأعدلية وكونها قبل الأكثرية، ولا متمّم له من
إجماع أو رواية. ومع ذلك هي معتبرة للحلف، وهو لم يعتبره.
وكذا حكمه بتقديم الخارج مع التساوي في الكثرة لا يستفاد منها، ولعله أخذه من الجمع بينها وبين ما قدمناه من الأدلة، كما صرّح به في الدروس
، ولكنه غير ممكن لنا؛ لعدم التكافؤ بينهما عندنا؛ لرجحان الأدلة التي قدمناها على هذه الرواية من وجوه عديدة، مع ما عليه هذه الرواية مما عرفته من عدم ارتباطها بمورد المسألة.
فلا يمكننا المصير إلى ما عليه المفيد، ولا إلى ما عليه الإسكافي من الحكم مع التساوي عدداً للحالف منهما ولذي اليد مع حلفهما أو نكولهما؛ لعدم استفادتهما من الرواية المزبورة، مع مخالفتهما لما مضى من الأدلة.
مع عدم دليل على الثاني منهما سوى ما عرفته في مذهب الخلاف من حجة ضعيفة، ولا على الأوّل عدا رواية: «أنّ رجلين اختصما إلى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام)، فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف» فقيل: لو لم يكن في يد واحد منهما وأقاما البيّنة؟ قال: «أحلفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، وإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين». قيل: فإن كانت في يد واحد منهما وأقاما جميعاً البيّنة؟ فقال: «أقضي بها للحالف الذي في يده»
.
وهي مع عدم دلالتها على التفصيل الذي ذكره على المشهور ضعيفة، ومع ذلك غير مكافئة لما مرّ من الأدلة، متضمنة لما لم يقل به المشهور من
الطائفة وهو
القضاء فيها بالعين التي في يدهما بمجموعها للحالف منهما، والمشهور كما سيأتي التشريك بينهما مطلقاً، إلاّ أن يحمل على ما إذا لم يكن بيّنة لهما.
وللعماني فصار إلى القرعة مطلقاً، مدّعياً تواتر الأخبار بقضاء
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) بذلك
.
وهو
شاذّ، والأخبار المستفيضة أو المتواترة كما ذكره وإن كانت مطلقة إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب عداه الإطباق على تقييدها بما إذا كان تعارض البيّنتين في العين الخارجة عن يد المتداعيين. ولعله للجمع بينها وبين ما مرّ من الأدلّة بتقديم بيّنة الخارج، وهي بالنظر إلى هذه الأخبار خاصّة، فلتكن عليها مقدمة. ويمكن تقييد كلام العماني بذلك أيضاً، ولعله لذا لم يشر إلى خلافه أحد في المسألة، مع أنّ الأخبار الدالة عليه مستفيضة.
وكيف كان، فالمختار ما عليه الأصحاب.
كل ذا إذا شهدتا
بالملك المطلق.
ويقضى لصاحب اليد لو انفردت بيّنته بذكر السبب كالنتاج، وقديم الملك، وكذا الابتياع وأطلقت بيّنة الآخر، ولم يذكر فيها شيء من الأسباب، وفاقاً للشيخ في
النهاية وكتابي الحديث والخلاف والمبسوط
مشعراً فيهما بدعوى الإجماع عليه، حيث قال فيهما: قبلناها، وزاد في الأوّل فقال: بلا خلاف بيننا. وبه تشعر عبارة ابن فهد، حيث نسب القول الآتي إلى الندرة
. وإليه ذهب القاضي
والطبرسي والفاضلان والشهيدان
في كتبهم المتقدّمة.
والحجة عليه غير واضحة عدا الإجماع المستشعر من عبائر الشيخ وابن فهد المتقدمة، وما في التنقيح
من تأيّد يده بالسبب، وحديث
جابر أنّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) قضى لصاحب اليد لمّا أقام كل منهما البيّنة أنّه أنتجها عنده
. ونحوه بعض الروايات الآتية.
