عدم الاشتراط المنافي لعقد الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ومن شرائط صحة عقد
الإجارة عدم تقيد
الصيغة بشرطٍ ينافي ما شرّع العقد لأجله كجواز
الانتفاع وملكية العوضين، وقد ذكر
الفقهاء الشروط التي وقع الكلام في مخالفتها لمقتضى
العقد ، وهي:
إنّ لشرط عدم دفع
الاجرة فرضين، فتارة يشترط عدم الاجرة من دون تقييد للعقد بصورة التخلّف عمّا وقع عليه العقد، واخرى يفرض تقييد عدم الاجرة بصورة التخلّف عمّا اشترط في العقد أو عن المعقود عليه.
هو الشرط المنافي لحقيقة الإجارة؛
لاستحالة تحققها بلا اجرة، بل لا يمكن تصوّر القصد الجدي فيها بهذا النحو مع
الالتفات إلى حقيقتها،
وحينئذٍ ففساد الإجارة مع اشتراط عدم الاجرة إمّا يستند إلى التناقض بين العقد والشرط وإمّا إلى عدم جدية العقد.
وقد يقال بأنّ مرجع ذلك في إجارة الأعيان إلى
الإعارة بناءً على عدم اختصاصها بلفظ، بل ولا على لفظ مطلقاً، ولا شك أنّ اشتراط عدم الاجرة صريح في
الإذن في الانتفاع من غير عوضٍ باللفظ فضلًا عن القرينة، فلا يترتب عليه ثبوت اجرة،
وفي إجارة الأعمال إلى الإذن في العمل بغير اجرة كما قال
المحدث البحراني : «لقائل أن يقول انّ مرجع هذا الكلام إلى التبرّع بالعمل، فلا أثر لقبول المستأجر ولا إذنه الذي هو شرط في صحّة العقد. وأيضاً فإنّ هذا الشرط منافٍ لمقتضى معنى آجرتك كما تقدم في تعريف الإجارة... فالأظهر أنّه ليس بعقد فاسد، بل إذن في العمل بغير اجرة، وإلّا فلا معنى لهذا اللفظ، بل لا يمكن أن يتلفّظ به عالم عاقل إلّا أن يقصد التجوّز بلفظ آجرتك وإخراجه عن معناه».
إلّا أنّ هذا لو سلم عرفيّته بهذا النحو فهو خارج عن الفرض.
وهو اشتراط عدم الاجرة فيما لو خالف الشرط في العقد كما لو استأجر دابة أو شخصاً ليوصله إلى موضع معيّن في وقت معيّن، فاشترط عليه أنّه إن لم يوصله في الموعد أو المكان المقرر فلا يعطيه الاجرة- فالمشهور
بطلان العقد والشرط معاً، وثبوت اجرة المثل، بل عليه دعوى عدم الخلاف.
كما قال
المحقق النجفي : «لو شرط سقوط الاجرة إن لم يوصله فيه لم يجز وفاقاً للمشهور نقلًا وتحصيلًا؛ لكونه شرطاً منافياً لمقتضى الإجارة؛ إذ مرجعه إلى استحقاق ذلك العمل عليه بعقد الإجارة بلا اجرة، فيكون نحو قولك: آجرتك بلا اجرة، وبفساده يفسد العقد، كما هو الأصح، وإليه أشار
أبو جعفر عليه السلام في خبر
الحلبي ... وكان له حينئذٍ
اجرة المثل ؛ لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».
إلّا أنّه خالف فيه
الاسكافي فأوجب
المصالحة ،
والحلّي حيث حكم ببطلان الشرط وصحة العقد، واستحقاق الاجرة المسمّاة، وكذا الشهيد فحكم بصحتهما معاً.
واختلف المحقّقون في تحرير محل النزاع وتفسير كلام المشهور على وجوه:
فحمل تارة على فرض وقوع الإجارة على أصل العمل مع أخذ الوقت وعدم الاجرة بنحو الاشتراط، واخرى على أخذ الزمان قيداً في الإجارة، وثالثة على أخذ الوقت وعدمه مورداً للإجارة بنحو
الترديد .
الإيجار على أصل العمل مع اشتراط خصوصية في العقد ثمّ اشتراط عدم الاجرة ثانياً مع فقدها، فحكموا ببطلان الشرط والعقد معاً وثبوت اجرة المثل.
