زوال الحجر بالبلوغ
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولا يزول حجر الصغير إلاّ بوصفين: الأوّل :
البلوغ .
وهو يعلم بإنبات الشعر الخشن على
العانة ) بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في الغنية ونهج الحق والتذكرة وغيرها من كتب الجماعة؛
وهو الحجة المخصّصة.مضافاً إلى النصوص العاميّة والخاصيّة المعتبرة بالشهرة، وتضمّن سندها مَن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة، وسيأتي إلى ذكرها
الإشارة .
وظاهرهما بحكم
التبادر وصريح العبارة وجماعة
اعتبار الخشونة وعدم
الاكتفاء بمطلق الشعر. ولا ريب فيه؛ لعدم خلوّ المولود عنه في جميع الأحيان حتى حين الولادة، مضافاً إلى
الأصل .
وفي التقييد بالعانة
إخراج لغيره من الشعور النابتة في نحو الوجه من المواضع المعهودة. وهو أحد القولين في المسألة، بل ظاهر المسالك أن عليه إجماع
الإمامية مع أنه في الروضة حكم بأن القول الآخر لا يخلو عن قوة.
وهو كذلك، وفاقاً للتحرير وجماعة؛
لإطلاق بعض المعتبرة كعبارة الغنية في حكايته الإجماع المتقدمة.
مضافاً إلى وقوع التصريح بإلحاق شعر الوجه بالعانة في بعض تلك المعتبرة.
وفي كونه أمارة البلوغ أو سبقه قولان، ظاهر الأُصول وأكثر أدلّة اعتباره الأوّل، وإن حكي الثاني في
المسالك عن الأكثر.
(أو خروج المني) وهو الماء (الذي) يتكوّن (منه
الولد من الموضع المعتاد) بالإجماع المستفيض النقل في كتب جملة من الأصحاب، كالغنية والتذكرة وغيرهما من كتب الجماعة؛
ومع ذلك تظافرت به الآيات الشريفة (إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ)
(وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ)
(حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ).
والاحتلام هو خروج المني، كما عن التذكرة.
وظاهره عدم الفرق بين أن يكون الخروج في نوم أو يقظة، خلافاً للمحكي عن بعض أهل اللغة، فجعله الأوّل خاصّة.
لكن الظاهر أن النوم غير معتبر في البلوغ اتفاقاً، كما في الكفاية.
ونحو الآيات المعتبرة المستفيضة التي علّق فيها التكاليف اللازمة على الحلم، وسيأتي إلى بعض منها الإشارة. مضافاً إلى الصحيحين، في أحدهما : «لا تغطّي المرأة شعرها عنه حتى يحتلم».
وفي الثاني : «
انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشُدّه، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليّه ماله».
ونحوه المروي عن الخصال : متى يجوز أمر اليتيم؟ قال : «حتى يبلغ أشدّه» قال : وما أشدّه؟ قال : «احتلامه».
والخبر : عن الغلام متى يجب عليه
الصوم والصلاة؟ قال : «إذا راهق الحلم وعرف الصلاة والصوم».
(ويشترك في هذين) الدليلين (الذكور
والإناث ) لإطلاق أدلّتهما؛ مضافاً إلى الإجماع عليه قطعاً.
(أو السنّ وهو) في الذكر (بلوغ خمس عشرة سنة) على الأظهر الأشهر بين الطائفة، كما حكاه جماعة، كالمهذب والمسالك وشرح الشرائع للصيمري والمفاتيح والكفاية،
بل في الثاني كاد أن يكون إجماعاً، وبه يشعر ظاهر الشرائع واللمعة،
حيث لم ينقل الخلاف فيه مع نقله له في الأُنثى خاصة؛ مضافاً إلى وقوع التصريح به في الخلاف والغنية،
وعن ظاهر الطبرسي وغيره،
حيث نسباه إلى أصحابنا بصيغة الجمع المضاف المفيدة للعموم لغة، وعن كنز العرفان أيضاً، وذكر فيه أنه من شعار
الشيعة والشافعية.
وهو الحجة، مضافاً إلى الأُصول الكثيرة القطعية، والمعتبرة المستفيضة العاميّة والخاصيّة، فمن الأولة النبويان المرويان في الغنية
في أحدهما : «إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأُخذت منه الحدود».
ومن الثانية المعتبرتان، في إحداهما : «الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في
البيع والشراء» إلى أن قال : «والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج عنه اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك».
وفي الثانية : «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وتزوّجت ودفع إليها مالها وأُقيمت الحدود التامة عليها ولها» فقلت : الغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال : «الغلام إذا زوّجه
أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك»
الحديث.
وفي ذيله المذكور في
الاستبصار في كتاب
النكاح في باب أولياء العقد كصدر الأوّل،
الغير المذكورين في هذا المحل دلالة أيضاً على المطلب.