والمناقشة في الجميع واضحة، أمّا الإجماع فبعد تسليم ظهوره من العبارة موهون بعدم قائل به من القدماء عدا الناقل له وبعض من تبعه، وإلاّ فأكثر القدماء على تقديم بيّنة الخارج هنا أيضاً كالصدوقين والمفيد والديلمي
والحلي وابن زهرة مدّعياً عليه إجماع
الإمامية.
وبإجماعه يعارض الإجماع المتقدم أيضاً، مع رجحانه عليه بالتصريح فيه بلفظه، وعدم وهنه بموافقة من مرّ من القدماء له، ولكنهم كمدّعي الإجماع أطلقوا الحكم بتقديم بيّنة الخارج من دون تفصيل بين كونها مطلقة أو مقيّدة، إلاّ أنّ
الإطلاق يكفي في الشمول لما نحن فيه سيّما مع ما مرّ في عبارة الصدوق من التعليل، وقريب منها عبارة ابن زهرة.
وأمّا تأيّد اليد بالسبب فحسن إن لم يقم الدليل على عدم اعتبار اليد من أصله في مقابلة بيّنة المدّعى، وقد عرفت قيامه، وصار إليه هؤلاء الجماعة في المسألة السابقة. هذا مع أنّ في حصول التأيّد بالسبب نظراً، ولو سلّمنا اعتبارها هنا.
وأمّا الروايات فقاصرة الأسانيد مع ضعف الاولى، وعديمة التكافؤ لما قدمناه من الأدلة على تقديم البيّنة الخارجة، مع أنّ موردها اشتمال البيّنتين على السبب، فلا ربط لها بمحل البحث من كون بيّنة الداخل مقيدة والأُخرى مطلقة.
اللهم إلاّ أن يرتبط بالأولوية كما في
المسالك، لكنها تتوقف على القول بمضمون الروايات من تقديم بيّنة الداخل فيما لو كانتا مقيدتين، وسيأتي أنّ مذهب الماتن وأكثر الجماعة القائلين بتقديم بيّنة الداخل هنا تقديم بيّنة الخارج ثمّة، معرضين عن الرواية، فكيف يصح لهم الاستناد إليها في المسألة من جهة الأولوية، مع عدم قولهم بأصل ما فيها.
وبالجملة: الوجه عند الأحقر تقديم بيّنة الخارج هنا كما مضى؛ لما مضى، وفاقاً لمن مضى.
ولو تساويا أي البيّنتان في ذكر السبب بأن شهد كل منهما على النتاج عند من شهدت له مثلاً ففي القضاء للخارج أو الداخل روايتان، أشبههما ما تضمّن القضاء للخارج وهو اختيار من مرّ والفاضلين في كتبهم المتقدّمة،
والفاضل المقداد في شرح الكتاب، والشهيدين في النكت والروضة، وغيرهم
.
وبالجملة المشهور، على الظاهر المصرح به في كلام الخال
العلاّمة المجلسي حيث قال في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية، وهي الرواية المتقدمة دليلاً للمختار في المسألة السابقة ما لفظه: تدل على ترجيح بيّنة الخارج فيما إذا كانتا مسبّبتين، وهو المشهور الموافق للأُصول، ولعلّ ما مرّ من الأخبار من ترجيح بيّنة الداخل محمول على
التقية؛ لشهرته بين العامّة فتوًى وروايةً، فإنّهم رووا عن
جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ رجلين تداعيا دابّة فأقام كل واحد منهما البيّنة أنّها دابّة أنتجها، فقضى رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) للذي في يديه، وعمل عليه أكثرهم. ثم قال: وممّا يرجّح هذا الخبر وأشار به إلى الخبر الدال على المختار هو أنّه معلّل، والخبر المعلّل أولى بالعمل عند التعارض كما ذكره أئمّة الأُصول
. انتهى كلامه، علَتْ في فراديس الجنان أقدامه.
