ضمان منافع العين المستأجرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تارة تكون
المنفعة التي يستوفيها المستأجر محلّلة واخرى محرمة، وفي المنفعة المحلّلة قد يكون متعلّق
الإجارة بالنسبة لما استوفاه المستأجر من الأقل والأكثر، وقد يكون من قبيل الضدين، فالبحث يقع في ثلاثة صور تأتي فيما يلي.
إذا كان متعلّق الإجارة بالنسبة لما استوفاه المستأجر من الأقل والأكثر- كما لو استأجر دابة للركوب إلى موضعٍ معيّن فزاد في ذلك- فقد ذهب الفقهاء إلى
ضمان المستأجر
أجرة المثل لما حصل من الزيادة مضافاً للُاجرة المسمّاة، كما أنّه يضمن
التلف أو
العيب ، وعليه دعوى
الإجماع من بعض المتقدمين،
وهو مقتضى أصالة عدم التداخل
والاحتياط ،
وتدلّ عليه أخبار الباب كصحيحة
أبي ولّاد .
هذا ولكن ذهب
ابن البراج إلى عدم لزوم شيء مع الاجرة المسمّاة حيث قال:
«إن هلكت الدابة كان لها ضامناً، ولا اجرة عليه فيما زاد بعد المكان الذي عيّنه، فإن تجاوز بالدابة المكان الذي حدّه وسلّمت كان صاحبها مخيّراً بين أن يأخذ اجرة المثل وبين أن يضمّنه قيمة ما نقص».
إلّا أنّ ذلك مبني على قاعدة الضمان بالخراج وهي غير صحيحة عندنا.
وهي ما إذا كان متعلّق الإجارة فيها بالنسبة إلى المنفعة المستوفاة من قبيل الشيء بالنسبة إلى ضدّه. فإنّ المعروف بين متقدمي الفقهاء ضمان المستأجر
لُاجرة المسمّى مع فضل قيمة المنفعة المستوفاة لو كانت أغلى من غير تفصيل بين كون المنفعة المستوفاة من نوع المعقود عليه أو غيره، بل صرّح غير واحد بالإجماع
في التعدّي عن الطريق المعيّن أو مقدار المحمول أو عينه إلى الأشق من ذلك، كما هو المصرّح به في كلمات جملة من الفقهاء.
وكذا ذهب أكثر المعلّقين على
العروة إلى ضمان اجرة المسمّى، لكن إمّا مع فضل اجرة المنفعة المستوفاة عليها،
أو مع فضلها على اجرة مثل المنفعة المعقود عليها،
أو مع فضل أعلى المنافع المتعارف عليها ولو كانت غير مستوفاة،
أو مع فضل اجرة المثل للعين بلحاظ مجموع المنفعتين عليها،
أو أنّه يضمن الأكثر من اجرة المثل للمنفعة المستوفاة واجرة المثل للمعقود عليها والاجرة المسمّاة.
وعلى أيّ حال فمستند المشهور هو أنّ الملاك في موضوع الضمان إتلاف المال أو تلفه على مالكه بيد الغير ومن دون إذنه، لا أنّ الملاك في موضوعه الملكية بمفردها، كما أنّه ليس عنوان الاستيفاء.
وحيث إنّ إحدى المنفعتين تالفة على كلّ حال عليه من قبل نفسه، فلا يكون للمالك أكثر من استحقاق واحد وضمان واحد، فإذا عيّن ذلك الضمان والاستحقاق الواحد بالعقد في المسمّى فلا موجب لضمانٍ آخر على المستأجر، إلّا إذا كان هناك
إتلاف زائد بلحاظ المالية على ما عيّن في العقد، فإنّ هذه الزيادة لم تكن تالفة على مالكها تلقاء نفسها.
ومن هنا قيل: إنّ النسبة بين المنفعتين المتضادتين في المنافع المتضادة تكون دائماً بين الأقل والأكثر (على ما يظهر من تعليقة
النائيني على
العروة الوثقى ).
إلّا أنّ في قبال ما هو المعروف هناك أقوال ثلاثة اخر:
ضمان المستأجر لُاجرة مثل المنفعة المستوفاة فقط، قال
العلّامة في بعض كلماته: «لو عدل من
الزرع إلى
الغرس تعيّن اجرة المثل».
وبمثله قال
المحقق الثاني فيما لو زرع الأضر من المعيّن
أو سلك بالدابة الأشق من الطريق المشترط، أو شرط حمل قطن فحمل بوزنه حديداً.
واختاره
السيد اليزدي في موضع من العروة فقال: «إذا حمّل الدابة أزيد من المشترط أو المقدار المتعارف مع الإطلاق ضمن تلفها أو عوارها. والظاهر ثبوت اجرة المثل لا المسمّى مع عدم التلف؛ لأنّ العقد لم يقع على هذا المقدار من الحمل.
نعم لو لم يكن ذلك على وجه التقييد ثبت عليه المسمّاة واجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة».
إلّا أنّ الظاهر أنّ هذا ليس قولًا آخر في المنافع المتضادة- وهي الصورة الثانية- وإنّما هو راجع إلى الصورة الاولى، والتي تكون نسبة المنفعة المستوفاة إلى متعلّق الإجارة نسبة الأقل إلى الأكثر خارجاً في المقدار أو في المرتبة، فالغرس والزرع والطريق الشديد والطريق السهل وحمل الحديد والقطن من ذلك ولو عرفاً.
