شروط الظهار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويشترط فيه ما يشترط في
الطلاق؛ ويشترط أن يسمع نطقه شاهدا عدل؛ وفي صحته مع الشرط روايتان، أشهرهما: الصحة؛ ولا يقع في
يمين ولا
إضرار ولا
غضب ولا
سكر؛ ويعتبر في المظاهر
البلوغ، وكمال
العقل،
والاختيار،
والقصد؛ وفي المظاهرة طهر لم يجامعها فيه، إذا كان زوجها حاضرا ومثلها تحيض؛ وفي اشتراط الدخول تردد، المروى: الاشتراط؛ وفي وقوعه بالتمتع بها قولان، أشبههما: الوقوع، وكذا الموطوءة بالملك، والمروى: أنها كالحرة.
فيعتبر أن يسمع نطقه شاهدا عدل بلا خلاف، بل في الانتصار وعن الحلي
عليه الإجماع، وهو الحجة، كالمعتبرة المستفيضة العامة والخاصة، فمن الأوّل: الصحيح المتقدّم: «لا يكون الظهار إلاّ على موضع الطلاق»
ونحوه غيره
.
ومن الثانية: الصحيح وغيره: «لا يكون ظهار إلاّ على
طهر بغير
جماع، بشهادة شاهدين مسلمين»
.
وظاهره الاكتفاء في الشهود
بالإسلام، إلاّ أنّ ظاهر الأوّل وصريح الأصحاب اعتبار
العدالة كاعتبارها في شهود الطلاق، وعليه يحمل إطلاق الثاني؛ مضافاً إلى الاستقراء الكاشف عن اعتبارها في الشهود مطلقاً، فلا وجه لنظر بعض من تأخّر
فيما ذكر.
وفي صحته مع التعليق على الشرط كأن يقول: أنت كظهر أمّي إن فعلت كذا، غير قاصد للزجر أو البعث؛ فإنّه مع
القصد إليهما يمين لم يقع بإجماعنا، فتوًى ونصّاً، كما يأتي روايتان باختلافهما اختلف الأصحاب.
إلاّ أنّ أشهرهما كما هنا وفي
المسالك بين متأخّري أصحابنا: الصحة بعد تحقق الشرط، واختاره من المتقدّمين
الصدوق والطوسي وجماعة
.
وهو مع ذلك صحيح
السند، متكثّر العدد، ففي الصحيح: «الظهار على ضربين، أحدهما الكفّارة فيه قبل المواقعة، والآخر بعدها، والذي يكفّر قبل الشروع فهو الذي يقول: أنت عليّ كظهر أمّي، ولا يقول: إن فعلت بك كذا وكذا، والذي يكفّر بعد المواقعة هو الذي يقول: أنتِ عليّ كظهر أمّي إن قربتك»
.
ونحوه صحيحان آخران
، معتضدان كالأوّل بإطلاق الآية
والنصوص.
وثانيهما: عدم الصحّة، اختاره
المرتضى في الانتصار
مدّعياً عليه الإجماع، ونسب الأوّل إلى باقي الفقهاء، واختاره
ابن زهرة والحلّي وجماعة
، ومن المتأخّرين منهم الماتن في
الشرائع والمقداد في
التنقيح.
وهو الأقوى؛ للأصل، وضعف
إطلاق الآية
والنصّ؛ إذ لا يقال للمظاهر بشرط: إنّه مظاهر، وعلى تقديره فليس بمتبادر، ويؤيّده ملاحظة شأن نزول الآية.
وللإجماع المحكي، والمعتبرة المستفيضة بالعموم والخصوص، فمن الأول: الصحيح المتقدم: «لا يكون الظهار إلاّ على موضع الطلاق» ونحوه غيره، ولا طلاق بشرط إجماعاً.
ومن الثاني: الخبران، المعتبر أحدهما بوجود جملة من المجمع على تصحيح رواياته في سنده، فلا يضر إرساله: قال: قلت
لأبي الحسن (علیهالسّلام): إنّي قلت لامرأتي: أنتِ كظهر أمّي إن خرجتِ من باب الحجرة، فخرجت، فقال: «ليس عليك شيء» الخبر
.
والثاني
وإن ضعف، إلاّ أنّه كالأوّل لو كان كذلك بالشهرة العظيمة بين القدماء كما يفهم من الحلّي، بل والمتأخّرين أيضاً كما يفهم من الشرائع، والإجماع المتقدّم، ومخالفة العامة العمياء، معتضد.
مضافاً إلى الأصل القطعي الذي لا مخرج عنه سوى الصحاح المتقدّمة، وحملها على
التقية لما عرفت من كلام المرتضى متعيّن.
ودعوى اعتضادها بالشهرة المتأخّرة، وإطلاقات
الكتاب والسنّة بما عرفت مدفوعة، هذا.
مع أنّ الإطلاقات لو كانت تنهض هنا حجة للزم الصحة بالتعليق على الصفة والمدّة، ولم يقل به أكثرهم، وإن خالفهم
المبسوط، فتأمّل هذا.
