تقديم صوم بدل الهدي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجوز تقديم صوم الثلاثة من أول ذي الحجة ولا يجوز صومها إلاّ بعد التلبس بالمتعة، ولا يجوز تقديمها قبل ذي الحجة مطلقاً؛ ولو خرج ذو الحجّة ولم يصم الثلاثة بكمالها سقط عنه
الصوم و تعيّن عليه
الهدي في القابل بمنى.
(ويجوز تقديم) صوم (الثلاثة من أول ذي الحجة) كما في كلام جماعة،
وادّعى في
التنقيح عليه الشهرة.
ولا يخلو عن قوة؛ لإطلاق الآية الشريفة وتفسيرها في الصحيح بذي الحجة؛
وخصوص الموثق : «من لم يجد هدياً واجب ان يصوم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس بذلك».
قيل : ونصّ ابن سعيد على أنه رخّص في ذلك لغير علّة، وفي السرائر وظاهر
التبيان :
الإجماع على وجوب كون الصوم في الثلاثة المتصلة بالنحر، وفي الخلاف : نفي الخلاف عن وجوبه اختياراً، لكن يحتمل نفي الخلاف عن تقديمها على
الإحرام بالحج، وفيه وفي النهاية والتهذيب و
المبسوط والمهذّب : ذكر الرخصة في صومها أول العشر، لكن في الأخيرين أن التأخير إلى السابع أحوط، وفي التهذيب : أنه أولى، وظاهر الخلاف
اختصاص الرخصة بالمضطر.
ولا يجوز صومها إلاّ (بعد التلبس) بالمتعة، إلاّ في رواية عن أحمد، قال في
المنتهى : وهو خطأ؛ لأنه تقديم للواجب على وقته وسببه، ومع ذلك فهو خلاف قول العلماء.
ونحوه عن التذكرة.
ويكفي التلبس بعمرتها، كما في الشرائع و
التحرير والمنتهى والإرشاد والقواعد،
وعن الخلاف والتذكرة؛
لإطلاق الآية، و
الاتفاق فتوًى وروايةً
على أن الراجح صومها من السابع مع
استحباب كون الإحرام بالحج في الثامن، ولم يحك خلاف فيه إلاّ عن الشافعي وبعض العامة.
واشترط الشهيد في
الدروس واللمعة وكذا شارحها
التلبس (بالحج) كما عليه الماتن هنا.
ووجهه غير واضح، عدا ما في التنقيح من كونه تقديماً للواجب على وقته، فهو تقديم للمسبّب على سببه.
وهو
اجتهاد في مقابلة ما قدّمناه من الدليل. ولعلّه عليه
اعتماد من وافقناه على
الاكتفاء بالتلبس بالعمرة وبناؤه، وبه استدل عليه في المنتهى
وغيره. لا على ما في الدروس من أنه بناءً على وجوبه بها.
والظاهر أن مرجع الضمير الأول هو
الهدي كما في الذخيرة،
أو
الصوم كما في التنقيح،
لا الحج كما ذكره شيخنا
الشهيد الثاني وسبطه.
وعلى التقادير فالمرجع واحد، وهو دفع وجه
الإشكال المتقدم، ولا يحتاج إلى ذلك، بل الدافع له ما عرفت من الدليل، فتأمل.
(ولا يجوز) تقديمها (قبل ذي الحجة) مطلقاً؛ لما عرفته. ويجوز صومها طول ذي الحجة عند علمائنا وأكثر العامة كما قيل؛
لأكثر ما مرّ، والصحيح : «من لم يجد ثمن الهدى وأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس.
وظاهر
إطلاق الأدلة كجملة من الفتاوي جوازه اختياراً .
قيل : وظاهر الأكثر ومنهم الفاضل في جملة من كتبه وجوب المبادرة بعد التشريق، فإن فات فليصم بعد ذلك إلى آخر الشهر. وهو أحوط؛ لاختصاص أكثر الأخبار بذلك.
ومن ذهب إلى كونه قضاءً بعد التشريق لم يجز عنده التأخير إليه اختياراً قطعاً، وهو مذهب الشيخ في المبسوط على ما في المختلف. والحقّ أنه
أداء ، كما في الخلاف والسرائر والجامع والمختلف والمنتهى والتذكرة والتحرير وفيما عندنا من نسخ المبسوط؛ إذ لا دليل على خروج الوقت، بل العدم ظاهر ما مرّ، وغاية
الأمر وجوب المبادرة.
(ولو خرج ذو الحجّة ولم يصم الثلاثة) بكمالها سقط عنه الصوم و (تعيّن) عليه (الهدي في القابل بمنى) عند علمائنا وأكثر العامة كما في المدارك،
وفي غيره الإجماع كما عن صريح الخلاف،
بل قيل : نقله جماعة؛ وهو الحجة. مضافاً إلى الصحيح : «من لم يصم في ذي الحجة حتى هلّ هلال
المحرّم فعليه دم شاة وليس له صوم، ويذبحه بمنى».
وإطلاقه بل عمومه يعمّ الهدي و
الكفارة واحتمال اختصاصه بالثاني لا وجه له سيّما مع
استدلال الأصحاب به فيما نحن فيه.
والصحيح : عمن نسي الثلاثة الأيام حتى قدم أهله، قال : «يبعث بدم».
لكنه معارض بالصحاح المستفيضة على أن من فاته صومها بمكة لعائق أو نسيان فليصمها في
الطريق إن شاء، وإن شاء إذا رجع إلى أهله،
من غير تقييد ببقاء الشهر وعدم خروجه، بل هي مطلقة شاملة له ولغيره، وبها أفتى الشيخ ; في التهذيب،
ونقل عن المفيد أيضاً،
لكنه رجع عنه في
الخلاف كما عرفت.
وفي
الاستبصار جمع بينها وبين الصحيحة بحملها على صورة خروج الشهر، وحمل هذه الأخبار على بقائه.
واستبعده في الذخيرة، واستحسن الجمع بينهما بتقييد الصحيحة بالناسي دون غيرها.
وجمع الشيخ أولى؛ لاعتضاده بعد الشهرة والإجماعات المنقولة بظاهر الكتاب والسنة والإجماع الموقِّتة لهذا الصوم بذي الحجة، ومقتضاها سقوطه بخروجه. وتقييدها بحال التمكن و
الاختيار من إتيانه في مكة ليس بأولى من تقييد الصحاح بها، بحملها على بقاء ذي الحجة، بل هذا أولى من وجوه شتّى، ومنها بعد ما ما مضى ـ : قطعية الكتاب والسنّة التي بمعناها دون هذه، فإنها آحاد وإن كانت صحاحاً.
وهل يجب مع دم الهدي دم آخر كفارة، كما في صريح المنتهى وعن ظاهر المبسوط والجامع،
أم لا، كما هو ظاهر المتن وغيره من عبائر الأكثر؟ الأحوط الأول. واستدل عليه في المنتهى بأنه ترك نسكاً، وقال عليه السلام : «من ترك نسكاً فعليه دم»
وبأنه صوم موقّت وجب بدلاً فوجب بتأخيره كفارة، كقضاء رمضان. وهو كما ترى، وسند الخبر لم يتّضح لنا، فعدم الوجوب للأصل لعلّه أقوى.
رياض المسائل، ج۶، ص۴۳۸- ۴۴۱.