دية الأسنان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الأسنان لو كسرت فذهبت أجمع
الدية كاملاً، وهي ثمانية وعشرون منها المقاديم، اثنا عشر، في كل واحدة: خمسون دينارا؛ والمآخير ستة عشر في كل واحدة: خمسة وعشرون، ولا دية للزائد لو قلعت منضمة؛ ولها ثلث دية الأصلية لو قلعت منفردة. وفي اسوداد السن ثلثا الدية؛ وكذا روي في انصداعها ولم تسقط؛ وفي
الرواية ضعف،
فالحكومة أشبه. وفي قلع السوداء ثلث الدية؛ ويتربص بسن الصبي الذي لم يثغر. فان نبت فله
الأرش؛ وإن لم ينبت فله دية المثغر وفي رواية: فيها بعير من غير تفصيل، وهي رواية
السكوني ومسمع والسكوني ضعيف، والطريق إلى مسمع في هذه ضعيف أيضا.
وفي الأسنان بفتح الهمزة لو كسرت فذهبت أجمع
الدية كاملاً، بلا خلاف على الظاهر، المصرّح به في كلام جماعة
، بل عليه
الإجماع في
الغنية، وهو الحجة؛ مضافاً إلى المعتبرة الآتية.
وهي أي الأسنان المقسوم عليها الدية ثمانية وعشرون سنّاً توزّع عليها متفاوتة كما يذكر منها المقاديم اثنا عشر الثنيّتان وهما وسطها، والرباعيتان خلفهما، والنابان وراءها، كلّها من أعلى، ومثلها من أسفل، وفيها ستّمائة
دينار موزّعة عليها بالسوية في كل واحد خمسون ديناراً، والمآخير ستّة عشر أربعة من كل جانب من الجوانب الأربعة ضاحك وأضراس ثلاثة، وفيها أربعمائة دينار موزّعة عليها بالسوية في كل واحد خمسة وعشرون ديناراً.
والأصل في هذا التفصيل رواية
حكم بن عتيبة أنّه قال
لأبي جعفر (علیهالسّلام): إنّ بعض الناس في فيه اثنتان وثلاثون سنّاً، وبعضهم له ثمان وعشرون سنّاً، فعلى كم تقسم دية الإنسان؟ فقال: «الخلقة إنّما هي ثمان وعشرون سنّاً اثنتا عشرة في مقاديم الفم وست عشرة سنّاً في مآخيره، فعلى هذا قسّمت دية الأسنان، فدية كل سنّ من المقاديم إذا كسرت حتى تذهب خمسمائة درهم، وهي اثنتا عشرة سنّاً، فديتها كلّها ستة آلاف
درهم، وفي كل سنّ من المآخير مائتان وخمسون درهماً، وهي ست عشرة سنّاً، فديتها أربعة آلاف درهم، فجميع دية المقاديم والمآخير من الأسنان عشرة آلاف درهم، وإنّما وضعت الدية على هذا، فما زاد على ثمان وعشرين سنّاً فلا دية له، وما نقص فلا دية له، هكذا وجدناه في
كتاب علي (علیهالسّلام)»
.
وضعف سندها منجبر بفتوى أصحابنا كافّة على الظاهر، المصرَّح به في
المسالك وغيره
، بل الإجماع كما في ظاهر الغنية وغيره
، وهو
حجة أُخرى في المسألة.
مضافاً إلى
المرسلة المروية في
الفقيه قال: قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام).
وذكر مضمون الرواية.
فلا إشكال في المسألة، وإن ورد فيها نصوص مستفيضة
، فيها الصحيح وغيره ظاهرة المخالفة من حيث الدلالة على التسوية بين الأسنان كلّها في نصف عشر الدية؛ لشذوذها على إطلاقها، واحتمالها لذلك الحمل على المقاديم خاصّة، سيّما مع كونها أقرب إلى التلف بالجناية، مع أنّه لو لم تحمل عليها لكانت الدية تزيد على الدية الكاملة، ولا يبعد أيضاً حملها على
التقية كما ذكره خالي
العلاّمة المجلسي قال: لاتفاق
العامّة على أنّ في كل سنّ خمساً من الإبل، وأنّه لا فرق بين المقاديم والمآخير
.
وأمّا
القوي: «الأسنان إحدى وثلاثون ثغرة وفي كل ثغرة ثلاثة أبعرة وخُمس بعير»
. فقد حمله الشيخ على التقية، قال: لأنّه موافق لمذهب بعض العامّة، ولسنا نعمل به.
