شروط إقامة حد الزنا
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولا يقام على الحامل
حد ولا
قصاص حتى تضع وتخرج من نفاسها وترضع الولد، ولو وجد له كافل جاز؛ ويرجم المريض
والمستحاضة، ولا يحد أحدهما حتى يبرأ؛ ولو رأى الحاكم التعجيل ضربه بالضغث المشتمل على العدد؛ ولا يسقط الحد باعتراض
الجنون؛ ولا يقام في الحر الشديد، ولا البرد الشديد، ولا في أرض العدو، ولا على من التجأ إلى
الحرم؛ ويضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج للإقامة؛ ولو أحدث في الحرم ما يوجب حدا، حد فيه.
ولا يقام على الحامل ولو من زنا حدٌّ رجماً كان أو جلداً ولا
قصاص بطريق أولى حتى تضع ولدها وتخرج من نفاسها إذا كان المقصود جلدها، وإلاّ فترجم أو تقتل بعد الوضع من ساعتها إن مات ولدها وإلاّ فيتربّص بها حتى ترضع الولد وتحضنه إذا لم يوجد له مرضع أو حاضن؛ إذ لا سبيل على حملها، و «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى»، كما في
النصّ المرويّ عن
إرشاد المفيد، والنصوص به زيادة على ذلك مستفيضة.
ففي النبوي: «إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه» فقام رجل من
الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا
نبيّ الله، فرجمها
.
وفي المرتضوي: «انطلقي فضعي ما في بطنك، ثم ائتني أُطهّرك» ثم لمّا وضعت قال لها: «انطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك الله تعالى» ثم لمّا أرضعته قال لها: «انطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردّى من سطح، ولا يتهوّر في
بئر»
.
وفي
الموثّق: عن
محصنة زنت وهي حبلى، فقال: «تقر حتى تضع ما في بطنها، وترضع ولدها، ثم ترجم»
.
ولا خلاف في ذلك أيضاً.
ولا خلاف في أنّه لو وجد له أي للولد كافل يرضعه ويحضنه جاز بل وجب إقامة
الحدّ عليها، كما في النبويّ المتقدّم، والمرتضويّ بعده، المتضمّن لقوله (علیهالسّلام) لعمرو بن حريث لمّا كفل لتلك المرأة ولدها ثم أبى: «لتكفلنّه وأنت صاغر» ثم رجمها.
ويرُجَم المريض
والمستحاضة ولا يتربّص بهما إلى زوال مرضهما، بل يرجمان عاجلاً؛ لأنّ نفسهما مستوفاة، ولا تأخير في حدّ. وربما احتُمِل جواز التأخير إن ثبت
الزنا بالإقرار؛ رجاءً للعود
.
ولا يُحَدّ ولا يجلد أحدهما ولا
النفساء حتى يبرأ كلّ منهم؛ صوناً من التلف أو استمرار المرض، وللنصوص:
منها: «اتي
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) برجل أصاب حدّا وبه قروح في جسده كثيرة، فقال (علیهالسّلام): أقروه حتى يبرأ، لا تنكؤوها
عليه فتقتلوه»
ونحوه آخر
.
ومنها: «لا يقام الحدّ على المستحاضة حتى ينقطع
الدم عنها»
.
ولا خلاف فيه أجده، إلاّ ما يحكى عن
المبسوط والوسيلة في النفساء إن كان بها ضعف أُخّر حدّها، وإن كانت قويّة جلدت في نفاسها
.
ولعلّهما حملا إطلاق
النصّ والفتوى على صورة تضرّرها بالحدّ.