وهما مع اعتبار سنديهما بالقرب من الصحة بتضمّنهما لابن محبوب الذي قد حكي على تصحيح رواياته إجماع العصابة
منجبرتان كالنبويين، بل معتضدتان بالشهرة العظيمة القديمة والمتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة؛ وبالإجماعات المحكية، والأُصول القطعية، والمخالفة للعامة، كما يستفاد من عبائر نقله الإجماعات في المسألة، ويؤيّد بمخالفة الإسكافي، حيث حكم بالبلوغ بالأربع عشرة،
فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
ولم نقف للمخالف على حجة سوى ما يستدل له من الصحيح : في كم يؤخذ
الصبي بالصيام؟ قال : «ما بينه وبين خمس عشرة سنة أو أربع عشرة سنة»
الحديث.والمناقشة فيه واضحة، بل ربما يستدل به على قول الأكثر؛ لظهوره في عدم إلزامه بالصوم قبل الخمس عشرة، لمكان
التخيير المنافي للوجوب العيني، وحيث لا قول بالوجوب التخييري حتى من الإسكافي تعيّن حمل الأخذ فيه على الأخذ الاستحبابي.
مضافاً إلى شهادة صدره به حيث سئل فيه في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال : «فيما بين سبع وستّ سنين» فقال : في كم يؤخذ بالصيام.
إلى آخر ما مرّ.والأخذ الأوّل
للاستحباب بالإجماع، فكذلك الثاني، لظاهر السياق. وتحديده إلى الحدّ المذكور ظاهر بل لعلّه صريح في ارتفاعه بالبلوغ إليه، وهو ملازم للوجوب بعده، إذ لا قائل
بالإباحة حينئذٍ، مع منافاتها
الاعتبار بالضرورة.
(وفي رواية) أنه (من ثلاث عشرة إلى أربع عشرة)
في سندها عبد الله بن جبلة وعدة من الجهلاء، ومع ذلك هي شاذّة لم يوجد قائل بها، وغير مكافئة لشيء من الأدلّة المتقدمة.
وبهذين يجاب عن المعتبرة الأُخر الواردة في المسألة، كالموثقين، في أحدهما : «إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيّئات وجاز أمره إلاّ أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً» فقال : وما السفيه؟ فقال : «الذي يشتري الدراهم بأضعافه» قال : وما الضعيف؟ قال : «الأبله».
وفي الثاني : «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيّئة وعوقب، فإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، وذلك أنها تحيض لتسع سنين».
والحسن بالوشّاء : «إذا بلغ أشُدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم، كتبت عليه السيئات، وكتبت له الحسنات، وجاز له كل شيء إلاّ أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً».
ومع ذلك يحتمل التقية، فالعجب كل العجب من الكفاية، حيث استوجه العمل بها مع عدم تصريح منه بقائل بها بالمرة.
(و) بنحو ذلك يجاب عما (في رواية أُخرى) من حصول
الإدراك بـ (بلوغ عشرة) وهي كثيرة واردة في
الطلاق والوصية .
لكنها غير صريحة في تحقق البلوغ به، بل ولا ظاهرة؛ لاحتمال
إرادة رفع الحجر عنه في الأُمور المذكورة كما ذهب إليه جماعة
وهو غير ملازم لحصول البلوغ به بالكلّية، ومع ذلك قاصرة السند يأتي عليها ما مرّ إليه الإشارة، ومع ذلك معارضة بأقوى منها في بحث الطلاق كما يأتي ثمة.
(و) يستفاد من مجموع الروايات المتقدمة أن الإدراك (في الأُنثى) بـ (بلوغ تسع سنين) وعليه الإجماع في الغنية والسرائر والخلاف والتذكرة والروضة؛
وهو حجّة أُخرى.خلافاً للمحكي عن
المبسوط وابن حمزة،
فنفيا البلوغ به، وأثبتاه بالعشرة.
ولا حجة لهما واضحة من فتوى ولا رواية عدا ما في الكفاية وغيره،
فأسندا مذهبهما إلى رواية، ولم أقف عليها، فهي مرسلة، مع ظهور عبارته في أنها بحسب السند قاصرة، فمثلها غير صالحة للحجية، مع عدم معارضتها للأدلّة المتقدمة فتوى ورواية، والأُصول بما مرّ مخصَّصة.
وفي الموثق : عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال : «إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك، إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم».
وهو كما ترى شاذّ؛ مضافاً إلى قصور السند، وعدم المكافأة لشيء مما مرّ.
ثم إن مقتضى الأُصول المتقدمة وظاهر النصوص والعبارات الحاكمة بالبلوغ بالتسع والخمس عشرة سنة بحكم التبادر والصدق عرفاً وعادة إنما هو السنتان كاملة، فلا يكفي الطعن فيهما بالبديهة، وبه صرّح جماعة كالمسالك وغيره،
وظاهره كغيره أن ذلك مذهب الأصحاب كافة، وقد وقع التصريح باشتراطه في بعض النصوص المتقدمة، كالنبوي في الذكر وأُولى المعتبرتين التاليتين له في الجارية، فمناقشة بعض الأجلّة
في ذلك واحتماله الاكتفاء بالطعن عن الكمال واهية.
وللإسكافي، فصار إلى عدم
ارتفاع الحجر عنها بالتسع إلاّ بالتزويج والحمل.
وهو شاذّ، ومستنده غير واضح، بل الدليل على خلافه لائح.
رياض المسائل، ج۹، ص۲۳۷-۲۴۵.