سرقة الكفن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويقطع سارق
الكفن لأن
القبر حرز له، ويشترط بلوغه النصاب، وقيل: لا يشترط، لأنه ليس حد
السرقة، بل لحسم الجرأة؛ ولو نبش ولم يأخذ عزر، ولو تكرر وفات السلطان جاز قتله ردعا.
ويقطع سارق
الكفن من الحرز، ومنه
القبر بالنسبة إليه خاصّة، إجماعاً على ما يستفاد من
الديلمي، وصرّح به في
الإيضاح والكنز والتنقيح.
ولا ينافيه ما في
المقنع والفقيه، من عدم القطع على النبّاش إلاّ أن يؤخذ وقد نبش مراراً؛ لاحتماله كمستنده الآتي الاختصاص بما إذا كان نبّاشاً لم يسرق الكفن، لا مطلقاً؛ مع أنّه معلوم
النسب، فلا يقدح خروجه في انعقاد الإجماع على خلافه جدّاً.
والأصل في القطع بسرقته بعد الإجماع المحكيّ في
السرائر والغنية النصوص المستفيضة.
ففي
الصحيح: «يقطع الطرّار والنبّاش، ولا يقطع المختلس»
.
وفي آخر: «أنّ
عليّاً (علیهالسّلام) قطع نبّاشاً»
.
وفي ثالث: «حدّ النبّاش حدّ
السارق»
.
وفي الخبر: «يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء»
.
وفي آخر: «أنّ عليّاً (علیهالسّلام) قطع نبّاش القبر، فقيل له: أتقطع في الموتى؟ قال: إنّا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»
.
وفي ثالث: «أنّ حرمة
الميّت كحرمة الحيّ، حدّه أن يقطع يده لنبشه وسلبه الثياب»
الخبر.
وفي رابع: «يقطع النبّاش» وقال: «هو سارق وهتّاك الموتى»
.
والقطع على
النبّاش في جملة منها وإن كان مطلقاً يشمل ما لو لم يكن للكفن سارقاً، إلاّ أنّه مقيّد بالإجماع على أنّه لا يقطع بمجرّد
النبش أولاً، كما هو ظاهر إطلاقها؛ مع أنّ بتتبّع أكثر النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض يظهر أنّ المراد بالنبّاش حيث يطلق هو سارق الكفن.
ويشترط في القطع به بلوغه النصاب مطلقاً، وفاقاً لأكثر
الأصحاب على الظاهر، المصرّح به في كلام بعض
؛ للأصل، وعموم ما دلّ على اعتباره في القطع بمطلق السرقة، وخصوص تشبيه النبّاش بالسارق في جملة من
النصوص المتقدّمة، وفيها الصحيح وغيره، الظاهر في مساواتهما في الشرائط، بل ظاهر بعضها التعليل بكونه سارقاً.
وقيل: لا يشترط مطلقاً، كما عن
الشيخ والقاضي والحلّي في آخر كلامه، واختاره
الفاضل في
الإرشاد؛ لإطلاق الأخبار بقطع النبّاش وسارق الكفن على
الإطلاق.
وفيه: منع ثبوته في جميعها؛ لما مضى من ظهور جملة منها في الاشتراط، وبها يقيّد باقيها؛ مع احتمال اختصاصها بحكم
التبادر بسارق الكفن الذي يبلغ قيمته النصاب، كما هو الغالب أيضاً.
وربما قيل بالتفصيل بين المرّة الأُولى فالأوّل، والثانية والثالثة فالثاني، وعليه الحلّي في أوّل كلامه
؛ مستنداً في الأوّل إلى ما قدّمناه من عموم الأدلّة وخصوص النصوص المشبّهة، وفي الثاني إلى أنه مفسدٌ فيقطع للإفساد.
وفيه ما مضى سابقاً، مع أنّه شاذّ، وهو قد رجع عنه.
وما وقفت على من استدلّ للقول الثاني بما أشار إليه الماتن بقوله: لأنّه أي قطعه ليس حدّ السرقة، بل لحسم الجرأة.
وفيه زيادة على ما عرفته من ورود الإشكال المتقدّم عليه مخالفة لظاهر النصوص المتقدّمة المشبّهة للنبّاش بالسارق، الظاهرة من جهة التشبيه في كون السبب في
الحدّ هو السرقة، من غير اعتبار خصوصيّة للنبش وأخذ الكفن في حدّه.
ولو نبش ولم يأخذ الكفن عُزِّر بما يراه الحاكم؛ لفعله
المحرّم فيعزَّر كما مرّ.
وللقريب من الصحيح: عن النبّاش، قال: «إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع، ويعزَّر»
.
ونحوه
المرسل كالموثّق في النبّاش: «إذا أُخذ أول مرّة عُزِّر، فإن عاد قطع»
.
وإطلاقهما بعدم قطع النبّاش إلاّ مع اعتياده النبش، ظاهرٌ فيما قدّمناه عن
الصدوق في الكتابين.
ونحوهما في ذلك القريب من الصحيح الآخر: عن رجل أُخذ وهو ينبش، قال: «لا أرى عليه قطعاً، إلاّ أن يؤخذ وقد نبش مراراً فاقطعه»
.
وقد حملها الأصحاب على مجرّد النبش الخالي عن أخذ الكفن، جمعاً بينها وبين النصوص المتقدّمة، بحملها على سرقة الكفن كما هو ظاهرها، ولا سيّما الأخبار المشبّهة منها بالسرقة بناءً على ما سبق، وحمل هذه على ما عرفته.
والجمع بينها وإن أمكن بما يوافق قوله، إلاّ أنّ كثرة تلك الأخبار وشهرتها شهرة قريبة من
الإجماع المحتمل الظهور، المصرّح به فيما مرّ من الكتب، ترجّح الجمع الأوّل، فالقول به متعيّن.
ولو تكرّر منه النبش المجرّد عن أخذ الكفن، قطع بمقتضى هذه المعتبرة.
وفي هذه الصورة لو فات النبّاش السلطان أي هرب منه فلم يقدر عليه جاز له كما في كلام كثير
، ولغيره أيضاً كما في ظاهر إطلاق العبارة قتله؛ ردعاً لغيره من أن ينال مثل فعله.
ولم أجد الخلاف فيه إلاّ من الشيخ في كتابي الحديث، فلم يفرّع
القتل على الفوات من السلطان، بل على إقامة الحدّ عليه ثلاث مرّات
، وحكي عن الجامع
، ولم أقف على نصّ يقتضي شيئاً من ذلك.
نعم، في المرسل بغير واحد القريب من الصحيح به
وبابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه: «اتي
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) برجل نبّاش، فأخذ (علیهالسّلام) بشعره فضرب به الأرض، ثم أمر الناس فوطئوه حتى مات»
ونحوه مرسل آخر
.
وليس فيهما تكرار الفعل ولا الفوت من السلطان، إلاّ أن يحملا عليهما جمعاً. وهو حسن؛
للاحتياط في
الدم.
وظاهر العبارة عدم وجوب القتل، كما هو ظاهر الأكثر.
قيل: وأوجبه الشيخ
. وهو
أحوط مع تكرّر النبش مرّات والحدّ خلالها ثلاثاً، وإلاّ فلعلّ الترك أحوط.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۱۱۵-۱۲۰.