صيغة الطلاق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في الصيغة القاطعة لعلاقة الزوجية مطلقاً أو في الجملة ، وهي قسمان : صريحة وكناية. يقتصر على طالق تحصيلا لموضع الاتفاق؛ ولا يقع بخلية ولا برية، وكذا لو قال: اعتدى؛ ويقع لو قال هل طلقت فلانة فقال: نعم؛ ويشترط تجريده عن الشرط والصفة؛ ولو فسر الطلقة باثنين أو ثلاث صحت واحدة وبطل التفسير؛ وقيل: يبطل
الطلاق، ولو كان المطلق يعتقد الثلاثة لزم.
الصيغة القاطعة لعلاقة الزوجية مطلقاً أو في الجملة، وهي قسمان: صريحة وكناية.
والأولى: هي ما لا يتوقّف فهم
إنشاء الطلاق به على نيّة، أي على قرينة دالّة على إرادة
الطلاق من العبارة.
وتقابلها الثانية: وهي المحتاجة إلى
النية والقرينة الكاشفة عن إرادته من الصيغة، وإلاّ
القصد إلى الطلاق مطلقاً لازم بالضرورة.
وظاهر أصحابنا عدم الوقوع بالثانية بأقسامها عدا ما وقع فيه الخلاف، ويأتي إليه الإشارة.
والمشهور بينهم وجوب أن يقتصر على الاولى، وهي أن يقول: أنتِ، أو هذه، أو فلانة ويذكر اسمها، أو ما يفيد التعيين أو زوجتي مثلاً طالق فلا يكفي أنتِ طلاق، وإن صحّ إطلاق المصدر على اسم الفاعل وقصده فصار بمعنى طالق تحصيلاً لموضع
النص والاتفاق واستصحاباً للزوجيّة، ولأنّ المصادر إنّما تستعمل في غير موضوعها مجازاً، وإن كان في اسم الفاعل شهيراً، وهو غير كافٍ في استعمالها في مثل الطلاق من الأُمور التوقيفيّة وإن انضمّ إليها القرينة المعربة عن النية؛ لعدم كفايته بمجرّده عند الطائفة إلاّ في: أنتِ مُطلّقة، مع الضميمة المزبورة، فقد جوّز الوقوع بها
شيخ الطائفة في أحد قوليه.
ولا وجه له بعد الاعتراف بالمنع فيما مرّ، وأنتِ الطالق، أو من المطلّقات، مع وجود تلك الضميمة، ولذا اشتهر بين الطائفة عدم الوقوع بهذه الصيغة أيضاً؛ لأنّها ليست فيه صريحة، ولأنّها إخبار، ونقلها إلى الإنشاء على خلاف
الأصل، فيقتصر فيه على موضع
الوفاق، وهو صيغ العقود، واطّراده في الطلاق
قياس، والنص فيه دلّ على «طالق» ولم يدلّ على غيره، بل ربما دلّ على نفيه، كما ستقف عليه من حيث الحصر فيه في الخبر وغيره، فيقتصر عليه.
ومنه يظهر وجه القدح فيما احتجّ الشيخ من كون صيغة الماضي في غير الطلاق منقولة إلى الإنشاء.
وأنّه لا يقع بنحو أنت خلية وبرية وغيرهما من الكنايات، كالبتّة، والبتلة، وحرام، وبائن، واعتدّي، وإن ضمّ إليها قرينة دالّة على النية، بلا خلاف بيننا فيما عدا الأخير، بل ادّعى إجماعنا عليه جماعة
، وأخبارنا به عموماً وخصوصاً مستفيضة، فمن الأوّل
المعتبرة الآتية.
ومن الثاني المعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح: عن رجل قال لامرأته: أنتِ منّي خلية، أو برية، أو بتّة، أو بائن، أو حرام؟ فقال: «ليس بشيء»
ونحوه
الحسن وغيره
.
خلافاً للعامة، فحكموا بالوقوع بمطلق
الكناية مع النية
.