وأشار بما مرّ من الأخبار إلى الرواية الثانية، وهي متعددة:
منها: ما مرّ سنداً للإسكافي.
ومنها:
الموثق «أنّ أمير المؤمنين (علیهالسّلام) اختصم إليه رجلان في دابة، وكلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للّذي هي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين»
.
والأولى قد عرفت أنّها ضعيفة، مع أنّها غير واضحة الدلالة على الحكم في مفروض المسألة.
والثانية وإن كانت بحسب السند معتبرة في الجملة إلاّ أنّها لا تقاوم الرواية المتقدّمة المعتضدة بما قبلها من الرواية المستفيضة، وبالشهرة الظاهرة والمحكية كما عرفته، وبدعوى الإجماع على تقديم بيّنة الخارج على الإطلاق في
الغنية، وبالمخالفة لما عليه أكثر العامّة، كما عرفته من كلام الخال العلاّمة في حمله الرواية الثانية على التقية. ولعله يعضده كون
الراوي لها غياث بن إبراهيم وهو بتري. فتأمّل.
وبالجملة: طرح هذه الرواية متعين، وإن ذهب إليها الشيخ في الخلاف
والتهذيبين، ونسبه في المسالك
إليه في النهاية وإلى
الماتن، ولعله وهم؛ لتصريح الماتن هنا كما ترى وفي
الشرائع أيضاً بتقديم بيّنة الخارج هنا.
وعبارة النهاية المحكية في
المختلف ساكتة عن حكم البيّنتين المسبّبتين، وإنّما حكمت بتقديم بيّنة ذي اليد إذا انفردت بالسبب، ولذا لم ينسبه فيها إلى ما ذكره أحد من الطائفة حتى من تبعه. بل صرح جمع بما ذكرناه من النسبة، كالفاضل في المختلف، وابن فهد في المهذّب، والشهيد في
النكت، وغيرهم.
ويشبه هذا الوهم الوهم الذي نسبه الشهيدان في النكت والمسالك
إلى المبسوط في نسبة تقديم بيّنة ذي اليد مع كون البيّنتين مقيّدتين أو مطلقتين إلى مختاره في النهاية، حيث قال: مذهبنا الذي يدل عليه أخبارنا ما ذكرناه في النهاية، وهو أنّه إذا شهدتا بالملك المطلق ويد أحدهما عليها حكم لليد، وكذا إن شهدتا بالملك المقيد لكل واحد منهما ويد أحدهما عليها حكم لمن هو في يده
. انتهى.
مع أنّه رجّح في النهاية
في البيّنتين المطلقتين تقديم بيّنة الخارجة لا الداخلة، ولم يتعرض فيها لحكم البيّنتين المقيّدتين بشيء بالمرّة كما عرفته. وظاهره كما ترى المصير إلى ما في الخلاف مشعراً بدعوى الإجماع عليه
فتوى ورواية.
وهو كما ترى، لاختلاف رواياتنا جدّاً، مع كون الأشهر منها ما اخترناه، وعدم ظهور قائل بما نسبه إلى مذهبنا عداه هنا وفي الخلاف وكتابي الحديث، مع تأمّل ما في فتواه بذلك فيهما؛ لما مرّ وجهه مراراً، ومع ذلك معارض بما مرّ من إجماع الغنية صريحاً.
ومما حققناه في الصور الثلاث يظهر أنّ الأقوى فيها تقديم الخارج، وأنّه الأشهر، إلاّ في الصورة الثانية؛ لعدم تحقق شهرة فيها معتدّ بها.
وبقي هنا صورة رابعة هي عكس الثانية، ولم يذكر حكمها في العبارة صريحاً، ولكنه يستفاد من الحكم في الثانية بالأولوية كما صرّح بها جماعة
، مع أنّه لا خلاف فيه أجده، وبه صرح بعض الأجلة
.
نعم ربّما يأتي فيها خلاف من مضى في الصورة الأُولى ممّن رجّح بالأعدلية والأكثرية أو حكم
بالقرعة، ولكن الجواب عنه قد عرفته.