ولا ريب أنّ ما ذكروه أحوط، وإن كان ما قدّمناه أقوى وأظهر.
ولا يقع في يمين أي إذا جعل جزاءً على فعل أو ترك قصداً للزجر أو البعث، وهو الفارق بينه وبين الشرط، فإنّ المقصود منه مجرّد التعليق لا أحد الأمرين. وربما يفرق أيضاً بعدم تعلّق اليمين بفعل غير المكلف قطّ، بخلاف الشرط، فقد يتعلّق.
والأصل في عدم الوقوع بعد الأصل الإجماع المستفيض النقل
، والمعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح: «لا يكون في يمين»
.
وعلّل أيضاً بالنهي عن اليمين بغير الله سبحانه
.
وفيه نظر، فإنّ تعلّق النهي بمثله لا يستلزم الفساد، كيف لا؟! والظهار من أصله منهي عنه إجماعاً، ومع ذلك فهو في الجملة صحيح اتفاقاً.
وكذا لا يقع إذا قصد به
إضرار الزوجة، وفاقاً للنهاية والعلاّمة وجماعة
، بل ادّعى عليه الشهرة في
الكفاية.
ولا يخلو عن قوّة؛ للأصل، وبعض المعتبرة، المنجبر قصور سنده بالجهالة بأنّ فيه من أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة، وفيه: «لا يكون ظهار في يمين، ولا في إضرار، ولا غضب»
.
خلافاً لظاهر
المفيد والإسكافي والحلّي، فأطلقوا الوقوع ولم يقيّدوا؛ للعموم.
وهو أوجه، إلاّ أن تصح
الشهرة، فتعضد به الرواية، وتصلح للعموم مخصِّصة، وإلاّ فمجرّد اعتبار السند مع عدم الصحة غير معلوم الصلاحية لتخصيص مثل عموم الآية، والسنّة المقطوع بها، المخصّص بهما الأصالة المتمسك بها في المسألة. ولا ريب أنّ الوقوع أحوط إن لم يكن أقرب.
وكذا لا يقع في حال
غضب مطلقا، وإن لم يرتفع معه القصد أصلاً ولا
سكر بلا خلاف في الظاهر فيهما، وهو حجة فيهما، كالأدلّة القاطعة في الثاني، والصحيح في الأوّل: «الظهار لا يقع على غضب»
مضافاً إلى المعتبر المتقدّم، وبذلك يخصّ العموم.
ويعتبر في المظاهر
البلوغ، وكمال
العقل،
والاختيار،
والقصد بلا خلاف في الأربعة؛ لعموم الأدلّة، وخصوص ما دلّ على أنّ الظهار كالطلاق، لا يقع إلاّ حيثما يقع، وقد مرّ ما دلّ على اعتبارها في
الطلاق.
مضافاً إلى خصوص المستفيضة في الرابع، ففي الصحيح في بيان الظهار: «يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع: أنتِ عليَّ حرام مثل ظهر أُمّي أو أُختي، وهو يريد بذلك الظهار»
ونحوه في
الموثّق وغيره
.
فلا إشكال في شيء من ذلك، إلاّ على القول بجواز طلاق المراهق، فالمتّجه عليه صحة الظهار أيضاً، إلاّ أنّه لا خلاف في العدم هنا، ولعلّه لكون مورده آيةً وروايةً إنّما هو المكلّف، ولذا وصف بالمنكر والزور
، ووجب لأجلهما
الكفّارة، وليس شيء منهما جارياً في الصبي أصلاً.
ثمّ في اقتصار الماتن كغيره في الشرائط هنا على الأربعة إشعار بل دلالة على عدم اعتبار الحريّة
والإسلام، وصحته من العبد
والكافر، وهو إجماع في الأوّل؛ للعموم، ومع ذلك منصوص في الصحيح وغيره: عن المملوك أعليه ظهار؟ قال: «نصف ما على الحرّ من
الصوم، وليس عليه كفّارة
صدقة ولا
عتق»
.
ومذهب الأكثر في الثاني؛ للعمومات، مع انتفاء المانع؛ إذ ليس
عبادة يمتنع وقوعها منه.
خلافاً
للشيخ، فاستقرب المنع؛ لأنّه لا يقرّ
بالشرع، والظهار حكم شرعي؛ ولأنّه لا يصحّ منه الكفّارة؛ لاشتراط نيّة القربة فيها فيمتنع منه الفئة، وهي من لوازم وقوعه.
ويضعّف بأنّه من قبيل الأسباب، وهي لا تتوقّف على اعتقادها.
والتمكن من التكفير متحقّق بتقديمه الإسلام؛ لأنّه قادر عليه، ولو لم يقدر على العبادات لامتنع تكليفه بها عندنا، وإنّما تقع منه باطلة لفقد شرط مقدور.
مضافاً إلى اختصاص ما ذكر بصورة استمرار كفره، أمّا لو أسلم بعد الظهار فليس ذلك بجارٍ فيه.
