قاعدة لاتعاد لقيود الأجزاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا إشكال في
إطلاق عقد المستثنى منه للإخلال بالقيود المعتبرة في غير الأركان مطلقاً، فلا تجب
الإعادة بالإخلال بها سهواً، سواء كان بالنقيصة أو بالزيادة.
وأمّا ما كان منها معتبراً في الأركان فإذا كان ما يعتبر فيه غير دخيل في صحّة ذلك الركن، أي كان من قبيل الواجب في ضمنه كالذكر حال الركوع والسجود أو
الطمأنينة حال الذكر، فهذا بحسب الحقيقة ليس شرطاً للركن ولا جزءً له، وإنّما هو ممّا يعتبر في الصلاة ولكن موضعه ومحلّه الركن، فيكون
الإخلال به لا عن عمد مشمولًا لعقد المستثنى منه في القاعدة، فلا تجب الإعادة بالإخلال به.
وأمّا ما يكون شرطاً أو مقوّماً لنفس الركن كوضع الجبهة على
الأرض في السجود أو كون موضعه ممّا يصحّ
السجود عليه، فلا يشمله عقد المستثنى منه، بل يكون مشمولًا لعقد المستثنى، فتجب الإعادة بالإخلال به ولو سهواً؛ إذ المقصود من القاعدة أنّه كلّما حفظت الصلاة من ناحية الأركان الخمسة فلا إعادة، فلابدّ من
انحفاظ الأركان الخمسة لا بمسمّياتها اللغوية، بل بما هي فرائض مأمور بها شرعاً، أي لابدّ من صحّة الصلاة من ناحيتها، فإذا كان شيء معتبراً في صحّتها وأخلّ به المكلّف ولو سهواً لم تكن محفوظة ولا الصلاة صحيحة من ناحية أمر الركن، فلا تشمله عقد المستثنى منه في القاعدة.
قال
الشيخ النائيني : «... وأمّا نسيان الشرط الركني فإن كان الشرط مقوّماً للركن كوصول
أطراف الأصابع إلى الركبة في الركوع، فحكمه حكم نسيان نفس الركوع، وإن كان غير مقوّم للركن كالطمأنينة أو وضع المساجد الستّة في السجود فبمجرّد الخروج عن الركن يفوت محلّه؛ لأنّ العود إليه يستلزم زيادة الركن وهو موجب للبطلان، فبقاء الشرط الغير المقوّم على شرطيته يوجب إعادة الصلاة فتنفى الشرطية بحديث «لا تعاد»».
وقال
الشيخ كاشف الغطاء : «شرائط الركن إن كانت دخيلة في تحقّق
أصل معناه لغة أو عرفاً كانت كالركن في أحكامه، والإخلال بها إخلال به كالقيام لو قلنا بأنّه يشترط في تحقّقه عرفاً أو لغة
الانتصاب و
الاعتماد على كلا القدمين، وإن كانت شرائط شرعية كاعتبار الوصول إلى حدّ خاص في الركوع ووضع المساجد السبعة على الأرض في السجود أو وضع الجبهة فيه على أشياء مخصوصة- مثلًا وهكذا- فالظاهر عدم جريان حكمه عليها، فلو أخلّ بشيء منها ولم يذكر إلّا بعد الفراغ منه أو بعد الدخول في ركن آخر صحّت صلاته؛ لأنّ الذي يبطلها الإخلال بأصله لا بوصفه، كما يشير إليه حديث «لا تعاد»».
ويظهر هذا التفصيل من
السيّد الخوئي أيضاً في مسألة ترك الانتصاب سهواً في القيام الركني، وهو القيام المتّصل بالركوع، فإنّه ذكر أنّ هذا القيام قد ثبت عدم وجوبه مستقلّاً وإنّما اعتبر من أجل الدخل في حقيقة الركوع وتقوّمه به، ومن الظاهر أنّ الذي يتوقّف عليه مفهومه إنّما هو جامع القيام، فلا يعتبر فيه الانتصاب ولا
الاستقرار ولا
الاستقلال ؛ لعدم دخل شيء منها في مفهوم القيام. نعم، ثبت
اعتبار الانتصاب في مثل هذا القيام أيضاً بإطلاق الأدلّة كما تقدّم، فلا يجوز الإخلال به عمداً، وأمّا مع السهو فلا بأس به؛ عملًا بحديث «لا تعاد»، فلا يقدح الإخلال السهوي بشيء من هذه الامور. نعم، لو قلنا بدخلها في حقيقة القيام اتّجه
البطلان حينئذٍ؛ لأدائها إلى الإخلال بالركوع المستثنى من حديث «لا تعاد»، لكن المبنى في حيّز المنع.
وأمّا القيام حال
تكبيرة الإحرام فحيث إنّ الركن إنّما هو ذات القيام، وأمّا هذه الامور فهي واجبات في القيام ولا دخل لها في حقيقة الركن، فعليه يكون الإخلال بشيء منها سهواً مشمولًا لحديث «لا تعاد».
وقد استدلّ عليه بأنّ مقتضى عموم التعليل في الحديث: «السنّة لا تنقض الفريضة»
شمول المستثنى منه للإخلال بشرائط الركوع والسجود؛ لأنّها مجعولة بالسنّة، فجميع ما يعتبر في الركوع والسجود من الذكر والاستقرار، بل ووضع ما عدا الجبهة على الأرض ممّا علم من السنّة، داخلة في المستثنى منه ولا تنقض الصلاة بها.
ومقتضى هذا البيان
الالتزام بعدم مبطلية زيادة الركن في البحث السابق؛ لأنّ مانعية زيادته- حتى إذا كان شرطاً في صحّة الركن- غير ثابت بالسنة، مع أنّه التزم بالبطلان فيها.
واستشكل
المحقّق الهمداني في صحّة الصلاة لو كان المنسي ما اعتبره الشارع في الركوع أو السجود من عموم حديث «لا تعاد»، فإنّه قال:
استفادة عدم الإعادة بالإخلال بامور اعتبرها الشارع في السجود من عموم خبر «لا تعاد» لا يخلو من إشكال؛ لإمكان أن يكون المراد بالركوع والسجود فيها صحيحهما شرعاً لا بمجرّد مسمّاهما، فليتأمّل.
وقد يكون وجه
الإشكال ظهور أدلّة القاعدة في لزوم حفظ الصلاة من ناحية الركوع والسجود وعدم الإخلال بما فرضه اللَّه الذي لا يكون إلّابحفظ شرائط صحّة الركن أيضاً، سواء كانت دخيلة في قوامه وصدق مسمّاه أم لم تكن ولكنّها شرط فيه واقعاً وإن كشفت عنها السنّة، وليس المقصود تصحيح الصلاة بمجرّد صدق
الركوع والسجود ولو لم يكن كما أمره اللَّه تعالى، ولا أقل من
احتمال ذلك الموجب
إجمال المستثنى منه في الحديث أيضاً فلا ينعقد
الإطلاق فيه فيكون مقتضى القاعدة البطلان ولزوم
الإعادة .
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۳۰۷- ۳۰۹.