ولو كانت يداهما أي المتداعيين عليه أي على الشيء المتنازع فيه قضي لكل منهما بما في يد الآخر دون ما في يده مطلقاً، تساوت البيّنات عدالةً وكثرةً وإطلاقاً وتقييداً أم اختلفتا فيها، على الأشهر الأقوى، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا إلاّ نادراً.
خلافاً للمهذب
وجماعة
من القدماء، فخصّوا ذلك بما إذا تساوتا في الأُمور المتقدّمة كلها، وحكموا مع الاختلاف فيها لأرجحهما، واختلفوا في بيان المرجّح لها. فعن
المفيد اعتباره الأعدلية خاصّة هنا وإن اعتبر الأكثرية بعدها فيما مضى.
وعن
الإسكافي اعتبار الأكثرية خاصّة كاعتباره لها فيما مضى، وفي المهذّب
اعتبارهما مرتباً بينهما الأعدلية فالأكثرية.
وعن ابن حمزة
اعتباره التقييد أيضاً مردّداً بين الثلاثة غير مرتّب بينها.
وعن الديلمي
اعتبار المرجّح مطلقاً، غير مبيّن له أصلاً.
ولم أجد دليلاً على شيء منها هنا، عدا ما ربما يتخيل من أمر اعتباري دالّ عليها في الجملة لا مطلقاً، وهو أنّ حال البيّنتين هنا كحال الخبرين المتعارضين حيث يتعين الأخذ بأرجحهما، ويجمع بينهما مع التكافؤ وإمكان الجمع ولو في الجملة كما هنا. وهو ضعيف جدّاً؛ لكونه قياساً، ومع ذلك يتضمّن فارقاً، وهو أنّ مناط العمل بالخبر ليس من حيث كونه خبراً، بل من حيث كونه للظن مفيداً، فينبغي متابعة أقوى الظنّين من الخبرين المتعارضين إن كان حاصلاً؛ تحصيلاً لما هو أقرب إلى
العلم المأمور بتحصيله وما به أحرى، ولا كذلك العمل بالبيّنة، فإنّ مناط العمل بها خصوصيتها لا إفادتها المظنّة، وإنّها من قبيل الأسباب
كاليد والأنساب، كما صرّح به جماعة من الأصحاب
، ولهذا يعمل عليها ولو لم تفدها بالكلية، بل لو حصل من شهادة الفاسق ونحوه ظنّ أقوى من
الظنّ الحاصل منها بمراتب شتى يعمل بها دون شهادتهما.
ومنشأ الفرق هو اختلاف مفاد الأدلة على حجّية الأمرين، فإنّ مفاد ما دلّ على
حجّية الخبر حجّيته من حيث إفادته المظنّة، لا من حيث الخبرية. وما دل على حجّية البيّنة حجيتها من حيث البيّنة لا من حيث إفادتها المظنّة. ولا ريب أنّ البيّنتين المختلفتين بأحد الأُمور المتقدمة وإن اختلف الظنّ الحاصل منهما ضعفاً وقوةً مشتركتان فيما هو المناط في حجيّتهما، وهو كون كل منهما بيّنة، فيجب العمل بكل منهما لإثبات ما في يد كلٍّ لصاحبه؛ لكونه بالإضافة إليه مدّعياً وهو بالنسبة إليه منكراً.
ومنه يظهر الوجه في
القضاء لكلٍّ بما في يد الآخر مع عدم اعتبار
اليمين، كما هو المشهور، على الظاهر المصرّح به في المسالك
والكفاية وغيرهما
.
وهو لازم لكل من قدّم بيّنة اليد الخارجة أو الداخلة، مع توجيهه التنصيف بينهما بأنّ مع كل منهما مرجّحاً باليد على نصفها فقدّمت بيّنته على ما في يده. ولو وجّه بتساقط البيّنتين وبقاء الحكم كما لو لم يكن هناك بيّنة لزم اليمين، كما هو واضح. وتقديم اليد الداخلة كما عرفت ضعيف، والتوجيهان غير معلومي المأخذ.
