العقيقة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يستحب أن يعق عن المولود في اليوم السابع ولا تجزئ
الصدقة بثمنها ولو عجز توقع المكنة؛ ويستحب فيها شروط
الأضحية وأن تخص القابلة بالرجل والورك، ولو كانت ذمية أعطيت ثمن الربع؛ ولو لم تكن قابلة تصدقت به
الأم، ولو لم يعق الوالد استحب للولد إذا بلغ ولو مات الصبي في السابع قبل
الزوال سقطت، ولو مات بعد الزوال لم يسقط
لاستحباب؛ ويكره أن يأكل منها الوالدان، وأن يكسر شئ من عظامها، بل يفصل مفاصل الاعضاء.
وأن يُعَقّ عنه أيضاً بِذَكَر إن كان ذَكَراً، وإلاّ فأُنثى؛ للخبر
.
وليس المماثلة واجبة إجماعاً كما حكي
، وللنصوص المستفيضة، منها
الصحيح: «العقيقة في الغلام والجارية سواء»
فتأمّل.
ولا خلاف في رجحانه في الجملة، والنصوص به مستفيضة كاستفاضتها في توقيتها باليوم السابع فضلاً
، وإنّما الخلاف في
الوجوب، والأظهر الأشهر: العدم، بل كاد أن يكون إجماعاً، بل حكي صريحاً في
الخلاف؛ وهو
الحجّة فيه بعد
الأصل، مع فقد المعارض؛ إذ ليس إلاّ الأوامر في
النصوص، وهي مع قصور أسانيدها متضمّنة لكثير من الأوامر المستحبّة الموهنة لدلالة الأوامر المزبورة على الوجوب.
وأمّا النصوص المتضمّنة لإطلاق ألفاظ الوجوب عليها
، فمع تضمّن أكثرها ما ذُكِر مع قصور
السند، يزيد ضعف الاستناد عليها على ما تقدّم بضعف دلالة الوجوب على المعنى المصطلح، فلعلّ المراد به مطلق الثبوت المجامع للاستحباب.
ويقوى إرادته هنا بالشهرة وبالصحيح: «كلّ امرئ مرتهن
يوم القيامة بعقيقة، والعقيقة أوجب من الأُضحيّة»
والحال إنّ
الأُضحيّة مستحبّة عند أكثر علمائنا، بل ربما ادّعي عليه
الاتّفاق، فتأمّل.
وكيف كان، فخلاف
المرتضى والإسكافي الموجبين لها
ضعيف جدّاً، والإجماع الذي ادّعاه الأول مع وهنه باشتهار خلافه معارض بإجماع الشيخ، الذي منه أقوى كما لا يخفى.
وأمّا الاستدلال
على
الاستحباب بالموثّقين الدالّين على إجزاء الأُضحيّة عن العقيقة إذا لم يُعَقّ عنه
، فليس في محلّه؛ لاحتمال التداخل وإجزاء المستحبّ عن الواجب، كما وُجِد نظيره في كثير من الأحكام الشرعيّة، مثل:
ما قاله
الصدوق من إجزاء
غسل الجمعة عن
غسل الجنابة للصائم الناسي لها
، مع استحباب الأول عنده، كما يظهر من كلامه في
الفقيه، واعترف به المستدلّ هنا في جملة تحقيقاته ثمّة، حيث زيّف نسبة القول بالوجوب إليه هناك
.
وما قال به جماعة من إجزاء
الغسل المستحبّ عن الأغسال الواجبة وإن لم يكن نواها
، ووردت به النصوص
أيضاً كالأول.
وما قاله أكثر
الأصحاب من إجزاء
صلاة الجمعة في زمان
الغيبة عن الظهر، مع استحبابها ووجوب الثاني عندهم. ولا ينافي ذلك تسميتهم الأول بالواجب المخيّر، فإنّما هي مجاز بلا خلاف بينهم.
نعم، هما صالحان للتأييد، سيّما وإذا لم يقل بهما الموجبون، فتأمّل.
ولا تجزئ
الصدقة بثمنها مطلقاً؛ للأصل، مع خروجه عن مسمّاها، وللخبرين:
أحدهما
الحسن: ولد
لأبي جعفر (علیهالسّلام) غلامان، فأمر زيد بن عليّ أن يشتري له جزورين، فاشترى له واحدة وعسرت عليه الأُخرى، فقال لأبي جعفر (علیهالسّلام): قد عسرت عليّ الأُخرى، فيصدّق بثمنها؟ فقال: «لا، اطلبها حتى تقدر عليها، فإنّ
الله عزّ وجلّ يحبّ إهراق الدماء
وإطعام الطعام»
.
و يستفاد منه أنّه لو عجز عنها توقّع المكنة وإطلاقه يشمل استحبابها وعدم سقوط استحبابه ولو إلى ما بعد
البلوغ.
مضافاً إلى خصوص بعض الأخبار: فقال عمر بن يزيد لمولانا
الصادق (علیهالسّلام): إنّي والله ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا، فأمره فعقّ عن نفسه وهو شيخ، وقال: «كلّ امرئ مرتهن بعقيقته، والعقيقة أوجب من الأُضحيّة»
.
وفي
المضمر: «إذا ضُحّي عنه أو قد ضحّى الولد عن نفسه أجزأه عن عقيقته»
.
وأمّا الخبر: «إذا جازت سبعة أيّام فلا عقيقة له»
فمحمول على انتفاء الفضل الزماني دون الفعلي جمعاً.