وكذا لا يقع لو قال للزوجة: اعتدّي، على الأشهر الأظهر، بل كاد أن يكون إجماعاً، بل حكاه في
الانتصار صريحاً؛ لما مرّ، ومنه الحصر في الخبر المروي في
المختلف عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه الجامع، عن
محمّد بن سماعة، عن
محمّد بن مسلم، عن مولانا
الباقر (علیهالسّلام): في رجل قال لامرأته: أنتِ حرام، أو بائنة، أو بتّة، أو خليّة، أو بريّة، فقال: «هذا ليس بشيء، إنّما الطلاق أن يقول لها من قبل عدّتها بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنتِ طالق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين»
.
والأصل في الحصر العموم، وجعله هنا إضافياً بالنسبة إلى المذكورات في الخبر غير معقول بعد ما تقرّر في الأُصول من أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحل، وتلقّاه أيضاً الفحول بالقبول.
ولا داعي إليه سوى الصحيحين
، المماثل أحدهما للخبر في المتن والحصر لكن بزيادة قوله: «اعتدّي» بعد قوله: «أنت طالق» ونحوها الآخر لكن مقتصراً على الحصر وما بعده.
وليسا مكافئين لما مرّ من حيث اعتضاده بالأصل وعمل الأكثر، مع احتمال الثاني
التقية، مع عدم صراحتهما بوقوع الطلاق بالصيغة، فيحتملان الوقوع من حيث الدلالة على وقوع الطلاق قبلها، وتكون هي إخباراً عنه، لا إنشاءً لإيقاعه حينها، وعليه حملهما الشيخ وجماعة
، وهي وإن بَعد بالإضافة إلى سياقهما، إلاّ أنه لا بأس به للجمع.
وربما يستأنس به بملاحظة بعض المعتبرة، كالصحيح لراويهما أيضاً: «
الطلاق للعدّة أن يطلّق الرجل امرأته عند كل طهر، يرسل إليها: أن اعتدّي، فإنّ فلاناً قد طلّقك» الخبر
.
ونحوه
الموثق: «يرسل إليها، فيقول الرسول: اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك» قال
ابن سماعة وهو في سند
الرواية: وإنّما معنى قول الرسول: اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك، يعني: الطلاق، إنّه لا يكون فرقة إلاّ بطلاق
.
أقول: لعلّ تفسيره بذلك لما روى عنه في
الكافي، قال: وقال الحسن: وليس الطلاق إلاّ كما روى بكير بن أعين، أن يقول لها، وهي طاهر من غير جماع: أنتِ طالق، ويشهد شاهدين عدلين، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى
.
وهو مؤيّد لما قدّمناه من الخبر المتضمن للحصر فيما عليه الأكثر.
فخلاف
الإسكافي وبعض من تأخر
في عدم تجويز الوقوع بـ: «اعتدّي»
شاذّ، ضعيف، لا يلتفت إليه، وفي مصير الإسكافي تأييد للحمل على التقية، كما مرّ.
ويقع الطلاق لو قال أحد له: هل طلّقت فلانة؟ فقال: نعم قاصداً به
الإنشاء، وفاقاً للنهاية
والقاضي وابن حمزة والفاضلين هنا وفي
الشرائع والإرشاد. للخبر: في الرجل يقال له: أطلقت امرأتك؟ فيقول: نعم، قال: «قد طلّقها حينئذ»
. ولتضمنه السؤال: فتكون في قوّة: طلّقتُ فلانة، وهو ممّا يقع به الطلاق.
وفي الخبر قصور بالجهالة والضعف في المشهور، مع عدم صراحته في المطلوب فيحتمل الحكم عليه بالطلاق حينئذٍ من حيث الإخبار به اللازم منه
الإقرار، ولا كلام فيه إلاّ مع
العلم بعدمه، ويكون المراد من: «طلّقها حينئذٍ» إيجاده السبب الموجب للحكم به عليه وهو إقراره، لا وقوع الطلاق من حينه. وفي الثاني منع الوقوع بالأصل أوّلاً، ثم بعد تسليمه منع الوقوع بما في قوّته ثانياً، هذا. مضافاً إلى عدم مكافأة الجميع لما مرّ من الأصل والحصر الذي عليه ثمّة وهنا عمل الأكثر، بل عليه
الإجماع في الانتصار
.