ولقد قوّى
الفاضل في
التحرير ثبوت اليمين على كل منهما مع حكمه بتقديم بيّنة الخارج، وأنّ القضاء هنا لكل منهما بما في يد الآخر. وجعل ما ذكرناه من عدم اعتبار اليمين احتمالاً. ولعله استند إلى ما مرّ من الخبر سنداً للإسكافي المتضمّن لأنّ رجلين اختصما إلى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام)، فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل: لو لم تكن في يد واحد منهما، إلى آخر ما مضى.
ولكنه كما عرفت ضعيف، غير صريح في كون العين بيدهما، كما هو محل البحث هنا، فيحتمل كونها بيد ثالث ونحن نقول به كما يأتي. وهو وإن خالف ظاهر الخبر إلاّ انّ ارتكابه لا بُدّ منه جمعاً بينه وبين
الأصل والأدلّة النافية لاعتبار اليمين في نحو المسألة.
ولا ريب أنّ عدم التنصيف بينهما إلاّ بعد إحلافهما
أحوط وأولى؛ خروجاً من شبهة الخلاف، مع اعتبار
سند الرواية؛ إذ ليس فيه سوى الخشاب، وهو ممدوح، وغياث بن كلوب، وهو وإن ضعف في المشهور إلاّ أنّ الشيخ قال: إنّ الأصحاب عملوا بحديثه
. هذا.
مع أنّه يستفاد من الفاضل المقداد في الشرح عدم الخلاف في الإحلاف، حيث قال بعد الإشارة إلى ما يترتب على الخلاف في تقديم بيّنة الخارج أو الداخل من الحكم لكلٍّ بما في يد الآخر على الأوّل، وبما في يده على الثاني: فيكون بينهما نصفين على التقديرين، سواء أقاما بيّنة أو لم يقيما بيّنة، ويكون لكل منهما اليمين على صاحبه، فإن حلفا أو نكلا فالحكم كما تقدم. وإن حلف ونكل الآخر قضي بها للحالف
. انتهى.
ولكن هذا منه غريب، سيّما مع أنّ دابة ذكر الخلاف حيث كان، فإنّ الخلاف في ذلك كما عرفت مشهور، سيّما وأنّ عدم الإحلاف أيضاً مشهور. ومع ذلك فلزومه وعدمه يترتبان على الخلاف الذي ذكره، بل هما العمدة في ثمرة ما رتّبه عليه، وإلاّ فمجرده ليس ثمرته، وإنّما هو مجرد اختلاف عبارة بأنّ على القول بالقضاء للخارج يحكم لكل بما في يد الآخر، وعلى القول الآخر يحكم له بما في يده. وهو ليس بثمرة معنوية حقيقة؛ لثبوت النصف لكل منهما على التقديرين، كما ذكره.
وبما ذكرناه من كون الإحلاف وعدمه ثمرة ذلك الاختلاف صرّح جمع من الأصحاب، ومنهم
ابن فهد في
المهذب، حيث قال: فإن أقاما بيّنتين نظر إلى أعدلهما فأكثرهما ورجّح به. فإن تساويا فيهما قضي لكل منهما بما في يده على القول بالقضاء لصاحب اليد كمذهب الخلاف، وبما في يد صاحبه كمذهب النهاية وكتابي الأخبار. وتظهر الفائدة في ضمّ اليمين إن حكمنا بتقديم بيّنة الداخل؛ لأنّ الظاهر تساقط البيّنتين مع تعارضهما، ويقضى للداخل لأنّه الأصل، فيتوجه اليمين عليه لدفع دعوى المدّعى. وإن قلنا يقضى له بما في يد صاحبه لا يتوجه على أحدهما يمين؛ لأنّ القضاء له مستند إلى بيّنة، وهي ناهضة بثبوت الحق، فيستغني عن اليمين
. انتهى.