ولا دية للزائدة عن العدد المذكور لو قلعت منضمّة إلى العضو المقدّر ديته المشتمل على غيره؛ للأصل والرواية المتقدمة المعتضدين بثبوت الحكم في نظير المسألة، كالإصبع الزائدة لو قطعت مع الكفّ جملة، مع أنّه لا خلاف فيه أجده إلاّ من إطلاق ما في الغنية وعن
المقنعة والكافي والإصباح ونكت النهاية من أنّ فيها حكومة من دون تفصيل بين قطعها منضمّة أو منفردة، ولكن الأصحاب لم يحكوا عنهم الخلاف هنا، بل حكوه عنهم في الثانية، ولعلّهم فهموا ما يفيد اختصاص كلامهم بها فيكون الحكم هنا وفاقيّاً لكن
الفاضل في
المختلف حكم بالأرش في المقامين مستدلاًّ بأنّ فيه ألماً ونقصاً في خلقته، وهذا يتمّ في القلع منفرداً لا منضمّاً.
وكيف كان لا إشكال في عدم شيء فيها هنا وإنّما الإشكال في أنّه هل لها ثلث دية الأصل الذي يجنيه كما عن
الوسيلة والتحرير، فيكون لها ثلث دية المقاديم إن كان بينها، وثلث دية المآخير إن كان كذلك، وإن كانت فيما بينهما فالأقلّ؛ للأصل لو قلعت منفردة عنه، أم يثبت فيها
الحكومة فينظر فيما نقص من قيمة صاحبه بذهابه منه لو كان عبداً، ويعطى بحساب دية الحرّ منه، كما في كلام هؤلاء الجماعة، وقوّاه
الحلّي، قال: وبه أخبار كثيرة معتمدة
. واعترضه
الماتن فيما حكي عنه بأنّا لا ندري قوّته من أين عرفها؟ ولا الأخبار التي أشار إليها أين وجدها؟ ولا الكثرة من أين حصّلها؟ ونحن مطالبوه بدعواه
.
أقول: ولعلّه لذا اختار الأكثر كما في المسالك
والروضة وغيرهما
الأوّل، وفاقاً للفقيه
والنهاية والسرائر والجامع، وعن الخلاف
دعوى الإجماع عليه، فإن تمّ كان هو الحجة، لا ما ذكره من فساد ما ادّعاه الحلّي من الأخبار المعتمدة؛ لاحتمال دليل آخر غيره، ولعلّه الإجماع كما ادّعاه في الغنية
، وبه يذبّ عن حكاية الإجماع المتقدّمة.
مع تأيّد هذا بالقاعدة المسلّمة بثبوت الحكومة فيما لم يرد بتقديره
نصّ في
الشريعة كما هو مفروض المسألة، بل روي عن مولانا
الرضا (علیهالسّلام): «أضراس العقل لا دية فيها إنّما على من أصابها أرش كأرش الخدش»
.
وهذه تعاضد القول بالحكومة، ويظهر منها بيان السنّ الزائدة، وأنّها أضراس العقل المتأخّرة عن مجموع الأسنان الموزّع عليها الدية، مع أنّ ذلك مقتضى تقسيمها بما عرفته، وصرّح به جماعة
، فلا اشتباه في الزائدة والأصلية، فما في المسالك وغيره
من الإشكال مع عدم التميّز بينهما لا أعرف وجهه، سيّما مع تصريحهم بالتقسيم بما عرفته.
وأمّا الاستدلال للقول بالثلث بوروده في غيره كالإصبع الزائدة
فقياس فاسد في الشريعة، فالقول بالحكومة في غاية القوّة، واختاره من المتأخّرين الفاضل في المختلف
كما عرفته، ويميل إليه بعض الميل
شيخنا في الروضة والمسالك
.
وهنا قول آخر حكي عن
المقنع، وهو أنّه لا شيء في الزائدة، ولم يفصّل بين صورتي قلعها منضمّة أو منفردة، وربما استدل له برواية الحكم المتقدمة، ولا دلالة فيها على نفي
الأرش، بل الدية خاصّة.
وفي اسوداد السنّ بالجناية ولم تسقط ثلثا الدية لها وهي صحيحة، بلا خلاف أجده حتى من
الشيخ في المبسوط
، إلاّ أنّه قيّده بما إذا ذهب كل منافعها حتى لا يقوى على أن يمضغ بها شيئاً، وقال فيها من دونه بالحكومة.