نعم يرد الإشكال على السيد اليزدي قدس سره حيث حكم بالبطلان فيما إذا كان الحمل أو الطريق مشروطاً بعدم الزيادة على وجه التقييد، فإنّه لو اريد به أخذ قيد بشرط لا عن الزيادة مقوّماً لتلك المنفعة صح ما ذكره من عدم وقوع العقد على ما وقع من الحمل خارجاً، إلّا أنّه سوف يكون من المنافع المتضادة وقد حكم فيه باستحقاق الاجرتين معاً وإن لم يكن التقييد بهذا المعنى بل مجرد اشتراط عدم حمل الزائد استحق اجرة المسمّى أيضاً مع اجرة مثل الزيادة.
نعم قد يقال في هذه الصورة بثبوت الخيار للمؤجر أيضاً فله أخذ اجرة المثل لما وقع خارجاً وقد تكون أكثر.
ويمكن دفع إشكال التناقض عن صاحب العروة بأنّ التضاد في هذه المسألة إنّما يكون بلحاظ أخذ خصوصية ذهنية لا خارجية وهي اللابشرطية عن الزيادة، وهذا بخلاف موارد التضاد بين المنفعتين كالخياطة والكتابة أو خياطة هذا الثوب أو ذاك.
وهذا يوجب عدم تعدد المال في المقام ليقال بأنّ احدهما مضمون على المستأجر بالعقد والآخر بالاستيفاء. وهذا بخلاف مسألة المنافع المتضادة ذاتاً خارجاً.
ضمان الاجرة المسمّاة مع اجرة مثل المنفعة المستوفاة، قال السيد اليزدي:
«لو استأجر دابة لحمل متاع معيّن شخصي أو كلّي على وجه التقييد فحمّلها غير ذلك المتاع أو استعملها في الركوب لزمه الاجرة المسمّاة واجرة المثل لحمل المتاع الآخر أو للركوب»،
وتبعه عليه بعض المحققين
أيضاً، وخالفه أكثر المعلّقين على العروة كما مرّ.
وكيف كان فمستند القول باستحقاق المؤجر لكلا الاجرتين هو أنّ الاجرة المسمّاة وقعت بإزاء المنفعة المعقود عليها بنفس العقد المفروض وقوعه صحيحاً- وتفويت المستأجر للمنفعة لا يوجب سقوط الاجرة المسمّاة- كما أنّ اجرة المثل تثبت ازاء استيفاء المنفعة الاخرى التي هي أيضاً مال محترم بالنسبة للمؤجر، ومال المسلم لا يذهب هدراً.
وهذا ما يمكن الاستئناس له بصحيحة
أبي ولّاد المصرّح فيها بضمان المنافع المستوفاة، وإن كانت ساكتة عن ثبوت اجرة المثل، فما يظهر أنّ استحقاقه لها كأنّه أمر مفروغ عنه.
هذا بناءً على إمكان ملكية المنافع المتضادة في عرض واحد. وأمّا بناءً على عدمه فقد يوجّه الحكم- كما في العروة
- بأنّ المستأجر بتفويته على نفسه المنفعة واستعماله للعين في غير ما يستحق كأنّه قد حصل له منفعة اخرى.
وهو عدم ضمان المستأجر سوى الاجرة المسمّاة فقط، قال
السيد الحكيم :
«إذا استأجرها- أي الدابة- لحمل المتاع مسافة معيّنة فركبها أو بالعكس لزمته الاجرة المسمّاة، وفي ثبوت غيرها إشكال، وكذا الحكم في أمثاله مما كانت فيه المنفعة المستوفاة مضادة للمنفعة المقصودة بالإجارة، بلا فرق بين الإجارة الواقعة على الأعيان كالدار والدابة، والإجارة الواقعة على الأعمال، كما إذا استأجره للكتابة فاستعمله في الخياطة».
والمستند فيه أنّ ما هو مملوك في المنافع المتضادة خصوص ما عيّنه المالك، وأمّا ما استوفاه المستأجر فكما لا يكون مملوكاً للمالك كذلك لا يكون مضموناً.
لو آجر المالك سفينته لحمل
الخلّ - مثلًا- فحمّلها المستأجر
خمراً فلا بد من القول بضمان الاجرة المسمّاة مع فضل قيمة مثل المستوفاة،
هذا على المشهور.
أمّا على القول بضمان كلتا الاجرتين لو كانت المنفعة محلّلة فإنّه يلزم على المستأجر أيضاً أن يضمن كلتا الاجرتين هنا،
إلّا أنّه ذهب السيد اليزدي
هنا إلى استحقاق المالك الاجرة المسمّاة فقط دون اجرة المثل لحمل الخمر، وتبعه عليه بعض المحققين.
وقد استدل على مدعاه بقوله: «لأنّ أخذ الاجرة عليه حرام، فليست هذه المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخياطة فاستعمله المستأجر في الكتابة.
لا يقال: فعلى هذا إذا غصب السفينة وحملها خمراً كان اللازم عدم استحقاق المالك اجرة المثل؛ لأنّ اجرة حمل الخمر حرام.
لأنّا نقول: إنّما يستحق المالك اجرة المثل للمنافع المحلّلة الفائتة في هذه المدة وفي المسألة المفروضة لم يفوّت على المؤجر منفعة؛ لأنّه أعطاه الاجرة المسماة لحمل الخلّ بالفرض».
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۲۴۶-۲۵۱.