ولو رأى الحاكم في التعجيل مصلحة ومنها: أن لا يرجى برؤه، كالسلّ والزمانة وضعف الخلقة ضربه بالضِّغْث المشتمل على العدد من سياط أو أعواد أو شماريخ
أو نحوها؛ للنصوص المستفيضة:
منها: «إنّ
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) اتي برجل كبير قد استسقى بطنه
وبدت عروق فخذيه، وقد زنى بامرأة مريضة، فأمر (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فاتي بعرجون
فيه مائة شمراخ، فضربه ضربة واحدة وخلّى سبيلهما»
وبمعناه أخبار كثيرة
.
وفي
الخبر: «لو أن رجلاً أخذ حزمة من قضبان أو أصلاً فيه قضبان، فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدَّة ما يريد أن يجلده من عدَّة القضبان»
.
وليس فيها مع كثرتها اعتبار المصلحة في التعجيل، لكن حملها عليه
الأصحاب من غير خلاف بينهم أجده؛ جمعاً بينها وبين الروايات المتقدّمة الآمرة بالتأخير، بحملها على عدم خوف تعطيل الحدّ بالتأخير، وهذه على خوف تعطيله
بموت وشبهه، كما هو ظاهرها.
ولا يسقط الحدّ مطلقاً، جلداً كان أو رجماً باعتراض
الجنون أي عروضه بعد أن زنى في حال عقله وبلوغه؛
للأصل، والعموم، مع اختصاص ما دلّ على عدم حدّ المجنون
بحكم
التبادر بما إذا زنى حال الجنون.
وللصحيح: في رجل وجب عليه حدّ فلم يضرب حتى خولط، فقال: «إن كان أوجب على نفسه الحدّ وهو صحيح لا علّة به من ذهاب عقله، أُقيم عليه الحدّ كائناً من كان»
.
وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في المجنون بين المطبق والذي يعتوره أدواراً، تألّم بالضرب وانزجر به أم لا.
واحتمل بعضٌ في المعتور: انتظار إفاقته إن كان الحدّ جلداً
. وآخر: السقوط في المطبق مطلقاً
.
وثالث: السقوط مطلقاً إن يحسّ بالألم وكان بحيث لا ينزجر به
. والأظهر ما ذكرناه.
ولا يقام الحدّ يعني:
الجلد، ويحتمل
الرجم أيضاً إن احتمل سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره على قول في الحرّ الشديد ولا في البرد الشديد خشية الهلاك، وللنصوص:
منها: «إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار، وإذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار»
.
وكذا لا يقام عليه الحدّ في أرض العدو لئلاّ يلحقه غَيْرَة فليحق بهم، كما في النصّ: «لا أُقيم على أحد حدّا بأرض العدو حتى يخرج منها؛ لئلاّ يلحقه الحميّة فيلحق بالعدو»
.
وظاهر العبارة ونحوها من عبائر الجماعة كون النهي هنا للحرمة، وصريح
المسالك كونه
للكراهة، كما يحكى عن ظاهر
المنتهي والتذكرة؛ ولعلّه لعدم صحّة الرواية، وإشعار التعليل فيها بالكراهة.
وكذا لا يقام الحدّ مطلقاً على من التجأ إلى الحرم لقوله تعالى «وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»
والمراد به:
حرم الله سبحانه. وألحق به جماعة ومنهم: الحلّي
حرم الرسول (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) والأئمّة (علیهمالسّلام).
ولا يسقط عنه الحدّ بذلك إجماعاً؛ لاستلزامه المفاسد، بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج للاستيفاء منه و إقامة الحدّ عليه.
وللصحيح: في الرجل يجني في غير الحرم، ثم يلجأ إلى الحرم، قال: «لا يقام عليه الحدّ، ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يكلّم، ولا يبايع، فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ»
.
ولو أحدث في الحرم موجب الحدّ، حُدَّ فيه لهتكه
الحرمة، وللصحيحة السابقة، المتضمّنة لقوله (علیهالسّلام) بعد ما مرّ منها: «وإن جنى في الحرم جناية، أُقيم عليه الحدّ في الحرم، فإنّه لم يرَ للحرم حرمة».
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۴۹۸-۵۰۳.