حكم التفاضل لو اتحد الأجناس في الربا
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(والحنطة والشعير جنس واحد في
الربا ) وإن اختلفا في غيره، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً، نسيئة كان أو عيناً، على الأشهر الأقوى، وفاقاً للصدوق والشيخين والديلمي والحلبي وابن حمزة والقاضي وابن زهرة،
مدّعياً هو
كالطوسي الإجماع عليه؛ وهو الحجة.مضافاً الى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، المعتضدة بعد الخلوّ عمّا يصلح للمعارضة بالشهرة العظيمة القديمة والمتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة.وهي ما بين صريحةٍ في الحكم
واتّحاد الحقيقة، كالصحاح، منها :
عن الرجل يشتري
الحنطة فلا يجد إلاّ شعيراً، أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال : «لا، إنّما أصلهما واحد».
ومنها : «لا يصلح، لأن أصل
الشعير من الحنطة».
ومنها : «لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل، إنّ الشعير من الحنطة»
ونحوها غيرها.
وفي المرتضوي : «إنّ الله تعالى أمر
آدم عليه السلام أن ازرع ممّا اخترت لنفسك، وجاءه جبرئيل بقبضة من الحنطة، فقبض آدم على قبضة وحوّاء على آخرى، فقال آدم عليه السلام لحوّاء : لا تزرعي أنت، فلم تقبل أمر آدم، فكلّ ما زرع آدم جاء حنطة، وكل ما زرعت حوّاء جاء شعيراً».
وظاهرةٍ في الحكم خاصّة، ولكن تدلّ على الاتّحاد في الحقيقة بضميمة القاعدة المتّفق عليها فتوًى وروايةً أنّه لا ربا إلاّ مع اتّحاد الجنسيّة، مضافاً الى الروايات السابقة، وهي مستفيضة، منها الصحيح : «الحنطة والشعير رأساً برأس، لا يزداد واحد منهما على الآخر».
خلافاً للإسكافي والعماني والحلّي،
فجنسان، التفاتاً الى العرف واللغة، والرواية العامية : «بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب، والبرّ بالشعير والشعير بالبرّ كيف شئتم يداً بيد»
وفي السند ضعف. وفي الدلالة قصور.والأوّل حسن لولا الأدلّة المتقدّمة، ولذا يعدّان جنسين في غير المقام
كالزكاة ، فلا يجعلان نصاباً مع نقص كلّ منهما عنه. إجماعاً.
ولا ينافيه الاتّحاد حقيقة، كما يستفاد من الأخبار المتقدّمة؛ فإنّ الأحكام الشرعية تابعة للأسامي اللغوية والعرفية، دون الحقائق النفس الأمريّة، وإنّما خرج المقام عن هذه القاعدة تبعاً للآثار الصحيحة المعصومية، الحاكمة بحصول الربا فيه في الشريعة، مراعاةً للحقيقة النفس الأمريّة، ولا يجوز التعدّي إلى غيره بالضرورة.(وكذا ما يكون منهما، كالسويق والدقيق والخبز) والهريسة ونحوها جنس واحد، إجماعاً، كما عن التذكرة؛
وهو الحجة المؤيّدة بعدم الخلاف بين الطائفة فيه.
(و) في أنّ (ثمرة النخل) بأنواعه (وما يعمل منها)
كالدبس ونحوه (جنس واحد) في الربا، فلا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً، لا نقداً ولا نسيئة (وكذا ثمرة الكرم وما يكون منه) كالدبس والعصير والبختج ونحوها جنس واحد، لا يجوز فيه ما ذكر.
مضافاً الى المعتبرة المستفيضة، منها الصحاح في الحنطة بالدقيق، كما في أحدها والموثق،
والسويق بالدقيق، كما في الثاني
بزيادة ما في الأوّل أيضاً، والبرّ بالسويق، كما في الثالث
: «مثلاً بمثل لا بأس به».
وفي الخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة ووجودِ
ابن محبوب الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة : «ما ترى في التمر واليسر الأحمر مثلاً بمثل؟ قال : «لا بأس به» قلت : فالبختج والعصير مثلاً بمثل؟ قال : «لا بأس به».
وهي وإن اختصّت بموارد مخصوصة، إلاّ أنّ أخبار اتّحاد الحنطة مع الشعير المتقدّمة ظاهرة في التعدية
وتأسيس ما عليه الأصحاب من القاعدة الكلّية، وهي : اتّحاد كلّ فرع مع أصله؛ نظراً الى تعليلها مع صحتها
واستفاضتها ، كما مضى المنح عن المفاضلة بينهما بأنّ أصل الشعير من الحنطة، الدالّ على أنّ كلّ فرع له حكم أصله من حرمة المفاضلة، فإنّ العلّة المنصوصة يتعدّى بها إلى ما عدا موردها وإن اختصّت به
بالإضافة ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة، كما حُقّق مستقصى في الكتب الأُصولية.