وظاهره تعين اليمين على القول بتقديم الداخل؛ لما وجّهه به من التساقط.
وفيه نظر يظهر وجهه مما مرّ من احتمال عدم اليمين على هذا القول أيضاً إذا وجّه التنصيف بأنّ مع كل منهما مرجّحاً، إلى آخر ما مضى، فتأمّل جدّاً. مع أنّه حكي في المسالك
وغيره
قولاً.
واعلم أنّ ظاهر إطلاق عبارة
العماني بلزوم القرعة وتقديم من أخرجته يقتضي جريان خلافه السابق هنا أيضاً، ونحوه إطلاق مستفيضته. وجوابهما يعلم ممّا مضى.
ولو كان المدّعى به في يد ثالث خارج عنهما قضي بالأعدل أي بأرجح البيّنتين عدالةً فإن تساويا فيها قضي لالأكثر منهما شهوداً فإن تساويا عدالةً وكثرةً أُقرع بينهما، فمن خرج اسمه أُحلف وقضي له بتمام المدّعى به. ولو امتنع عن
الحلف أُحلف الآخر وقضي له بتمامه ولو امتنعا معاً عنه قسّم المدّعى به بينهما على الأشهر الأقوى، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، وفاقاً للنهاية وكتابي الحديث وموضع من الخلاف، والحلبي، والقاضي، والحلّي، وابن حمزة،
ويحيى بن سعيد،
وابن زهرة العلوي مدّعياً الإجماع عليه.
وهو
الحجة الجامعة بين
النصوص المختلفة المتقدّم إليها الإشارة الدالّ بعضها على اعتبار الأكثرية بقول مطلق، كالصحيح: «أنّ عليّاً (علیهالسّلام) أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت لهؤلاء البيّنة أنّهم أنتجوها على مِذْوَدهم، لم يبيعوا ولم يهبوا، وقامت لهؤلاء البيّنة بمثل ذلك، فقضى بها لأكثرهم بيّنة واستحلفهم»
الخبر.
وجملة منها باستعمال
القرعة كذلك.
ففي
الصحيح: عن رجلين شهدا على أمر، وجاء آخران فشهدا على غير ذلك فاختلفوا، فقال: «يقرع، فأيّهم قرع فعليه اليمين، وهو أولى بالحق»
.
ونحوه الخبر الصحيح: في شاهدين شهدا على أمر واحد، وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهد الأوّلان فاختلفوا، قال: «يقرع بينهم، فمن قرع عليه اليمين فهو أولى بالقضاء»
.
وفي
الموثق وغيره: «إنّ رجلين اختصما إلى
علي (علیهالسّلام) في دابّة، فزعم كل واحد منهما أنّها نتجت على مِذْوَده، وأقام كل واحد منهما بيّنة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلّم السهمين كل واحد منهما بعلامة، ثم قال: اللهم ربّ السموات السبع، وربّ الأرضين السبع، وربّ العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، أيّهما كان صاحب الدابّة وهو أولى بها فأسألك أن يقرع ويخرج سهمه، فخرج
سهم أحدهما، فقضى له بها»
.
إلى غير ذلك من النصوص، بحمل هذه على الصورة الأخيرة من تساوي البيّنتين في
العدالة والكثرة، كما تشعر به الروايتان الأخيرتان ولو في الجملة.
وأظهر منهما إشعاراً بل ربّما كان دليلاً
الخبر: «كان علي (علیهالسّلام) إذا أتاه رجلان ببيّنة شهود عددهم سواء وعدالتهم، أقرع بينهم على أيّهم يصير اليمين، وكان يقول: اللهم ربّ السموات أيّهم كان الحق له فأدّه إليه، ثم يجعل الحق للذي يصير إليه اليمين»
.