كما قال المحقق النجفي «قلت: قد عرفت أنّ ظاهر الرواية وكلام الأصحاب عدم التعدّد في مورد الإجارة وأنّ ذلك إنّما ذكر على جهة الشرطية التي لا يقتضي التعدّد، وإلّا لما صحّ لهم الحكم بالصحّة مستندين فيها إلى عموم
المؤمنون ونحوه».
واستدلّ لذلك أوّلًا- بمخالفة الشرط المذكور لمقتضى العقد الذي هو وقوع الاجرة ازاء نفس العمل مما يوجب ملكية الاجرة على كلّ تقدير سواء عمل بالشرط أم لم يعمل، فاشتراط عدم الاجرة على تقدير خاص- كما هو مفاد السالبة الجزئية- مناقض لكون الإجارة على الجامع- أي مفاد الموجبة الجزئية- ولو سرى التناقض المزبور إلى العقد أوجب بطلانه حتى على القول بعدم
إفساد الشرط الفاسد للعقد.
وثانياً: الاستدلال له بمفهوم صحيحة الحلبي وفيها: كنت قاعداً إلى قاضٍ وعنده أبو جعفر عليه السلام جالس فجاءه رجلان، فقال أحدهما: إنّي تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن فاشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا؛ لأنّها سوق أخاف أن يفوتني، فإن حبست عن ذلك حططت من
الكراء لكلّ يوم احتبسته كذا وكذا، وانّه حبسني عن ذلك اليوم كذا وكذا يوماً، فقال
القاضي : هذا شرط فاسد وفّه كراه، فلمّا قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر عليه السلام فقال:
«شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه».
فإنّ ذيلها يدلّ على فساد الشرط وبفساده يفسد العقد.
أخذ الزمان الخاص قيداً في مورد الإجارة بأن تقع الاجارة على الحصّة الخاصة. كما أنّه يمكن أخذه بنحو وحدة المطلوب واخرى بنحو تعدد المطلوب، فإن كان بالنحو الأوّل فقد يستفاد من كلام الشهيد بأنّ شرط عدم الاجرة هنا مؤكّد لمقتضى العقد، حيث قال: «إنّ قضية كلّ إجارة المنع من نقيضها فيكون قد شرط قضية العقد»،
وذكر
السيد اليزدي نحوه.
هذا مبنيّ على ما هو المعروف بين الفقهاء من بطلان الإجارة وعدم استحقاق الأجير شيئاً من الاجرة إذا لم يأت بالحصّة الخاصّة،
أمّا بناءً على القول بعدم إناطة صحّة العقد بالعمل فقد يقال: إنّ الشرط المذكور فاسد بل مفسد؛ لمنافاته لمقتضى العقد من حيث استحقاق الاجرة سواء عمل أم لا.
هذا، مضافاً إلى استلزام ذلك التعليق في العقد إذا كان المراد جعل الاجرة ازاء العمل على ذلك التقدير.
وأمّا إذا كان على نحو تعدد المطلوب- كما قيل: إنّه المتعارف في أمثال المقام؛ لعدم كون الأجير في مقام هدر أصل عمله- فحيث إنّ مقتضى القاعدة هنا تقسيط الاجرة أو ثبوت الخيار عند التخلّف
يكون اشتراط عدم الاجرة حينئذ خلاف قصد الإجارة على ذات العمل ضمناً، ولعدم المجانية فيفسد الشرط، ويستحق الأجير اجرة المثل على ذات العمل بناءً على استظهار التقسيط في أمثال المقام، بل ربّما يوجب الشرط
بطلان العقد أيضاً لو رجع إلى التناقض.
جعل كلتا الصورتين-
الإيصال في الوقت وعدمه- مورداً للإجارة مع قصد الترديد بينهما، بمعنى أن يكون العقد واحداً إلّا أنّ متعلّقه وقع مردداً بين أمرين، فيكون العقد في الحقيقة قد انحلّ إلى ايجابين عرضيين بالنسبة للعملين معاً. وهذا الفرض قد حكم فيه السيد اليزدي بالبطلان كما في سائر موارد
الجهالة والترديد نحو الخياطة الفارسية والرومية كما تقدم. ثمّ حمل كلام المشهور القائلين بالبطلان على هذا الفرض،
وفاقاً لما استظهره الشهيد الثاني وصاحب الرياض من كلامهم ومن
الرواية .