مضافاً الى التصريح بالكلّية في بعض المعتبرة، المنجبر قصوره بالقطع
والإرسال بالشهرة وما مرّ من الأدلّة، وفيه : «ما كيل أو وزن ممّا أصله واحد فليس لبعضه فضلاً على بعض، كيلاً بكيل أو وزناً بوزن، فإذا اختلف أصل ما يكال فلا بأس به اثنان بواحد، ويكره نسيئة» إلى أن قال : «وما كان أصله واحداً وكان يكال أو يوزن فخرج منه شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس به يداً بيد، ويكره نسيئة، وذلك كالقطن والكتاب، فأصله يوزن وغزله يوزن، وثيابه لا توزن، فليس للقطن فضل على الغزل، واصلة واحد، فلا يصلح إلاّ مثلاً بمثل، فإذا صنع منه الثياب صلح يداً بيد، والثياب لا بأس الثوبان بالثوب»
الحديث.
وبما حقّقناه في المقام ينقدح وجه القدح في المناقشة التي أوردها بعض الأجلّة على الأصحاب فيما ذكروه من القاعدة الكلّية، من حيث عدم
انضباطها على القوانين، من حيث إنّه لا يصدق على الكلّ اسم خاصّ وأنّ له حقيقة واحدة، ولهذا لو حَلَفَ أحد أن لا يأكل أحدهما لا يحنث بأكل الآخر، فيحتمل أن يكونا جنسين، وجواز بيع أحدهما بالآخر يكون كذلك، ويكون الشرط للكراهة مع عدمه، كما مرّ في سائر المختلفات، ويمكن أن يقال : إنّ الضابط أحد الأمرين، إمّا
الاتّفاق في الحقيقة أو الاتّحاد في الاسم، وهنا الأوّل تحقّق ولم يتحقّق الثاني، وفيه تأمّل.
وذلك فإنّ مرجع المناقشة إلى الشك في المراد من الجنس المشترط اتّحاده في الربا بين الربوبين هل هو الحقيقة الأصليّة خاصّة وإن اختلفت أسماء أفرادهما، أو أنّه لا بدّ من الاتّحاد في الاسم، بناءً على دوران الأحكام مدارها في جملة من المواضع بالضرورة؟ ولا وجه له بعد إمعان النظر فيما قدّمناه من الأدلّة الدالّة على
إرادة المعنى الأوّل بلا شبهة، وتكون هي المستثنية للمسألة من قاعدة دوران الأحكام مدار التسمية، كما سلّمه هو في المسألة السابقة بتلك النصوص، الجارية هنا بمقتضى العلّة المنصوصة.
ولذا إنّ الحلّي المصرّ على إرادة المعنى الثاني في المسألة السابقة وافق الأصحاب في المسألة، مدّعياً في جملة من مواردها إجماع الطائفة،
فلا وجه للمناقشة من هذه الحيثيّة.
وكذا من الحيثية الأُخرى التي ذكرها أيضاً من قوله : إنّه لا شكّ أنّ الحنطة إذا جعلت دقيقاً تزيد، وهو ظاهر، ودلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة،
وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمّل، فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالآخر متساوياً أيضاً؛ للزيادة، كما في اليابس من جنس بآخر رطباً، مثل الرُّطَب بالتمر والعنب بالزبيب، فلا ينبغي النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت آخر
بتبديل وتغيير، مع أنّه معتبر عندهم في الرُّطَب والتمر.
وذلك
لاغتفار هذه الزيادة اتفاقاً فتوًى وروايةً، ولعلّ الوجه فيه ما أُشير إليه وإلى
الإشكال الذي ذكره في الصحيحة المشار إليها في كلامه، فإنّ فيه : ما تقول في البرّ بالسويق؟ فقال : «مثلاً بمثل لا بأس به» قلت : إنّه يكون له رَيع فيه فضل، فقال : «أليس له مئونة؟» قلت : بلى، قال : «هذا بهذا».
وحاصله أنّ اغتفار الزيادة إنّما هو لأجل مئونة الطحن، وليس بيع الرُّطَب بالتمر اليابس على تقدير المنع عنه مثله بالبديهة؛ إذ لا مئونة في يبس التمر، وهو فرق واضح بينهما لا يشوبه شوب المناقشة أصلاً. وبالجملة لا وقع لأمثال هذه المناقشات فيما أسّسته النصوص المعتبرة، واتّفقت عليه كملة الطائفة، وتعدّدت فيه الإجماعات المحكية.
رياض المسائل، ج۸، ص۴۱۷-۴۲۳.