ويستحبّ فيها شروط الأُضحيّة من كونها سليمة من العيوب سمينة؛ للخبر: «يذبح عنه كبش، فإن لم يوجد كبش أجزأه ما يجزئ في الأُضحيّة، وإلاّ فحَمَل أعظم ما يكون من حُملان السنة»
(الحَمَل : ولد الضائنة في السنة الأُولى ، والجمع : حُملان
).
وأمّا النصوص بأنّها ليست كالأُضحيّة وفيها الصحيح وغيره من المعتبرة
فمحمولة على حال الضرورة، أو نفي الوجوب والشرطيّة، كما في الأُضحيّة، فليست لما مضى بمنافية. فمناقشة بعض الأجلّة في استحباب الشروط هنا كما في الأُضحيّة للأخبار المذكورة
، واهية.
وأن يخصّ
القابلة بالرجل والورك، كما في النصوص
، وفي بعضها: «تعطى الربع»
قيل: هو يوافق الرجل والورك غالباً
، وفي آخر: «الثلث»
والجمع بتفاوت مراتب الفضل ممكن، وإن كان الأخذ بما اشتهر بين الأصحاب وهو الأول أجود.
ولو كانت القابلة ذمّية لا تأكل ذبيحة
المسلم أعطيت ثمن الربع للموثّق: «وإن كانت القابلة يهوديّة لا تأكل من ذبيحة المسلمين، أُعطيت قيمة ربع الكبش»
وخُصّت اليهوديّة بالذكر لأكل
النصارى وكذا
المجوس ذبائحنا.
ولو لم تكن ثمّة قابلة، تصدّقت به أي بالربع
الأُمّ إلى من شاءت من فقير أو غني؛ لعموم
الموثّق: «وإن لم تكن قابلة فلأُمّه تعطيها من شاءت»
.
وإذا لم يَعِقّ الوالد عنه استحبّ للولد أن يعقّ عن نفسه إذا بلغ وإن شاب، بلا خلاف؛ لمفهوم الموثّقين:
في أحدهما: «وإن لم يعقّ عنه حتى ضحّى فقد أجزأته الأُضحيّة»
ونحوه الثاني
، فتأمّل.
والأجود الاستدلال عليه بفحوى الصحيح الدالّ على استحبابها للولد مع
الشكّ في عقيقة الوالد عنه، وفيه: ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا، فأمرني فعققت عن نفسي وأنا شيخ كبير
، مضافاً إلى النصوص الدالّة بأنّ المرء مرتهن بعقيقته
.
ولو مات الصبيّ ذكراً كان أو أُنثى في اليوم السابع قبل
الزوال، سقط استحبابها ولو مات بعد الزوال لم يسقط الاستحباب بلا خلاف في الظاهر؛ للصحيح: عن مولود يولد فيموت يوم السابع، هل يعقَّ عنه؟ فقال: «إن مات قبل الظهر لم يعقَّ عنه، وإن مات بعد الظهر عقَّ عنه»
.
ويكره بل حكي قول بعدم الجواز
أن يأكل منها الوالدان بل ومن في عيالهما،
والكراهة في الأُمّ أشدّ؛ للنصوص: منها: «لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة»
. وفي الرضوي: «ولا يأكل منه الأبوان»
.
وفي ذيل الأول ما يدلّ على جواز أكل من عدا الامّ وشدّة كراهته فيها، ونحوه في الأول نصوص كثيرة:
منها الخبر: «إذا ولد لك غلام أو جارية فعقَّ عنه يوم السابع شاة أو جزوراً، وكل منها وأطعم»
. وفي آخر في عقيقة
الرسول (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) عن
الحسنين (علیهماالسّلام) قال: «وعقّ عنهما شاةً شاة، وبعثوا برجل إلى القابلة، ونظروا ما غيره فأكلوا منه»
وقريب منهما آخر
. وبهما مع الأصل، وضعف النصوص المانعة يدفع القول بالحرمة.
ونحوه في الثاني الحسن: «لا تطعم الامّ منها شيئاً»
.
والمرسل: «لا تأكل المرأة من عقيقة ولدها»
. وفي الرضويّ «ولا يأكل منها الأبوان، وإن أكلت منه الامّ فلا ترضعه»
ويستفاد منه كراهة
الإرضاع مع أكلها منها، وبه صرّح الصدوق في الفقيه
، ولا بأس بها وإن لم يذكره غيره.
وأن يُكسَر شيء من عظامها، بل يفصل مفاصل بلا خلاف؛ للنصوص:
منها: «ولا تكسر العظم»
.
ومنها: «واقطع العقيقة جداول، وادع عليها رهطاً من المسلمين»
.
وليس بمحظور إجماعاً؛ للأصل، وضعف النصوص المانعة، وصريح الموثّق بالجواز: عن العقيقة إذا ذبحت، هل يكسر عظمها؟ قال: «نعم»
.
ثم إنّ ما اشتهر في أمثال زماننا بين الناس من استحباب دفن العظام، بل ولفّها في خرقة، فلم نقف في النصوص على كثرتها وكذا أقوال الفقهاء على ما يدلّ عليه، ولا بأس به ما لم يقصد الشرعيّة، ومعه فيمكن
التحريم والإباحة؛ بناءً على احتمال دخوله في المعتبرة الدالّة على: أنّ من بلغه شيء من
الثواب، إلى آخره
؛ ولكن المتّجه حينئذٍ الاستحباب، لكنّه مشكل، والله العالم.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۱۳۶-۱۴۴.