وبه يجاب عن الموثق القريب من الخبر الأوّل، بل قيل: لعله بحسب الدلالة أيضاً منه أظهر: في رجل طلّق امرأته ثلاثاً، فأراد رجل أن يتزوّجها، كيف يصنع؟ قال: «يأتيه فيقول: قد طلّقتَ فلانة؟ فإذا قال: نعم، تركها ثلاثة أشهر، ثم خطبها إلى نفسها»
.
وجه الأظهرية عدم احتمال «نعم» فيه الإخبار؛ نظراً إلى خبرة
الراوي بالوقوع قبله، فينحصر في الإنشاء.
وفيه نظر؛ إذ الظاهر من حال القائل: نعم، الإخبار، ولا ينافيه علم السائل بالوقوع في السابق، فليس فيه دلالة على الوقوع باللفظة، وعلى تقديرها تصير الرواية شاذّة؛ لما عرفت من ظهور إرادة الإخبار من اللفظة، لا الإنشاء كما فهمه بعض الأجلّة
حيث استدل بها، مع أنّها شاذّة من وجه آخر يأتي إليه الإشارة في المسألة الآتية، ولعله لذا ترك
الأصحاب الاستدلال به وبأمثاله من المعتبرة المستفيضة التي أكثرها موثقة، وإلاّ فكان الأولى الاستدلال بها في المسألة.
نعم يبقى الكلام في وجه الحكمة في أمر السائل بعد اعترافه بوقوع الطلاق منه بالسؤال عن طلاقه، ولا بدّ من التأمّل.
وقد تلخّص من جميع ما مرّ انحصار صيغة الطلاق في: أنتِ أو هذه ونحوهما طالق، وعليه
فتوى الأكثر، وعمل كافّة من تأخّر، وادّعى عليه الإجماع في
الانتصار.
ومنه يظهر اشتراط العربية، كما هو الأشهر بين الطائفة؛ لعين ما مرّ من الأدلّة.
خلافاً للنهاية وجماعة
؛ لرواية ضعيفة
راويها من أكذب البرية، ومع ذلك فهي غير صريحة، محتملة للحمل على الضرورة، وعليه في الظاهر اتفاق الطائفة.
ويشترط تجريده عن
الشرط وهو ما أمكن وقوعه وعدمه، كقدوم المسافر، ودخولها الدار
والصفة وهو ما قطع بحصوله عادةً، كطلوع الشمس وزوالها.
والأصل في المسألة بعد ما مرّ من
الأصل، والحصر في المعتبرة الإجماعات المحكيّة في كلام جماعة، كالإنتصار
والسرائر وبعض شروح الكتاب
والروضة.
ويستثنى من الشرط ما كان معلوم الوقوع حالة الصيغة، كما لو قال: أنتِ طالق إن كان الطلاق يقع بك، وهو يعلم وقوعه، ولا بأس به؛ لأنه حينئذٍ غير معلَّق، وإن كان
الأحوط تركه؟ خوفاً من مخالفة ما مرّ من الحصر، فتأمّل.
•
تفسير الطلقة، أنّ معنى
الإرسال في الطلاق إجراء صيغة الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد وبلفظٍ واحد، هذا في الثلاثة المرسلة؛ في مقابل الترتيب في الطلاق وهو أن يكرّر صيغة الطلاق ثلاث مرّات في مجلس واحد، أمّا المرتّبة فالظاهر عدم الخلاف في وقوعه واحدة
. ولو فسر الطلقة باثنين أو ثلاث صحت واحدة وبطل التفسير
ونحوه باقي المستفيضة
؛ وقيل: يبطل الطلاق
، ولو كان المطلق يعتقد الثلاثة لزم
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۲۱۷-۲۳۴.