والأصل في المسألة مضافاً إلى عدم الخلاف فيها في الجملة، بل
الإجماع كما عن الخلاف وفي الغنية
الصحيح: «السنّ إذا ضربت انتظر بها سنة، فإن وقعت اغرم الضارب خمسمائة درهم، وإن لم تقع واسودّت أُغرم ثلثي ديتها»
.
وليس فيه كسائر
فتاوي الأصحاب والإجماعات المنقولة التفصيل بما في المبسوط، كما اعترف به فيه، فقال بعد الحكم بالحكومة: وقد روى أصحابنا فيها مقدّراً ذكرناه في النهاية
، يعني ثلثي ديتها.
فهو ضعيف جدّاً، إلاّ أن يحمل النص وكلام الأصحاب على المقيّد كما يومئ إليه عبائر جمع منهم
، حيث علّلوا الحكم زيادةً على النص بأنّ ذلك بمنزلة الشلل، وهو لا يحصل إلاّ في المقيّد، فتأمّل.
وفي المقام أخبار أُخر
شاذّة، ومع ذلك أكثرها بحسب
السند قاصرة أو ضعيفة، وبعضها قابل للجمع بينه وبين الرواية المعمولة.
وكذا روي في انصداعها ونقلقلها ولم تسقط ثلثا الدية، كما قطع بها الشيخان وجماعة
، بل ادّعى عليها في الروضة
الشهرة وهي تصلح جابرة لما في سند الرواية من الضعف إن وجدت، لكنّا لم نقف عليها، وبه صرّح جماعة
كالفاضل المقداد والصيمري وغيرهما
، فهي مرسلة سنداً ومتناً لا تصلح الشهرة لها جابرة؛ إذ الجبر فرع وضوح الدلالة، وهو غير معلوم بعد عدم ظهور متن الرواية، ومع ذلك فالمروي في كتاب ظريف والرضوي
كما حكي أنّ فيه نصف ديتها، لكن لم أجد به قائلاً.
وحيث ضعف التمسك بهذه الروايات كان الحكومة أشبه عملاً بالقاعدة فيما لم يرد له تقدير في
الشريعة.
وفي قلع السنّ السوداء ثلث الدية لها وهي صحيحة، على الأظهر الأشهر بين
الطائفة، كما صرّح به جماعة
، بل عليه الإجماع عن الخلاف وفي الغنية
، وهو الحجة.
مضافاً إلى صريح
الخبر أنّ «في السنّ السوداء ثلث ديتها»
.
وعموم آخر: «كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح»
لكنّه يتمّ على تقدير تحقق الشلل بالسواد.
خلافاً للشيخ في النهاية وعن
الجامع، فالربع؛ للخبر
.
وفيه مع ضعف سنده عدم مقاومته لما مرّ، سيّما مع تأيّده بأنّ في اسودادها ثلثي ديتها كما مضى، فينبغي أن يكون في قلعها سوداء ثلثها.
وله في المبسوط
، فالحكومة؛ لضعف الأخبار، فيرجع إلى القاعدة.
وهو حسن لولا الشهرة الجابرة له.
وفي كتاب ظريف: «فإن سقطت بعد وهي سوداء فديتها اثنا عشر ديناراً ونصف دينار»
. وهو يؤيّد ما في النهاية، لكن نسخه مختلفة، ففي
الكافي والتهذيب كما ذكر، وفي
الفقيه: «فديتها خمسة وعشرون ديناراً»
.
ويتربّص بسنّ الصغير الذي لم يثغر مدّة يمكن النبات فيها عادة فإن نبتت فله الأرش والحكومة وإن لم تنبت فله دية المثغر على الأصح، وفاقاً لجماعة
.
وفي رواية عمل بها جماعة
أنه فيها بعير من غير تفصيل فيها بين صورتي النبات وعدمه وهي رواية
النوفلي عن
السكوني ورواية
مسمع، والسكوني ضعيف على المشهور، وصاحبه مجهول والطريق إلى مسمع في هذه يعني روايته ضعيف أيضا بسهل وغيره، ومع ذلك معارضتان بأجود منهما، وقد مضى تمام التحقيق في المسألة في كتاب
القصاص في أواخر القسم الثاني منه في
قصاص الأطراف.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۴۵۶-۴۶۴.