شمولية الفقه الاسلامي لجمیع الحاجات البشریة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
شمولية الفقه الاسلامي لجمیع الحاجات البشریة: لا شكّ أنّ من لوازم
الدین الفطری وکونه خاتماً، شمولیة احکام
الفقه الاسلامی واستیعابها لجمیع الاعصار والامصار، وبالتالی
القدرة علی الاستجابة لجمیع
الحاجات البشریة علی امتداد
الزمان، وهذا المعنی یستفاد من
آیات و
روایات عدیدة، فمن الآیات الشریفة، مضافاً الی الآیات الدالّة علی
فطریة الدین و
خاتمیة الاسلام وعمومیة رسالة
النبیّ الاکرم (صلیاللهعلیه وآله وسلّم) الی البشریة کافّة، بخلافه
القوانین الوضعیة في
العالم لا تتحدّث عادة عن
العلاقات الفردیة للاشخاص وعلاقة الانسان مع نفسه ولا تتدخل في حریم الشؤون الشخصیة والعوامل الروحیة للافراد، بل تختصّ بمجال
العلاقات الاجتماعیة للانسان، وکانّ الانسان لا یحتاج الی ضوابط ومقرّرات الّافي حالة اتّصاله مع الآخرین، في حین انّ الکثیر من فعالیات الانسان الاجتماعیة تنبع من کیانه الفردی الذی یبنیه الانسان لنفسه في عالم الوحدة والانفراد.
تقدّم انّ من لوازم
الدین الفطری وکونه خاتماً، شمولیة احکام الفقه الاسلامی واستیعابها لجمیع الاعصار والامصار، وبالتالی القدرة علی الاستجابة لجمیع
الحاجات البشریة علی امتداد الزمان، وهذا المعنی یستفاد من آیات وروایات عدیدة، فمن الآیات الشریفة، مضافاً الی الآیات الدالّة علی
فطریة الدین و
خاتمیة الاسلام.
عمومیة رسالة
النبیّ الاکرم (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) الی البشریة کافّة في قوله تعالی: «وَمَا اَرْسَلْنَاکَ اِلَّا کَافَّةً لِّلنَّاسِ»
وآیة الاکمال: «الْیَوْمَ اَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ...»
- مضافاً لکلّ ذلک- ورد التصریح بهذا المعنی في الآیة الشریفة: «نَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَاناً لِّکُلِّ شَیْءٍ»
. ومن الروایات، هناک نصوص کثیرة تدلّ علی شمولیة الاحکام، حیث اشرنا في عدّة فصول من هذا الکتاب الی هذا المعنی، وهنا نکتفي ببیان ثلاث روایات، منها:
۱. ما اورده
الحاکم النیسابوری في کتابه «
المستدرک» في
الحدیث النبویّ المعروف في
حجّة الوداع انّ النبیّ الاکرم (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) قال: «لیسَ مِن عَملٍ یُقَرِّبُ الی الجنّةِ الّا قد امَرْتُکُم به ولا عَملٍ یُقَرِّبُ الی النّار الّاقد نَهَیتُکم عنه».
وورد هذا
الحدیث في
۲. وینقل حمّاد عن
الامام الصادق علیه السلام: «ما من شیءٍ الّا وفيه
کِتابٌ او
سُنَّة».
۳. عن سماعة، عن،
الامام ابی الحسن موسی (علیهالسّلام) قال: قلت له: اکلُّ شیءٍ في کتاب اللَّه وسنّة نبیّه صلی الله علیه و آله، اوتقولون فيه؟ قال: «بَل کُلُّ شَیءٍ في کتابِ اللَّه وسُنَّةِ نبیِّه».
فقد تقدّم بیان سرّ هذه الشمولیة في ابحاث متعدّدة من هذا الکتاب من قبیل «تاثیر
الزمان و
المکان في
الاجتهاد» و «
المسائل المستحدثة» و «عدم
الفراغ القانونی» وهو عبارة اخری عن «
انفتاح باب الاجتهاد» و «تقسیم الاحکام الی احکام ثابتة ومتغیّرة والی
احکام اوّلیة وثانویة» وایضاً وجود اصول واطلاقات وعمومات قابلة للتطبیق علی
الموضوعات المستحدثة، ای
الموضوعات الحادثة علی امتداد الزمان. وربّما یقال: «انّ حلّ هذه المسائل بالقواعد الثانویة من قبیل
العسر و
الحرج و
الاضطرار، لا یدلّ علی ثراء الفقه، لانّه اوّلًا: انّ مثل هذا الامر وارد ومیسور لجمیع مقنِّنی
البشر. ثانیاً: اذا استطعنا تطبیق موازین واسالیب
الفقه القدیم علی خمسمائة مسالة جدیدة علی اساس قواعد
العسر والحرج و
الاضطرار، واستطعنا استنباط احکام اخری، فانّ ذلک لا یعنی کمالًا للفقه».
