حكم الولاية من قبل الجائر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(السادسة :
الولاية ) للقضاء والحكم بين الناس وغيره (عن) السلطان (العادل جائزة) بلا خلاف؛
للأصل ، وفقد المانع (وربما وجبت) في بعض الصور، كأمره عليه السلام له بذلك.(وعن الجائر محرّمة) بلا خلاف كما مرّ إليه وإلى أدلّته من المعتبرة
الإشارة في المعونة على المظالم (إلاّ مع الخوف) والتقيّة على النفس أو المال أو العرض، عليه أو على المؤمنين، كلاًّ أو بعضاً، على وجه لا ينبغي تحمّله عادة بحسب حال المكره في الرفعة والضعة بالنسبة إلى
الإهانة ، فيجوز حينئذٍ، بل ربما وجب، بلا خلاف؛ للأصل، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ
التواتر ، بل هي متواترة في إباحة التقيّة، بل وجوبها، ففي الصحيحين :«التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه
ابن آدم فقد أحلّه الله تعالى له» كما في أحدهما.
وفي الثاني : «
التقيّة في كلّ ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين تنزّل به».
مضافاً إلى خصوص الصحيح : عن القيام للولاة، قال : فقال
أبو جعفر عليه السلام : «التقيّة من ديني ودين
آبائي ، ولا
إيمان لمن لا تقيّة له».
وبالجملة : لا خلاف ولا
إشكال في الجواز مع التقيّة، والحرمة مع عدمها؛ لما مضى.
(نعم لو تيقّن) أو ظنّ (التخلّص من المآثم، والتمكّن من
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) جازت ولو اختياراً، إجماعاً، بل قال جماعة : (استحبّت) لما فيه من
الإعانة على البرّ والتقوى.
بل قيل : وجبت لو تمكّن من الأمرين؛ لوجوبهما.
وردّ بتوقّف ذلك على كون وجوبهما مطلقاً غير مشروط بالقدرة، فيجب عليه تحصيلها من باب المقدّمة، وليس بثابت.
وفيه نظر؛ إذ يكفي في الثبوت
إطلاق الأدلّة، والقدرة الذاتية المشروطة بها التكاليف حاصلة وإن كانت للتأثير غير صالحة، للتقيّة، وبعد
ارتفاعها فالقدرة باقية وموانعها منتفية؛ مضافاً إلى صدق القدرة عليهما لمن انتفت في حقّه التقيّة.
وبالجملة : القدرة التي هي شرط التكليف بهما بل مطلق التكاليف هي القدرة الذاتيّة، وهي هنا حاصلة، وإنّما غاية التقيّة كونها من الموانع التي ليست التكاليف مشروطة بانتفائها، بل هي بالنظر إليها مطلقة يجب مهما أمكن التوصّل إلى الواجب بدفعها، وغاية
الأمر مع عدم
إمكان الدفع عدم المؤاخذة، وهو غير ملازم لاشتراط التكاليف بانتفائها، ألا ترى إلى من اشتغلت ذمّته بحقوق الناس الغير المتمكّن للموانع من دفعها إليهم هل يوجب ذلك سقوطها عن ذمّته، أو يجب عليه دفعها
وإيصال الحقوق إلى أربابها؟ ولا ريب ولا خلاف في
بطلان الأوّل، فتعيّن الثاني، وما نحن فيه من قبيله، فتأمّل.
(ولو اكره) على الولاية وتنفيذ الأحكام والأوامر و (لا) يكون للمكرَه (مع ذلك) التيقّن بالتخلّص والتمكّن (أجاب) إلى
الإطاعة وجوباً (دفعاً للضرر، و) يجب عليه أن (ينفذ أمره) ونهيه وجميع ما يحكم به (ولو كان محرّماً) إجماعاً، فتوًى ونصّاً، متحرّياً الأسهل فالأسهل، ومتدرّجاً من الأدنى إلى الأعلى، فلو أمكن تنفيذ الأمر بالأوّل وجب عليه
الاكتفاء به، وهكذا، كمراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ اقتصاراً في فعل المحرّم على أقلّ ما تندفع به الضرورة الموجبة لفعله.
ولو انحصر في الأعلى وجب (إلاّ في قتل المسلم) المحقون الدم،فلا يجوز إذا بلغه، إجماعاً؛ وللصحيح : «إنّما جعلت التقيّة لتحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة»
ونحوه الموثق.
وظاهر الإطلاق يشمل الجراح أيضاً، كما عن الشيخ،
إلاّ أنّ لزوم
الاقتصار في الخروج عن العمومات المجوّزة لفعل المحرّمات بالتقيّة على المتيقّن المتبادر من الإطلاق وهو القتل فإنّه الفرد الأكمل، يقتضي المصير إلى جواز الجرح الذي لم يبلغ حدّه، ولذا اقتصر في
الاستثناء عليه جماعة،
كما في العبارة، ولعلّه الأشهر.وينبغي
القطع بالجواز إذا كان الخوف على النفس بتركه، ويحتاط بتركه في غيره.وهل المسلم يشمل المخالف، أم يخصّ المؤمن؟ إشكال.
والاحتياط يقتضي المصير إلى الأوّل إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال، وسيّما القليل منه خاصّة، وأمّا إذا كان على النفس المؤمنة فإشكال، ولا يبعد المصير حينئذٍ إلى الثاني، فليس شيء يوازي دم المؤمن، كما يستفاد من النصوص المعتبرة.
رياض المسائل، ج۸، ص۲۰۷-۲۱۰.