ونوقش بأنّ حمل كلام المشهور- فضلًا عن ذيل الرواية- على إرادة الترديد بين عقدين قد يكون خلاف الظاهر، فإنّ ظاهر كلماتهم مع الرواية وحدة العقد لا تعدّده أو تردده.
وقد تقدم سابقاً حكم الترديد على اختلاف المباني في المسألة، فإنّ من حكم بالصحة هناك- في باب إرجاع الإجارة إلى الإجارة على الجامع- حكم بها هنا أيضاً، ومن حكم بالبطلان هناك- للجهالة وعدم التعيين فيما لو تعلّق
العقد بأحدهما مردداً، أو لعدم القدرة على الجمع على تقدير تعلّق الإجارة بكلا العملين- حكم به هنا كذلك.
إلّا أنّه حتى مع القول بالبطلان في الإجارة المردّدة قد يقال بالصحة أيضاً، فإنّ الإجارة على العمل غير الموصل لما كانت فاسدة فالإجارة الاخرى لا محالة تكون محكومة بالصحة لسلامتها عن المزاحم.
ثمّ انّه ذكر لاشتراط عدم الاجرة في العقد فروض اخرى، كأن يكون متعلّق الإجارة واحداً، ومرجع الشرط إلى شرط الإسقاط أو السقوط بعد الثبوت؛ لعدم منافاته لمقتضى العقد سواء كان ذلك بنحو الاشتراط أو التقييد.
ثمّ بناءً على القول المشهور فالظاهر أنّ
الأجير يستحق اجرة المثل للعمل ولو كانت زائدةً على الاجرة المسمّاة، ولكن
القاضي صرّح بعدم استحقاق ما زاد عليها وقال: «إذا استأجر دابة إلى موضع معيّن على أنّه إن بلغه في يومين كان لصاحب الدابة عشرة دراهم... فإن قال له: إن زدت على اليومين لم يكن لك اجرة لم يجز ذلك وكان له اجرة مثلها لا يتجاوز به عشرة دراهم».
إذا اشترط في العقد نقص الاجرة في صورة التخلّف كما إذا استأجر شخصاً لحمل شيء إلى مكان في وقت معيّن بأُجرة معيّنة وأنّه إن لم يوصله في ذلك الوقت فله من الاجرة كذا- أي أقل مما عيّن أوّلًا- فالمشهور صحة العقد والشرط،
إلّا أنّ الظاهر من القاضي
وصريح
فخر المحققين وغيرهما بطلان العقد.
وقال الفخر: «إنّ اشتراط إسقاط (البعض) إن لم يحمله إلى الموضع المعيّن في الوقت المعيّن لا يصحّ».
ويجري فيه أيضاً الصورة المذكورة في شرط عدم الاجرة.
أمّا إذا كان متعلّق العقد ذات العمل بأن يشترط وقتاً خاصاً ثمّ يشترط نقص الاجرة مع التخلّف بنحو لا يستحق عليه مقدار النقص من الأوّل أو يشترط السقوط أو
الإسقاط بعد
الاستحقاق ؛ فتبطل الإجارة بمخالفة الشرط لمقتضى العقد؛ لأنّ اشتراط نقص جزء من الاجرة حدوثاً أو بقاءً، مخالف لوقوع الاجرة بتمامها قبال العمل المستأجر عليه، والعقد لا يمكن أن يتبدّل طرفاه بعد انعقاده.
بل ربّما يشكل أمر صحّة العقد مع الشرط من جهة تضاد قصديهما مع
الالتفات فيشك حينئذ في تمشي القصد إلى حقيقة العقد من الأوّل.
وكذا إذا كان متعلّق العقد الحصة الخاصة وقلنا بعدم إناطة صحّة العقد بالعمل بمقتضاه فيستدلّ للبطلان بتحقق المخالفة؛ إذ شرط نقص الاجرة منافٍ لما يقتضيه العقد من استحقاق كلّ الاجرة، وأنّ عدم وفاء الأجير بالعمل لا يوجب سقوط الاجرة أو نقصها.