ولکن من خلال الالتفات الی هذه الحقیقة یتبیّن الجواب عن هذه الشبهة، وذلک انّنا لا ندّعی اطلاقاً انّ اکثر الاحکام الفقهیة مبنیّة علی اساس
العسر و
الحرج وامثالها من
العناوین الثانویة الاضطراریة، بل انّ الاحکام المبتنیة علی مثل هذه العناوین تتعلّق بموارد محدودة، واکثر مباحث الفقه الاسلامی ومنها الکثیر من
المسائل المستحدثة یمکن اثباتها بالعناوین الاولیة، وامّا استفادة الحقوقیین من هذه العناوین فانّها تواجه المشکلة التی سبق ذکرها، وهی انّ الانسان وبحکم عواطفه واحساساته البشریة ربّما یقع في ورطة التحیّز للمصالح الشخصیة والفئویة او یتاثّر في اصداره للقوانین بالعواطف والمیول في ما یعکسه من اشکال
التسامح او التشدد وامثال ذلک.
انّ
القوانین الوضعیة في
العالم لا تتحدّث عادة عن
العلاقات الفردیة للاشخاص وعلاقة الانسان مع نفسه ولا تتدخل في حریم الشؤون الشخصیة والعوامل الروحیة للافراد، بل تختصّ بمجال
العلاقات الاجتماعیة للانسان، وکانّ الانسان لا یحتاج الی ضوابط ومقرّرات الّافي حالة اتّصاله مع الآخرین، في حین انّ الکثیر من فعالیات الانسان الاجتماعیة تنبع من کیانه الفردی الذی یبنیه الانسان لنفسه في عالم الوحدة والانفراد.
انّ الاسلام والفقه الاسلامی وضعا القوانین في دائرة العلاقات الاجتماعیة وما یتّصل بالمصلحة العامّة، نظیر
الجهاد،
الامر بالمعروف والنهی عن المنکر،
القصاص،
الحدود، و
الدیات وبشکل عام فيما یخصّ
العدالة الاجتماعیة من جهة، ومن جهة اخری وضعا روابط وقوانین في دائرة الحیاة الفردیة للانسان وفيما یتعلّق برابطة الانسان مع نفسه ومع خالقه، من قبیل تحریم المشروبات الکحولیة لحفظ عقل الانسان، ومن اجل سلامة بدنه ونقاء روحه وتقویة ارادته فقد اوجب علیه الصیام، وکذلک
حرمة الاضرار بالنفس من اجل دوام
الصحة والسلامة للانسان في حرکة
الحیاة و....
عندما ینطلق
امیرالمؤمنین علیّ (علیهالسّلام) من موقع بیان فلسفة بعض الاحکام الفقهیة فانّه یذکر عدداً من مسائل
الفقه الاجتماعی الی جانب عدد من مسائل
الفقه الفردی ویقول:«فَرَض اللَّهُ. . الصَّلاةَ تَنْزِیهاً عن الکِبْرِ والزَّکاةَ تَسْبِیباً للرِّزقِ والصِّیامَ ابتِلاءً لاخلاصِ الخَلقِ والحَجَّ تقربةً (تقویةً) للدِّینِ والجِهادَ عِزّاً للاسلامِ والامَر بالمَعروفِ مصلحةً للعَوامّ، والنّهیَ عن المُنکرِ رَدْعاً للسُّفَهاءِ، وصِلَةَ الرَّحِم مَنْماةً للعَددِ والقِصاصَ حَقْناً للدِّماء و
اقامَةَ الحُدودِ اعظاماً للمَحارِم وتَرْکَ
شُربِ الخَمرِ تَحصِیناً للعَقلِ ومُجانَبةَ السَّرِقةِ ایجاباً للعِفَّةِ وتَرْکَ
الزِّنا تَحصِیناً للنَّسبِ وتَرْکَ
اللُّواطِ تکثیراً للنَّسلِ و
الشّهادات استظهاراً علی المُجاحَدات وترکَ الکَذِب تَشریفاً للصِّدقِ والسَّلامَ اماناً من المَخاوِف و
الامامةَ نِظاماً للاُمّةِ».
علی ایّة حال فانّ نظرة خاطفة لموضوعات الفقه الاسلامی المختلفة تثبت جامعیّة وشمول هذا الفقه لکلتا المساحتین الفردیة والاجتماعیة؛ ففي الدائرة الفردیة نجد ابواباً ومسائل، کباب الصلاة، الصوم، الاعتکاف، المسائل المتعلّقة بالنظافة الظاهریة والسلامة البدنیة (احکام
الطهارات و
النجاسات،
الاطعمة والاشربة و...) امّا في الدائرة الاجتماعیة فنری مسائل تتعلّق بالعلاقات
الاجتماعیة للانسان ووظائف الانسان لحقوقه في مقابل الآخرین تحت عناوین من قبیل: المعاملات، الاحوال الشخصیة (
النکاح و
الطلاق وامثال ذلک) العقوبات الجزائیة (
الحدود،
القصاص و
الدیات) و
القضاء وغیر ذلک.
موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المأخوذ من عنوان «شمولية الفقه الاسلامي لجمیع الحاجات البشریة» ج۱، ص۵۹-۶۱.