وهو وإن لم يستفد منه الترتيب بين
الأعدلية والأكثرية، لكنه محمول عليه بقرينة الإجماع المتقدّم إليه الإشارة، فإنه الجامع بين اختلاف ما مرّ من النصوص وكذا كثير من فتاوي القدماء المختلفة في الترجيح بالأعدلية والأكثرية، والرجوع بعد التساوي فيهما إلى القرعة.
فبين من اقتصر على اعتبار الأعدلية خاصّة، كالمفيد
.
ومن اقتصر على اعتبار الأكثرية كذلك. كالإسكافي والصدوقين. نعم ذكرا قبل اعتبارها إنّ أحقّ المدّعيين من عُدّل شاهداه، فإن استوى
الشهود في العدالة فأكثرهما شهوداً. وهو ليس نصّاً في اعتبار الأعدلية وإن كان له محتملاً.
وبين من اقتصر على اعتبارهما خاصّة ولم يذكر الترتيب بينهما، ولا القرعة بعدهما، كالشيخ في موضع من
الخلاف قائلاً: إنّه الظاهر من مذهب الأصحاب
.
ومن اقتصر على ذكر المرجّح مطلقاً له من دون بيان له ولا ذكر القرعة، كالديلمي والشيخ في موضع من الخلاف
، لكنّه ذكر القرعة بعد العجز عن الترجيح مدّعياً عليه
إجماع الإمامية.
وبين من فصّل بعين ما في العبارة لكن مقدّماً للأكثرية على الأعدلية،
كالحلّي في
السرائر، وعزاه إلى ظاهر الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه.
وبين من اقتصر على القرعة خاصّة، كالعماني.
والإنصاف أنّ الجمع بين هذه
الفتاوى المختلفة والنصوص أيضاً بالإجماع المزبور لا يخلو عن إشكال، سيّما مثل فتوى الحلّي والعماني، فإنّ سياق عبارته كالصريح في المنع عن القضاء بينهما بالسوية ولو بعد نكولهما عن الحلف بعد القرعة، فإنّه قال بعد الحكم بها:
وزعم بعض العامّة أنّ المدّعيين إذا أقام كل واحد منهما شاهدي عدل على شيء واحد له دون غيره حكم بينهما نصفين، فيقال لهم: أكتاب الله تعالى حكم بذلك، أم سنّة
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، أم بإجماع. فإن ادّعوا
الكتاب، فالكتاب ناطق بالردّ عليهم. وإن ادّعوا
السنّة، فالسنّة بالقرعة مشهورة بالردّ عليهم. وإن ادّعوا
الإجماع كفوا الخصم مؤونتهم، يقال لهم: أليس إذا أقام كل واحد منهما شاهدي عدل في دار أنّها له، فشهود كل واحد منهما تكذّب شهود الآخر، والعلم محيط بأنّ إحدى الشهداء كاذبة والأُخرى صادقة. فإذا حكمنا بالدار بينهما نصفين فقد أكذبنا شهودهما جميعاً؛ لأنّ كل واحد تشهد شهوده بالدار كلّها دون الآخر. فإذا كانت إحدى الشهود كاذبة والأُخرى صادقة فيجب أن تسقط إحداهما؛ لأنّه لا سبيل إلى الحكم فيما شهدوا إلاّ بإلقاء إحداهما، ولم يوجد إلى إلقاء واحد منهما سبيل إلاّ بالقرعة
.
واستدلاله كما ترى يمنع عن القضاء بينهما بالتنصيف بسبب البيّنتين مطلقا؛ لمنافاته لشهادة كل منهما وتضمنه إسقاطهما، وهو يشمل التنصيف في الصورة التي نحن فيها، إلاّ أن يقال باستناد التنصيف فيها إلى تعارض البيّنتين وتساقطهما مع عدم إمكان ترجيح إحداهما على الأُخرى بالقرعة ونحوها، فتكون كالصورة التي وقع النزاع ولا بيّنة فيها أصلاً. ولا كذلك التنصيف قبل القرعة؛ لعدم تساقطهما، لإمكان ترجيح إحداهما بها.