ويعتبر في المظاهرة وقوعه في
طهر لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضراً أو في حكمه ومثلها تحيض بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة
، وهو
الحجّة.
مضافاً إلى الأصل، والمعتبرة المتقدّمة، المنزِّلة للظهار منزلة الطلاق المعتبر فيه ذلك اتفاقاً، فتوًى ونصّاً.
وخصوص الصحيح: عن الظهار؟ فقال: «يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع: أنتِ عليَّ حرام مثل ظهر أمّي»
الخبر، وقد مرّ، ونحوه آخر
.
وفي اشتراط الدخول بها تردّد من العمومات كتاباً وسنّةً، المقتضية للعدم.
ومن أنّ المروي في الصحيحين الاشتراط ففي أحدهما: في المرأة التي لم يدخل بها زوجها. قال: «لا يقع عليها
إيلاء ولا ظهار»
.
وفي الثاني: عن مملك ظاهر من امرأته؟ قال: «لا يلزمه شيء، ولا يكون ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها»
.
وبهما يخصّ العموم القطعي إن جوّزنا تخصيصه بمثلهما، وإلاّ فالعدم أقوى، كما هو مختار الحلّي والمرتضى
؛ لأنّ ذلك أصلهما، إلاّ أنّ الأوّل أقوى وفاقاً لأكثر أصحابنا هنا وفي الأصل أيضاً، وقد حقّق الكلام في تحقيقه في الأُصول مستقصى، وأنّه يجوز العمل به مطلقاً، وإن لم يشتهر المخصّص بين أصحابنا، ومع اشتهار العمل به كما هنا يجوز العمل به بطريق أولى، بل لا محيص عنه جدّاً، كيف لا؟! وعدمه حينئذٍ مستلزم لعدم جواز تخصيص عموم الكتاب ونحوه بشيء من الآحاد أصلاً إلاّ ما أجمع عليه أو حفّت به القرائن القطعية، والاقتصار عليه كاد أن يلحق بالفساد جدّاً، فإذاً مختار الأكثر هنا أقوى ثم أقوى.
وأمّا ما ربما يتوهّم هنا: من التأييد للخلاف بما مضى من المعتبرة المنزِّلة للظهار منزلة
الطلاق، ولا يشترط فيه ذلك اتفاقاً ونصّاً، فينبغي أن يكون الظهار كذلك أيضاً.
فوهنه أظهر من أن يخفى، فإنّ مقتضاها ليس إلاّ أنّ الظهار لا يقع إلاّ حيثما يقع الطلاق، وليس فيه دلالة على أنّه حيثما يقع الطلاق يقع الظهار، وهو ظاهر، كما لا يخفى.
وفي وقوعه بالمتمتع بها قولان مضى ذكرهما في بحث
التمتع، وأنّ أشبههما وأشهرهما الوقوع.
وكذا القولان في وقوعه بالموطوءة بالملك وأشهرهما بين المتأخّرين أنّه كالأوّل، وهو أظهر؛ للعمومات، وخصوص المعتبرة المستفيضة منها الصحيح: في رجل كان له عشر جوار، فظاهر منهنّ كلّهنّ جميعاً بكلام واحد، فقال: «عليه عشر كفّارات»
. والموثق، بل الصحيح: عن الرجل يظاهر من جاريته؟ فقال: «الحرّة والأمة في هذا سواء»
ونحوه
الحسن كالصحيح
. وقريب منها الصحيح: عن الظهار على الحرّة والأمة؟ قال: «نعم»
.
خلافاً لجماعة من القدماء
، فاختاروا العدم؛ للأصل. ويضعّف بما مرّ. ولأنّ المفهوم من النساء الزوجة. وفيه منع. ولورود السبب فيها. وفيه أنّه لا يخصِّص.
وللخبر فيمن ظاهر عن أمته، قال: «يأتيها، وليس عليه شيء»
وفيه قصور سنداً عن المكافأة لما مرّ جدّاً وإن اعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده، فلا يضرّ جهالة رواية مضافاً إلى قصوره عن ذلك عدداً، ومخالفةً للعمومات والشهرة العظيمة وإن كانت متأخّرة، مع احتماله للتقية.
ولأنّ الظهار كان في الجاهلية طلاقاً، وهو لا يقع بها. وفيه أنّ فعل الجاهلية لا حجّة فيه، مع أنّه قد نقل أنّهم كانوا يظاهرون من الأمة أيضاً.
ولو استدلّوا بعموم المعتبرة القائلة: إنّه كالطلاق، كان أجود، إلاّ أنّه مخصَّص أو مؤوَّل بما مرّ؛ لكونه في الرجحان أظهر.
وفي اكتفائه بقوله: والمروي: أنّها كالحرّة سيّما بعد الحكم بالوقوع صريحاً في السابق نوع إشعار بالتردّد، وليس في محلّه.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۳۷۹-۳۸۹.