أمّا بناءً على ما هو المعروف بين الفقهاء من بطلان عقد الإجارة مع التخلّف لا موقع لشرط نقص الاجرة؛ لأنّه بمنزلة السالبة بانتفاء الموضوع.
أمّا فيما إذا كان متعلّق العقد كلًاّ من
الإيصال في الوقت بأُجرة تامة والإيصال خارجه بأُجرة ناقصة، فالدليل على البطلان
جهالة الاجرة وتردّدها بين الأمرين.
وأمّا ما ورد في رواية
الحلبي من جواز شرط نقص الاجرة فحاول بعضهم تنزيله على
الجعالة .
لكن استشكل فيه
السيد العاملي وقال: «وهو (أي هذه الأدلّة) جيّد لو لا ما تقدم من ورود النص الصحيح أو الموثق المعتضد بما عرفت مع عدم قبوله للتأويل والتنزيل على الجعالة، على أنّ المشبّه به ليس وفاقياً، بل الخلاف فيه واقع، وأنّ الإجارة تحمل من الجهالة ما لا يحمله البيع».
ومن هنا ذهب المشهور إلى الصحة نظراً إلى عدم لزوم تهافت الشرط مع مقتضى العقد إذا كان متعلّق الإجارة ذات العمل أو الحصة الخاصة؛ إذ مرجع اشتراط الإيصال في وقت خاص إلى تقييد الإجارة بالحصة الخاصة لكن بنحو تعدّد المطلوب لا وحدة المطلوب ليلزم سقوط الاجرة مع التخلّف على المبنى المعروف عندئذ. فيكون مرجع اشتراط النقيصة- على تقدير التخلّف- إلى نفي الاجرة، وجعل تمامها ازاء الحصة الخاصة، وجعل الناقص منها ازاء ذات العمل، وليس هذا من الترديد في متعلّق الإجارة، بل لكون الشرط مبيّناً لمقصود المستأجر بأنّ له مطلوبين على نحو المجموع.
هذا مضافاً إلى عموم «المؤمنون عند شروطهم» وإلى صحيحة الحلبي المتقدمة التي أجازت هذا الشرط- «ما لم يحط بجميع كراه» -.
وقد يقال في تصحيح الشرط بأنّ مرجع هذا الاشتراط إلى اشتراط عدم اعمال
الفسخ والاقتناع عنه في قبال نقص شيء من الاجرة،
ومع فرض كون متعلّق الإجارة مردداً- كما استظهر ذلك من الرواية وكلام الأصحاب- فقد استدلّ للصحّة بحصول المقتضي نظراً إلى أنّ الإجارة مشتملة على الاجرة المعيّنة وإن تعددت واختلفت لانحصارها وتعيّنها.
المشهور بين الفقهاء عدم صحّة شرط
الضمان بنحو شرط النتيجة في إجارة الأعيان، بخلاف إجارة الأعمال.
قال
المحقق النجفي : «وفي اشتراط ضمانها من غير التعدّي والتفريط- تردد... أظهره المنع-: بل هو الأشهر بل المشهور، بل في جامع المقاصد باطل قطعاً، بل لم أجد فيه خلافاً إلّا ما يحكى عن
الأردبيلي والخراساني من الميل إلى الصحة وتبعهما في
الرياض ».
وخالفهم
السيد المرتضى وجمع من الفقهاء
كالأردبيلي والخراساني
وصاحب الرياض في إجارة الأعيان، والمحقق والشهيد الثانيين
وجملة من المتأخرين
في باب الأعمال.
واستدلّ للمشهور بامور منها: أنّ الشرط المذكور مناف لمقتضى العقد في إجارة الأعيان دون إجارة الأعمال؛ لأنّ مقتضى عقد الإجارة في الأعيان تسليط المستأجر على العين على كلّ تقدير، فإنّه لا يمكن فيه اشتراط الضمان بملاك تقييد الإذن بخصوص الحصّة من البقاء غير المقارن للتلف؛ لمنافاته مع الغرض العقدي المتوقّف على إبقاء العين تحت يد الغير على كلّ تقدير، وهذا بخلاف إجارة الأعمال فإنّ
الاستئمان فيها لا يقتضي الإذن الفعلي ببقاء العين تحت يد الأجير على كلّ حال، فيمكن تقييد
الإذن في البقاء فيه بما إذا لم يتقارن مع
التلف .
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۵۶-۶۴.