هذا مع عدم تمكن
العماني عن منع التنصيف بعد القرعة ونكولهما عن الحلف، كما لا يخفى. فتأمّل.
وكيف كان، فلا ريب في شهرة ما في العبارة من التفصيل، على الظاهر المصرح به في
المسالك والكفاية، فيعضد بها الإجماع المتقدّم إليه الإشارة. مضافاً إلى اعتضاده بالإجماعات الظاهرة من عبارة الشيخ والحلّي ولو في الجملة.
وقال
الشيخ في
المبسوط: إنّه يقرع بينهما إن شهدتا
بالملك المطلق، ويقسم إن شهدتا
بالملك المقيد ولو اختصّت إحداهما بالمقيد قضي بها دون الأُخرى
.
وحجته مع شذوذه وندرته، ومخالفته لما مرّ من الحجة غير واضحة عدا ما في المسالك من استدلاله له بالقرعة مع
الشهادة بالملك المطلق بالصحيح المصدّر به أخبار القرعة، قال بعد نقله: فحمله على ما إذا أطلقت؛ لدلالة ظاهر الشهادة عليه
.
أقول: وفيه نظر.
وفي القسمة مع الشهادة بالملك المقيّد بالموثّق المتقدّم المتضمن لـ «أنّ عليّاً (علیهالسّلام) اختص إليه رجلان في دابّة، وكلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للذي هي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين».
أقول: وهي مع قصورها عن المقاومة لما مضى قد عرفت الجواب عنها. وعبارة العماني المتقدّمة يؤيّد ورودها
للتقيّة، مضافاً إلى المؤيّدات المتقدم إليها الإشارة، مع أنّها معارضة بصريح الموثقة وغيرها المتقدّمين في أحاديث القرعة؛ لتضمّنها الحكم بها مع شهادة البيّنتين فيها بالملك المقيد لا مطلقاً. وفي ترجيح ذات السبب بقوتها، مضافاً إلى ما سبق من الأخبار الدالة على تقديم ذات السبب.
أقول: وجه ترجيح ذات السبب غير واضح. وما سبق من الأخبار قد سبق الجواب عنه، مع أنّ ظاهرها أنّ سبب الترجيح إنّما هو اليد لا خصوص السبب؛ لأنّ موردها تضمّن البيّنتين إيّاه، فإنّ الترجيح فيها لذات اليد منهما، ولو كان للسبب لكان التوقف لازماً، وإنّما استنبطه الأصحاب من الجمع بينها وبين ما دل على ترجيح بيّنة الخارج كما مرّ.
وبالجملة: لا شبهة في ضعف هذا القول وأنّ القول الأوّل بإطلاق
القرعة أشبه وأشهر؛ لما مرّ.
ووجّه الأشبه في التنقيح
وشرح الشرائع للصيمري بشيء آخر، وهو أنّهما بيّنتان تعارضتا، ولا ترجيح لإحداهما على الأُخرى، ولا يجوز إبطالهما، فيتعيّن الجمع بينهما بعد القرعة واليمين.
واعلم أنّ ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع
والإرشاد والتحرير والقواعد واللمعة عدم اعتبار اليمين مع الترجيح بالأعدلية أو الأكثرية.
خلافاً
للصدوقين، والشيخ في النهاية والخلاف والكتابين،
والقاضي،
وابن زهرة فاعتبروا اليمين لكن مع الترجيح بالأكثرية، وسكتوا عن اعتبارها مع الترجيح بالأعدليّة.
وهو أظهر؛ لدعوى الأخير والشيخ في الخلاف عليه إجماع
الإمامية، ويناسبه الأخبار المتقدّمة الدالة على اعتبارها مع القرعة، لكن مقتضى هذا اعتبارها مع الترجيح بالأعدلية أيضاً، كما أفتى به شيخنا في
الروضة، فيمكن إرجاع كلمات القوم إلى اعتبارها مطلقاً، فلا خلاف في المسألة بحمد الله سبحانه.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۲۰۱-۲۲۴.